رد: اللغة العربية لسان وكيان
اللغة العربية لسان وكيان
أحمد محمد جمال
تآمر الأعداء على اللغة العربية
الذين كادوا للغة العربية كثيرون، من مستشرقين ومستغربين. وغايتهم من ذلك القضاء على وحدة المسلمين التي هي ثمرة التقائهم على لغةٍ واحدة هي لغة ((القرآن)) ولغة ((السنة النبوية)) ولغة التراث الحضاري الإسلامي المجيد..
من المستشرقين المتآمرين على اللغة العربية:
• القاضي الإنجليزي ((دلمور)) الذي عاش في مصر وألف سنة 1902م كتاباً سماه (لغة القاهرة) ووضع فيه قواعد اقترح اتخاذها لغة للعلم والأدب، كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية.
• وفي سنة 1926م دعا ((وليم ويلكوكس)) مهندس بالري حينذاك في مصر إلى هجر اللغة العربية، وخطا باقتراحه خطوة عملية، فترجم الإنجيل إلى ما سماه باللغة المصرية.
• وممن أعلنوا آراءهم في أهمية اللغة وأثرها في وحدة المسلمين وقوتهم:
القس زويمر ((1906م)) الذي دعا أيضاً إلى القضاء عليها تمهيداً للقضاء على الإسلام ووحدة المسلمين ومثله ((وليم جيفورد بالجراف)) الذي يقول: ((متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في قبول الحضارة المسيحية التي لم يبعده عنها إلا ((محمد وكتابه)).
• ويزعم ((ارنولد توينبي)) أن اللغة العربية لغة دينية لا تصلح إلا للطقوس والشعائر كالصلاة، وتلاوة القرآن والدعاء.
• وهناك المستشرق الألماني ((سبيتا)) الذي بدأ الدعوة إلى استعمال اللغة العامية لتحل محل العربية سنة 1880م.
الذين حطبوا في حبل أعداء الإسلام، وكالوا بصاعه فمنهم:
• عبد العزيز فهمي عضو المجمع العلمي المصري.. الذي تقدم سنة 1943م باقتراح لاستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، وشغل المجمع ببحث اقتراحه ثلاث سنوات حتى خصص المجمع جائزة مالية لمن يتقدم بأحسن اقتراح لتيسير الكتابة العربية..
• وسلامة موسى، الكاتب المصري المسيحي المعروف بعدائه للإسلام، الذي أيد اقتراح ((ولكوكس)) أن تكون هناك لغة مصرية للكتاب والتأليف، وقال: إن اللغة العربية لغة بدوية، وأنها لغة رجعية متخلفة)).
• ورفاعة الطهطاوي.. الذي دعا بعد عودته من فرنسا سنة 1285هـ إلى استعمال اللغة العامية وتصنيف الكتب بها. ومثله الدكتور لويس عوض الكاتب المصري.
• وكذلك سعيد عقل الكاتب اللبناني.. دعا إلى استخدام اللغة العامية، وكتابتها بالحروف اللاتينية قائلاً في وقاحة عجيبة ((من أراد لغة القرآن فليذهب إلى أرض القرآن)).
• وأحمد لطفي السيد – من مصر – دعا إلى التسامح في قبول المسميات الأجنبية، وإدخالها في اللغة العربية، زاعماً أن استعمال المفردات العامية وتراكيبها: إحياء للغة الكلام والخطاب، وأننا بذلك نجعل العامة يتابعون كتابة الخاصة، وخطبهم وأحاديثهم.
ولئلا نطيل نحيل القارئ إلى كتاب ((الاتجاهات الوطنية)) للدكتور محمد حسين – وكتاب ((أباطيل وأسمار)) للأستاذ محمود محمد شاكر[1] - وكتاب ((تاريخ الدعوة إلى اللغة العامية)) للدكتورة نفوسة زكريا سعيد – وكتاب ((التبشير والاستعمار)) للأستاذين عمر فروخ ومصطفى الخالدي..
وفي عام 1393هـ ((1973م)) انعقد في برمانا في لبنان مؤتمر ضم عدداً من أساتذة الجامعات في أمريكا وأوروبا والبلاد العربية. وبحث فيه اقتراح فرنسي قدمه جاك بيول، وأندريه رومان، ورولان مانيه.. بإيجاد لغة عربية جديدة تكون مفرداتها هي المفردات الأكثر تداولاً بين الناطقين بالضاد.. أي استعمال اللهجات العامية الدارجة، وذلك بحجة أن ((الاستعمال هو السيد الذي يفرض نفسه)).
وهكذا يتكرر الزعم الفاسق بأن الفصحى لا تستجيب للحضارة الحديثة، ولا تستوعبها، وأنها عسيرة على الذين يتعلمونها، ولابد من استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، وكتابتها باللهجات العامية الدارجة.. وقد قام فريق من الأدباء العرب بتأليف الكتب، ونظم الأشعار، وكتابة القصص باللهجات العامية تطبيقاً لهذه الدعوة الماكرة، ومظاهرها لدعاتها الكائدين للإسلام والعربية، ومحاولة لإقناع الجماهير بأن اصطناع اللغة العامية في الأدب العربي والصحافة العربية.. إنما هو اعتراف بحقها – أي الجماهير – في العلم والفهم، وفي التأثر بالرأي العام والتأثير فيه.
والدعاة الآخرون إلى الشعر الحر، والشعر المرسل.. المنتقدون لقواعد القصيد العربي، ونظام الوزن والقافية – ليسوا بعيدين عن ميدان التآمر على اللغة العربية وبلاغتها المؤثرة، وأدبها الممتع.
وليس أدل على خطأ هذه الدعوات والمحاولات، وخداع حملتها وافترائهم وزورهم، من الحقائق والتجارب العلمية والتربوية التالية:
أولاً:
أن ما تُتهم به العربية من تقصير ليس في ذاتها، وإنما التقصير الحقيقي هو في نفر من المدرسين الذين يتولون تدريسها للطلاب في المعاهد والكليات، ويؤلِّفون فيها كتبهم ومراجعهم (كما يقول الدكتور عمر فروخ).
ثانياً:
أن أحد أسباب الصعوبة التي يجدها الأطفال في تعلم اللغة العربية: هو فرض لغة أجنبية عليه في المدرسة في سن مبكرة، وأن ازدواجية اللغة في هذه السن الباكرة هي الخطر الحقيقي الذي تتجنبه كل دول العالم. فاللغة الأجنبية يمكن تعلمها عند الحاجة إليها في ثلاثة شهور، كما يقول أحد رجال التربية في لبنان ((في مجلة الحوادث عام 1973م)).
ثالثاً:
أن اللغة العربية حفظت التراث العالمي، والعلمي بالذات، واستوعبتهما قروناً طويلة من الزمن، فكيف تعجز الآن عن القيام بنفس الدور؟
رابعاً:
إن ثمة مصاعب تواجه كل لغة في العالم، وثمة طرق وأساليب للتغلب على تلك المصاعب، أهمها: بالتأكيد تطوير طرق تدريس اللغة وتعلمها.
خامساً:
يقول الكاتب الإنجليزي ((هكسلي)): "إن كتابة العلوم والآداب باللغة العامة يضعف المواهب العلمية، ويقضي على ملكة الإنشاء الفصحى. لذلك ينبغي أن نرقى بعقول العامة إلى فهم لغة العلم والأدب العالية.. لا أن ننزل بالعلماء والأدباء إلى مستوى العامة".
ومع يقيننا الثابت بخسران هذه المحاولة اللئيمة في معركتها الفاشلة ضد اللغة العربية، لغة القرآن ولغة الدين الإسلامي، خسرانها اليوم وغداً كما خسرت بالأمس القريب والبعيد، إلا أننا لا نجد بُداً من وقفة قصيرة، نَرُدُ فيها الشبهة التي يختلقها الدعاة المتآمرون، حول مقدرة اللغة العربية وكفايتها وبلاغتها، وتفضح – إلى جانب ذلك – ما تقتضيه دعوتهم المنكرة من تخريب للْمجد الأدبي العربي، وتذويبٍ للشخصية العربية الأصيلة لغةً وأدباً وتأريخاً وحضارةً.
إن الدفاع عن اللغة العربية الفصحى: هو دفاع عن القرآن، وعن الدين الإسلامي: قُرآنه، وحديثِ رسوله، وتاريخِه، وتراثِه الفقهي، وذخائرِه الفكرية والأدبية الخالدة الماجدة..
واللغة العربية التي حملت هذا الميراث الضخم الفخم المتطاول على الزمن من حضارة الإسلام الدينية والفكرية والعلمية منذ أربعة عشر قرناً – لا يعجزها بل لم يعجزها فعلاً أن تمضي في رسالتها البيانية والتاريخية وإلى الأبد الأبيد.
أما أنها عسيرة على الذين يتعلمونها، فهذا شأن كل لغة أجنبية يتعلّمُها من هو من غير أهلها. فاللغة الانجليزية أو الفرنسية – مثلاً – عسيرة على الذين يتعلمونها من العرب لكثرة ما فيها من شواذّ في القاعدة، والنطق، والكتابة.. وهو ما لا يوجد في العربية مثيله أو نظيره.
أمّا عواقب التذويب والتخريب، التي يقتضيها استعمال اللغة العامية في كل قطر عربي، بديلاً عن اللغة الفصحى – فيأتي في مقدمتها الانفصال التام بين شعوب البلاد العربية، لأن كل شعب منها سيقتصر على لغته المحلية تفاهماً وتعاملاً، وتعليماً وصحافة وتأليفاً، فيتعذّر اللقاء بين الشعوب العربية على علم أو أدب أو تعامل أو فكرٍ أو عمل. وهذا ما تريده ((الصليبية الاستعمارية)) فصْماً للوحدة العربية التي وسيلتها اللسان العربي، وقوامها الدين الإسلامي.
ونقول: إن قوام الوحدة العربية: هو الدين الإسلامي، لأنه لا يمكن فصل الإسلام عن اللغة العربية ولا عن الأمّة العربية التي اعزها الله بالإسلام، والتي لا يمكن أن تحيا مجيدة سعيدة إلا في ظله الكريم العزيز.
ومن عواقب التخريب والتذويب، لهذه المؤامرة الماكرة الخاسرة: إهمال جميع الكتب العربية القديمة والحديثة – المؤلّفة بالفصحى بما في ذلك مراجع العقيدة والشريعة، وعلى رأسها القرآن والسنة، والقيام – من جديد – بوضع كتب باللغة العامية أو بالحرف اللاتيني، والتدريس في المدارس والمعاهد والكليات، على الطريقة الجديدة، بعد إلغاء المناهج الحالية، وتخريج معلمين ومدرسين على النظام العامي أو النظام اللاتيني!!
وبعد فإن اللغة العربية التي وسعت كتاب الله (لفظاً وغاية)) كما قال ((حافظ إبراهيم)) وسعت حضارة الإسلام أربعة عشر قرناً: علماً وأدباً وفكراً وتأريخاً، واستطاع علماء العرب ومفكروهم ومترجموهم – قديماً – أن يستولدوها كلمات ومعاني جديدة من لغات أخرى، عن طريق التعريب والاشتقاق.
.. هذه اللغة الولود الودود، الغنية السخية ليست عاجزة عن مسايرة ركب العلم الحديث، وإنما أبناؤها العاقون هم العاجزون. وهم الذين يخربون بيوتهم بأيديهم، ويطفئون نور حضارتهم بأفواههم، ويطمسون معالم شخصيتهم العربية الإسلامية الأصيلة بآرائهم المنحرفة.
إلا أن المتآمرين على الإسلام، ولغته، وتراثه الحضاري المجيد الرشيد: هم الخاسرون...
ـــــــــــــــ ـــــــ
[1] في الأصل (محمد محمود شاكر).