-
الدين الحق
أرسل الله رسله جميعاً بالإسلام، فأمروا قومهم أن يوحدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة،
قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل:36}،
فدين الأنبياء واحد، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19}،
ولكن الاختلاف بينهم في الشريعة والأحكام، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}،
وقال صلى الله عليه وسلم: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد. رواه البخاري،
وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء بتصديق النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه لو جاءهم، ولما بعثه سبحانه جعل شريعته ناسخة لما قبلها من الشرائع وأوجب على العالمين اتباعه، هذا ولم يستقم أتباع موسى وعيسى عليهما السلام على أمر ربهم، فعمد الأحبار والرهبان إلى التوراة والإنجيل فحرفوهما بما يتوافق مع أهوائهم، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ {المائدة:13}، وإلا فإن التوراة والإنجيل آمران بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته، فمن كفر بمحمد فقد كفر بالتوراة والإنجيل،
ولقد حفظ الله القرآن عن التغيير والتبديل، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، فلحفظ الله له لم يتبدل منه حرف على مرور القرون، مع شدة الحملة من الكفار على المسلمين، وغزو الصليبيين والتتار، ومحاولات الاستعمار الحديث والمستشرقين، إلا أن جميع كيدهم ذهب أدراج الرياح، وهذا من المعجزات. ولقد تحدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم البشر جميعاً بتلك المعجزة الباقية، وهي القرآن فعجزوا أن يأتوا بمثل سورة من سوره. ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق –العقيدة الصافية، فالله وحده هو المتصرف في الكون، لا شريك له في الخلق والرزق، ولا يدبر معه الأمر أحد، ولا يستحق أحد من دونه أن يعبد، كما أنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، بينما في النصرانية الرب عندهم يتزوج وينجب ( سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً )، فالإسلام يبطل عقيدة التثليث عند النصارى ويبطل ألوهية عيسى وأمه، قال تعالى: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ {المائدة:75}، فالإله لا يأكل ولا يشرب ولا يلد ولا يولد، بل هو الغني عما سواه، فكيف يكون عيسى وأمه إلهين؟.ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية، فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويستثني الميتة ولحم الخنزير ونحوهما، وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم؟ومن الأدلة كذلك على أن الإسلام هو دين الحق: موازنته بين متطلبات الروح وحاجات البدن، ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل، فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه،
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق –إعجاز القرآن– فهو مع احتوائه على أكثر من ستة آلاف آية، ومع طرقه لموضوعات متعددة، فإنك لا تجد في عباراته اختلافاً بين بعضها البعض، كما لا تجد معنى من معانيه يعارض معنى، ولا حكماً ينقض حكماً، قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}، ومن وجوه إعجاز القرآن: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت:53}، ومن أوضح ما أثبته القرآن من أن الجنين يخلق في أطوار، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة،.... إلخ ولم يقرر ذلك العلم التجريبي الحديث إلا في عصرنا الحديث، مع أن القرآن قرره قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن.ومن أوجه إعجاز القرآن كذلك، إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب، ومنها ما أخبر بوقوعه في المستقبل، كقوله تعالى: ألم* غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ {الروم}، وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ {الفتح:27}، وكذلك قص القرآن قصص أمم بائدة ليست لها آثار ولا معالم، وهذا دليل على أن هذا القرآن منزل من عند الله الذي لا تخفى عليه خافية في الحاضر والماضي والمستقبل، قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا {هود:49}، ومن وجوه إعجاز القرآن كذلك فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وقوة تأثيره، فليس فيه ما ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، وحسبنا برهاناً على ذلك شهادة الخبراء من أعدائه، واعتراف أهل البيان والبلاغة من خصومه، فلقد بهتوا أمام قوة تأثيره في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب، قال الوليد بن المغيرة وهو من ألد أعداء الرسول: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر. والحق ما شهدت به الأعداء.
الاسلام سؤال وجواب
-
رد: الدين الحق
السؤال
ما هي صفات الدين الصحيح ؟.
الجواب
الحمد لله.
كل صاحب ملة يعتقد أن ملته هي الحق , وكل أتباع دين يعتقدون أن دينهم هو الدين الأمثل والمنهج الأقوم , وحينما تسأل أتباع الأديان المحرفة أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم ؛ يحتجون بأنهم وجدوا آبائهم على طريقة , فهم على آثارهم مقتدون , ثم يذكرون حكايات وأخباراً لا يصح سندها , ولا يسلم متنها من العلل والقوادح , ويعتمدون على كتب متوارثة لا يعلم من قالها ولا من كتبها , ولا بأي لغة كتبت أول مرة ولا في أي بلد وجدت ؛ إنما هي أمشاج جمعت فعظّمت فتوارثتها الأجيال دون تحقيق علمي يحرر السند , ويضبط المتن .
وهذه الكتب المجهولة والحكايات والتقليد الأعمى لا تصلح حجة في باب الأديان والعقائد , فهل كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية صحيحة أم باطلة ؟ ...
يستحيل أن يكون الجميع على حق ؛ لأن الحق واحد لا يتعدد ويستحيل أن تكون كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية من عند الله وأنها حق , وإذا تعددت – والحق واحد – فأيها الحق ؟ إذا لا بد من ضوابط نعرف بها الدين الحق من الدين الباطل , فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق , وإذا اختلت هذه الضوابط أو واحد منها في دين علمنا أنه باطل .
الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي :
الأول : أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة مَلَك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده ؛ لأن الدين الحق هو دين الله , والله - سبحانه – هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزل إليهم , قال تعالى : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً ) سورة النساء /163 , وقال سبحانه : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) , وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة .
الثاني : أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة , وتحريم الشرك , وتحريم الوسائل المفضية إليه ؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة جميع الأنبياء والمرسلين و كل نبي قال لقومه : ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) سورة الأعراف/73 , وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء .
الثالث : أن يكون متفقاً مع الأصول الذي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده , والدعوة إلى صراطه , وتحريم الشرك , وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق , وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن , قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) سورة الأنبياء/25, وقال جل ثناؤه : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاًً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) سورة الأنعام/151 , وقال تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهةً يعبدون ) سورة الزخرف/45 .
الرابع : ألا يكون متناقضاً ولا مختلفاً بعضه مع البعض الآخر , فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر , ولا يحرم شيئاً ثم يبيح ما يماثله من غير علة , ولا يحرم أمراً أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) سورة النساء/82 .
الخامس : أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس .
السادس : أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض , سواءً أكان هذا الظلم بانتهاك الحقوق , أم بالاستبداد بالخيرات , أم بإضلال الأكابر للأصاغر , قال – تعالى – مخبراً عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام : ( ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) الأعراف/154 , وقال سبحانه مخبراً عن مبعث عيسى عليه السلام ( ولنجعله آية للناس ورحمة ) سورة مريم/21 .
وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام : ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة ) سورة هود/63 , وقال عز من قائل عن القرآن : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) سورة الإسراء/82 .
السابع : أن يتضمن الهداية إلى شرع الله , ودلالة الإنسان على مراد الله منه , وإخباره من أين أتى وإلى أين المصير ؟ قال تعالى مخبراً عن التوراة : ( إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور .. ) سورة المائدة/44 , وقال عز شأنه عن الإنجيل : ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) سورة المائدة/46 , وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) سورة التوبة/33 , والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة , حيث يدفع عنها كل وسوسة , ويجيب عن كل تساؤل , ويبين عن كل مشكل .
الثامن : أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم , وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور .
التاسع : أن يحقق السعادة لمن آمن به قال تعالى : (طه - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) طه/1-2 , وأن يكون متفقاً مع الفطرة السوية : (فِطرَة الله التي فطر الناس عليها ) الروم/30 , متفقاً مع العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله , والعقل الصحيح هو خلق الله , ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه .
العاشر : أن يدل على الحق ويحذر من الباطل , ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال , وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج , قال تعالى مخبراً عن الجن أنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض : ( يا قومنا إنِّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) سورة الأحقاف/30 , فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم قال تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) سورة طه/ 1-2 , ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) النساء/29 , ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى : ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير ) الحجرات/13 , فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله - الاسلام سؤال وجوب
-
رد: الدين الحق
الاسلام دين الفطرة
فشعائره وشرائعه لا تتعارض ولا تصطدم مع المنطق القويم والعقول السوية والفطر المستقيمة، ولو لم يكن أصحابها مسلمين.
الفطرة: (هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها وعلى محبة الخير وإيثاره وكراهية الشـر ودفعه، وفطرهم حنفاء قابلين الخير والإخلاص لله والتقرب إليه) قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] شبه الإقبال على الدين بتقويم وجهه إليه، وإقباله عليه، أي مائلاً إليه مستقيماً عليه غير ملتفت إلى غيره من الأديان الباطلة فإن من اهتم بالشيء عند عليه طرفه وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه مقبلاً عليه
الفطرة: هي: ما ركب الله في الإنسان من قوته على معرفة الإيمان،
وقال عز وجل ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ أي اتجه لهذا الدين المستقيم وتمسك به وكن مستقيماً على أمره وهذه هي ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ أي الطبيعة التي خلق الله عز وجل عليها الناس من معرفة الحق وتوجههم إليه وتمسكهم به ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ أي لا تبديل لهذه الخلقة التي خلق الناس عليها فإن الله تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة لا يولد أحد إلا على ذلك ولا تفاوت بين الناس في ذلك ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ أي هذا الذي أمرتك به هو الدين القيم أي: الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه وإلى كرامته ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ فنجد في هذه الآية أن الله عز وجل لما أمر بالتوجه لهذا الدين ومعرفته والتمسك به بين سبحانه وتعالى أن هذه هي الفطرة التي خلقها في الناس فربط سبحانه وتعالى بين الفطرة وطبيعة هذا الدين،
فالدين موافق للفطرة، والفطرة متوافقة مع هذا الدين،
لأن كلاهما من الله جل وعلا، فالذي خلق القلب وجعل فيه هذه الفطرة التي تقوده إلى معرفة الحق وقبوله هو الذي أنزل هذا الدين الذي هو دين الحق وأمرنا بقبوله وإتباعه.
وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصرانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ))
قوله: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ)) يفيد الحصر... أي أنه لا يوجد مولود على وجه الأرض منذ أن خلق الله آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة ((إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ)) ثم بعد ذلك، ((فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصرانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) أي يطمسوا هذه الفطرة التي هي الإسلام فيهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، ثم ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً لذلك فقال ((كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)) أي ما يفعله الناس من طمس الفطرة التي فطر الناس عليها عند أولادهم هو تماماً كما تلد البهيمة بهيمة كاملة صحيحة وسليمة كما خلقها الله عز وجل ثم يأتي أحد الناس فيقطع أذنها أو يبتر أنفها أو ذيلها إذاً فالإسلام هو دين الفطرة ومن خالفه فقد خالف فطرة الله التي فطر الناس عليها.