-
رضيت بالله ربا
الرضا بالله -تعالى- ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا
هو جوهر السعادة، وعنوان الفلاح،
وبه يجد العبد المؤمن حلاوة الإيمان؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً"
(رواه مسلم)؛
فللإيمان حلاوة ولذة يجده من حقَّق الرضا،
وكلما امتلأ القلب بالرضا كلما عظمت الحلاوة، وازداد الإيمان.
قال القرطبي -رحمه الله- يوضح حلاوة الإيمان:
"هي عبارة عمّا يجده المؤمن المحقق في إيمانه، المطمئن قلبه به؛
من انشراح صدره، وتنويره بمعرفة الله -تعالى-، ومعرفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-
، ومعرفة منَّة الله -تعالى- عليه في أن أنعم عليه بالإسلام،
ونظمه في سلك أمة محمد خير الأنام، وحبَّب إليه الإيمان والمؤمنين، وبغَّض إليه الكفر والكافرين، وأنجاه من قبيح أفعالهم، وركاكة أحوالهم,
وعند مطالعة هذه المنن، والوقوف على تفاصيل تلك النعم؛
تطير القلوب فرحاً وسروراً، وتمتلئ إشراقاً ونوراً،
فيا لها من حلاوة ما ألذها! وحالة ما أشرفها!
فإن المؤمن عند تذكُّر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِرْبٌ معلوم، وذلك بحسب ما قُسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية، والمنح الربانية".
فمن رضي بالله -تعالى- رباً لم يطلب غيره، ومن رضي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- رسولاً
لم يسلك إلا ما يُوافق شريعته، ومن كان كذلك خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه.
الرضا عام وخاص؛
فالرضا العام:
أن لا يتخذ غير الله -تعالى- رباً، ولا غير دين الإسلام ديناً، ولا غير محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً،
وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم؛ إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا.
وأما الرضا الخاص:
فهو الذي تكلم فيه أرباب القلوب، وأصحاب السلوك،
ويحققه العبد إذا لم يكن في قلبه غير الله -تعالى-، ولم يكن له همّ إلا مرضاته، فيخالف هواه طاعة لله -سبحانه-.
وقد ذكر المحققون أن الرضا أعلى منازل التوكل؛
فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض لله -تعالى- حصل له الرضا ولا بد،
فمن رضي عن ربه رضي الله عنه،
بل إن رضا العبد عن الله ما هو إلا نتائج رضا الله عنه,
قال -سبحانه-: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
ولذا كان الرضا باب الله الأعظم، وفيه جماع الخير؛
كما كتب عمر بن الخطاب لأبي موسى -رضي الله عنهما- يقول: "إن الخير كله في الرضا".
إن من رضي بالله -تعالى- رباً وجد الراحة في الطاعة، واللذة في البعد عن المعصية؛
ومن كان كذلك فلن يجد مشقة في أداء الفرائض، والمحافظة على النوافل، وكثرة التطوع والذكر؛
لأن لذته في ذلك، ولن يعسر عليه ترك المعاصي والمحرمات، والبعد عنها،
وإنكار قلبه لها؛ لأنها تفسد طعم الإيمان الذي يجده.
وسبب ذلك ما قام في قلب العبد من كمال الرضا بالله -تعالى- وبدينه وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-؛
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وفي حديث آخر: "أرحنا بالصلاة يا بلال"؛
فهو -عليه الصلاة والسلام- أكمل الناس رضا عن الله -تعالى-،
ولأجل ذلك كان يستروح بالصلاة، وجعلت قرة عينه فيها،
فكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام، ولا يحس بذلك؛
لما يجد من لذة في مناجاة الرب -جل جلاله-.
ولأهمية هذا الرضا واحتياج المسلم إلى تأكيده وتذكره على الدوام رُبط بالنداء إلى الصلاة المفروضة خمس مرات في اليوم والليلة؛ فشُرِع للمسلم عقب إعلان المؤذن دخول وقت الصلاة أن يقول من جملة ما يقول في الأذكار عقب الأذان:
"رضيت بالله، رباً وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً"؛
فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما جاء في صحيح مسلم.
وشرع للمسلم -أيضاً- أن يفتتح صباحه ومساءه بهذا الذكر العظيم؛
فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من عبد يقول حين يمسي وحين يصبح: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة"(الترمذي وابن ماجه).
إن الرضا بالله -تعالى- رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً- يثمر ثمرات
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"رِضاه عن ربِّه -سبحانه- في جميع الحالات يُثمر رِضا ربِّه عنه؛ فإذا رَضِي عنه بالقليل من الرِّزق، رضي ربُّه عنه بالقليلِ من العمَل، وإذا رضِي عنه في جميعِ الحالات واستوَت عنده، وجَدَه أَسرع شيء إلى رِضاه إذا ترضَّاه وتملَّقه".
ولذلك انظرْ للمُخلصيِن مع قِلَّةِ عملهِم, كيف رضي اللهُ سعيهم؛ لأنهمْ رضُوا عنهُ ورضي عنهمْ, بخلافِ المنافقين, فإنَّ الله ردَّ عملهم قليلهُ وكثيرهُ؛ لأنهمِ (كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 9], وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"(الترمذي).
ومن ثمراته:
انشراح الصدر وحلاوة الإيمان التي يمتلئ به قلبه، وبما يحصل له من تفريج الكروب، وزوال الهموم، والإمامة في الدين؛
والرضا يثمر الشكر والذي هو من أعلى مقامات الإيمان؛ فإنّ غاية المنازل شكر المولى، ولا يشكر الله من لا يرضى بمواهبه وأحكامه، وصّنعه وتدبيره، وأخذه وعطائه؛ فالشاكر أنعم الناس بالاً، وأحسنهم حالاً.
ومن أعظم ثمراته:
القناعة؛ فمنْ ملأ قلبه من الرضا ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً, وفرَّغ قلبه لمحبتِه والإنابِة إليه, والتوكُّلِ عليه، ومنْ فاته حظه من الرضا امتلأ قلبُه بضد ذلك, واشتغل عما فيه سعادتُه وفلاحُه.
فالرضا يُفرغُ القلب للهِ, والسخطُ يفرغُ القلب من اللهِ, ولا عيش لساخِطٍ, ولا قرار لناقم؛ فهو في أمر مريجٍ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ, وحظهُ باخسٌ, وعطيتهُ زهيدةٌ, ومصائبهُ جمةٌ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا, وأرفع وأجلَّ, لكنّ ربه -في نظرِهِ- بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه, وأضناهُ وأرهَقَه, فكيف يأنسُ؟! وكيف يرتاح؟! وكيف يحيا؟!.
والرضا سببٌ يوجب الجنة للعبد، يقول -تعالى-:
(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[المائدة: 119], وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً، وجبت له الجنة"(رواه مسلم).
فحري بالعبد أن يقف مع نفسه وقفات، ويساءل نفسه ويراجعها عن رضاه عن الله وأقداره وتشريعاته، ورضاه عن الحلال والاكتفاء به، وبغضه للحرام والانتهاء عنه، ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل أحواله، ويرضى بالإسلام عقيدةً وشريعةً ومنهج حياة.
-
رد: رضيت بالله ربا
الرضا له أصلٌ و مراتبٌ أعلى من الأصل . .
فيجب الرضا من جهة الأصل :
( فالذي ليس عنده رضا عن الله و الدين و الشرع و الأحكام فهذا ليس بمسلمٍ ) ..
فلابد لكلِّ مسلمٍ موحّدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر من أصل الرضا
هذا لابد من وجوده ..
قال تعالى : (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ و يُسَلِّموا تسليماً )) قال صلى الله عليه و سلم :
(( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
و هذا هو الرضا (( و لو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله ..)) ..
(( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )) ..
حتى المنهيّات لابد أن نفهم ما معنى الرضا بالمنهيّات ؟!
لا يُشْرَع الرضا بالمنهيّات طبعاً ..
كما لا تُشْرَع محبتها ؛ لأن الله لا يرضاها و لا يحبها..
و الله لا يحب الفساد و لا يرضى لعباده الكفر ..
و هؤلاء المنافقين يُبَيّتون ما لا يرضى من القول ، بل اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . .
فالرضا الثابت
هو أن يرضى بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ،يرضى بما شرعه الله لعباده من تحريم حرامٍ أو إيجاب واجبٍ أو إباحة مباحٍ ، يرضى عن الله سبحانه و تعالى و يرضى عن قضائه و قدره و يحمده على كل حالٍ و يعلم أن ذلك لحكمةٍ ، و إن حصل التألم بوقوع المقدور ..
فإن قال قائل : لماذا يحمد العبدُ ربَّه على الضراء ؟ إذا مسّه الضراء ؟..
فالجواب من وجهين :
أن تعلم أن الله أحسنَ كل شيءٍ خلَقه و أتقنَه ، فأنت راضٍ عما يقع في أفعاله؛ لأن هذا من خلقه الذي خلقه ، فالله حكيم لم يفعله إلا لحكمةٍ .
أن الله أعلم بما يصلحك و ما يصلح لك من نفسك ، و اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك .
قال صلى الله عليه و سلم : (( و الذي نفسي بيده لا يقضي الله لمؤمنٍ قضاءً إلا كان خيراً له ))
و ليس ذلك إلا للمؤمن (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ))
فالمسلم في أذكار الصباح و المساء و في أذكار الأذان بعد " أشهد أن محمداً رسول الله "
الثانية يقول : (( رضيتُ بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد نبياً )) ..
رضا بربوبيته سبحانه و رضا برسوله صلى الله عليه و سلم و الانقياد و التسليم
و لذلك من حصلت له هذه الأمور الأربعة :
الرضا بربوبيته
و ألوهيته سبحانه
و الرضا برسوله و الانقياد له
و الرضا بدينه و التسليم له
فهو الصدِّيق حقاً ..
أما الرضا بالله :
فيتضمّن الرضا بمحبته وحده و الرضا بعبادته وحده أن تخافه وحده ترجوه و تتبتّل إليه و تتذلل إليه عز و جل و تؤمن بتدبيره و تحب ذلك و تفرده بالتوكل عليه و الاستعانة به و تكون راضياً عما يفعل عز و جل
فهذا رضا بالله ..
ترضى بما قدّر و حكم .. حَكَم أن الزنا حرامٌ ، و أن الربا حرامٌ ، و أن بر الوالدين واجبٌ ، و أن الزكاة فرضٌ ،
فيجب أن ترضى بحكمه ..
قدّر عليك أشياء من فقرٍ ، و ضيق حالٍ ، فيجب أن ترضى ..
الرضا بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً :
أن تؤمن به و تنقاد له و تستسلم لأمره و يكون أولى بك من نفسك ، و أنه لو كان موجوداً صلى الله عليه و سلم و وجِّهَ إليه سهمٌ وجب عليك أن تتلقاه عنه و أن تفتديه بنفسك ، و أن تموت فداءً له .
و ترضى بسنّته فلا تتحاكم إلا إليها ..
ترضى بسنّته فلا ترجع إلا إليها و لا تُحَكِّم إلا هي ..
الرضا بالإسلام ديناً :
فما في الإسلام من حكمٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فإنك ترضى عنه تماماً و ليس في نفسك أيّ حرجٍ و تُسَلِّم تسليماً كاملاً لذلك و لو خالف هواك و لو كان أكثر الناس على خلافه و لو كنتَ في غربةٍ و لو كانت عليك الأعداء مجتمعون فيجب أن ترضى بأحكام الدين و تسعى لتنفيذها و إن خالفتَ العالم ..