ذكرياتي مع شيخنا محمد زحل
عرفت الشيخ محمد زحل قبل خمسة وعشرين عاما،كان والدي يصحبني معه إلى ذاك المسجد بطريق مديونة،قبل أن ينتقل الشيخ إلى مسجد الشهداء،حيث اشتهر بخطبه النارية،فقد كان خطيبا مصقعا،ذا فصاحة وبيان،وقوة في العرض،وحماسة في الطرح.
حضرت له بنفس المسجد دروس التفسير والحديث،وكان الشيخ من رواد نشر السنة في ذلك الوقت ،إلى جانب جمع من العلماء الأخيار،الذين قادوا الصحوة في البيضاء أيام الثمانينات الميلادية،كنت معجبا جدا بجرأة الشيخ وشجاعته،لازلت أذكر استنكاره على الدولة اعتقال الشيخ عبد السلام ياسين،على منبر الخطبة،رغم أنه يخالفه في كثير من المسائل العقدية والمنهجية،وأذكر احتفاء مجلة المجتمع الكويتية بهذا الأمر،لا زلت أذكر دعوته إلى توحيد الصيام بين دول المسلمين،بل ودعوة المغاربة إلى الأخذ برؤية المشارقة ولو أدى ذلك إلى الصيام قبل المغاربة بيوم،والإفطار قبلهم،وذلك في خطبة جمعة خطبها دون مكبر الصوت،وشاع أن البعض قطع الصوت عمدا.
من حسن حظي أني عشت مع الشيخ مخيمين صيفين،أولهما بمنطقة الولجة بين الرباط وسلا،كان الشيخ هو المشرف على المخيم،ويؤمنا في الصلوات،ويوجهنا ويربينا على حسن الخلق والأدب،ويلقننا بعض الفوائد،وكان يزورنا جملة من المشايخ ،كالقاضي برهون الشيخ المعروف،والأستا ذ العياشي _رحمه الله_ الذي مات في حادثة سير بالمدينة المنورة،وكان برفقة الشيخ زحل،وغيرهما من المشايخ والدعاة،وقد اختتم المخيم بحفل بهيج نلت فيه جائزة تجويد القرآن الكريم.
المخيم الثاني كان بالمنطقة الشاطئية بين البيضاء والجديدة,وكان بعد الأول بعشر سنوات،حيث أصبحنا شبابا كبارا،وكنت مكلفا بقراءة فقرات من كتاب "مشارع الأشواق" لا بن النحاس الدمياطي.
من ذكرياتي مع الشيخ أيام الثمانينات الميلادية إصداره لمجلة "الفرقان"،وكان الشيخ يمدني بمئات النسخ أتولى بيعها تطوعا أمام أبواب المساجد،وكان الشيخ هو صاحب فكرة المجلة والمسئوول عنها ومديرها،قبل أن يزاح عنها شيئا فشيئا إلى أن آل الأمر بها إلى جماعة التوحيد والإصلاح.
من ذكرياتي معه أن مراسل مجلة "العالم' التي كانت تصدر بلندن حضرالمغرب ليعد تقريرا عن كيفية قضاء الناس لشهر رمضان بهذا البلد،فأحضره الشيخ إلى بيتنا ليصورني ويمثل بي على اعتناء المغاربة بتحفيظ أبنائهم كتاب الله تعالى،خاصة أني كنت أحفظه وأنا صغير،وفعلا صورني المراسل،وأذكر ان الشيخ مازحه قائلا:لولا أن يقال الشيخ زحل تشيع لتصورت معه،في إشارة منه إلى علاقة المجلة بإيران.
وقد حزنت كثيرا لما قام وزير الأوقاف المغربي السابق عبد الكبير العلوي المدغري بتوقيف جماعة من خطباء السنة دفعة واحدة،ومنعهم من الخطابة والتدريس،وكان على رأسهم شيخنا محمد زحل ومعه القاضي برهون وإدريس الجاي و غيرهم ،وقد استمر التوقيف ما يقارب عشر سنوات،قبل أن يعود الشيخ للتدريس بمسجد عين الشق الكبير،ليتم التفسير وشرح صحيح البخاري.
وقد كنت كثير الزيارة للشيخ بمكتبته المعروفة "مكتبة شيخ الإسلام بن تيمية"،وكان يمدني بفوائد علمية وتاريخية،ويحكي لي بعض ماضيه مع تنظيم الشبيبة الإسلامية،وكان يسمي عبد الكريم مطيع زعيم التنظيم بالسامري،وكان سيء الرأي فيه.
كما أنني زرته ببيته بحي ليساسفة بالبيضاء،ودعاني لحضور حفل زفاف ابنته،وكان حفلا عظيما،حضره عشرات المشايخ والدعاة والرموز،كما أنه دعاني لحضور زفاف ابنه معاذ،وكانت الأيام قد فرقت بيني وبينه حتى التقيته بالمدينة المنورة،حيث حضر لتسجيل ابنه معاذ بالجامعة الإسلامية.
يذكر أن الشيخ من أهل حاحا،منطقة أمازيغية بين الصويرة واكادير،وتتلمذ كثيرا على الشيخ البشير توفيق _رحمه الله_والد الأستاذ عز الدين توفيق،قبل أن يدخل الدار البيضاء،ويلتحق بتنظيم الشبيبة الإسلامية جناح المعلمين،وبعد انفراط عقد التنظيم اشتغل بالدعوة إلى الله،والخطابة والتدريس إلى الآن.
وما أعتبه على الشيخ هو أنه على سعة علمه وقبوله عند الناس لم يتمكن من تكوين مدرسة علمية،ولا عرف له تلاميذ مشهورون نبغوا وأفادوا ،وأذاعوا علمه بين الناس.
أعتب عليه أيضا قلة بل يمكن أن اقول عدم وجود أي مؤلف له،_وخلو الموقع دليل على ذلك_، مع قوته في البيان،وسلاسة قلمه كما هو واضح في مقالاته المتناثرة هنا وهناك،ولست أدري السبب في ذلك.
أعتب عليه أيضا انعزاله عن الحياة العامة،خاصة بعد التوقيف،بحيث لا يعرف له رأي فيما ينزل بالأمة من أحداث ،وخاصة الأحداث الداخلية،وكان يمكنه_حفظه الله_التصدي للعلمانيين الذين صالوا وجالوا في البلاد،خاصة مع ما آتاه الله من قوة في الحجة وفصاحة في البيان.
حفظ الله الشيخ ونفع به .
رد: ذكرياتي مع شيخنا محمد زحل
أشكرك شيخ أبا عائشة على تعريفك بالشيخ محمد زحل، وكم نحن بحاجة إلى معرفة مشايخ المغرب الإسلامي لبعدنا الجغرافي.
رد: ذكرياتي مع شيخنا محمد زحل
بارك الله فيك اخي الفاضل ...
وللأسف انا من أهل البيضاء ولم يسبق لي لقيا هذا الشيخ الهمام ،
ولمجلة البيان لقاء ماتع مع الشيخ زحل -حفظه الله-.
رد: ذكرياتي مع شيخنا محمد زحل
الشيخ زحل حفظه الله من الشيوخ العظماء ولكن المغاربة لا يفعلون كما المشارقة الذين يتيحون الفرص لعلمائهم في المنابر والفضائيات وإحداث المواقع مستعينين بعد الله بالوضع المادي الذي أتاح فرص النشر والتأليف والتواصل على أوسع نطاق ، هناك أيضا غلبة العلمانيةفي المغرب على المنابر بشكل عام إضافة إلى القوة التأطيرية التي يتمتعون بها .
أذكر أن بعض الخطباء رفضوا الرجوع إلى منابرهم بعدما طلب منهم ذلك وهذه حقيقة وجب ذكرها .
المطلوب من المشارقة أن يهتموا بعلماء المغرب الذين أوصلوا الإسلام إلى أوربا ذات يوم .
أما تأليف الكتب لدى العلماء فقد كان أحد اليهود الأساتذة في الكلية ينشر العديد من المؤلفات والترجمات وتبين أنه يشغل لذلك طلابه وتلاميذه وبحدد الفهارس والمواضيع ، ونحن أولى أن نهتم بعلمائنا ونكفيهم هموم المعيشة وزحام الأوقات .