فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
(1) أولادُنا والأوامر.
أسماء محمد لبيب
بعون الله؛ ابدأ -أنا الأمة الفقيرة إلى عونه سبحانه- سلسلةً تُعنَى بتربية أطفال المسلمين؛ بنين و بنات، تلك البراعم الغضة الطرية، والقلوب النقية، والصفحات البيضاء.
هى سلسلةٌ تتخذ سبيلًا إلى صناعة أجيال النصر المرجوِّ، في مصانع رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ بنين وبنات، ليلحقوا بركب المجاهدين، حَمَلةِ أمانةِ الإسلام بحقها، ما أن يشبُّوا عن طوق كَنَفِنَا؛ ويبلغوا الحُلُمَ، فيعيدوا للأمة مجدًا، بعد تيه في غيابت الضلال والميوعة، وسنن أصحاب الأهواء، مستعينةً بمدبرِ الأمرِ؛ مفصلِ الآياتِ؛ ملهمِ الرشدِ عز وجلَّ، في تناول تفصيلات الحياة اليومية، والمواضيع الدورية؛ التي تَعْرِضٌ لنا مع أبنائنا.
لعل غرسي القليلُ ينبت أشجارًا طيبةً، بأصل ثابت، وأفرعِ في السماء، ذوات أفنانٍ رحيبةٍ، يستظل بها كلُّ باحث عن الهدى، والطيبات، والله من وراء القصد، وهو حسبي، وحولي، واعتصامي
موضوع رقم واحد: أولادُنا والأوامر.
دائمًا وأبدًا، نجد أن الأمثلة العملية الواقعية هى أكبر دعاية لأى نظرية فى الحياة، ولذلك.. أسرد لكم فى أول مقال بقلمي بين أيديكم، مجموعة من المواقف والخبرات الحقيقية؛ التي مارسناها مع فلذات أكبادنا، أنا وزوجي حفظه الله، وجعله لي خير معين، يشتد به أزري.
هم ثلاثة من الصبية؛ متفاوتة أعمارهم، هداهم الله بهدي الإسلام، وأنبتهم نباتًا نفرح بثمره يوم الجزاء، آمين.
نتكلم فى هذا المقال عن شريحة عمرية ما بين الأربع سنوات، والعشر سنوات، تزيد أو تنقص تبعًا للفروق الفردية بين الأطفال، ولكن قبل سرد المواقف، لا بد من التأكيد على معنى هام، ألا وهو:
من أنجح الوسائل في سياسة أي نفس بشرية لدفعها لفعل أمر ما، والثباتِ عليه، لا سيما الأطفال؛ هي خَلْقُ الحافزِ الداخلي، الدافعِ لفعلِ هذا الأمرِ طوعًا لا كرهًا، بحيث إذا ما اختفى الأشخاص المحيطون بالشخص والداعون للأمر، بقي هذا الشخص ثابتًا راسخًا في أفعاله، لا يتأثر بفقدهم، ولا بانزوائه بعيدًا عن نظرهم، وبهذا يتحقق ليس فقط الثبات على الصالحات، بل أيضًا تخليص النية لله تعالى، فتنحصر فقط في فعل الطاعات، وترك الموبقات؛ خوفًا منه فقط سبحانه، ورجاءً فيما عنده هو فقط عز وجلَّ، و ليس امتثالًا على كُرْهٍ فرارًا من إلحاح الآَمِرين والناهِين.
ولخلق هذا الحافز نستأنس بروح الشريعة الإسلامية، وما تزخر به من وسائل شرعية حكيمة لبلوغ الغايات؛ مِن شرحٍ للصالحاتِ والطالحاتِ، وتبيانِ عاقبةِ كلٍ منها في الدنيا والآخرة، ثم التنفيرِ لا ريبَ من العواقبِ السيئة، وشحذِ الرغبةِ في الفرارِ منها على الدوام، و تزيين العواقب الحسنة وتحبيبها للنفس، وشحذِ الخشيةِ من تفويتِ مغنمها كذلك.
باختصار: شريعتنا هي دعوة دؤوبة متكررة متنوعة متجددة؛ لتطهير العقول والنفوس من الأدران الفكرية، والأهواء المهلكة، من أجل إعمال الفكر المنطقىّي النَّقِيِّ في المآلات كلها، ومن ثَمَّ اتخاذ القرار السديد الذي فيه النجاة والفلاح، وهكذا سياسة الأطفال الماهرة.
اقرأوا معي إن شئتم جانبًا من آيات تحرير الإرادة بعد شرح الخيارات بوضوح:
- {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29].
- {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11].
- {قالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]
ثم آيات تبيان العواقب والتنفير من سَيِّئِها، والتحبيب في حَسَنِها:
- {مَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ} [البقرة:256].
- {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} [محمد:38].
- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].
- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].
- {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].
- {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40].
- {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
- {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22].
- {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46].
- {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54].
وفي هَدْي خير الورَى صلى الله عليه وسلم كذلكم بحرٌ واسعٌ:
- «ما بال أقوام» (صحيح الجامع؛ برقم:4692)
«يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم تركه».
«من رغب عن سنتي فليس مني» (صحيح الجامع؛ برقم: 4946).
«هم مني و أنا منهم» (فيه ضعف؛ حديث الأشعريين).
إلى آخر ما لا يُحصِى له عددًا إلا المُحْصِي عز وجل.
باختصار...
لنا في القرآن والسُنة النبوية ما يفوق مداد البحر كلمات، تؤكد على تلكم الاستراتيجية التي سنتخذها معْلَمًا رئيسيًا على الطريق، ألا وهي:
"أي بُنِىَّ: تَعَلَّمِ الخيرَ، والشرَّ، وَافْهمِ العواقبَ جيدًا، وَاخْتَرْ لنفسك، وتحمل نتيجة اختيارك، لستُ أنا من ستحاسبك، هناك رب لهذا الكون قد قال:
- {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22].
- {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [يس:17].
- {وقُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [الأنعام:66].
لن أُكْرِهَكَ على فعل الخيرات جبرًا و قهرًا، إن استقمتَ فُزْتَ، وإن اعوججتَ هَلَكْتَ، كله لك أو عليك أنت وحدك، و لكن فقط؛ طالما أني لا زلت راعيةً لك مسؤولةً عنك أمام الله يوم الحساب إذ أنك لا زلت تحت جناحي، فلن أُمَكنك من فعل المنكرات باستخدام النعم التي أنعم الله بها علىَّ، بل أمنعك منها، ليس تحكمًا فيك، و إنما حرصًا مني على ميزاني أنا عند رب الموازين القسط رب العالمين، ويوم أن تملكَ أنت زمامَها بيديك وحدك يا بني تَتَحَمَّل الأمرَ وحدك؛ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95].
ولا يمنع هذا إطلاقًا من الحزم في مواطن الحزم، والعقاب حسب الحاجة من آن لآخر، من باب التنويع في وسائل الزجر والردع.
والهجرُ عقابٌ، والحرمانُ من المتع المحببة عقابٌ، وعدم الدعاء له عقابٌ.
لكن نتجنب الضرب والإهانة، والإفراط في التقريع والسخرية والتبكيت والدعاء عليه كوسائل للعقاب، ففي غيرها من الوسائل لمندوحة عنها بإذن الله.
والتكرار لا بد منه لجني الثمار، مع تبتل وتوسل إلى الله كل حين بهدايتهم، واعتقاد تام أنه سبحانه هو الهادي، ولستِ أنتِ بكلامكِ، ولا أفعالكِ، بل كل النتائج مرهونة بمشيئة مَن بيده الأمر كله سبحانه، وإنما هي أسباب قد تصيبُ الهدفَ، وقد تُخْطِئُهُ، وإنما الأجر على قدر المشقة، وفي النهاية؛ وكما قال الإمام ابن القيم: "وإن من الذنوب ما لا يكفره إلا الهَمَّ بالأولاد".
أترككم الآن مع بعض تلك المواقف الواقعية التي تكلمتُ عنها فى أول المقال:
* حين يتشاجر أبناؤك -كالعادة بالطبع-:
قولي لهم: "من هو البطل القوي الذي سيطرد الشيطان، ذاك الخبيث الذي يهوى الوقيعة بين المسلمين؟ من سيطرده من الغرفة شر طردة؟".
أو قولي أحيانًا أخرى: "أعوذووو .....؟" واتركيهم يكملوها بأنفسهم؛ "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، سيتسابقون على الأولى والثانية، ومن يسبق كافئيه؛ بضمة حانية، أو قبلة بين عينيه، أو دعاء جميل، أو أي حلوى يحبها، وإن فعلوها كلهم في نفس الوقت كافئيهم جميعًا بنفس القدر.
أما من يرفض؛ ويُؤْثِرُ الصمتَ، والمراقبةَ الماكرة، أو يعلنها صريحةً أنه لن يستعيذ، فقولي له: "كما تشاء يا بنىّ، فلتظلّ هكذا مصاحبًا للشيطان، ودعه يرتع بين أذنيك بالوسوسات الخبيثات حتى يجرك معه إلى النار كما يخطط و يريد".
بالتكرار مرة تلو مرة، أنتِ بذلك تحفزين ابنك؛ لتفريغ طاقة عداوته، وغضبه حين يغضب، نحو عدوه الحقيقي، وليس نحو إخوته، أو إخوانه في الإسلام بأي حال.
* حين يقوم الأخوان أو الأختان بتسميع القرآن لبعضهما البعض:
لانشغالك بأمر ما لن يفعله سواكِ مثلًا، ثم تجدينهما، وقد تعاركا، وبدأ الصياح، والتراشق بالغضب بينهما، وتعلمين أن ابنك الذي يستمع للتسميع هو المخطئ بالفعل، قولي له: "توقف! لا أريدك أن تكمل، هاتِ المصحف، أنا من سأساعد أخاك في التسميع كي أفوز بمساعدة الله وعونه لي، وأغْنَمُ أنا جبالَ الحسنات وحدي، كل حرف بعشر حسنات، لن أتركها لك"، رد فعل ابنك وقتها غالبًا سيكون كالتالي: "أفف! لا عليكِ أمي، سأكمل وأمري لله، أففف"، قطعًا لا تتركي الأمر ينتهي عند هذا الحد، أردفي القول: "بالطبع لا يا بني، من يتصدق بالصالحات ثم يؤذي الناس، ويمنُّ عليهم بها يُبْطِلُ صدقَتَهُ تمامًا كمن مرَّ عليها بممحاةٍ، فالله قال: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ} [البقرة:264]، أثقُ بأن ابنكِ سيهدأ، ويتأهب لمنع انفلات حسناته من بين يديه.
* إذا بكى ابنك أحيانًا أثناء تسميع سورة معينة صَعُبَ عليه حِفْظُها، فتجدينه وقد انتفخت أوداجه من الغيظ كمدًا من احتمال إعادة مراجعتها ثانية لتثبيتها أكثر، مما لا شك سيؤثر سلبًا على وقت اللعب الثمين، فلتأخذي منه المصحف بهدوء تام، وأنت تقولين: "لا لا لا بني، علامَ البكاء؟! هذا كلام الله حبيب القلوب، أغلق المصحف، واترك القرآن لأهل القرآن، أهلِ الله وخاصتِه، أنتَ لا تقوى على حملِه، ولله أهلٌ اصطفاهم لحمل كلامه في الصدور بدلًا منك"، سينزوي ابنك في مكانه خجلًا، و يتحفز للدفاع عن مكانه وسط أهل القرآن.
* إذا كذب ابنك، تَصَنَّعِى الاشمئزازَ والنفورَ، وقولي بتأففٍ: "أففف! ابتعد عني بسرعة"، سيسأل بالطبع: "ماذا هنالك أمى؟!"، أجيبي: "الملائكة تبتعد عن الكاذب من نتن ما قال، ونحن والملائكة نتأذى من نفس الأشياء"، ابنك سيتأثر لا ريب، وبالتكرار ستترك أثرًا بالغًا.
* حين يقترف ابنك جُرمًا أو سيئةً ما، قولي له: "بادرْ بُنَىَّ من فورك باستغفارٍ عاجلٍ؛ كي تمحو ما اقترفتَ، قبل أن يَخُطَّها المَلَكُ على شمالك، وقبل أن ينسيك الشيطان"، فإذا استغفر ولدك فقولي له: "الحمد لله حبيبي مُحِيَتْ بإذن الله، خشيتُ أن تموت قبل أن تتوب منها"، أنتِ بذلك تزرعين في وجدانه المسارعة في التوبة، والخوف من لقاء الله في أي لحظة بمعاصٍ والعياذ بالله، بالإضافة إلى عقيدة راسخة بأن الموت لا يستأذن قبل حصد الأرواح بإذن الله.
* حين يتكاسل أبناؤك عن خدمتك أو خدمة أحد، قولى بصوت مسموع: "تُرَى من هو ذاك الفتى الطيب حبيب الحسنات الذي سيفعل لي كذا وكذا؟ و سأدعو له يدخل معي قصري في الجنة بإذن الله"، عن تجربة، سيتقاتلون على برك وقتها.
* لوأن ابنك تكاسل عن الصلاة فى المسجد، قولي له: "يا للخسارة، كنتُ أتمنى لو أنكَ ضمن ضيوف الرحمن اليوم، على كل حالٍ، سيستقبل ربُنا في بيته عز وجل ضيوفًا آخرين؛ يحبهم ويحبونه، وسيكرمهم كالعادة بِكَرَمِ الكريم، لكنك بكل أسف لن تكون حاضرًا معهم، يقول ربنا: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
* إذا لاحظتِ بوادر بخلٍ على ابنكِ وشُحٍّ بما فى حوزته، علميه أن قطعة الحلوى أو اللعبة التي سيتصدق بها على إخوانه أو المساكين، إنما هي له هو بالفعل وليست لغيره، قولي له: "أي بني، أرسل حلواك أو لعبتك تلك إلى نفسك في صندوق الكنز الخاص بك في الجنة (بإذن الله ندخلها)، ادخرها هناك يا بني، حيث لن تبلى وستبلى فى الدنيا لا محالة، هناك ستجدها أكبر كثيرًا، وطعمها أحلى كثيرًا، فمن يبخل بكل هذا فإنما يبخل به عن نفسه لا غيره، كما قال ربنا، فكن ذكيًا فَطِنًا".
* بدلًا من أن تقولي له: "صلِّ الضحى"، اسأليه: "هل تصدقت عن مفاصلك اليوم يا حبيبي؟".
* بدلًا من أن تقولي له "أخرج صدقة"، اسأليه: "أأرسلت لنفسك اليوم هدية إلى الجنة يا حبيبي (بإذن الله ندخلها)؟"، أو اسأليه: "هل أطفأت غضب الله اليوم يا بني؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "قل الأذكار"، اسأليه: "حصَّنْتَ نفسك اليوم يا حبيبي من الحسد ومن الشيطان ومن الناس؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "سبِّحِ الله مائة مرة"، اسأليه: "أأعتقت المائة رقبة اليوم يا حبيبي؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "قم فصلِّ الفرض"، قولي له: "هيا بنا نشحن البطارية"، أو "هيا بنا نكلم الرحمن"، أو "هيا بنا نلبي نداء المنادي".
* بدلًا من أن تقولي له: "اجلس واقرأ كم آية تنفعك"، قولي له: "أنا ذاهبة للجلوس مع حبيبي قليلا (القرآن)، هل ترافقني؟"
* بدلًا من أن تقولي له: "اجلس في المسجد بين المغرب والعشاء"، اسأليه: "أأتممت رِباطك في سبيل الله اليوم يا حبيبي؟"
تلك بعض الأمثلة التي من السهل والله -مع الاستعانة بالله- تأصيلها كمنهج حياة يومي متكرر، نتذوق بعض ثماره في وقت قريب، ويزداد حسنه رويدًا رويدًا بالممارسة والتكرار والدعاء.
ألقاكم في مقال جديد قريبًا، ضمن هذه السلسلة، سلسلة (فن الكتابة في الصفحة البيضاء).
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
(2) أولادنا وحبُّ الصلاة
أسماء محمد لبيب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
بحول الله وقوته، تكلمنا في المقالة السابقة في ذات السلسلة عن كيفية سياسة الأطفال بشكل يجعلهم يندفعون طوعًا نحو الطاعات والفضائل دون إكراه..، وبدأنا الكلام في أول مقالة عن أولادنا والأوامر، تكلمنا فيها بشكل عام عن نماذج عملية تطبيقية لتطويع قلوب وجوارح أبنائنا لكل جميل في الحياة..
واليوم نستكمل بحول الله وقوته ذلك، ونُثَنِّي بموضوع هو ذروة سنام أمور المسلم ألا وهو "الصلاة"، كيف أجعل الصلاة قرة عين أبنائي؟ الإجابة في (أولا وثانيًا وثالثًا ورابعًا وخامسًا وأخيرًا).
- يغلب عليّ في كلامي أنه موجه للأمهات التي لديها أبناء ذكور، بحكم أن الأم هي غالبًا من تقضي معظم الوقت مع الأبناء، وبحكم أن أبنائي الثلاثة ذكور، لكن هذا لا يمنع أبدًا أن الكلام موجه ضمنيًا كذلك للوالد، فالتربية مشاركة، ولم أكن لأتمكن بعد فضل الله من أي إنجاز معهم بدون مشاركة والدهم بارك الله لنا فيه.. وهذا لا يمنع أيضًا أن الكلام موجه للبنات، باستثناء الكلام عن الصلاة في المسجد.
أولا: صلاتك أنت أيها المربي الفاضل.
لا بد أن تكون من المصلين، هذا فحسب؟!
لا، بل لا بد لصلاتك أن تكون بالهيئة التي ترغب أنت أن ترى أبناءك يؤدونها..
فإن كنتِ أيتها الأم الفاضلة تريدين أن يقف ابنك بخشوع وضراعة في صلاته، فلتقفي أنتِ أولا بخشوع وضراعة، وإن كنتَ تريد أيها الوالد من ابنك في صلاته ألا ينقر الأرض نقرًا، فلا تنقرها أنتَ أولًا، -أجل هكذا هي حياة من ينجب أطفالًا-، أنت مُرَاقَبٌ دومًا لا محالة، فانتبه وكن قدوة حسنة. فأبناؤك مرآة أفعالك لا ريب.
ثانيا: عندما تتأهبون للصلاة.
- ناد على ابنك بجمل تحرك القلوب وتأسرها في شِباكِ حُبِّ الصلاة، لا مجرد نداء جاف لا موعظة فيه: "هيا قم وصلِّ!"، سأفرد مجالاً واسعًا الآن لبعض تلك النماذج من الجمل، والتنوع بينها مطلوب لا شك لأن القلوب تمل، وكل أم تختار حسب استيعاب أبنائها سواء عقلًا أو سنًّا، فالأمر مَرَدُّه للفروق الفردية، وتكرار المعاني وتنويعها يبرمج عقول الأطفال بعون الله..
* بنيّ هَلُمَّ بنا نكلم الله (1)، * بنيّ هيا لنرتاح قليلاً بين يدي ربنا حبيب القلوب، * هيا نسكب ذنوبنا أولاً ونتخلص منها مع ماء الوضوء في (الحَوْض) كي نصير "فُل الفُل بإذن الله" أمام ملك الملوك قبل الصلاة * هل تعلم يا حبيبي أن رجال السلف الصالح كان أحدهم يتصبب عرقًا ويرتجف وهو مقبل على الصلاة، فيسألونه ما بك يا فلان؟! فيقول: "أتدرون بين يديّ من سأقف الآن؟!"
* انتبه حبيبي وركز جيدًا: هل تدري أين نحن داخلون الآن؟ نحن داخلون إلى منطقة (حرام)، أي ممنوع فيها الأكل والشرب والضحك والكلام إلا الذكر، سنقف بين يدي الله الآن، ما أن ننطق جهرًا تكبيرة الإحرام "الله كبر" وندفع الهواء بأيدينا، خلف آذنينا تخيل نفسك أنك بذلك تدفع الدنيا كلها وراء ظهرك، ثبّت بصرك على مكان السجود.. لا تلتفت يمينًا ويسارًا يا حبيبي كي لا ينصرف الله عنك (2).
* تخيل نفسك يا بني أنك تصلي أمام الكعبة مباشرة قبلة المسلمين، والله ناظر إليك، والجنة عن يمينك تتزين للمؤمنين.. وأنت واقف على الصراط الدقيق الآن تصلي وأسفل منك جهنم تكاد تميز من الغيظ، وخلفك ملك الموت ينتظر فراغك من الصلاة ليقبض روحك، والرسول صلى الله عليه وسلم يرقب صلاتك.. تخيل يا حبيبي أنها آخر صلاة لك في الدنيا، وعندما تنتهي فلتظل قلقًا وجلًا خائفًا متسائلًا "أتُراها صلاتي قُبِلَتْ أم لا؟".
* بني يا حبة الفؤاد هل تعلم ماذا تعني "الله أكبر"، تعني أن ما من شيء أقوى من الله، ولا أرحم ولا ألطف ولا أعظم ولا أوسع ولا أجود ولا أقدس ولا أعز ولا أعلم ولا أحكم ولا أعدل ولا أعلى منه سبحانه، ولا أشد منه جبروتًا وانتقامًا وبطشًا وقهرًا ونفعًا.. إلخ، فكل شيء هو سبحانه الأكبر فيه -كل شيء مما ثبت في حق ذاته عز وجل في السنة الصحيحة من أسماء-.
* حبيبي، لا تكثر الحركة في صلاتك بلا سبب، ألا تعلم ماذا قال سيدنا عمر عن الذي (يفرك) كثيرًا في صلاته؟ قال عنه: "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه"، فاحذر يا بني، إلى آخر الأمثلة الممكن إيرادها في هذا الباب والتي تحتاج لسجلات طويلة لا تتسع لها مقالة واحدة.. فأبدعي أيتها الأم وأيها الوالد بالمزيد بالاستعانة بأحاديث الصلاة وأحوال السلف فيها.
- إذا كنتم متأخرين عن الصلاة بعد الأذان: العصر على سبيل المثال- فلا تقولي لابنك: "هيا بنا سريعًا بنيّ لندرك الصلاة! فقد بقي من الوقت ربع ساعة فقط على أذان المغرب!"، بل قولي: "هيا بنا سريعًا يا بني لندرك الصلاة! لقد تأخرنا عن النداء جدًا! أرأيت كم مرَّ من الوقت على الأذان! أهكذا نضيع أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها"، الغرض من هذا هو أن تكون همته دائمًا منصبة حول "أنا متأخر أد إيه" لإحياء إحساسه بالتقصير على الدوام، ولا يكون هدفه دائمًا، "لسة قدامي وقت وفرصة أد إيه" فيركن دومًا إلى التسويف، -وبالطبع تتبعين كلامك بجملة ذكرني أن نستغفر كثيرًا أو نخرج صدقة بعد الصلاة لنمسح هذا التأخير بإذن الله-.
- لازلنا في التهيئة للصلاة: قفي أمام المرآة بجوار ابنكِ واضبطي إسدال الصلاة كما ستضبطينه لو قيل لكِ: "هيا نلتقط صورة تذكارية معًا"، وشميه جيدًا لتتفقدي نظافته، واجعلي ابنك يشم ملابسه ويتفقد نظافتها بنفسه ليعتاد على ذلك، وتعطروا بعطر مناسب للجنسين (فواكه مثلاً أو عود أو مسك) (3)، وفي يدك السواك وفي يده كذلك سواكه، وعلميه أن يقشره بنفسه مرة يوميًا، لا تقلقي سيتعلم بسهولة إن شاء الله، أو قشريه له بنفسك مرة يوميًا..
- أطفئوا أي مصدر للإزعاج وابتعدوا عن أي ملهيات، هيئوا أنفسكم للقاء الجبار الرحيم العظيم، أفهمي ولدك هذا الأمر كل مرة..
- قولي له لتعلميه تسوية الصف: "ما رأيك أن نصطف كما تصطف الملائكة؟ فلنغلق الفتحات والفرجات حتى لا تدخل الشياطين لتوسوس وتسرق من صلاتنا" (9).
- أفهميه أن أي شيء يخطر بباله ويقلق لأجله أثناء الصلاة ويصاب بالهم خوفًا على فواته، إنما هو بيد من يقف يصلي أمامه الآن، فليتوكل عليه سبحانه وليخشع، وليفرغ قلبه تمامًا من أي هم ولو بسيط: "الكرتون الذي تخشى فواته يا بني فإن الله هو من رزقك إياه، قد تهرول في صلاتك وتختلسها اختلاسًا لتلحق به ثم تجد النور قد انقطع أو الحاسوب قد تعطل!
الهاتف الذي يرن وتخشى أن يتوقف قبل أن تنهي صلاتك إنما الله هو من جعل الطالب يطلبك وجعل الهاتف يرن، قد تأكل صلاتك أكلاً لتلحق به ثم تجد الهاتف قد توقف رنينه أو "رقم غلط" وقد خسرت صلاتك! اللعبة التي تخشى نفاذها من عند البائع وتخشى أن يسبقك إليها غيرك إنما هي بيد الله سبحانه الذي تقف الآن بين يديه، سيحفظها لك إن كانت من رزقك"، إلخ، نوّعي في الأمثلة حسب اهتمامات ابنك التي تقلقه أثناء الصلاة أو تجعله يكسل عنها، وأفهميه أن المرء يبتلى ويختبر فيما أحب..
- أفهميه أن وضع أيدينا بهذه الهيئة اليمين على الشمال إنما هو أدب مع الله، فليتأدب قلبه.
- أفهميه معنى التشهد وأهميته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفيه أن رسوله علمه لسيدنا عبد الله بن مسعود وهو ممسكًا كفه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وكان يعلمه إياه كأنما يعلمه السورة من القرآن وليس مجرد كلامًا عاديًا، وأسعدي قلبه بالبشرى السارة: أنه عندما يقول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، فقد سلم على كل العباد الصالحين في الأرض (4)، سيفرح كثيرًا بذلك ويتحمس ويتربى دومًا على روح الترابط بين المسلمين ولو غيبًا..
- علميه قصة الفاتحة، وأنها مقسومة بيننا وبين ربنا عز وجل، وأن الله يرد على كل آية منها، فلينصت وليتأدب، وليتخيل الحوار في ضراعة (5)، وأفهميه معنى المغضوب عليهم ولا الضالين، فإن فهم المعاني يساعد على الخشوع.
- علميه أن يدعو في السجود بكل ما تتوق له نفسه، فهنا في السجود مقام أقرب ما يكون العبد من ربه.. وعلميه كذلك في الركوع أن يستغفر من أخطائه وزلاته مع التسبيح بالطبع..
- قصي عليه قصة خنزب، -حرامي- الصلاة الخبيث عدو الخشوع، وعلميه ماذا يصنع إذا أتاه يلبس عليه صلاته وكيف يطرده بالخشوع، حتى يعود مفلسًا لا شيء معه مسروقًا من صلاته (8).
- عرفيه أن من آخر وصايا حبيبه صلى الله عليه وسلم له ولكل المسلمين وهو على فراش الموت يتصبب عرقًا من أثر سكرات الموت كانت الصلاة، فهل يعقل أن يضيعها مسلم!
ثالثا: تسهيل الشعائر والتحميس لها
- سهلي له الصلاة بالرُّخَص وقت الرُّخَص فيحبها أكثر وأكثر، ولا تشددي عليه بلا سند شرعي وبلا إجماع، الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، الصلاة في النعال مثلاً، لا تمنعيه عنها وتقولي "لأ دي في الشارع بس!"، والمسح على الجورب مثلاً، لا تمنعيه عنه وتقولي لأ دة في البرد بس!"، بل علميه شروطهم وموانعهم وتابعيه حتى ينضبط أمره فيها وتتأكدين أنه يمسح خمس مرات فقط بعد نقض وضوئه في غير السفر، وليس يمسح 47 مرة، كذلك لا مانع من الوضوء بالماء الدافئ أحيانًا -وليس دائمًا من باب الخشونة، كما سنتناول هذا الأمر إن شاء الله لاحقًا في مقالة "أولادنا والخشونة"-.
- اسمحي له أن يصلي في المكان الذي يحبه من البيت، لا داعي لتحكمات لا مبرر لها تورث النفور من الأمر لا شك.. اجعليه يختار معكِ السور التي يحب أن يسمعها منكِ في الصلاة الجهرية -تنويه: عندما أتكلم عن صلاته معك في البيت، أقصد في مرحلة ما قبل تعويده الصلاة في المسجد، على سبيل المثال حتى سن 7 سنوات.. أو أقصد أيضًا حالات من هم أكبر من ذلك، لكن الوالد غائب عن البيت فترات معينة فلا أحد يأخذه للمسجد ليصلي-.
- شجعيه على صلاة الجماعة التي في البيت بأن تقولي له دومًا إذا كسل عنها: "معقول! أيوجد مسلم عاقل يخيروه بين أن تُكتَبَ صلاته مرة واحدة أم 27 مرة، فيختار بنفسه وبإرادته الحرة أن تُكتَبَ مرة واحدة فقط! هيا هيا يا رجل استعذ وقم إلى جواري نصلي".
- وشجعيه على صلاة الجماعة في المسجد بأن تقولي له: "حبيبي إياك أن تفوتك ضيافة الرحمن لأحبائه في بيته عز وجل، لن تجد في كرمه على الإطلاق" -كما تحدثنا في المقالة الأولى "أولادنا والأوامر"-، وأفهميه الحقائق الشرعية بلا تدليس –عذرًا- فلا تقومي بليِّ عنق النصوص أو بإخفاء خلافٍ معتبرٍ في مسألة ما لتتحكمي فيه وترغمينه على اتباع أوامرك، سيعلم الحقيقة لاحقًا ويفقد الثقة بك، أفهميه أن حكم الصلاة في المساجد فيه خلاف معتبر بين العلماء، لكن المسلم الحق متبع لكل السنن النبوية بغض النظر عن حكمها أو التشديد في أمرها..
قولي له على سبيل المثال أن المسلم يكفيه فقط أن يعرف أن ترك الرجال للصلاة في المسجد أمر يحزن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ويغضبه، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يود أن تقام الصلاة في مرة ثم يترك أحدًا مكانه في الصلاة ويذهب بنفسه ليحرق بيوت تاركي صلاة المسجد على ساكنيها، وأن المسلم الحق يكفيه فقط أن يعرف أن الناس كلها يوم القيامة خارج ظل عرش الملك عز وجل إلا سبع أصناف من البشر، من بينهم رجل قلبه معلق بالمساجد، أفهميه أن تلك الكلمات فقط كافية جدًا عند المسلم راسخ الإيمان.. -إن شاء الله في مقالة مستقلة نفرد مساحة أكبر لتجربتي أنا وزوجي مع أولادنا فيما يخص الصلاة في المسجد-.
رابعًا: داخل الصلاة.
- أتمي حركات الصلاة، أتمي القيام والركوع والسجود، واطمئني في صلاتك، «..حتى تطمئن..» (صحيح البخاري:6251)، كما جاء في الحديث.
- في الاستغفار والتسبيح أثناء الركوع، تعمدي تعلية صوتك بقدر يسير جدًا -همس مسموع لا أكثر- (6)، وحققي الحروف ببطء وسكينة حتى يتعلم ابنك عمليًا الخشوع..
- كذلك في السجود حتى يسمعك تحققين حروف التسبيح براحة ويشعر بالسكينة منبعثة من حركاتك وكلماتك، ويسمعك تهمسين بدعاء طيب، حبذا لو كان دعاء للآخرة لا الدنيا، فيتعلم منك عمليًا حمل هم الآخرة على الدوام، ولا مانع أن يسمعك في مرة تخصينه بدعوة طيبة في سجودك، على سبيل المثال: "اللهم إني أحب ابني فأحبه"، أو "اللهم ارزق ابني كل ما يتمنى من خيرات"، أو "اللهم اهد ابني ووفقه لحفظ كتابك"، إلخ.
لكن قطعًا إذا قال لك بعد الصلاة: "أماه لقد سمعتُك وأنت تدعين لي بكذا وكذا" فيجب أن تتصنعي البراءة وقتها وتقولين له على الفور: "حقا سمعتني!؟ أنا أعتذر منك بني، في المرة القادمة سأخفض صوتي أكثر لأن المصلي لا ينبغي أن يشوش على صلاة من يقف إلى جواره"، وتكون مجرد فترة تعليمية مؤقتة فقط وطريقة تضاعفين بها خشوعك أنت أيضًا إن شاء الله -عن تجربة-.
- وأفهميه أنه كلما أطال الركوع والسجود، كلما تساقطت عن عاتقه الذنوب، فإن كان قد بقي شيء من ذنوبه بعد الوضوء، فالركوع والسجود محطة ثانية يتخلص فيها تمامًا من البقية، لذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن: «الصلوات الخمس كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» (السلسلة الصحيحة:1920)، في الحديث الصحيح: «إن العبد إذا قام للصلاة أُتِيَ بذنوبه كلها على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه».
- حققي الهيئة النبوية للصلاة تمامًا، «صلوا كما رأيتموني أصلي» (صحيح الجامع:893)، -اشتروا كتيب محقق صغير عن هيئة صلاة النبي واقرأوه سويًا-.
خامسا: بعد الصلاة.
- ابتسمي ابتسامة رضا وسعادة وانشراح كبير بعد الصلاة وأنتِ لا زلتِ جالسة على الأرض في مصلاكم، وقولي: "الله على الجمال والراحة والسكينة، قلبي سعيد ومغتبط جدًا، النبي صلى الله عليه وسلم كان محقًا إذ قال أن الصلاة قرة عينه"، سيتبرمج عقله تدريجيًا بالتكرار إن شاء الله، وأنتِ كذلك..
- امكثي قليلاً على سجادتك قبل المغادرة –ولو حتى فريضة واحدة في اليوم في وقت ليس بذروة- ثم سبحي وادعي ويؤمن على دعائك، واتركيه مرة يدعو هو وتؤمنين على دعائه..
- صممي جدول أسبوعي بمواقيت الصلاة بالساعة بالضبط، وارسمي خمس خانات أمام كل فريضة..
(مثلاً: 1- النظافة والطهارة، 2- الصلاة على وقتها، 3- إتمام الحركات، 4- عدم الحركة كثيرًا، 5- سنن الصلاة قبلها وفيها وبعدها)، وكل خانة في أولئك الخمسة تأخذ نجمة لاصقة -ستيكر- ملونة بلون مختلف عن الخانات الأخرى في كل فريضة -اشتري نجوما بخمسة ألوان-، وهكذا تفعلين مع كل صلاة في اليوم والليلة لمدة أسبوع، ثم تقومون بعدّ النجوم في نهاية الأسبوع، ويرى بنفسه أكثر لون ظاهر وواضح في الجدول وأكثر لون نادر -ارتباط ذهني بالصورة هام ومفيد-.
ويظل هذا الجدول معلقًا بجوار الجدول الجديد للأسبوع الجديد، حتى يكون حافزًا له على التحسن أكثر في الألوان النادرة، وعليكي تنبيهه والتأكيد عليه دومًا أنه سيرى في صحيفته التي سيحملها بيده يوم الحساب جدولاً مشابها لهذا الجدول -حتى يتعلم الإخلاص عند إحصاء نجومه الجميلة-.
- في حالة أنه قد صلى وحده وكسل عن صلاة الجماعة، ووجدتيه يختلس صلاته ويسرع فيها ولا يتم حركاتها، أجلسيه إلى جوارك برفق ولين وقولي له: "أي بنيْ! هل تعلم ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتك؟ قال عنها "نقر كنقر الغراب"، -وارسمي علامات امتعاض على وجهك أنفةً من هذا التشبيه، ثم أكملي-، هل تدري ماذا فعل صلى الله عليه وسلم مع من صلى مثل صلاتك تلك؟ النبي جعل الرجل يعيد صلاته أكثر من مرة حتى أقامها صحيحة، ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ، لكن حاولي عدم تكرار هذا الأمر كثيرا لأن ابنكِ بالفعل لا زال في مرحلة التعليم لا التكليف، ولا نريد أن يصيبه الإحباط واليأس، حاولي أن تغضي الطرف أحيانًا كثيرة بعد التوجيه، كما لو كنتِ لا تبصرين، العبرة -كما قلنا في المقالة الأولى- بالدعاء والصبر والتكرار والرحمة.
وأخيرًا: وبشكل نمطي متكرر، وبمناسبة وبدون مناسبة:
- علميه أن أول ما سيحاسب عليه هو الصلاة، إن فسدت فسد باقي عمله ولا ينظر فيه (7).
وعلميه أن السنن الرواتب لأجل ذاته لا أحد سواه، فما ينقص من صلاته ينجبر بها برحمة الله وفضله، ومن منا كملت صلاته!
- علميه أنها عمود الخيمة ووتدها، أحضري له (ملاية) وضعي تحتها عصا منصوبة، ثم انزعي العصا ليرى بأم عينه كيف ينهار البناء بلا وتد، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وفي كل حين يضيع الصلاة ذكريه بجملة واحدة "أنت هكذا تهدُّ الخيمة كلها فوق رأسك يا مؤمن".
- علميه أن ديننا جعل الصلاة حلاً لكل المشاكل..
عندنا طلب وحاجة، هناك صلاة للحاجة.
عندنا حيرة كبيرة من أمر ما ولا نستطيع أن نحسمه أو نريد أن نطمئن لاختيارنا هناك صلاة الاستخارة.
في بلدنا كسوف ٌللشمس مقلق هناك صلاة الكسوف.
عندنا صدقات كثيرة نريد أن نؤدي حقها ولا نملك نقودًا هناك صلاة الضحى نتصدق بها عن كل مفصل في جسدنا يوميًا، في بلدنا جفاف وقحط والماء شحيح هناك صلاة الاستسقاء.
عندنا قلب متعب مرهق خائر القوى يشكو الران هناك صلاة القيام تريح الروح وتصفي النفس وتغسل القلوب.
- اجعليه يشعر بكل الفخر أن ديننا هو الدين الوحيد الذي يتصل فيه المسلمون بخالقهم خمس مرات في اليوم والليلة، ومن استزاد من السنن استزاد من النعيم، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه..
وصدق من قال: "عجبتُ لمن يبحث عن السعادة ولديه خمس صلوات في اليوم والليلة"!
ـــــــــــــــ ــــــــــ
الهوامش:
(1) ليس بحديث ولكن قول للحسن البصري: "من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرءان -على اعتبار انه كلام الله- و من أراد أن يكلمه الله فعليه بالصلاة -على اعتبار الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قال الله حمدني عبدي..» ألخ.
(2) من حديث حسن.
(3) لا يهم كون العطر بكحول أو غير، لأن الخلاف قائم حول نجاسة الكحول عينًا، فالبعض يراه عين نجسة فى ذاته فلا بد من تطهير الثوب منه والجسد عند الصلاة، والبعض لا يراه عينًا نجسة وبالتالي لا يبطل الصلاة.
(4) روى البخاري ومسلم وابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، -فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»".
(5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وفي رواية: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي» (رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة) والآيات: [الفاتحة:2-7].
(6) {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء من الآية:110].
(7) ورد في الحديث الصحيح: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك»، ومن معانى الحديث أن تارك الصلاة لا يقبل منه أي عمل صالح حيث جاء في إحدى روايات الحديث: «فإن قبلت منه قبل سائر عمله، وإن ردت عليه رد سائر عمله»، وقد ذكر هذه الرواية الألباني في الصحيحة: «أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله» (من المجلد 1-3 موسوعة الدرر، (2/240) برقم:1859، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (1358).
(8) خنزب هو اسم شيطان خبيث عدو الخشوع في الصلاة، جاء فى الحديث الذي رواه مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثًا»، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني".
(9) في الحديث الذي صححه الألباني: «أقيموا الصفوف، وحاذوا المناكب، وسدوا الخلل -الفتحات-، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات -فتحات- للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله»، وفي حديث مسلم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: "يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول -بضم الهمزة جمع الأول بفتح الهمزة-، ويتراصون في الصف»".
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أولادنا والهوية العربية والتعليم بالعربية (حوار شيق)(3)
أسماء محمد لبيب
كثيرات يسألنني سؤالا متكررا: هل أدخل أولادي في المدرسة قسم لغات أم قسم عربي؟
وأجيب في شكل حوار شيق بإذن الله وهادئ بيني وبينك أخيتي على هيئة سين وجيم، أفند فيهم كل الجوانب بعون من الله، وما كان من نقص فأسأل الله أن يجبره.
لكن قبل بدء هذا الحوار، مقدمة قصيرة لابد منها، بمثابة وضع النقاط فوق الأحرف..
بالنسبة لي شخصيا وللكثيرين، الموضوع لا نراه أمرا هينا بسيطا وإنما هو من الأمور العظام، فهو أمر متصل مباشرة بالهوية الإسلامية والعربية، وعنوان فرعي كبير منبثق عن عنوان رئيسي عريض اسمه "الغزو الفكري على المسلمين"... ألهذه الدرجة!!؟؟ أجل... والهروب من تلك الحقيقة أو الإنكار لن يفيد في شيئ.. وصدقا أنا لا أضخم صغيرا ولا أهول هينا، هذا هو حجم الأمر.. وسأسوق على ذلك أدلة معلومة بالضرورة لكل مسلم واع.. فلننتبه..
بمنتهى البساطة: جملة "إن تعريب المناهج هو من أصل هويتنا العربية والإسلامية" ليست قولا نشازا بل شيئ بدهي.. وهذا ليس كلامي أو رأيي الشخصي، بل كلام علماء وأساتذة قد سجلوه في كتب علمية وأبحاث كثيرة جدا لا يتسع المجال لجمعها هنا، ولكن أذكر منها فقط ما جاء في كلام الأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح-عميد كلية أصول الدين بالزقازيق سابقا، في كتابه الرائع "الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام"، والذي يتكلم فيه عن أساليب الغزو الفكري التي استبدلها الغرب بدلا من الغزو العسكري المباشر ومنها التبشير، والاستشراق، النعرات القومية، الفتن الطائفية، القضاء على الخلافة الإسلامية، التدخل فى نظم الحكم فى العالم الإسلامى، التدخل فى مناهج التعليم، تهميش الإسلام، هدم الأسرة المسلمة، وقف المد البشرى الإسلامى، تكوين الفرق الهدامة، تهميش الأزهر وإفساده، أسلوب المنح و القروض...إلخ
فمن كلام عالِمنا الدكتور سعد آخذكم في جولة سريعة داخل هذين العنوانين فقط "التدخل في مناهج التعليم وتهميش الإسلام"، أضعها بين أيديكم في الهوامش في آخر المقالة.. ولن أقول لكم أن "عدم دراسة المناهج باللغة العربية" خطأ، لكن لا ينكر أحد –رجاءً- أن من وراء تغيير مناهج التعليم ومنع تدريس العلوم المختلفة بالعربية هم الغرب أعداء الإسلام، وأن هذا تبديل للأصل.. نعم الأصل.. فقط لا ننكر هذا رجاءً رجاءً.. لابد أن تعرف أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنها كلما ابتعدتْ عن هذا الأصل فإن الذي وراء بُعدِها والانحراف المنهجي هذا هم أعداؤها.. ولا يخفى على أحد السبب من وراء تلك السياسات الغربية بالتأكيد، فالغرب لا يحبنا في الله بالطبع! فمن تلك الجولة السريعة من كلامه القيم ستتبينون مدى اقتران "تهميش اللغة العربية" دوما بـ "تقليص المناهج الإسلامية" في التعليم لغرض معروف طبعا: طمس الهوية.. وأترك لكم الحكم بعدها ما إن كانا متلازمين لا ينفكان أم لا، و كيف أن أعداءنا على دراية واسعة بمواطن العزة للمسلمين ونتركهم بكل بساطة يمرغوا بها أنوفنا في التراب، وكيف أنهم يعلمون تمام المعرفة أين يصيبونا في مقتل بكل أسف.. (انظر الهامش رقم1)
والآن يحين دور حوارنا الشيق بإذن الله.. وهو مساعدة مني لكل أسرة لازال أمامها فرصة الاختيار أو إمكانية لتغيير اختيارها، أما الأسرة التي قد قطعت شوطا بالفعل في التعليم الأجنبي وتخشى أن تتقهقر حالة أبنائها التعليمية والنفسية والاجتماعية إن هي قامت بنقله فجأة للتعليم بالعربي وترتبك حياتهم بشدة، أو تلك الأسر التي تعيش في الغربة والخيارات التعليمية المتاحة أمامها بالفعل محدودة وتحصرها في الخيار الأجنبي، فأولئك جميعا لست أوجه إليهم كلامي ذاك..
...نبدأ الحوار...
س1: ما رأيك يا أسماء، هل أدخل أبنائي مدارس عربي أم مدارس لغات؟
ج: أدخليهم مدارس لغات قسم عربي حبيبتي، أومدارس عربي مباشرة إن كنتِ لا تقدرين على مصاريف المدارس اللغات..
س2: ماذا؟! واللغة؟! اللغة لن تتقوى هكذا أبدا يا أسماء!
ج: من قال هذا حبيبتي؟! بلى.. ستتقوى إن شاء الله لأنه سيكون في قسم العربي بالفعل، أي قوة بعد هذه تريدين؟
س3: لا لا.. أنا أقصد تقوية اللغة أي اللغة الأجنبية.
ج: ألا يأتي هذا بعدما يقوّي لغته الأم أولا حبيبتي؟! هل هو قوي في العربية حتى يقوي غيرها ؟!
س4: يا أسماء ابني حين أدخله المدارس اللغات قسم إنجليزي سيأخذ عربي وإنجليزي وبالتالي يتقوى في كليهما معا، لكن في القسم العربي لن يأخذ إلا العربي فقط. أليس كذلك؟
ج: لا حبيبتي هذا الكلام غير صحيح.. التلاميذ في المدارس اللغات يدرسون مادة الإنجليزية شاؤوا أم أبوا، هذا أمر تابع للحكومة لا يلغى إلا بسياسة عامة في الدولة على كل المدارس، والواقع أن كل المدارس بها مادة الإنجليزية، سواء مدارس عربي أو لغات.. لكن الفرق هو أنه في قسم العربي يأخذ العلوم والكمبيوتر والحساب بالعربية، لكن في قسم إنجليزي يتلقاهم بالإنجليزية. ففي كل الأحوال القسمين فيهما مادة مستقلة للإنجليزية لها كتاب من الوزارة موحَّد لكل المدراس.. بعض المدارس تقوم بتدريس كتاب إنجليزي إضافي وقصة -ستوري- للقسمين أو لقسم الإنجليزي فقط، هذا أمر إضافي تحدده كل مدرسة كما تحب، على سبيل المثال مدرستنا ظلت تعطي نفس الكتب الإنجليزية للقسمين بما في ذلك القصة، ثم حاليا صارت تعطي لقسم العربي كتاب إنجليزي إضافي بجانب الإنجليزي الوزاري مختلف وأسهل قليلا من كتاب قسم إنجليزي، نظرا لتتابع شكوى الأهالي من ثقل حمل الإنجليزية على أبنائهم وهم في الأصل قد أدخلوهم قسم العربي هروبا من الضغط العصبي الخاص بـ "وَهمِ اللغات" هذا، ليخففوا عن أبنائهم هذا الحمل الذي يرونه غير ضروري حاليا.
س5: أنا معك.. لكن بالتأكيد مستوى طالب قسم العربي مختلف في اللغات عن مستوى طالب قسم الإنجليزي. صحيح؟
ج: إن صح كلامك هذا كقاعدة عامة، ففي كل الأحوال لا ينبغي لنا أن نقلق من موضوع مستوى اللغة الأجنبية هذا لدى أبنائنا إن كان مستوى متدنيا حتى لو في كل مراحله التعليمية، لأنه بالفعل حين يكبر فإن الصعوبات التي يواجهها حاليا في فهم اللغات ستتفتت أسرع لأن الأمر بالتأكيد أيسر وأسهل استيعابه في الكبر إن شاء الله كما تقص لنا التجارب بالفعل.. فعلام نهشم رءوس أبنائنا ونقهر طفولتهم مبكرا هكذا لتعلم شيئ ثانوي ويمكن تداركه في المستقبل بمجهود أقل، ولم لا نستغل طفولته الغضة فيما هو أصلح له صحيا ونفسيا وتربويا وعلميا ودينيا بالفعل على المدى الطويل؟!
س6: ولماذا العكس لا يصلح؟ بمعنى: لماذا لا أتركه يقوي لغته العربية حين يكبر وأهتم الآن بتقوية اللغة الأجنبية استغلالا لطفولته الغضة كذلك والتي تستوعب بالفعل بشكل أكبر من سن الشباب فالنقش في الصغر كالنقش على الحجر؟!
ج: أولا: لا مانع عندي من تلقينه اللغة الأجنبية جنبا إلى جنب مع العربية إن وجدت لديه ذكاء لغويا ونَهما للغات بالفعل ولن يؤثر ذلك على أنشطته الحركية أو نفسيته أو مساحة اللعب الحيوية أو حلقات العلم وتلقينه القرءان.. ما عدا ذلك، فلتكتفي باللغة الأم مؤقتا. ثانيا: أذكري لي اسم أب أو أم قد اهتما بتقوية اللغة العربية لأبنائهم بعدما كبروا وتخرجوا ودفعوا ولو أقل القليل في دروس لغة عربية بعد ما مر ابنهم بالثانوية العامة برحمة الله وانتهى الأمر!.. بل العكس هو الأضمن، فمن يكون قد اجتاز تعليمه بالعربي حتما ولابد سنجد أهله يحثونه حثا على تقوية اللغة الأجنبية بشهادات إضافية "تويفل" وكورسات وخلافه، لكسب موضع قدم ثابتة فيما يسمى بالـ "كاريير"، لكن هذا أبدا لا يحصل مع لغتنا العربية بدورها للأسف.. مع أن اللغة العربية هي الأولوية للمسلم والله، هي التي نفهم بها القرءان والحديث والعلوم الشرعية ونفهم عن الله بسهولة ويسر بدلا منغربة الدين التي صار الناس فيها الآن وتفشي الجهل الشرعي الواسع.. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. ألا ترين حينما تنشر إحدانا على صفحتها على فيسبوك مثلا فقرة من كتابات ابن القيم أو ابن تيمية أو أحد الأئمة، كيف يفتح الناس أفواههم ومعاجمهم طلبا للفهم وكأننا نتكلم بالهندية!؟ وصرنا كي نكسب قلوب الناس بالدعوة نتكلم بالعامية في معظم الوقت لكي يفهم الناس خطابنا ويقبلون عليه، "أصل العربي بتاعهم مش قوي أوي"!!... ولازلنا نتمادى في تثبيت أركان المأساة وتكرارها مع أبنائنا يا أمة الإسلام..!
س7: لا غبار على هذا الكلام، أوافقك عىلى منطقيته، لكن هذا هو الزمن الذي نعيش فيه بالفعل واللغة الأجنبية مهمة جدا له وتعتبر من أدواته الضرورية. أقصد أن اللغة الأجنبية تفتح مجالات شغل أكبر وأكثر ولا تحصر ابني فقط في المستقبل في وظائف محددة قد تكون دون مستوى طموحه وإمكاناته الكبيرة..
ج: وأنا لم أقل بعدم تعلمها ولا أنها ليست مهمة.. كل ما أرجوه فقط هو إعطاؤها حجمها الطبيعي في حياتنا كمسلمين، و ألا نظل نلف وندور في المدار الذي رسمه لنا أعداء ديننا وغموا أعيننا إلا عنه وقالوا لنا هكذا هي حياتكم التي ينبغي أن تعيشوها وتلك أولوياتكم يا مسلمين إن كنتم تبغون التقدم والحضارة.. لا والله قد كذوبوا وخبث مقصدهم.. لماذا أنغص على طفل بريء طفولته المشردة أصلا بمناهج تعليمنا الرائع، بدعوى أني أريده حين يكبر أن تكون معه لغة ولديه مجالات وظائف أكبر!؟ هذا رزق في السماء يقطفه في حينه بالأسباب التي سيسعى لها حينها بأمر الله حين يكبر ويتطور استيعابه أكثر، هذا إذا اتضح أصلا عندما سيبحث عن وظيفة أن وظيفته تلك بحاجة لكل هذا الكم المبالغ فيه من الحشو اللغوي الذي تعرض له في مراحل تعليمه الأجنبي.. أقصّ عليكم قصة.. صديق زوجي خريج مدارس عربي حكومي، بعد الثانوية العامة والجامعة أخذ كورسات تقوية لغة أجنبية في بضعة أسابيع، ليتقدم لوظيفة في وزارة الخارجية، وسبحان الرزاق تم قبوله بسهولة، وكيف لا وقد وجدوا أن كفاءته ومهارته عمليا رائعة لا تقبل الرد بدعوى أنه خريج مدارس عربي.. فالعبرة في النهاية باتقان التطبيق العملي عند "الانترفيو" وفي الحياة وليست بعنوان المدرسة.. ومن جدّ وَجدْ.. أزيدكم من الشعر بيتا؟ زوج أخت أعرفها شخصيا من سنين –اللهم احفظه بحفظك- كان تعليمه في مدارس عربي، وبفضل الله حاليا قد وصل للعالمية بفيديوهات تعليمية تعلم فن "الكارفينج" على قناته على يوتيوب –هذا علم من علوم طب الأسنان قد تميز فيه بقوة عن سائر زملائه، يهتم بنحت الأسنان وتشكيلها- وتلك الأفلام تخطى عدد مشاهديها في آخر تحديث لها الـ 30 ألف مشاهدة حول العالم، وصار يأتيه على إثرها طلبات توظيف في دول عربية.! بل قد أنهى الماجستير والدكتوراة وينشر "بيبرز" –أوراق بحثية في مجلات عالمية أجنبية متخصصة في طب الأسنان ولا تقبل للنشر إلا الأبحاث المتقنة- ويقوم بتدريس المناهج - والتي هي بالإنجليزية والله في كل المواد!- يقوم بتدريسها للطلبة بطريقة شهد له فيها العدو قبل الحبيب بأنه يشرّبهم المعلومة كأنما يشرّب الإسفنجة بالماء.. فذاع صيته وأتته الوظائف كالمطر كذلك.. هذ ليس له إلا معنى واحد: أن هذا الشخص قد استطاع أن يهضم ويفهم جيدا الكتب الأجنبية في الجامعة باجتهاده حين كبر، رغم أنه كان تعليمه بالعربية.. إذن الأمر رزق بحت في النهاية.. وبالطبع لكل مجتهد نصيب، ولكن لا نبالغ في أسباب الرزق بشكل مَرَضِي على حساب هويتننا وأولوياتنا.. فلكل مقام مقال..
س8: ولكن تلك حالة استثنائية.. أقصد على أقصى تقدير حالات استثنائية لا ترقى لتكون قاعدة مهما شاعت في واقعنا.. لكن القاعدة هي أن الإنسان لا مستقبل له من غير لغة أجنبية..
ج: تلك عاهات وتقاليد حبيبتي تحرري من تلك الأوهام .. وإلا فما رأيك في مستقبل د.أحمد زويل؟ وما رأيك في مستقبل د.مجدي يعقوب؟ ومستقبل د.زغلول النجار؟ كل هؤلاء وغيرهم من النوابغ في مجال العلوم الدنيوية قد درسوا في قرى مصرية أصيلة في مدراس عربي وبأقل إمكانيات ووسائل منهجية تعليمية، وبعد ما أنهوا الثانوية قاموا بتحسين وتدعيم اللغة الأجنبية التي ستدعم التخصص الذي اختاروه، وتمت عملية تقوية اللغة الأجنبية تلك بسهولة بعدما كبر عقلهم ونما إدراكهم ونضج استيعابهم أكثر، ونبغوا في تخصصاتهم العلمية وصاروا فيها علما من الأعلام التي تمثل بلدانهم في الخارج، بل منهم من سافرإلى الخارج وأكمل تعليمه بالكامل وعاش هناك دهرا حتى صار يتكلمها كأهلها.. فلا تقولين لي حالات استثنائية..
س9: لكن لا يفوتك يا أسماء بالطبع أن اللغة ممارسة.. بمعنى أن ابني لابد له أن يظل لسانه ناطقا للغة الأجنبية متمرسا عليها حتى لا ينساها..
ج: وكذلك كل العلوم، إن هجرناها نسيناها، وإن مارسناها تذكرناها وأتقناها حبيبتي، لا ربط لذلك بالضرورة بوجوب تعلم اللغات في الصغر.. ثم إني قد قلت لك في سؤال سابق بالأعلى أن ابنك بالفعل -وللأسف بالنسبة لي- سيتلقى حصة إنجليزية في المدرسة بالفعل ويوميا، شاء أم أبى.. وبإمكانك أن تقوي لغته الأجنبية كما يحلو لك في الإجازة الصيفية عن طريق سماع سيديهات الكتب الخارجية كالأضواء أو كتب المدرسة الخارجية وألعاب الأطفال التعليمية ومواقع إلكترونية تعليمية على النت فيها كلمات متقاطعة بالإنجليزية و "فوكابلاري" متنوع وما شابه ولكل الأعمار، منها تملئين وقت فراغ له، ومنها يكتسب اللغة التي "تحبينه" أن يتقوى فيها ولكن بعيدا عن الضغط الدراسي والنفسي الإلزامي السيئ مما يتيح مساحات أكثر للعب والعلوم الشرعية والقرءان والأنشطة خلال الدراسة والإجازة على حد سواء.
س10: أمسكت بك أخيرا وأوقعتك في الفخ، فكلامك معناه أن ابني سوف يتعب في الكلية فيما بعد لو كانت لغات. فلماذا تستنكرين تعبه في الصغر وتهونين من تعبه في الكبر؟
ج: لأن فرق كبير بين التعبين، ومسافة شاسعة كالمسافة بين السماء والأرض.. أأستنكر تعبا يتعبه في الكبر لمدة فصل دراسي واحد فقط أو حتى عام كامل بعد اشتداد العود ونضج العقل وتحديد الهدف والتخصص، ولا أستنكر تعبا يتعبه لمدة أربع عشر عاما تنوء تحت وطأته طفولته البريئة ما بين "هاو-أولد-آر-يو" و "ماساسوشتس" و "الإكزيلوفون"؟ ؟! لا يستويان قطعا.. حين يلتحق ابنك بالجامعة سيتعب لمدة سنة على الأكثر -وكثيرون أعرفهم تأقلموا في فصل دراسي واحد فقط وليس عام دراسي كامل حتى - وكما حدث معي سيحدث معه غالبا: سيظل ممسكا بقاموس "للترمينولوجي) فقط -أي مصطلحات المادة العلمية- لأن الجمل الإنجليزية الاعتيادية -والتي تربط بين (التيرمينولوجي)
وبعضها- كل الناس فيها سواء بالفعل، فكما قلنا أن الكل قد تلقى لغة إنجليزية في المدارس لأن هذا لا خيار فيه لأحد بل يتبع الحكومة وسياسة عامة في البلد، و"الترمينولوجي" فقط هو الذي سيكون جديدا على عقله، مثله في ذلك مثل الطالب القادم من مدارس لغات ولا عجب!.. أو على أسوأ تقدير سيستعين بقاموس إنجليزي أيضا لو كان ضعيفا طوال عمره في الإنجليزية -سواء كان متخرجا من مدرسة لغات أو عربي... أجل والله سيان في النهاية!... فكم من طلاب تخرجوا من مدارس لغات ومستواهم يقترب من درجات الرسوب في اللغات على مر السنين الدراسية.. والعكس أيضا صحيح، فأنا شخصيا كنت في مدارس فرنسية والتحقت بكلية تعليمها بالإنجليزية، فكنت أمشي بقاموسين في أول سنة في الكلية، رغم أني كنت من أنجح وأمهر الطالبات في مدرستي ومعي شهادة استثنائية في الفرنسية لم يحصل عليها إلا البعض فقط في المدرسة، تتيح لي دخول كليات في أي كلية فرنسية على مستوى العالم.. و في النهاية حملت القاموس!... فدعكم من هذا الهم والله.. ليس هكذا تورد الإبل..
س11: صدقا كيف يحدث هذا لا أفهم!؟ مع أن التدرج في اللغة منذ الصغر يجعل الطفل يتشربها أفضل!
ج: أجل.. ولكنها فقط ليست قاعدة.. فكما قلت لك: في دفعتي في مدرستي الفرنسية –والتي فيها اللغة الأولى هي الفرنسية تدرس بها كل المواد منذ الروضة وحتى الثانوية- كان معنا طالبات مستواهم متدهور للغاية في الفرنسية نطقا وصياغة وفهما.. مثال آخر: إحدى صديقاتي وإخوتها الذكور قد التحقوا منذ الصغر بمدارس لغات، هي قد تفوقت طوال السنوات الدراسية لكن إخوتها تخلفوا على الدوام، بلغتنا العامية "إخواتها مش وش تعليم ومذاكرة"، وهذا يحدث نتيجة لفروق فردية لابد لنا أن نأخذها في الاعتبار أو أحيانا يحدث نتيجة لأخطاء في توجيهات الأهل في التعليم.. المهم، هؤلاء الإخوة رغم ضعفهم الدراسي تم ضغطهم أكثر باللغات وأجبروا على الدوران منذ الصغر في ساقية المنظومة العالمية المعنية بعقدة الخواجة تلك في التعليم، فبدلا من تخفيف الحمل عنهم تم إثقالهم بالمزيد الذي يفوق قدراتهم، فتعثروا دراسيا أكثر وأكثر، والأهل مصرون على الضغط أكثر هربا من مواجهة الواقع ببساطة والفكاك من العقد المجتمعية بشجاعة. فصار الصبيان يرسبون في المدرسة كل فترة حتى تم نقلهم لمدرسة أخرى، لغات أيضا! عدوا المرحلة المدرسية بشق الأنفس والتزموا في اختياراتهم للتعليم الجامعي بنفس المنظومة المنهِكة للعقول والطاقات، أحدهم دخل تجارة إنجليزية وبالواسطة! وتعثر بالطبع وخرج منها قبل السنة الثالثة بلا شهادة جامعية.. والآخر دخل معهد كمبيوتر خاص لأن مجموعه في الثانوية كان أدنى من60%.. واشتغل كل منهم فيما بعد في مجاله الذي يتقنه بالممارسة العملية في النهاية، وبدون تقديم مؤهلات جامعية في بلد ليس فيها وظائف أصلا لمن يملك شهادة عليا.. ماذا؟؟ وهم خريجي مدارس لغات في الأصل؟! أي نعم.. وحاليا قد منّ الله عليم بالزواج والإنجاب وينفقون على بيوتهم.. في رأيي المتواضع: لو كان أهل أولئك الصبية قد خففوا عنهم الحمل وقاموا بالتركيز على تنمية استيعابهم العلمي بلغتهم الأم فقط، أزعم أنهم كانوا سيجنبوهم عثرات دراسية كثيرة قاسية قد حجّمَت قليلا "أبواب الوظائف" في مستقبلهم أكثر من التحجيم الذي ظل أولئك الأهل يتفادونه بتعليم ابنهم اللغات قهرا دون جدوى، ظنا منهم أنهم بذلك يؤمنون مستقبله أكثر... وفي النهاية.. هي أسباب.. وهو رزق.. فيا مسلمين ارحموا أنفسكم قليلا وأعيدا ترتيب أولوياتكم بشكل صحيح من جديد..
س12: لماذا تشعرينني بأن تعلم اللغات هذا ليس من الإسلام!؟ أنا ما أعلمه هوأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم! فما قولك؟
ج: صلى الله عليه وسلم .. اعلمي حبيبتي أن هذا ليس بحديث نبوي أصلا.. ومع ذلك فلن أختلف معكِ أن معناه سليم عقلًا وموجود في ديننا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت بتعلم السريانية لأنه لا يأمن اليهود في تحريف رسائله صلى الله عليه وسلم.. لكن أتعليمن كم هي المدة التي أتقن فيها السريانية هذا الصحابي الجليل وصار كأنه مواطن سرياني؟ في أسبوعين اثنين فقط حبيبتي قد أتقنها.. وهذا هو الحجم الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه اللغة الأجنبية في حياتنا يا مسلمة والله: 1-نتعلمها للحاجة والضرورة، 2-ولتحقيق ذلك تأخذ كورس مثلا أو اثنين مدة أسبوعين أو ثلاثة أو شهرين أو ثلاثة، حبذا لو على كبر ليكون أسهل، وتصبح لديك لغة ثانية بعدها وانتهى الأمر.. ثم فيما بعد بإمكان أهل التخصص اللغوي الأجنبي أن يستكملوا تقوية اللغة الأجنبية كما يحلو لهم حتى يبلغوا بها التفوق المطلوب لمهنتهم، لا أن يكون لزاما على كل المسلمين ذلك الأمر وكأن كل المسلمين قد قرروا بما لا يدع مجالا للشك أن يكونوا من أهل هذا التخصص اللغوي!! إقرئي معي تلك الفتوى حبيبتي: ""جواز تعلم اللغة للمصلحة والحاجة هذا لا ينازع فيه أهل العلم.. أما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضا في مناهج التعليم في أكثر المستويات فهذا دليل على الإعجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعا، وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام. ومثل هذا فإن لابد أن ورائه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن فهم القرآن وفقه السنة، فإن فهمهما واجب ولا يمكن ذلك إلا بفهم اللغة العربية"" *(انظر هامش رقم2) .. فكفانا لهثا وراء مظاهر فارغة تهدر الطاقات والأعمار يا مسلمين.. العزة العزة يرحمكم الله..
س13: وما المشكلة لو أنه "برستيج"؟ "البريستيج" له بريق يجعل الناس تحبك وتقبل عليكِ، فلم لا؟
ج: لا تغضبي مني حينها إن قلتُ لكِ أنه للأسف هذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع بعض المسلمين –وليس كلهم بالطبع- للتعلق بساقية اللغات، وإن أنكروا أو تخفوا وراء نوايا طيبة عن حسن نية بالطبع، "البرستيج" والخوف من أن تأكل الناس وجوههم وتعايرهم وتقول عليهم "ياي أرابيك سوفاج" .. وفي هذه الحالة فلا أملك إلا أن أقول لك: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلَّنا الله.".. ولا إسلام بغير قرءان.. ولا قرءان بغير لغة عربية.. ولا لغة عربية بغير فهم.. ولا فهم بغير علم أصلا وأول العلم اللغة العربية المتينة.. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثله... من ينادي ويقول أين عُمَر وأبو بكر لينقذوا الأمة، فإن عُمرًا وأبا بكر لو كانا معنا فمعروفٌ ما الذي كانوا سيعملونه في تلك القضية بالطبع..
س14: أوافقك قليلا، ولكن صدقيني إن قلت لك أن من ضمن نواياي أني أريد لابني أن يتشرب مادة العلوم جيد جدا لأني أريد مساعدته على تحقيق حلمه بأن يكون طبيبا عالميا ماهرا إن شاء الله..
ج: إذن سوف أكرر لك كلامي وأقول: علماء نوابغ كثر قد تخرجوا من دراسة بالعربية وليس لغات، زويل والنجار وغيرهما كما ذكرنا.. وفي إحدى الحلقات التي استضافوا فيها د.زغلول النجار لسؤاله عن أسباب نبوغه العلمي هذا ليقتدي به الشباب، قال دكتور زغلول: "إن تعلم العلوم باللغة الأم هو من أهم أسباب نبوغ الإنسان في تلك العلوم، وكل الدول تعلم هذا وتطبقه على شعوبها، ففي بلد كذا تجدي أن الطفل قبل سن 13 سنة ممنوع أن يأخذ أي لغة أجنبية إضافية، ليس سوى لغته الأم، –فما بالنا بالكلام عن أخذ العلوم والحساب بلغة ثانية أصلا!- ، وفي بلد كذا هناك قانون يمنع التحدث بلغة أخرى سوى اللغة الأم ويسخر عندهم الناس ممن يتحدث بلغة أخرى سواها -وليس العكس كما عندنا وإنا لله!- ، وما هذا إلا لعلمهم أن هذا من أسباب التقدم والنبوغ.. ولا تجد دولة تجبر الطلبة في التعليم على تعلم لغات جديدة منذ الصغر بل لا تجد مدارس تدرس المواد العلمية بلغة أخرى سوى في دول العالم الثالث، لمزيد تقهقر عن ركب الحضارة كما خطط لهم أعداؤهم" (انتهى كلامه بتصرف من حوار صحفي معه قديم، في إذاعة القرءان الكريم المصرية)... أزيدكم معلومة علمية أخرى؟ في كتاب عن تعريب العلوم قال أحد المتخصصين: "الفهم باللغة الأم يكون على ثلاث مراحل: 1-استقبال 2-ثم تحليل ثم 3-التعبير.. والفهم بلغة أخرى يكون على خمس مراحل: 1-الاستقبال 2-ثم الترجمة للغة الأم 3-ثم التحليل العقلي 4-ثم الترجمة للغة الأجنبية 5-ثم التعبير، وهذا يجعل المعلومة مشوهة في النهاية والتعبير عنها قاصر بعكس الأمر حين يكون التعليم باللغة الأم، ولا مفر من تلك المراحل الخمسة في عقل أي إنسان عند الفهم من لغة أخرى والتعبير بها.. ومثال بسيط: طوال عمري أخلط بين "الدايجيستيف سستم" و (الرسبايريتوري سستم) من ناحية التعريف حيث ظللت أعكسهم دوما، لكن حينما سمحوا لنا في الثانوية العامة عندما نجد صعوبة في التعبير عن المعلومة المفهومة بالفعل في رأسنا وأردنا الانطلاق بلسان عربي مبين أن نكتب بالعربية، قمت الحمد لله بكتابة التعريف للجهاز التنفسي والجهاز الهضمي كل في مكانه صحيحا أخيرا ولم أعكسهما .. "بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" ... مبييييين يا مسلمين.. اقرءوا معي تلك الفقرة: "إحصائية علمية أثبتت أن اليابان وألمانيا وتركيا من أكثر الدول التي لديها براءات اختراع وأعلى مستويات في نظم التعليم لأنهم يتعلمون العلوم الأساسية كالرياضيات والعلوم الطبيعية بلغتهم الأم في المدارس لأن ذلك يزيد من نسبة الإبداع والابتكار لدى الأطفال بنسبة 75% عندما يتعلموه بلغتهم الأم، لأمن ذلك يسمح للطفل بتصور المفاهيم بشكل أدق".. منقول من محاضرة بعنوان (أهمية اللغة) الأستاذ أيمن عبد الرحيم *(انظر هامش3)..
س15: أجل.. هذا لأنك لست ماهرة في لغتك الأجنبية.. أما أنا فأريد أن يكون ابني "لبلب" بالإنجليزية.
ج: بإمكانك أن تدعيه يشاهد رسوم أفلام كرتون أجنبية سليمة من المخالفات العقدية والأخلاقية وتكون مترجمة، جنبا إلى جنب بجانب الكرتونات العربية ودراسته العادية باللغة العربية بالطبع، وليلعب كلمات متقاطعة باللغتين الإنجليزية والعربية، فيكتسب مصطلحات لكن ليس على حساب لغته الأم، في جو من المرح والتسلية دون ضغطه بالدراسة الثقيلة ودون المساس بأصل هويته كذلك، وستجدين ابنك يتكلم بالإنجليزية "لبلب" كما تحبين ومثلما كنا نتقنها أيام الجاهلية حين كنا نشاهد الأفلام الأجنبية وخلافه –غفر الله لنا ولأهلينا.. وبتلك المناسبة أقول: كم كنا نتقن "عوج" لساننا جيدا باللإنجليزية: "آي وانا جو=آي وانت تو جو" و "واريفير=وات إيفر"، لكن اللغة الحقيقية علميا كم منا من كان يفقه فيها ما سوى النذر اليسير!!؟ قلة قليلة تُعَدُّ على الأصابع من كل دفعة دراسية، لأن قد تم حشو عقولنا بها في مرحلة خطأ وبمنهجية خطأ.. وكم من أولادنا من يتقن الفصحى نطقا وفهما وكتابة؟.. المجتهد سيكون مجتهد في أي مكان بإذن الله.. المهم هو أن تربي رجلا مسلما حقا مسئولا يعرف التخطيط لحياته وترتيب أولولياته إسلاميا وتحقيق أحلامه بإرادة قوية.. وليس الضغط والحشو الفارغ هما الضامن لمستقبله.. هذا الكلام ينطبق على "التعليم كله عموما" بالمناسبة وليس مجرد فكرة تعليم بالعربية أم لغات فقط.. ولكن لا يتسع الآن المجال لذلك.. نفرد له كلاما إن شاء الله في مقال "أولادنا والمذاكرة" في نفس السلسلة قريبا إن شاء الله.
س16: وماذا أفعل لكي أجعل ابني معتزا بهويته العربية تلك دوما وكيف السبيل إلى تقوية لغته الفصحى، بخلاف تعليمه المناهج بالعربية؟ وبم تنصحينني في نوعية التعليم: هل أدخل ابني أزهر أم إسلامي أم مدرسة عادية؟
ج: إجابة السؤال الأول مجاب عنه في مقالة "أولادنا والفصحى وطرق تقويتها"، وإجابة االسؤال الثاني في مقالة "أولادنا وأفضل نوع تعليم لهم"، كلا المقالين في نفس السلسلة التي بين أيديكم إن شاء الله.
والله المستعان..
انتهى الحوار..
===========
[الهوامش] :
1* لمحة عن إجراءات الاحتلال الانجليزي لمصر في التعليم، من أيام دانلوب واللورد كرومر الحاكم الإنجليزي لمصر وإلى يومنا هذا، كي تروا مدى اقتران "تهميش اللغة العربية" دوما مع "تقليص المناهج الإسلامية في التعليم"، واحكموا بأنفسكم كم هما "متلازمان لا ينفكان" وتعرفوا مدى كون أعدائنا أدرى بمواطن عزتنا وكيف نتركهم يمرغون أنوفنا في التراب طوعا ببساطة بكل أسف!!..:
1-إخراج القرآن والسنة وتاريخ الإسلام من البرامج التعليمية، 2-تخريج أجيال مضطربة دينيا وعقديا مرتبطة بالغرب أكثر من ارتباطها بالإسلام، 3-تجهيل أبناء الإسلام بلغتهم العربية وبالتالي تراثهم القديم،جعل اللغة الإنجليزية هي لغة التدريس للعلوم والرياضيات والتاريخ والجغرافيا والرسم للتضييق على اللغة العربية والقضاء عليها بالتدريج، 4-جعل الدين مادة ثانوية ليست بأهمية مادة الرسم أو الأنشطة الأخرى، 5-إلغاء أبواب للعقائد والعبادات الإسلامية من المناهج بدعوى أن كتب التعليم ينبغي أن تخلو من أي مساس بالإسلام، 6-التوسع في دراسة التاريخ الغربي (نابليون وفريزر ونلسون، وتاريخ الثورات الأوروبية من الابتدائية إلى الجامعة (ليست المشكلة في تدريسذلك بقدر أن يكون ذلك على حساب تدريس تاريخنا الإسلامي لا شك!)، 7-تقليل مساحة تدريس التاريخ الإسلامي وفتوحاته وشخصياته الباسلة حتى أن من تخصص في الجامعة في فرع التاريخ صار يدرس التاريخ الإسلامي تحت عوان "تاريخ العصور الوسطى!"، 8-نجد توسعًا في التاريخ الفرعوني وأنظمة الجيش والأسطول الفرعوني، ثم حذف مُخِلّ من منهج نظام الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية ونظام القضاء والجيش والأسطول الإسلامي.. ثم داخل الحضارة الإسلامية ليتنا نجد علما صافيا صحيحا! بل تشويه وتضليل وإيهام المسلم أن المسلمين اعتمدوا في حضارتهم على اليونان! وتصوير حضارة العصر العباسي حضارة فسق ومجون ولهو ومعازف!.. ولجأ الاستعمار لاستخدام أجهزة الإعلام في التنفير والسخرية من طالب الأزهر وأستاذه وصاروا يفرقون في المدارس بين مدرس الدين واللغة العربية وبين مدرس المواد الأخرى. (مثال بسيط بالأرقام عن مناهج المدارس وقتها في الإعدادية وثانوية: التاريخ الأوروبي: 370 صفحة، الحضارة الإسلامية 250 ، نابليون 16 صفحة، عمر بن عبد العزيز صفحة واحدة..!)...* انتهت الجولة السريعة من كلام الأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح "عميد كلية أصول الدين بالزقازيق سابقا، في كتابه الرائع "الأساليب الحديثة فى مواجهة الإسلام"..
*2 رابط الفتوى:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28996
*3 هذه الفقرة كلها منقولة من على موقع فيسبوك.. وفيها رابط المحاضرة: http://we.tl/f0sfoE7dtE
وفيها صفحة الأستاذ أيمن: http://facebook.com/profile.php?id=653122047&fref=ts
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أولادنا والفصحى وطرق تقويتها
أسماء محمد لبيب
كيف أقوي لغتي الفصحى أنا وأولادي؟
سبع نقاط تخصك عزيزتي الأم... وثلاثة عشرة نقطة تخص ابنك.
****بالنسبة إليكِ أولًا أخيتي:
1*أنصحك بحفظ كتاب الله.. فلغته هي الأفصح على الإطلاق، و تصقل المخزون اللغوي لدى المرء تلقائيا.. وتحسن نطق الحروف متصلة بالتشكيل، أو على الأقل ادمان قراءته كالحال المرتحل، وهذا من أهم أبواب اتقان العربية..
2*مع قراءة تفسير القرءان لا ريب.. من كتاب تفسير لا هو بالمختصر بشدة ولا هو بالمتبحر في شتى علوم الآية، ولكن بين بين.
(هاتان النقطتان هما حد أدنى)..
3*وطلب العلم الشرعي عامة هو مما يقوي اللغة جدا، ويجعل فهم الفصحى مرنًا في الأفهام.
4*أما إن تعذر طلب العلم الشرعي حاليا، فعليكِ بمذاكرة دروس النحو من جديد.. ولو مجرد القواعد العامة التي درسناها حتى الثانوية العامة.. أنعشي ذاكرتك
5* التجول فى معاني الكلمات في المعجم من آن لآخر بشكل عشوائي، قطعا ستكتسبين لفظة جديدة.. مثلا اكتبي فى البحث في المعجم "شقق" واضغطي لتبحثي عن معناها.. أو اكتبي فى مربع جوجل "معنى شقق"، سيفتح لك موقعا اسمعه المعاني -almaany- تجولي في المعاني الواسعة واشتقاقات الكلمة كأنما تذاكرينها.. وهكذا كل فترة ابحثي عن معاني كلمات بحروف عشوائية تماما.. وهناك موقع مستفيض أكثر في الأمر ولكن قد يصعب على بعض الناس فهم مضمونه، اسمه "الباحث العربي"، لكنه رائع بمعنى الكلمة.. <3 .. كذلك كلما صادفتك كلمة عربية غريبة ابحثي عن معناها..
6*اقرئي للأئمة العظماء والكُتَّاب المشهورين بالفصحى البليغة.. الأئمة: كالغزالي وابن القيم وابن تيمية وابن الجوزي والشافعي...إلخ، والكُتّاب: كالمنفلوطي والرافعي ومصطفى محمود وسيد قطب (مع ملاحظة الشبهات التي فى كتاباته رحمة الله عليه والانتباه لقول العلماء الأجلاء فيها وتنقيحها) وغيرهم من الكتاب المعاصرين أصحاب الأقلام الذهبية واللغة الفصيحة والكلمة الهادفة.
7*اجعلي أنظمة وتطبيقات التي على أجهزتك الاكترونية باللغة العربية، من باب الاعتزاز بهويتنا العربية مبدئيا، ومن باب تعلم المصطلحات العربية اليومية البديلة ونشرها ثقافيا في المجتمع رويدا رويدا فنكون لبنة ولو صغيرة في بسط نفوذ العربية على سائر اللغات وفي حفر مكان مميز لها لا يخفت نوره على شبكة الانترنت وشبكات التواصل..
***بالنسبة لابنك:
1* أدخليه قسم عربي في المدرسة وليس الإنجليزي (للاطلاع على كامل التفصيلات لوجهة نظري المتواضعة تلك والحكم على مدى واجاهتها برجاء الرجوع إلى مقال "أولادنا والهوية والتعليم بالعربية" هنا على الموقع في نفس السلسلة التربوية التي بين أيديكم)
2*حفظيه القرءان واجعليه يستمع إليه كثيرا على مدار اليوم في البيت أو السيارة وعند نومه.. وفهميه معاني الكلمات الصعبة فيه والغريبة عليه.
3* شجعيه على القرءاة، وكوني قدوة في ذلك، واقرءا سويا من الكتب البسيطة والقصص التي تستهويه، ودعيه يقرأ بنفسه حتى وإن كان يتتعتع وأنتِ تقومين بالتصويب له تباعًا..
4*علميه أنه أينما أراد أن يكتب اسمه على أي من أغراضه أن يكتبه باللغة العربية، سواء على الكراسات أوالكتب أوالمقلمة أو الألعاب، بل وعلى ملابسه من الداخل عندما نريدها أن لا تضيع... إلخ، بل على أغراض مادة اللغة الإنجليزية أيضا –فما الداعي أن يكتب اسمه بالإنجليزية عليها؟! ألم يتعلمه وانتهى الأمر أخيتي؟! ..
5*اجعليه يشاهد الرسوم الكرتونية المصممة باللغة العربية الفصحى أكثر من مشاهدتها بالعامية... وأكثر من الإنجليزية لا ريب..
6*حببي إليه تحسين خطه العربي وعلميه أنواعه (كوفي وفارسي ورقعة ونسخ وديواني)، وحملي له من على النت نماذج تعليمية للخطوط مثلما تهتمين بتحميل رسومات تعليم حروف الإنجليزية..
7*علميه أن يعبر عن حبه وعن مشاعره في البطاقات الطفولية الجميلة التي يصممها لأصدقائه وأهله باللغة العربية.. وسواءً كانت لكِ أو لأي شخص آخر فليتخذ العربية وسيلة وحيدة للتعبير والكلام والتواصل مع الآخرين، بدلا من كتابة "آي لاف يو مام" أو قول "بليز" و"هابي فيست".. بل وعلميه عدم الكتابة بما يسمى "الفرانكو-أراب" نهائيا
مثل eid Mubarak- فحروف العربية تغنيه عن ذلك..
8*علميه تلفظ أسماء الأغراض والأدوات والأماكن باللغة العربية لا الإنجليزية -قدر الإمكان- مثال: كراسة المتابعة بدلا من التشانيل-بووك، الخطة الأسبوعية بدلا من الويكلي-بلان، الواجب بدلا من الهومورك، شكرا بدلا من ثانك-يو، آسف بدلا من سوري ، حذاء أو "جزمة" بدلا من شوز، علبة الأكل بدلا من لانش-بوكس، الحمام بدلا من تويلت أو دبليو-سي، غرفة المعيشة أو "أوضة القعاد" بدلا من "الليفينج".... إلخ.. أُدرك تماما أننا لن نتمكن من تغيير كل المصطلحات الحياتية مرة واحدة وأن هناك مصطلحات ليس لها بدائل بالعربية مستساغة حاليا (مثل بيتزا وساندوتش ومايوه وآيس كريم...إلخ) فبدائلها بالعربية حاليا قد تجعل البعض يسخر من ابنك إن قالها وقد يجعله هذا ينفر من اللغة العربية لا سمح الله، فالمجتمع لازال يحتاج للتدرج ليستسيغها، لكن ما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُتْرَكُ كلٌّه والله المستعان..
9*شجعيه على الخطابة في الإذاعة في المدرسة وجهزي معه الكلمة واضبطيها له لغويا واجعليه يتمرن عليها..
10*اغرسي بداخله الاعتزاز بلغته العربية، وأنه إذا صادف أحدا من أقرانه يسخر منه لأنه يدرس المناهج الدراسية بالعربية، فعلميه حينها أن يدافع عن هويته بفخر وثقة..
11*حفظيه الشهور العربية وترتيبها ومعانيها وأعطيه دوما إجابة بالتاريخ بالهجري والميلادي معا -وليس بالميلادي فقط- حين يسألك عن تاريخ اليوم... ومعلوم أن الأصل عند الله هو الشهور العربية "إن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم" ... فلنثبت لهويتنا مكانتها التي تليق بها ولنبتغي العزة بها لا بغيرها..
12*علميه أن يستمتع بالكلمات المتقاطعة وساعديه فيها (يوجد منها على النت وفي المكتبات مستويات حسب السن)..
13*خصصوا يوما في الأسبوع للكلام بالفصحى فقط، حتى أثناء اللعب والأكل، صدقيني سيكون وقتا ممتعا ومفيدًا حيث سيتعلمون خلاله البدائل العربية بببساطة، وفي ذات الوقت سيجدون الأمر مرحا ومضحكا نظرا لعفوية أخطاء
أثناء التعلم، (ابني كان يقول لي "قَيوة يا قمُي"، يقصد أيوة يا أمي ) .. مع التسامح بالطبع في الأخطاء اللغوية نسبيا حتى يتقنون التخاطب بها إن شاء الله.. فالغرض هو تعويدهم التناغم اليومي مع لغتهم العربية قدر الإمكان.
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
لا تُخبروا أبي وأمي...!
أسماء محمد لبيب
ضجة كبيرة في المتجر، رجالٌ يمسكون بفتاةٍ يتهمونها بالسرقة.. يتزاحم الناس.. صاحت سيدة: اتركوها!.. ثم اقتربَتْ من الفتاةِ وقالت: أعطيني رقمَ والدِكِ لنجدتكِ! فَصَرَخَتْ مَفزُوعَةً: لا..! لا تخبروا والِدَيّ.. سيقتلاني! فسأَلَتْها: فَمَن! إذًا؟ هل من صديق نطلبه؟.. أجابتْ:نعم.. أخبري خالي.. دقائق، وكان الخالُ "الصديقُ" يُؤْوِى الفتاةَ إليه.. أخبرَه البائعُ أنها جاءت مع شاب، يزعمان شراءَ هاتِفٍ، واستأذنه الشابُ أن يُجربَه خارجَ المتجر لاختبار جودة الشبكة والصوت، ثم..... اختفى!... أعطاهم الخالُ ثمنَ الهاتف وانصرفا.. واتَّضَح لاحقًا أن ذلك الشاب قد تعرَّفَ عليها مُؤخّرًا ووعدها بالزواج، وَلكيّ يُثبتَ "جديَّتَه" وَعَدَها بـ"هاتف" ثمينٍ كهدية، ثم اتضح أنه يستغلُ الفتياتِ في هكذا سرقات...!
الشاهد من الكلام: ((لا تخبروا والِدَيَّ.. سيقتلاني.. أخبري خالي..))
إنه الأمان... أساس العلاقات المثمرة، ومُسَكِّنُ الاضطراباتِ الجامحة، ومرفأ التَّوْبِ والأَوْب، وجامعُ القلوبِ والعقولِ..
يُلَخِّصُه الدعاءُ المُوسَوِيّ: {اجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}
الآيات فيها السند، المشاركة، الاحتواء، الصُّحبة، الدَّعم، التواصي بالحق والصبر، الحب، الإكبار، الأمان. وتلك من مفاتيح أقفالِ الأبناء، ومن المكابح الوقائية والعلاجية لجُمُوحِهم وتمرُّدِهِم، لاسِيَّما المراهقين، وخاصةً الفتياتُ الزهراوتُ ريحاناتُ القلوبِ..
في نقاط: نرفعُ الواقعَ، ونَرصُدُ أسبابَه، ونطرحُ العلاجَ..
=الواقع=
-"المراهقة" ليست مصطلحًا غربيًا قبيحًا كما يُشاع، إنما مُصطَلحٌ عَرَبِيٌّ مذكورةٌ مشتقاتُه في القرآن، وهو مِن (رَاهَقَ الصَّبِيُ، أي: قارَبَ على البلوغ).. لكنه صار مُصطَلحًا سَيئ السمعةِ بسبب سوءِ تعريفِ خصائص المراهَقةِ ومتطلباتِها بشكلٍ أظهرَ المراهقَ كوحشٍ جامحٍ خارجَ السيطرة، والأسرةَ عاجزةً جازعةً أمام جُموحِه...!
-في حين تتداخلُ "المراهقة" مع مرحلةِ "الطفولة المتأخرة" قبلها، ومرحلةِ "الشباب" بعدها.. فكونُها بين نَقِيضَيْن وطَرَفَيْن -طفولة وشباب- جعلها تَحوِي خليطًا من كليهما رغم أنفِ المراهِقِين أنفسهم، فبدت كالبحرِ المضطربِ حِينًا والهاديءِ حِينًا..
فتحتاجُ لقبطانٍ حاذقٍ، مُمسِكٍ بدفةِ المدرسةِ التربويةِ القرآنيةِ والنبويةِ بمهارة، مسُتعينًا بالله..
=الأسباب=
-شُيوعُ المدرسةِ التربويةِ والنفسيةِ الغربية، وهَجْرُ المدرسةِ الإسلامية، ساهما في انحرافِنا أكثرَ عن سبيلِ خيرِ القرون.. فبرَزَتْ مشكلاتٌ تربويةٌ ونفسيةٌ عميقةٌ أسَّسَتْ لظاهرةِ جُموحِ المراهقين.
تفصيل للأسباب:
*أسبابٌ معرفية: جهلُ الأبناء بمكانةِ الوالدين وحقوقِهما.. أو جهلُ الوالدين بحقوقِ الأبناء وخصائص واحتياجات المراهقة ومُشكلاتِها وحلولِها.
* أسبابٌ شرعية: كُفرُ الوالدين أو أحدِهما أو فُسوقُه عَلَنًا.. ولا نُسوِّغُ بذلك عقوقَهما ولكن: كيف يُطالِبُ فاسِقٌ وَلَدَه بالرُّشْد؟!
* أسبابٌ إيمانية: عدم رضى بالحالةِ الاجتماعية أو الاقتصادية ونحو ذلك.
* أسبابٌ أخلاقية: حُب الظهور، الغرور، الكِبر، سُوء الخُلُق، الرُّعُونة، الأنانية، التصلب.
* أسبابٌ بيئية (القدوات): جموحُ الوالدين أنفسِهم مع آبائهم، أو جموحُ أصدقاءِ المراهقين مع آبائهم وضعف الآباء عن علاج ذلك وظهور ذلك أمام المراهق، أو سقوطُ الآباء أنفسهم كقدوات، أو عُلُو صوت الإعلامُ وما يُسَوِّغُهُ من معاملةِ الأهلِ بندِّيَّةٍ والاستقلالِ عنهم وكَسْرِ هَيبَةِ الدِّينِ والقُدوات، وإثارةِ الشهواتِ، والترويجِ للعنف والتَّمَرُّد...
* أسبابٌ اجتماعية: تواضعُ المستوى الاجتماعي، أو ارتفاعُه بشكل فيه إفسادٍ تربَوِي..وربما انغلاقُ الأهلِ عن التواصل مع الناس وانعزالهم اجتماعيًا لسبب أو لآخر..
*أسبابٌ نفسيةٌ سلوكية: اندفاعية مَرَضِية (pathological impulsivity) مع عجز المراهق عن التحكم بها، تُصاحِبُ اضطراباتِ التوتُر والقلقِ (Anxiety & Stress disorders)، وتَظهَرُ بوضوحٍ مع اضطرابِ الشخصية الحدية (Borderline personality disorder)/*2
* أسبابٌ وراثية/ عضوية: خللٌ عُضويٌّ لم يُعرَضْ على مُختَصّ تعديل سلوك وعلمِ نفسٍ إدراكي، وربما خللٌ في الغُدَد، أو خلفيات وراثية (استعداد عَصَبي)..
* أسبابٌ رقابية: غيابُ الرقابةِ الأُسَريَّة والمجتمعية بشكل عام..
* أسبابٌ من خصائص المرحلة: يجد المراهقون أنهم قد صاروا أكبرَ وأقوى وبالتالي أقدرَ على التحدي والتدافعِ مع التيارِ المُعاكِسِ لأهوائهم، ويُقابَلُ ذلك باستنكارٍ ومُمَانَعَةٍ من الأهلِ أحيانًا بغَيرِ رُشْد فيزيد الطينَ بلةً..
* أسبابٌ نفسيةٌ عامّة.. وفيها تفصيل:
-عدمُ الشعورِ بالحرية.. ويكون ثمرةً لعواملَ، منها:
1.كثرةُ الأوامر بدون وجود علاقةٍ أُسَرية متينة، فيشعر المراهقون بالتضييقِ وأنهم آلةٌ تتلقَّى الأمرَ لتنفِّذ..
2.الإكراهُ الدائمُ، وقلةُ مساحاتِ الحريةِ الشخصيةِ لهم في المُباحات.
-عدم الشعور بالأمان.. ويكونُ ثمرةً لعدمِ التعاملِ بالصدق، العدل، الاحترام، اللين، الرحمة، التقدير، العفو..
أمثلة:
1.عدمُ إنصافِهم من أنفسنا خاصَّةَ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ}
2.التفرقةُ في المعاملة بين الإخوة وكثرةُ المقارَنات غير الموضوعية ولا التنافسية.
3.الفُجْرُ في الخُصُومَةِ وغِلظةُ النقدِ وقسوتُه وشدةُ التقريعِ على أبسط الأخطاء، وصعوبة العفو عن زلاتهم..
4.الحرمانُ من الميراث أو الحقوق عامّةً.
5.التجسسُ وتوجيهُ التهمِ مباشرةً والتحقيقُ معهم بطريقةٍ بوليسية.
6.عدمُ التقديرِ لمحاولاتِ التزكِّي والتَحَسُّن.
7.التَّهَكُمُ عليهم مما يسبِّبُ شعورًا بالنَّقصِ واهتزازِ الثقة..
8.كثرة الحمايةُ والتدليلُ بإسراف..
9.تحميلُهم ما لا يُطيقُون..
10.تكرارُ الإذلالِ بأخطاءِ الماضي..
-اكتئابٌ أو ضغوطٌ: سواء نفسية أو دراسية أو أسرية أو اجتماعية أو مادية ونحو ذلك..
-عدمُ الشعور بالحب: لا بسمات.. لا أحضان.. لا عطف.. لا ابتهاج معها ولا ترحيب بمجيئها.. لا اهتمام بما يهمها..
-عدمُ الشعور بالانتماء للأسرة: شعورٌ بوحشةٍ داخليةٍ رغم الضجيج في الخارج..!
-عدمُ الشعور بالاحتواء، سواء:
1-للطاقات: تريد الفتاةُ مثلا أخذَ دوراتِ تطريز أو تزيين الكعك أو الخط العربي مثلا أو حلقات للقرآن، أو تريد كتبًا جديدة لتقرأها، أو ممارسة الرياضة مثلا والترويح عن النفس بلا مخالفة لشرع الله، أو يريد الفتى استقبال أصحابه في البيت أو الخروج معهم في رحلة مدرسية أو معسكر مثلا.... فيُقالُ لهم دومًا: "لا.. ممنوع!".
2-للمشاعر: كلامُهم عن الحُب يُقابَلُ بالزَّجرِ والتعنيفِ والتهديد..
3-للتطلعات: كلامُهم عن اختيارِ الكلية أو الزواجِ المبكرِ مثلا يُقابَلُ بسُخريةٍ أو تسلُّط أو تعنيف.
4-للتقلبات المزاجية والانفعالية والنفسية للمراهَقة: فتقابلُ كافَّةً بجملةِ "كفى نكدًا! كفى إزعاجًا"، لاسيما فيما يَخُصُّ التغيراتِ الهرمونيةِ للفتيات في تلك المرحلة وما يصاحبها من استعدادٍ عصبِيٍّ وتوترٍ لا إرادي وتَخَبُّطٍ وتَناقُض..
5-لاحتياجات المرحلة عامَّةً..
وأمثالُ ذلك مما يؤزُّ الأبناءَ على العُقوق، وكما قِيل: "عَقَقْتَ وَلَدَكَ قبل أن يَعُقَّكَ!".. ولا نُسوِّغ بهذا الكلام للعقوقِ مطلقًا، وإنما نَرفَعُ واقعًا لنعالِجَه.
= وقايةٌ وعلاجٌ، بعدَ إخلاص النيةِ لله والدعاء=
1-الكفُّ عن ترديد أدبياتِ المراهَقةِ الغربيةِ الحديثةِ -التربويَّة والنفسيَّة- واستبدالُها بالمَدرسةِ الإسلامية..
2-الاهتمامُ بالمرحلةِ السابقةِ للمُراهَقة.. وكما قيل: ((ويَنشأُ ناشيءُ الفتيانِ مِنّاعلى ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه)).. فإن أُهْمِلَتْ فالجُهدُ حَتمًا سيكونُ أكبرَ بعدَها.. لكن، ما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُترَكُ كُلُّه، ودَومًا هناك فرصةٌ لبدايةٍ جديدة..
3-التنشئةُ على الإيمان وحُسنِ الخُلُقِ ومَعرِفةِ حُقوقِ العبوديةِ لله عز وجل وحَقِّ الوالدين { {أن اشْكُر لِي وَلِوَالِدَيكَ إليَّ الْمَصِيرُ} }
والشفافيةُ والأمانةُ معهم في التوجيهِ لذلك، فما يكونُ شَرعًا نقولُ "حرام أو حلال"، وما يكون رأيًا نقول "هذا رأيٌ لا شرع، ونصيحتي كذا، ولكم الخيارُ بعد استخارةِ الله".. || والنقطتان معًا بمثابةِ الأساسات التي يرتفعُ عليها البنيانُ مُستقيمًا بإذن ربِّه -لذا لم أَفْصِلهما- وبِهِما تزولُ جُلّ مشكلاتِ الأسبابِ الإيمانيةِ والمعرفيةِ والأخلاقية...
4-تنميةُ المعرفةِ لدى الوالدين بخصائص كل مرحلةٍ عُمريةٍ واحتياجاتِها ومشكلاتِها وعلاجاتِها على ضَوءِ القرآنِ والسُّنة -خاصَّةً خصائص النموِّ الانفعالي ومظاهره، وتوعيةُ الأبناء المراهقين بهم كذلك، من خلالِ حواراتٍ يغشاها الوُدُّ والإكبارُ والإنصافُ والصدقُ والاحتواءُ والإصغاءُ واللينُ والهدوءُ والعطف والتقدير، والأدلةُ المُحكمةُ شَرعًا وحِسًّا وعَقلا، وبهذا تزولُ جُلُّ مشكلاتِ الأسبابِ النفسِية..
5-عدمُ الإصرارِ على انصياعِ الأبناءِ فَورًا للنُّصح.. والصوابُ: أحيانًا نُفْحِمُ بالحُجَّةِ، وأحيانًا نَسقِي ثُمَّ نتولَّى إلى الظِّل..!
6-توجيهُ واستغلالُ الجُموح الإيجابي، وعدم تمكِينهم من الانتصارِ بجُمُوحِهمُ الخاطيء المشوب بسوء الأدب والرعونة وقلة الرشد.
7-فتحُ مساحاتِ تواصلٍ اجتماعيٍّ راشدٍ مع أهلِ الرأيِ والصلاحِ والأُلفة، وعدمُ تضييقِ الدائرةِ الاجتماعيةِ لفَرطِ الخوفِ على الأبناء.
8-الاهتمامُ بالقناعاتِ الفكرية للمراهقين، إذ يترتبُ عليها السلوكُ.. فنُعَلِّمُهُم مَهَاراتِ وأُصُولَ النقدِ الذَّاتِيّ للخطأ: كعدمِ قبولِ المُقَدِّماتِ الفاسدة، وعدمِ قبولِ دَعوَى بلا دليلَ أو بدليلٍ لا يصح، والتدقيقِ في علاقةِ التلازُمِ بينَ الأمورِ دَومًا.... إلى آخِرِ الأصولِ التي تَبنِي عقليةُ ناقدةً فاحصةً مُحَصّنةً ضد الشُّبُهات، تُمَيِّزُ بين المُشتبَهات ولا تقبلُ ولا تُمَرِّرُ إلا الحق.. لكن لابد من وجود التقوى أولًا لدى المراهقين لتفعيلِ تلك العقلية الناقدة، ثم لتصويبِ الخطأ في النهاية بعدَ نقدِه، وهذا يكون ثمرةَ التربيةِ الإيمانية المذكورة آنفًا..
9-تفنيدُ دوافعِ الجُموحِ وحلُها بالحوار، واستشارةُ أهل الأمانةِ والخبرةِ والاختصاص -خاصَّة الدوافع النفسية- وتفنيد ما إن كان الحل يحتاج لعلاج دوائي، بجانب العلاج الكلامي بجلسات العلاج المعرفي السلوكي(CBT) في حالةِ "اضطراب التوتر والقلق"، أو جلساتِ العلاج الجدلي السلوكي (DBT) في حالة "اضطراب الشخصية الحدية"/*2
10-محاوطة أبنائنا المراهقين بصحبةٍ صالحةٍ يَسهُلُ التواصلُ والتناصحُ مع أهلِهم في تعزيزِ المُشتَرَكاتِ التربويةِ القَوِيمة بيننا وحسن متابعتهم عن كثب برشد..
11-شغلُ فراغهم بإنجازاتٍ رُوحِيةٍ ومَهارِيةٍ ومَعرِفِيةٍ واجتماعيةٍ وعقليةٍ ورياضية..
12-غرسُ الشعورِ بالكفاءةِ والثقةِ والأهليةِ للخيرِ والنجاح، وبأنهم قد أصبحوا أعضاءَ فاعِلِين في الأسرةِ يشاركون في القراراتِ والمَهام، مع إعطائهم المساحاتِ لإثباتِ الذات، فينزلُ المراهقُ من أحلامِ اليقظةِ خاصَّتِه، وينغمسُ في واقعِه الذي أصبحَ جَذَّابًا، فتقِلّ دفاعاتُه الشرسةُ عن مساحتِه السحابيةِ الحالمة التي يعتقدُ دَومًا أن هناك حربًا أُسَرِيةٍ لنزعِها منه..
13-عدمُ التركيز فقط على الترهِيبِ من مرحلِة التكليف، بل إخبارُهم بأنهم كما زادت واجباتُهم زادت كذلك حقوقُهم ومُوجِباتُ إكبارِهم، وأن تكليفَهم يَعنِي وصولهم لنضجٍ عقليٍ ونفسيٍ وبدنيٍّ يؤهلُهم لتَحَمُّلِ نتيجةِ أفعالِهم واختياراتِهم ولخوضِ غمارِ الحياةِ بقوةٍ ورشدٍ أكبر.
14-الاتفاقُ معهم على قوانين أسرية أساسية لا هوادةَ فيها، وقوانينَ أُخرى فرعيةٍ فيها مساحاتِ تَجَاوُزٍ وتغافل حَسْبَ الحاجَة..
15-توحيدُ توجيهاتِ الوالدَينِ أمام الأبناء والحرصُ على عَدَمِ التناقُضِ فيها..
16-احترامُ اختياراتهم وميلهم لبعض الأصدقاء ممّن دُونَ مُستوَى الصُّحبةِ المَطلوب، مع الاتفاقِ على شروطِ اختيارِ الأصدقاءِ وبالأدلة الشرعيةِ والعقلية، على أن يكون من بينها: أن يكون هو العنصر المؤثرُ إيجابيًا في أصدقائه وليس هم من يؤثرون فيه سلبيًا، ومتابعة تحقق ذلك الشرط وكل الشروط دوريَا بشكل عملي تطبيقي..
17-صيانةُ سرَّهُم.. وعدم فضحهم..
18-مصاحَبَتُهُم ومُمازَحَتُهم ومشاركتُهم في أفكارهم وشكوكهم ولعبهم وطموحاتهم.
19-إسباغ العطفِ، بالكلمةِ والتربيتةِ والضمةِ والقبلةِ والهديةِ والإطراءِ والدعاءِ –سرًا أو جهرًا في وجوههم- وترخيمِ الاسمِ والترحيبِ بهم عند قدومهم.. ولنا في النبي ﷺ خير أسوة هنا، حيث كان يقوم لفاطمة ويُقبِّلُها ويُجلسُها عن يمينه، وذلك غَيضٌ من فيضُ مدرستِه التربوية القويمة والتي لا يتسعُ المقالُ لحصر أركانها العطرةِ كلها..
20-التغافُل..!
21-إشباعُ الأمان.. إن الدعاءُ عليهِم أو إهانتُهم ولو ((مرةً واحدة)) يَطعَنُ الأمانَ ويدفعُ للجُموحِ والتَّمَرد..
22-إبرازُ القُدواتِ الجَذابة في محيطهم، وزرعُ الولاء داخلهم للمجتمعِ المسلمِ الصالحِ الناجح، واجتنابُ غير ذلك من مصادر المحيطِ الخارجي، سواء أهل/ أصدقاء/ إعلام، مع نقدها والتنفير منها للتوعية بشَرِّها.
وختامًا.. إِنْ عليكَ إلا البلاغ، وليس عليكَ هُداهُم ولكنَّ اللهَ يَهدِي مَن يشاء.. إنما عليك السَّقْيُ، وليس عليك الثمرةُ، مَعذرةً إلى ربكم ولعلَّهُم يتقون.. والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا، وإن الله لمعَ المحسنين.. فسددوا وقاربوا... وأبشروا..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
أزمةُ "رصيد" أم أن "مُنشِدُ الحَيِّ لا يُطرِبُ"..؟
أسماء محمد لبيب
لا أنسى حين كنتُ أطالعُ منشوراتٍ وُضِعتْ تحت وسمٍ يُبرزُ مَناقِبَ إحدى المعلماتِ المربياتِ التي أعرفها شخصيًّا، قد صاغتْها طالباتُها لتكريمها. كانت كباقةِ أزهارٍ قد تجمَّع شذاها في مِزهريةٍ فَوَّاحَةٍ تَسُرُّ الناظرين..
كتبَتْ إحداهُن: أولُ حصةٍ، قسّمت المعلمةُ السبورةَ قِسمين: ثلث، وثلثين .. ثم سألتنا عمَّا نريده منها، وكتَبَتْهُ في القِسم الأكبر! ثم جاء دورُها، فماذا طَلَبَتْ !ثلاثةَ مبادئ: الصدقُ، الاحترامُ، تعظيمُ الوقت.. فحسب! وضربتْ مثالًا للصدقِ قائلة: "قولي مَلَلْتُ وأود الخروجَ قليلًا، ولا تقولي "أحتاجُ لدورة المياه" كذريعةٍ للخروج.. مُربية حكيمة تتفهَّم احتياجاتِ طالباتِها وتُوَجِّهُهُنَّ إلى القِيَمِ دون إهانة..
وتلك أخرى تحكي: قبيل بدء الحصة تعانقُنا ونحن ندخل الفصلَ على صوتِ أنشودةٍ جميلةٍ جَهَّزَتْها لنا.. ولو كان اليومُ مُزدَحِمًا فهل تَحرِمُنا من ذلك؟ مُطلَقًا! تجعلنا نتبادلٌ سلامًا جماعيًا ثم نجلس ونُكمل الأنشودة ونأكلَ حتى تُنَظّفَ السبورةَ وتبدأ الشرحَ، ثم تأتي لكلِ واحدةٍ في مكانها تُعانِقُها وتُقَبلُ رأسَها وهي تتابعُ كراستَها.! أيُّ حِرصٍ دؤوبٍ على التربية بالحب..!
ليس هذا فحسب، فطالبةٌ ثالثة أردفتْ: ندخلُ الفصلَ فإذا عنوانُ السبورة: "الحبيباتُ اللاتي تبتهجُ النَّفْسُ برؤيتهنّ"..! ويبدأُ الشرحُ ونتسلَّمُ أوراقَنا، فإذا عُنوانُها: "وُريقاتُ عَمَلٍ للحبيبات"..! فنفتحُ الورقَ لنجدَ أولَ سؤال: ((اعربي الآتي: يا صُحبةَ الخير، آتيكنَّ واللهُ وحده يَعلمُ حالي، فيُلْقِي بِكُنَّ بهجةً في قلبي.. لا أنفكُّ أنظرُ إليكنَّ فتنجلِي همومي، وأجدُ انفراجةً واسِعًا مَداها.. فالله أسأل أن يرضى عنكن وييسر لكُنَّ أموركنَّ الحياتية والأخروية)).! أي إصرارٍ هذا على أَسْرِ القلوب...!
ونشرَتْ أخرى قائلة: ما أجملَ أن تقول لك المعلمةُ: "أكون على سَجِيَّتِي حين أُجالِسُكِ!".. وطالبةٌ خامسةٌ تحكي: في مرةٍ أرسلْتُ لمعلمتي اعتذارًا عن خطأٍ ارتكبتُه، فقالتْ: "يا حبيبة، أنا لا أملأ عيني بأخطائكُنّ، وإن عَرَضَ أَحَدُها أمامي فإن صورتَه تَذهبُ مع الغَمضِ.. فلا تَحمِلي هَمًّا"..!! نَشْرٌ دائمٌ للطُمأنينة، ورغم ذلك لا يخلو الأمرُ من مُنَغِّصات، فقد قَصَّتْ إحداهنَّ قائلة: أثناء الحصةِ خرجنا عن الدرس ونفد الوقت، فصاحت فينا المعلمة! ثم ما لَبِثَتْ أن قالت قبل انصرافها: "آسفةٌ على الصِّياح لكنِّي لستُ آسفةً أني تضايقت".. كم تأثَّرنا!.. شَعُرنا بتقديرها لمشاعرنا وحرصها على تعليمِنا أنه ليس معنى أنك تملكُ السلطةَ على أحدٍ أن تكونَ شديدًا معه.. هي ليست مجرد معلمة، هي مربية! -بوصفهن.
وكتبَتْ أخرى: ذات يوم، نسيتُ أدواتِ مادةِ معلمةٍ أخرى أخافُ من زَجرِها، فقالتْ لي معلمتُنا الحبيبة: "سأرافقُكِ إلى المعلمة وأعتذرُ منها نيابةً عنكِ".. تُعَرّضُ نفسَها للحَرَجِ لأجلي! فقلتُ فورًا: لا معلّمتي! سأدخُل وَحدِي لا عليكِ.. فضمَّتْني وهَمَسَتْ بكلماتٍ لا أنساها: "أنا بجانبكِ.. سأقِفُ بالخارج، إنِ احتجتِ إليَّ فقط أدخليني". فرفضْتُ تعريضَها للحرج.. فقالت: حسنًا، ولكن قولي في الطريق: "اللهم أذهِب غيظَ قلبهِا وأجِرْنا من النار". نفَّذْتُ الوصيةَ، فإذا بالمعلمةِ المُهابةِ مُتَغَيِّبَةٌ والحصةُ مَلغِيةٌ!.. شعُرتُ وكأنَّ نارًا قد انسكبَ عليها الماء البارد..!. أيُّ ثِقَةٍ تزرعها مواقفٌ كتلكَ في قلوبِهن؟
وَحَكَتْ طالبةٌ: رأتْني معلمتي يومًا وقد انفرط رباطُ حذائي وأنا أعْقُده، فانحَنتْ على الأرض وأخَذَتْ تربطه بيديها وهي تقاوِمُ محاولاتي لإثنائِها وتقول: "أذلةً على المؤمنين"..!
تلك قَطَراتٌ من سَيلِ شهاداتهنَّ عنها بحروفهنَّ الصادقةِ دون زخرف، جاءت تحت وسمِ "يومياتُ معلمٍ يُساهِمُ في رِفعةِ أُمةِ محمد" ﷺ، لمربيةٍ عَلِمَتْ وعَلَّمَتْ أنَّ التربيةَ والتزكيةَ مُقَدَّمةٌ على التعليمِ كما في مَهَمَّةِ الرُّسل: {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ } .
وحين سُئِلَتْ عن سِرِّ ذلك الارتباطِ والثقةِ بينها وبينهنَّ حتى صارتْ صُندوقَ أسرارِهِنَّ، أجابت -بعد إرجاعِ الأمرِ لرزقِ اللهِ وتوفيقِه: لا أَخْذَ دونَ عطاء.. وإذا أردتِ من "بناتِك" أمرًا فلتكوني له نموذجًا حيًّا.. وعندي قانونٌ اسمُه "الرصيد"، يُشحَنُ بالحُبِّ والاحترامِ، فإذا حدَثَ موجِبٌ للعقاب، يكون العقابُ بالـ "سحب" من الرصيد.. فيَحرِصنَ على رصيدِهنَّ لديَّ، ويتعلَّمْنَ العِبرةَ دون إهانات.. فحِفظُ ماءِ وُجُوهِهِنَّ يُنْمِي المحبةَ والثقةَ والأمان..
تذكَّرْتُ حينَها، أيامَ كنتُ مُعلمةً للقرآن في المسجد، وكانت طالباتي يستشِرْنَنِي في أمورِهن الخاصة، حتى أنهن كُنّ يتواصَلن معي هاتفيًا لضيقِ وقت الحلقة.. ومنهن من حكت لي يومًا باكيةً، أمورًا يندى لها الجبينُ، وكنت أنصحُ بالرجوعِ للأهلِ لمزيدِ دعمٍ، فتُجيبُ وجوهُهن: مستحيل! ربما لعلمِهنّ أن الأهل قد يضاعِفون المشكلةَ بدلا من ترمِيمِها، وربما لأسبابٍ أخرى لا علاقةَ للأهلِ بها كما في شِعرِ ابنِ الجوزي: ((يَرَون العجيبَ كلامَ الغريبِ، وقولُ القريبِ فلا يُعجِبُ.. وعُذرُهم عند توبيخِهم: مُنشِدُ الحَيِّ لا يُطرِبُ!))*(بتصرف يسير)..
إلا أنه لا يختلفُ عاقلان على أن الأبناءَ لا يتواصلون مع من لا يُحبون، ولا يُحبون إلا من يأتمِنون..
مواقفُ المدرسةِ والحلقة، أفرزَتْ لديَّ قناعةً بوجودِ عواملَ تُعزِّزُ أحيانًا ثِقَةَ الأبناءِ في المربياتِ خارجَ المنزلِ أكثرَ من ثقتِهم في الأم -أو الوالدين معا- وليستْ دومًا كلها بسبب تقصيرِ الأم، فللمشهدِ عواملٌ أخرى كي يبدو بتلك المثاليةِ الرائعةِ خارجَ البيت، حتى نكون مُنصِفين...
فثمةُ عوامل يمكن التحكمُ بها وتعزيزُها من قِبَل الأمهاتِ والمعلماتِ، وتُلَمْنَ عليها حالَ التقصير، وعواملُ أخرى لَصِيقَةٌ بالمعلمات فقط، خارجَ حدودِ مقدرةِ الأمِ ووُسعِها، ومهما بَذَلَتْ من جهد لتحقيقِها فلا مجالَ للمنافسِة فيها، بالتالي فلا ذنبَ حينئذٍ لبيئةِ البيت، بل إن من واجِبِنا وقتَها دفعَ الأبناءِ إلى التفهُّم لتستقيمَ نظرتُهم للحياةِ بإنصافٍ ورُشد.
فمن العوامل الممكنُ توفُّرها لدى الأمِّ والمعلمةِ معًا:
إخلاصُ النيةِ للهِ وصيانةُ أمانةِ التربيةِ، واليقينُ في الثمرةِ إن عاجلًا أو آجلًا.. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ..
جنبًا إلى جنبٍ مع الدعاء بالتوفيق: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً..
بجانب القراءة دوريًّا في وسائلِ التنشئةِ الإسلامية وخصائصِ كلِّ مَرحلةٍ عُمرِيَّةٍ ومشكلاتِها وعلاجاتِها على ضَوءِ القرآنِ والسُّنة..
والرفق الحب والحِلم والتشجيع والإنصاف... تَطييبُ الكلامِ والتبسمُ ونشرُ الراحةِ النفسيةِ لا الشد العصبي.. التحكمُ في ردود الفعلِ تجاه الأخطاء، والتفريقُ بين الخطأ العمدِ والسهوِ والزَّلَل.. عدمُ تغليظِ النقدِ والتقريعِ بقسوة، ولا السخرية، ولا الإذلال بأخطاء الماضي.. التثمينُ لمحاولاتِهم التَّزَكِّي.. صيانةُ سِرِّهِم وعدمُ فَضحِهم.. عدمُ تحميلِهم ما لا يُطيقون.. إفساحُ المجالِ للتعبيرِ بأمانٍ عن أفكارِهم مع غرسِ الشعورِ بالكفاءةِ والثقةِ والأهليةِ للخيرِ والنجاح..
غير أنه قد تكسِبُ مربياتُ المسجدِ والمدرسةِ ثقةَ الأبناءِ أحيانا أكثرَ من الأم، لِمَيزاتٍ ليست لدى الأخيرة، فمن ذلك:
استطاعةُ المعلمة الفصل بين حياتِها الشخصيةِ والعمليةِ وترك مشاكلِها خارجَ الفصل، و الأهمُّ من ذلك أن الدوامَ له نهايةٌ مهما طال، تَتَخَفَّفُ بعدها من ضغطِ أمانةِ تربيةِ الناشئين وثِقَلِ التَّصنُّعِ والتَّطَبُّعِ فيه بكل جَميلٍ معهم.. بينما الحالُ مع الأمِّ مختلفٌ، فالدوامُ دائمٌ والضغطُ مُستمرٌ والتصنعُ مهما طال سينهارُ أمامَ طولِ العِشرَةِ والاحتكاك، والطَّبعُ يغلبُ التَّطَبُّعَ غالبًا.. لذلك لا نَعذُرُ المُّعلمَ العصبيَّ مثلما نعذرُ الأم، لأن ثَمَّة فرق بين من يتعرَّضُ للمسؤوليةِ بِضعَ ساعاتٍ لخَمسةِ أيامٍ في الأسبوعِ فقط ويُمْكنُه أخذُ إجازة منها، وبين من يتعرضُ لها يوميًا بدون فواصلَ تقريبًا. ولذا، ننصحُ دومًا الوالدين بالمجاهدة في التَّزَكِّي بالأخلاق حتى تصيرَ سَجِيَّةً، لا تَطَبُّعَ فيها ولا تَصَنُّع..
المعلمةُ إذًا في نَظر الأبناء، إنسانٌ مثاليٌّ لا يُخطيءُ، بينما في البيت يتصادمون مع زَلَّاتِ الأم، فيؤثرُ ذلك على تَرَجُّحِ كفةِ ثقتِهم لصالحِ المُعلمةِ، بدلًا من مُنشِدِ الحَيّ: الأم..
كذلك إذا كانت المعلمةُ تُعَزِّزُ الإبداعَ لدى الطالباتِ وتُحَرِّرُ طاقاتِهن الكامنة، فإن ذلك يُضاعِفُ ميلَهُنَّ الشعوريَّ تجاهَها، ويُفرِزُ قُربًا أكثرَ، ويُزيلُ الحواجز، ويُضاعِفُ الثقة.. بينما الأمُ التي لا يتسعُ وقتُها غالبًا بجانبِ مَهام التربيةِ والبيت -وربما عَمَلٍ لإعانةِ الأبِّ مَعِيشِيًّا- تنحسرُ طاقتُها عن مِثلِ تلك المِساحات الإبداعية..
أيضًا كونُ هدف المعلمةِ التربوي محدود، يجعلُ أقلَّ تَقَدُّمٍ للمدعُواتِ إنجازًا، فتُثنِي عليهِن بحماسٍ يُشعِرُهُنَّ بالتميزِ والجدارة.. بينما هدفُ الأمِّ التربويُّ بلا سقف.. هي تريدُهم أفضلَ البشر.. فيَظَلُّ قَوْسَ أهدافِها التربويةِ مَفتوحًا، مما يُنسيها تَثمِينِ إنجازاتِهم "البسيطة" في نَظَرِها، وربما يُضاعِفُ النقدَ المُكثف، فيُحبَطُ الأبناءُ ويَفِرُّونَ من الشعورِ السلبيِّ إلى واحاتِ المحاضنِ التربويةِ الأخرى..
فيا أيتها الأم، لا تُخفِضِي سقفَ الطموحِ ولكن: ثَمِّنِي أيَّ نجاحٍ لأبنائِك، وَضَعِي خُطَطًا تربويةً مرنةً وتصاعدية، تُراكِمُ شعورَهم بالإنجاز..
كذلك تَقارُبُ سِنِّ المعلمةِ مع المدعواتِ يُذِيبُ الفوارقَ، إلا أن الأمَّ تستطيعُ أن تُعَوِّضَ ذلك بتقَمُّصِها لمرحلَتِهِنَّ العُمرِية ما أمكن، والنزولِ لمستوى تفكيرِهن وحواراتِهن.. ولعل ذلك يؤيدُ التوجهَ الداعمَ للزواجِ المبكرِ بضوابِطِه، ليتلاشى الفارقُ العمريُّ الكبيرُ بين جِيلِهم وجيلِ أبنائِهم..
وقد تكونُ الأمُّ لديها كلُّ تلك الميزاتِ، ثم في النهايةِ يُسِرُّ الأبناءُ سِرَّهُم للغريبِ.. ربما لكونِ السِّر في ذاتِه مما يَخجَلُ الأبناءُ من إفشائِه للأمِّ لشدةِ إجلالهم لها.. وربما بلا سبب واضح سِوى بيت الشعر: "لا عيبَ لي غيرَ أني من ديارِهم"..
وأيًّا كان السببُ، فعلى الأمِّ إذا لاحظت ذلك، أن تقتفِي الأسبابَ وتُرَمِّم ما لها فيه يَدّ، ثم لا حرجَ بعدها إذا اتَّخَذَ الأبناءُ بعضَ الثقاتِ خارجَ البيتِ جَنبًا إلى جنبٍ مع ثقتِهم فيها، فتنوعُ خبراتِ الأبناءِ من ذوي الأهليةِ يُنَمِّي مهاراتِهم الحياتيةَ، ويُعزز روابطَهمُ الاجتماعيةَ، ويُسَرِّعُ تناميَ رُشدِهم..
وليكُن شعارُها دومًا: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰاحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ.. وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِٱللَّهِ..عَلَي ْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
مُقَدِّمة: النيةُ من التربية.. ووقودُ التربية..
أسماء محمد لبيب
بَعضُ الناس يقولون أن ديننا ليست فيه أدواتٌ وقواعدُ لتعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ بالشكلِ الموجودِ في أدبياتِ التربيةِ الغربيةِ الحديثة..
ومن يقول ذلك، إما أنه لم ينَلْ شرفَ إتمامِ ولو خَتمةٍ واحدةٍ للوحيَينِ: القرآنُ وصحيحُ السُّنةِ،
وإما أنه قد قرأَ منهما عشوائيًا ثم فَتَرَتْ هِمّتُهُ وانجذبَ أكثَرَ لبريقِ التربوياتِ الغربية..
بينما لو اصطبرَ على طريقِ موسى و الخَضِر، لأوشكَ أن يلتقطَ بشِغافِ قلبِهِ وعقلِه كنوزًا تربويةً فريدةً ومدهشة، تَبْرُزُ لهُ لآلِئُها من أصدافِها، جزاءً وِفاقًا على اصطبارِه،
تُنافِسُ وتتفوقُ باكتساحٍ على أعظمِ المدارسِ التربويةِ الحديثةِ وأدبياتِ تعديلِ السلوكِ الإنسانيِّ كافة..
فما التربيةُ إلا قرآنٌ وسُنة..
وهذا ما سوف أجتهد في إظهاره للقاريء الكريم من خلال هذه السلسلة بإذن الله..
أضع فيها بين أيديكم أفكارًا عَمَليةً طبقتُها فى تربية أبطالي الثلاثة على مدار أكثر من ستة عَشَر عامًا بحول الله وقوته، تخص مشاكلنا معهم ومشاكلهم معنا.. مع عرض لتجربتي المتواضعة في حلها وفك تشابكاتها بفضل الله وحده وتوفيقه، عساها تنفعكم..
وأسأل الله أن يحفظ أولادَنا ويهديَهم ويصنعَهم على عينه ويقر بهم العين والقلب يوم الجزاء... فإنما هي أسباب نُتبِعُ بعضَها بعضًا... وإنما علينا البلاغ.. والله يهدي من يشاء إلى سواء الصراط..
أبدأ فأبين النيةَ والغايةَ المَرصُودةَ للتربية، ووسائلَها...
أولا::: غايةُ منهجي التربوي:
منهجي في التربية يستهدفُ العبارةَ الذهبية في حديث السبعة الذين يُظِلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله:
.."و شابٌ نشأ في طاعة الله"..
وضَعتُ لتلك الغايةِ الأصيلة عشر غايات فرعية من ورائها، أجتهد في تحصيلهم بحول الله وقوته لأبلغ الغاية الكبرى بسلام بإذن الله..
تتمثل تلك العشر في تخريج ذرية:
1.عالِمَةٍ بأمور الشريعة والعربية متقنة لها عارفة بحقوقها وواجباتها..
2.تَحملُ القرآنَ علمًا وعملاً وتبليغًا وجهادًا به جهادًا كبيرًا..
3. تَحرُسُ الدين وتطبقه كمنهج حياة كامل وتنشره عزيزًا دون أن تجد في نفسها حَرَجًا منه..
4.تملك عقلية فاحصة ناقدة قد درست مواطنَ الفتن وتحصنت بأسلحتها وحصنت غيرها..
5.خالية من الدنس والدناءات والتفاهات والعلائق والشهوات والشبهات، موَفَّقة لشروط الضبط والعدالة التي اتفق عليها العقلاء لتعريف خير الرجال، مُنزهة حتى عن خوارم المروءة بإذن الله، وليست كأي ذرية..
6.عالية الهمة، تتحرى النوافلَ والمندوبات كما تتحرى الفرائض والواجبات، وتطبق كل شِعَب الإيمان من أعلاها -لا إله إلا الله- إلى أدناها -إماطة الأذى عن الطريق- دون تباطؤ عن أي بر..
7.واعية بتحديات الواقع غير منعزلة عن هموم المسلمين..
8.زاهدة في الدنيا..
9.تُحِب الموتَ في سبيل الله كما يحبُ أهل الدنيا الحياة..
10.تُحَررُ الأقصى والأمة بأسرها..
ثانيا::: وسائل منهجي التربوي لتحقيق تلك الغاية:
ببساطة وبحولِ الله وقوته:
▪️ تطبيقٌ مستمر للقرآن والأحاديث والآثار الصحيحة، بفهم السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى ومن وافَق خُطاهم في العصور التالية إلى يومنا هذا، في الحياة كمنهجٍ عام أولًا مع نفسي لأجل نفسي، وثانيًا مع الأولاد أنفسهم، لتتصل سلسلة الاتباع بخير القرون بإذن الله، ولكي يجدوا توافقًا بين كلامي النظري و تطبيقي العملي كقدوة..
وأبتعد تماما عن نظريات التربية الغربية، ولا آخذ منها حتى ما لا يتعارض مع نص شرعي، فديننا أولى بالفَخار والانبهار، بل أخالفها أحيانا بقوة حين تخالف قاعدة تربوية معلومة من الدين مهما دَقَّ شأنُها.. فالخير كل الخير في اتباع السلف... وخير القرون هي التي زكاها النبي ﷺ الذي لا ينطِق عن الهوى وإنما يُوحَى إليه الخيرُ كله من رب العالمين، والتي أخرجت لنا شموسًا لم تُشرق على الأرض مثلُها حتى يومنا هذا: القرون الثلاثة الأولى...
ولو كان ثمةَ خير تربوي نزعُم أنه في أيدينا لَسبَقونا إليه.. { {فبهداهم اقتده} }..
▪️ وبالطبع هناك أمور لا يوجد نص شرعي واضح فيها، أو هي من أمور دنيانا المتروكة لاجتهاد كل فرد أو تَتْبَعُ قوانينَ علميةً تجريبيةً نافعةً وثابتة، وليست من أمور ديننا ولا من ميراث النبوة في شيء، فأجتهد حينها كذلك مع أبنائي تحت مظلة الأصول والمقاصد الكلية للشرع وقواعده العامة والجزئية، فلا أستأنسُ ولا أسكنُ إلا تحت ظل الشرع، كي يطمئن قلبي أني على صواب أو أقرب ما أكون إليه ما استطعتُ، وأني لست أتبعُ الهوى المُضِلّ المُزِل، ولو في أقل توجيه لأبنائي أو لنفسي، قدر الجهد والعلم المتواضعَين...
فاللهم اعصمنا وسددنا واجعلنا وذريتنا أئمة للحق والمتقين..
✔️ فمن توافَقَت غايتُها ووسيلتُها التربوية وخَطُ اجتهادِها الفكري التربوي مع هذا الطريق، فلتركب معنا مرحبًا بها ولتُدلِي معنا بخبراتها على نفس المسار الذي يتخذُ الآخرةَ قبلتَه والشرعَ النقيَّ مَطِيَّتَه -حتى وإن كانت خبراتُها العمليةُ كأم تختلف عن خبرات بعضٍ منا فيما يسعُنا فيه الاختلاف تبعًا للفروق الفردية- فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه..
✔️ ومن خالفَ هواها هذا المنهجَ، فلتتركنا و منهجنَا وتدعو لنا بالتوفيق إن كان خيرًا، و لتكفِنا شرَ الجدالِ المحسومِ -بلا شك- لصالح منهج السلف القويم المتين. إلا إن رأت في كلامي ما يُخالِفُ مَنهجَ السلفِ فلا تتردد في تنبيهي قطعًا فكما قال الشافعي: إن صح الحديث فهو مذهبي..
والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا..
اللهم هذه همتي و عزمي.. وعليك توكلي و بك حولي وقوتي.. فأعني بحولك وقوتك.. فلا حول ولا قوة إلا بك.
ثالثًا::: وَقُودُ التربية:وقفةٌ تأسيسيةٌ قبل أي كلام تربوي..
ما الذي تحتاجه الأمومة؟.. ما هو وقود التربية؟
التربية تحتاج في الأساس إلى صبر.. وحكمة.. وحنان..
أي: حِلمٍ وعِلمٍ ورحمة..
وإنما العِلم بالتعلم...
وإنما الحِلم بالتحلم...
والرحماءُ يرحمهم الله....
و يعينكِ على الثلاثة أيتها الأم الطيبة، بجانب إخلاص النية لرب العالمين:
..الاستعانةُ بالله..
بصدقِ افتقارٍ إليه عز وجل، وتجَرُّدٍ تام من حولِك وقوتِك إلى حولِه وقوتِه سبحانه وتعالى، وتذلل في الدعاء بقلبٍ خاشع مُنكَسِرٍ بضعفِه مُعترفٍ بعجزِه، بين يدي القوي المتين..
وللاستعانةِ بالله طرقٌ كثيرة.. أعظمُها أثرًا:
- الدعاء.
- الذِكر بشكل عام.
- استغفار/ وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم/ وحوقلة = بشكل خاص.
- قضاء حوائج الناس.
- صلوات النوافل (كثرة السجود)..
وأحبُّها إلى القلب وأسرُعها أثرًا: كثرة السجود والاستغفار...
1= فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا حارثة:
"أعني على *نفسك* بكثرة السجود"...
وأولادكِ قطعة من *نفسك*، حقيقةً ومجازًا..
فاستعيني على نفسِك وقِطَعِ نفسِك، بكثرة السجود..
2= وكما قال الله عز وجل: { { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكم تُرْحَمُون} }
فاستعيني على استخراج ثمرتِِك بأمطار الاستغفار..
باختصار أيتها الأم الطيبة..
تلك "روشتة" وقائية علاجية في ذات الوقت، أكتبها دوما لأي أم تأتيني باكية والعجز ينهش فلبها وتكاد تنهار من اليأس:
استغفري.. وصلي على النبي.. وحوقلي.. وأكثري من النوافل وأطيلي فيها السجود والدعاء...
حتى يعجز عدادك عن العد..
و حينها: سترين عجبا... بإذن الله..
رابعا:::: خريطة السلسلة بحول الله وقوته:
القسم الأول: قواعدُ تريوية
القسم الثاني: أدوات/وسائل تربوية
القسم الثالث: ممنوعاتٌ تربوية
القسم الرابع: إيمانياتُ ابنكِ
القسم الخامس: أخلاقياتُ ابنكِ
القسم السادس: ابنُكِ ومُعتَرَكُ الحياة..
سأضع إن شاء الله في مقدمة عنوان كل مقالة، اسمَ القسمِ الخاص بها، تيسيرا على القاريء الكريم عملية تصفحَ السلسلة..
والبداية في المقالات القادمة مع قسم القواعد التربوية بحول الله وقوته..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (1)
مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم ولعلهُم يتقون..
أسماء محمد لبيب
منذ أن تتيقظَ حواسُّ وَلَدِكِ للتلقين، ومادامتْ فيكِ أنفاسُ الحياةِ،
طَرِّزِي نسيجَ يومياتِه بدينِ ربِ العالمينَ خَيطًا خَيطًا وعُودًا عُودًا..
نشِّئيهِ على الإسلامِ بكل تفاصيلِهِ الصغيرةِ والكبيرةِ المعرفيةِ والعمليةِ، وألقِمِيهِ إياها مع غذاءِ بَدَنِه، قَطرَةً وراءَ قَطرَةٍ ولُقمَةً إثْرَ لُقمَة..
ولا تنزِعِي يَدَكِ من ذلك أبدًا بحججٍ واهية، كأنْ تقولي ((إنه صغيرٌ لا يستوعِبُ بَعدُ هذهِ الأمورَ ولا تعنِي لهُ شيئًا!))..
فظَنُّكِ هذا بعيدٌ عن الواقِع، فهؤلاءِ الصغارِ صفحاتٌ بيضاءُ لها خَمسُ مُستقبِلاتٍ سِحريةٌ مُدهِشَة، تتلقّفُ كلَ ما يمُرُّ أمامَها في نَهَمٍ وتُخَزِّنُهُ في أدراجٍ عقليةٍ متراصَّةٍ بنظامٍ كشَريطِ الكاميرا المتتابِع..
خاصةً تلكَ المعلوماتِ التي يَتِمُ تمريرُها مِرارًا وتكرارًا على تِلك الحواسِّ الخَمس، فإنها تتلقَّى عِنايةً فائقةً في مُستودَعاتِهم العقليةِ، أكثرَ من غيرها..
فالتكرارُ قَولًا وفِعلا، يَجعلُ المعلوماتِ والمعرفةَ تُنقَشُ وتُختَزَنُ في الوجدانِ في ذَواكِرِ المَدى الطويل، فتتحولُ لقناعاتٍ وأفعالٍ بحولِ اللهِ وقوتِه، ولو بعد حِين، فكلُّ شَجَرَةٍ لها أوانُ حَصادٍ نلتقِطُ فيه ثِمارَها..
حتى إذا حانَ وقتُ تَمَكُّنِ البراعِمِ من التعبيرِ بالكلامِ والفعالِ وآن أوانُ إزهارِ الثمارِ من مخابِئِها، اهتزتْ وربتْ وأنبتَتْ مِن كلِّ زَوجٍ بَهِيج..
فلا تظني أنهم قبل ذلك كانوا عنها من الغافلينَ أو الرافضين، حتى وإن عارضُوها بأفعالِهم وعاكسُوا توجيهاتِك فيها فيما يبدو لكِ من مشاغباتِ الصِّغارِ البريئة..
كذلك لا تَنزِعي يَدَكِ من ذلك التلقينِ الدَؤُوب، بأن تقولي: ((أنا قد غالَبتُه على ذلكَ كثيرًا فغَلَبَنِي!، مهما أُعَلِّمُهُ وأُلَقِّنُهُ لا يَستَجِيب، حاولتُ كثيرًا وفَشِلتُ، فَتَرَكْتُ..))..
فإنك إن تركتِ فكأنما وَضَعْتِ سَدًا أمامَ نَهْرِ حسناتٍ جارٍ باسمِكِ يا طيبة..
لأن العِبرَةَ بقاعدتين:
(( {إنْ عليكَ إلا البلاغ} )) و (( {ليسَ عليكَ هُداهُم} ))..
أي أنكِ ستحاسبين عِندَ ربِّكِ على التربيةِ نفسِها كيف كانت، والسعْيِ معها كان في طريقِ صَلاحِها أم فسادِها..
لكن لن تُحاسبي على ثمرةِ التربيةِ نفسِها كيف كانت، طالما لم تتركي السعيَ في طريقِ صلاحِها، ولم تسلُكِي طريقَ فسادِها..
السعيُ يكونُ بقدرِ الطاقةِ والوُسْع..
والطاقةُ والوُسعُ رزقٌ مَحض..
واللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمنْ يشاءُ ويَقْدِرُ، فلن يحاسِبَكِ إلا على رِزقِك..
والثمرةُ، وقتَ أن يأذنَ اللهُ فالقُ الحبِّ والنَّوَى.. فانتبِهِي، لأن بتأخُّرِها أحيانًا، يختَبِرُ الحكيمُ العليمُ صبرَكِ وثباتَكِ على الطريقِ الصحيحِ، وعدمَ يأسِكِ مِنهُ ولا ارتيابِكِ في جَدواه..
وإن ثباتَكِ عليهِ حتى المماتِ خيرُ دليلٍ على يقينِكِ أنهُ الحقُّ،
فاثبُتي..
مهما طالَ بِكِ الطريقُ وشَقَّ على صبرِكِ،
ومهما كانتْ أحوالُ الثمرةِ المُتَقَلِّبَةِ أمامَ عَينَيكِ بينَ المرارةِ والحلاوةِ..
فليسَ أمامَكِ إلا هذا الطريق،
تُرابِطينَ عليهِ كالمجاهدينَ على الثغور،ِ
لِعِلمِهِمْ أنَّ الأمرَ ها هنا حياةٌ أو موتٌ فلا يملكونَ رفاهيةَ اليأسِ أو القُعود،
حتى تحوزين إحدى الحُسنَيَيْنْ:
ثمرةُ التربيةِ الحلوةُ المَرجُوَّةُ بأبناءٍ صالحينَ كواكبَ دُرِّيَّةً في تاجِ الأُمَة..
أو الموتُ وأنتِ على ذلك في سبيلِ الله، مادامتْ نيتُكِ أن تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا بغَرسِك التربوي..
فالأمرُ باختصار:
{... {مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ} .. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ...}
فاصبروا وصابروا ورابطوا...
ومن هنا نسألُ سؤالًا: أين ينبغِي أن يكونَ طموحُنا التربوي؟
والجواب في المقالةِ القادمةِ إن شاء الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (2)
الطموحاتُ التربوية: "فاسألُوا الفِردَوس"..
أسماء محمد لبيب
أحزانُ الأمهاتِ تتفاوتْ..
هناك أمٌّ يشتدُّ حُزنُها حينَ لا يُرَتِّبُ ابنَها أشياءَه، أو يُبلِي مَلابسَه سريعًا، أو يُحدِثُ جَلَبَةً أثناءَ لعِبِهِ، أو يَنسَى كُتُبَه...
وأمٌ يشتَدُّ حُزنُها إن فاتَ ابنَها التمرينُ الرياضِيّ، أو حِصةُ العلوم، أو خالفَ خِطةَ الأطعمةِ الصحية...
وأمٌّ يشتدُّ حزنُها إن فاتَ ابنَها الظُهرُ في المسجدِ، أو قيامُ الليلِ، أو صلاةُ الفجرِ قبل الشروق..
كلُّ واحدةٍ لديها هَمٌّ رئيسيٌّ يَشغَلُ خاطرَها ودعواتَها بحرارة..
لكن الفرق بينهن: الطُمُوح.. الغايةُ النهائيةُ التي ينفعلُ معها القلبُ وتسهرُ العَين..
الأولى طموحُها في ابنِها كان متواضعًا، فلم تُرَكزْ إلا على هذا القليل، بالتالي قد يَسقُطُ ابنُها في الأساسيات..
والثانيةُ كان طموحُها أرقَى، لكنه لا يزال دُونَ القِمَم، بالتالي ابنُها عُرضَةٌ للنكوصِ إلى المرتبةِ الأدنَى..
أما الثالثةُ فكان طموحُها أعلى الهَرَم، فحين يتهاون ابنُها سيكون في فروعٍ ونوافلَ ولَمَم، لا أصولٍ وفرائضَ وطَوام..
ألمْ يُوصِنا نبيُّنا ﷺ بتعليةِ سَقفِ طموحِنا للقِمة، حين قال "إذا سألتُمْ اللهَ فاسألوهُ الفِردَوس"؟..
لذا..
الطموحُ في التربيةِ لابد أن يبدأَ بسقفٍ عالٍ وغاياتٍ كُبرَى كما قلنا في المقال الأولِ "النيةُ من التربية"..
وأعلم أن مُعظَمَنا يبدأُ التربيةَ وعَينُهُ على قِمةِ الهَرَم، فأنا لا أكادُ أعرفُ أُمًّا لا تتمنَّى أن تُنجِبَ مُحَرِّرَ الأقصَى وحاملَ القرآنِ وإمامَ المتقين..
لكن بعد الإنجاب يَظهَرُ الفرقُ على أرضِ الواقِع:
بين التي كان الأمرُ مجرد أمنيةٍ غاليةٍ لم تَتَجَهَّزْ لها لا بالعلمِ ولا بالوقتِ ولا بالهِمة الكافية..
وبين التي جَهَزَتْ نفسَها وسَخَّرَتْ كلَّ وُسعِها لتحقيق هذه الأمنية، مِن طَلَبِ عِلمٍ، وهِمّةٍ عاليةٍ، وحُسنِ تخطيطٍ، وتجديدٍ للنيةِ والتزكية، وتحصيلٍ للمعارفِ التربوية..
بقَدرِ طموحَكِ الأُخْرَوِيِّ في تربيةِ وَلَدِكِ وبقدرِ جهوزِيَّتِكِ لهذا الطموح،
بقَدرِ ما ستَرَينَ ثمرةً تُقِرُّ العينَ والقلبَ في الدنيا وفي صحيفتِكِ بإذنِ الله..
حتى وإن تأخرَتْ الثمرةُ لِما بعدَ موتِكِ..
فكم سمِعنا عن قِصَصِ توبةٍ واستقامةٍ للأبناءِ أخيرًا إثرَ وفاةِ أمِّهِم أو أبيهِم، وكانَ هذا هو أوانُ إزهار هدايتِهم في عِلمِ الحَكيمِ الخبير.. فسيجبُرُكِ اللهُ يَقِينًا، بقدرِ هَمِّكِ وهِمَّتِكِ في هذا الطريق.. فأبشري.. واصبري إن الله لا يضيع أجر المحسنين..
وبالطبع، لكلِّ قاعدةٍ استثناءٌ، والهدايةُ رِزقٌ،
لكن في نفس الوقتِ لا نريدُ أن يظلَّ مثالْ -((ابنُ سيدِنا نُوح))- في عقلِكِ حاضرًا بالشكلِ الذي يُحبِطُكِ ويُقعِدُكِ عن السعيِ التربويّ الإسلامِي الدؤوب، لأنَّ -أولا وأخيرًا- ابنُ سيدِنا نوحٍ كافرٌ باللهِ وبعقابِه وثوابِه، فهو ليسَ مُسلمًا نستطيعُ أن نَسُوقَهُ لفِعلِ الصوابِ وتَركِ الخطأِ بتحفيزِه بجَنةٍ أو بنارٍ يؤمنُ بهما، فلا نقيس عليهِ كلَّ مَرَّةٍ تربيتَنا لأبنائِنا المسلمينَ قياسًا مُتطابِقًا مِئَةً بالمِئَة، لأن تلقينَ الدينِ لمُسلِمٍ لا شكَّ أيسرُ، وثمَرَتَه أقربُ وأرجَى بإذن الله، لوجودِ العقيدةِ التزكويةِ القويمةِ: الخَوفِ من اللهِ والرجاءِ في رحمتِه، ومَعلومٌ وثابتٌ أن تربيةَ خيرِ القرون هي مَصنَعُ إنتاجِ خَيرِ الثمراتِ..
فلو أنَّ الله ابتلاكِ في تربيتِك الطامحة لمعالي الأمور، بنَقصٍ من ثمراتِها، فاصبري للنهاية، وسيجبُرُكِ ويُمَتِّعُكِ بثمرتِها لا محالةَ، عاجلًا أو آجلًا بإذنِ الله..
.. {وَلَنَبْلونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ ((وَالثَّمَرَاتِ ))... وَبَشِّرِ ((الصَّابِرِينَ)) } ..
وهنا يأتي سؤال: أَإِلى هذا الحدِ يَعظُمُ أجرُ مَهَمَّةِ الأبُوةِ والأُمومة...؟
والجواب: في المقالة القادمة بإذن الله...
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (3)
أمومتك كنز فاغترفي لصحيفتكِ بسخاء
أسماء محمد لبيب
مُتَشبثونَ بِطرَفِ جِلبابِك ليلَ نهار؟ يَطُوفُونَ حَولَكِ طَوالَ اليومِ ويُراقِبونَ مَواضِعَ مَجلِسِكِ ليَنْصِبُوا ضَجِيجَهُم إلى جوارِك؟ يُريدونَكِ دومًا في كاملِ التركيزِ مَعَهم في لَعِبِهِم وحَكاياهم وحتى شِجارِهم؟ يَطلُبونَ صَراحَةً كلَّ اهتمامِكِ إنْ شَرَدتِ عَنهم قليلًا؟ يحزنونَ إذا نِمتِ ساعةً من نهارِ فلا يتركونَ أحلامَكِ المطمَئِنةَ تَخطِفُ بَهجَةَ أوقاتِهم وفاكهةَ أيامِهم؟
ويخنُقُكِ هذا كثيرًا ويُشعِرُكِ أحيانًا وكأنكِ تتنفسينَ بصعوبَةٍ من سَمِ الخِياطِ، وربما تَرَجرَجَتْ دَمعةٌ في مُقلتَيكِ فألجَمتِها وابتلَعَها جَوفُكِ في صَمتٍ حزينٍ وشُرودٍ مُحبَطٍ، لأنك تحلُمينَ بإنجازِ أمورٍ ومَهماتٍ كثيرةٍ تَخصُ مساحاتِكِ الشخصيةِ التي تُشبِعِينَ فيها مُتعَتَكِ الخاصَّة، بعيدًا عن مَسؤولياتِ الأبناءِ المُستَنزِفةِ لكلِّ الوقتِ والجُهدِ والتركيز، وتتمنِينَ لو أنكِ خَلَوتِ بنفسِكِ قليلًا في مكانٍ هاديءٍ مُريحٍ للأعصابِ خالٍ من التوتر والمطارداتِ الدؤوبة، عامرٍ بمزاولةِ المُتَعِ البسيطة، وارتشافِ الكُتُبِ في سَكينة، أو قراءةِ القرآنِ على مُكثٍ، أو التلذُذِ بموعدٍ مع النورِ عز وجل في جَوفِ الظلامِ قِيامًا بجسدٍ لم تُنهِكْهُ مَهَمَّاتُ يومٍ مُتَكَدِّسٍ بالصَّخَبِ والنَّصَب؟
أشعرُ بكِ.. فأنا مِثلُكِ أَمُرُّ بذلكَ كَثيرًا..
ومن قبلُ كانتْ خديجةُ مِثلَنا، أمُّ البنينَ والبناتِ السِّتة، ولم يمنعْها ذلكَ من مُعاونةِ النبيِ ﷺ بكلِ ما أُوتِيَتْ من قُوّةٍ في دَعمِ دَعَوتِهِ والذبِّ عنها، وأبناؤها بَعْدُ صِغارٌ ملتصقونَ بجِلبابِها، فكانتْ السَّكنَ والمَلاذَ الآمِنَ المريحَ له ولأولادِهِما، رُغمَ نَصَبِ التربيةِ وصَخَبِ الصغارِ ومَشَقَّةِ المسؤوليات..
فإذا كان رَبُّ خديجةَ قد بشَّرَها على لسانِ جبريلَ ببيتٍ في الجَنةِ، من لؤلؤٍ مُجَوَّفٍ وياقُوت، لا تَعَبَ فيه ولا صَخَبَ ولا ضَجِيجَ ولا إزعاج، فأبشري كذلكَ يا حفيدةَ خديجةَ بفضلِ ربٍّ كريم، فكما جاء في شروح الحديث، هذا رزقُ أهلِ الجنة كافَّة وليس شرطًا أن يكونَ خاصًّا بخديجةَ فقط، وإنما قد بُشِّرَتْ في الدنيا بذلكَ البيتِ الهانيء لسُرعَةِ استجابتِها بالإيمانِ مع رسولِه ﷺ دون أن تُحوِجَه إلى رفْعِ صَوتٍ ولا مُنازَعَةٍ ولا إرهاقَ ولا صَخَب، بلْ أزالَتْ عنه كلَّ نَصَبٍ، وآنسَتْهُ مِن كلِّ وَحشَةٍ وتَعَب، وهوَّنَتْ عليه كُلَّ عَسيرٍ، فناسَبَ أن يكونَ منزلُها بالصفةِ المقابلةِ لكل ذلك..
فتذكَّرِي جِدَّها وتفانِيها وانطلاقَها كالسهمِ في دَعمِ دِينِ اللهِ، بينما في طرفِ جِلبابِها سِّتةٌ صِغار، فيَهُونُ عليكِ أمرُكِ ومَشاغلُكِ ومُتَعُكِ..
وادعي لنفسكِ جزاءَ صبرِكِ على كلِ ذلكَ الصخَب والتعب، ببيتٍ في الجنةِ من ياقوتٍ وقَصَب لا نَصَبَ فيه ولا صَخَب..
وإن كنتِ أحيانا تنسَين أو لا تعرفِين، حَجمَ كَنزِ الأمومةِ في الإسلام..
فدعيني أنثرْ عليكِ لؤلتينِ منهُ فقط لضيقِ المقام..
اللؤلؤةُ الأُولى:
عن الإمامِ بِشْرِ الحافِي الزاهدِ الوَرِعِ التَّقِيِّ...
فرُغمَ زُهدِهِ الشديدِ وتَفَرُّغِهِ للعبادةِ وتشَبُّعِهِ بالوَرَعِ لدرجةِ خشيتِهِ من الزواجِ لئلا يُقَصِّرَ في حقِ زوجتِهِ ورَعِيتِهِ، وربما خَشِيَ من التقصِيرِ في العبادة لشدة وَرِعِه، حتى صارَ نَمُوذجًا للعابدِ المُتَرَقِّي في درجاتِ التقوَىِ والذي يَرجُو الجميعُ أن يكونُوه، إلا أنهُ عِندَ وفاتِه قال عنهُ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل:
"لو كان تَزَوَّجَ! فلو أنه تزوجَ لَتَمّ أمرُه".. لِعلمِ إمامِ السُّنّةِ الفقيهِ الحكيم، أن مَهَمةَ إنباتِ قلوبٍ مُسلمةٍ تَسجُدُ للهِ في أرضِه إلى يوم القيامة، إنما هو مِن معالِي الأمورِ وأعظمِ العبادات..
فاستحضِرِي دومًا أن تمامَ أمرَكِ عندَ ربِكِ هو بما اصطفاكِ لهُ من الأمومةِ بإذنِ الله، مهما نَقَصَتْ سائرُ أمورِكِ الأُخرى ومساحاتُكِ الخاصةُ وحزِنتِ لذلك، فربُكِ كريمٌ جبار، وما تقدموا لأنفسكم مِن خيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هو خيرًا وأعظمَ أجرًا..
واللؤلؤةُ الثانيةُ عن ابنِ عُمَر:
أنَّه رأى رجلًا في الطوافِ يحمِلُ أمَّه على ظهرِهِ وهو يُثنِي على فَضلِها عَلَيهِ منذ كان رَضِيعًا، ثم سألَه: هل تَظُنُّنِي جازيْتُها يا ابنَ عُمر؟ فقال: لا..! ولا زفرةً واحدةً.!
فيا أيتها الأمُ الحاضنةُ الكريمة:
أمومتُكِ في الإسلامِ كَنزٌ.. فاغترِفِي بسخاء ولا تبخَلِي على نفسِك..
فكلُّ ما تَفعلينَهُ لولدِكِ لهُ أجر.. وكلُّ ما يُصيبُكِ فيهِ لهُ أجر.. وكلُّ ما تصبِرِينَ عليهِ مَعَهُ لهُ أجر..
فاصبري على صَخَبِ أبنائِك وتَعَبِ طريقِ التربيةِ على مَرضاةِ الله، وجاهِدِي في الجَمعِ بينَ معالِي الأمورِ كلِّها مثلَ خديجة..
فإن عَجَزْتِ، فيَكفيكِ من الأمومةِ أجرًا وشَرَفًا، أنَّكِ مَضرِبُ المثَلِ في المَرحمَة، مِن اللهِ ورسولِه ﷺ ، فحين يُرادُ شَرحُ مَدَى سِعَةِ رحمتِهِ سبحانَهُ بمثالٍ يستوعبُهُ الناسُ،
لا يُؤتَى إلا بــ "رحمةِ الأم" التي تَنعَقِدُ عليها كلَّ مرةٍ المُقارَنةُ في الأمثلةِ النبويةِ الحكيمة: "للهُ أرحَمُ بكم مِن هَذِهِ بوَلَدِها"..
فاصبري.. وأبشِري..
فالأمومةُ تستحقُ، لأنك تصنعينَ بِها المُسلمَ السَّوِيَّ الصالحَ المُصلِح..
ولأجل ذلكَ اقترنَ بِرُّ الوالدينِ بعبوديةِ اللهِ...
كما سنرى في القاعدة القادمةِ إن شاء الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (4)
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ..
أسماء محمد لبيب
مَا إن يبدأُ ولدُكِ في إدراكِ مفاهيمَ الحياةِ مِن حَولِهِ، فإنَّ أولَ مَطلُوبٍ تُلَقِّنينَهُ إياهُ بَعدَ التوحيدِ هو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }
وربما ذلكَ قَدْ يَبدأُ بعدَ إتمامِه لعامِه الثانِي واللُه أعلم، فهذا الشَّطرُ من الآيةِ قد جاءَ بعدَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن}
ولكن إنِ استوعبَ الأمرَ قبلًها فبادرٍي، فالعِبرَةُ بالاستيعاب..
فما إنْ يَعقِلُ مَفاهِيمَ التواصُلِ والامتنانِ، لَقِّنِيهِ شُكرَ أصحابِ الإنعامِ الأكبرِ عليهِ في حياتِه:
-ربِّه تباركَ وتعالَى أولًا، خالقِه ورازِقِه،
-ثم أمِهِ وأبيهِ ثانيًا، مَنْ جَعَلَهُما اللهُ سببًا في وُجُودِه ورِزقِهِ وعافيتِه وسعادتِه..
وكما هو معروفٌ أنَّ الشكرَ أصلُ العبادةِ للهِ عز وجل وأَصلٌ في تَحَقُّقِها حيث قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فهو كذلك من أسبابِ ((التعلقِ والارتباطِ الشعوري)) عمومًا، بولِيِّ الفَضلِ والنِّعمَةِ،
ومن أقوَى أسبابِ الإحساسِ بالسكنِ معَهُ وحُبِّ الانقيادِ لَه،
بسببِ الشعورِ العميقِ بالامتنانِ والتقديرِ تجاهَه..
ولا شكَّ أن هذا يكونُ مِن أقوَى الأسبابِ المُحَفِّزَةِ للنفسِ على البِرِّ والطاعةِ والتسليمِ بينَ يَدَيِ المُرَبِّي عُمومًا،
وبالتالي يُقَوِّي من الاستجابةِ للتقويمِ والتوجِيهِ والتربيةِ على الإسلامِ والاستقامةِ،
وتسليمِ الزِّمامِ طواعيةً بسَهُولةٍ ولِينٍ ويقينٍ وثِقَةٍ وحُبّ..
فمَنْ يَشكُرْ للهِ = سيَعبُدُه ويُطيعُه ويَبَرُّهُ ويَستسلِم لَهُ ويَخضَعُ بين يَدَيهِ..
ومن يشكرْ لوالديهِ = سيُطُيعُهُما ويَبَرُّهُما ويَنقادُ لهما بالمعروفِ ويَخفِضُ لهما الجناحَ ويَلِينُ بينَ يَديهِما..
ولذلكَ نجدُ التفكُكَ المُجتَمَعِيَّ في أعلَى صُوَرِه مَوجُودًا في المجتمعاتِ الغربيةِ الحديثة،
إذْ إنَّ من أقوَى أسبابِ انهيارِ المُجْتمَعات:
هَدمُ مَفهومِ بِرِّ الوالدينِ في الأُسرةِ،
والتسخيفُ مِن قِيمةِ الالتزامِ نحوَهُما بِشَيْء،
وكَسْرُ هيبتِهِما في عُيونِ الأبناء،
وانتشارُ ثقافةِ الاستغناءِ عن أبيكَ وأمِّكَ ودعواتِ التخلُّصِ من هيمنةِ الكِبارِ والسُّلطَةِ الأَبَوِيَّة،
والتهوينُ من قُبحِ جُحُودِ نِعمَتِهِمْ أو مِن كَربِ العَيْشِ بِدُونِهِمْ،
وبالتالي تَمَرُّدُ الأبناءِ على توجِيهاتِ الآباءِ وقُيُودِهم..
ولا يَخفَى على كُلِّ عاقلٍ ما نَتَجَ عن ذَلِكَ مُجْتَمَعِيًّا ودِينيًا وإنسانيًّا، ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله..
فالحمدُ للهِ على نِعمةِ الإسلامِ، الذي قَرَنَ بِرَّ الوالِدَينِ، والامتنانَ لنِعَمِهِمَا، وطاعتَهُمَا في المَعروف،
بتمامِ العُبودِيَّةِ للمُنْعِمِ الأعظمِ وشُكرِهِ عَزّ وجَل، وخَوَّفَ من التفريطِ في ذلك،بِيَوْمِ الجَزَاءِ والحِسابِ قائلًا:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ... إليَّ المصير}
لكن أيتها الأمُّ الطيبة،،،
أهَمُّ ضامِنٍ لفعاليةِ هذهِ القاعدةِ مَعَكِ بإذن الله، هو ألا تُلَقِّنِيها لوَلَدِكِ بطريقةٍ فيها ((مَنٌّ وأذَى))..
وإنما بطريقةٍ تُنَشِّؤُهُ على أنَّ الأدبَ، والمُرُوءةَ، والخُلُقَ القَوِيمَ، وعَيْنَ الإسلامِ والإيمانِ:
-الامتنانُ لِرَبِكَ،
-والامتنانُ لوالِديْكَ..
وهنا يأتِي سؤالٌ: ألَا يجلِبُ امتنانُهم لنا وإجلالُهم إيانا، التَروِيضَ المُمَيْكِنَ، بدلًا من التربيةِ التَزكَوِيَّة؟
والإجابةُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (5)
شابٌ نشأ في طاعةِ الله: تربيةٌ أم ترويض؟
أسماء محمد لبيب
التربيةُ ليس مرادِفُها أن تَجعَلي أبناءَكِ مُنضَبِطِي السلوكِ فقط مادُمتِ حاضِرَةً بسَمعِكِ وبَصَرِكِ مَعَهُم..
إنما التربيةُ هي أن يَفعَلواَ الصوابَ حتى وأنتِ لستِ في الجوار..
النوعُ الأولُ اسمهُ "ترويضٌ" أو "تعايشٌ سِلمِيٌ"،
وهذا هو ما تقدمه لكِ نظرياتُ التربيةِ الغربيةِ الحديثةِ للأسف، خاصّةً لو طبقتِها بدونِ مِسطَرَةِ التربيةِ الإسلامية..
والنوع الثاني اسمُه "تربيةٌ" و "تزكيةٌ" و"فنُّ صناعَةِ الرِّجال"، ذُكرانًا وإناثًا..
الترويضُ استئناسٌ للنفسِ لتصبح أليفةً، حتى إذا فُتِحَ القفصُ أو غابَ الحارِسُ، عادتْ لتَوَحُّشِها..
لكنِ التربيَةُ، هي إعادةُ تشكيلٍ للنفسِ بالتقوَى الذاتِية، فيَستَوِي عندَها وجودُ رقيبٍ من عَدَمِه، لعلمها أن الله شهيدٌ رقيب..
إذًا...
الترويض تطويعٌ مٌؤقَّت، بينما التربيةُ تَطوِيعٌ دائم..
لكني لا أُنكِرُ أنَّ التربيةَ تحتاجُ معَها للترويضِ أحيانًا بالفعل، بل إنَّ بعضَ نظرياتِ الترويضِ المنتشرةِ، موجودةٌ في دينِنا نحنُ قبلَ كلِّ تلكَ الكُتُب..
لَكِنِ الفرقُ، أن الترويضَ في التربيةِ الإسلاميةِ لا يكونُ وحدَهُ بأيةِ حالٍ، وإن وُجِدَ فلا يكونُ هو الأصلُ..
أي إننا يُمكننا الاستغناءُ عنِ الترويضِ ونحن نُرَبِّي،
لكن لا يمكننا الاستغناءُ عن التربيةِ ونحن نُروِّض..
ولأجلِ ذلكَ، فإنَّ خليطَ التربيةِ الإسلاميةِ وَحدَهُ يُحَقِّقُ المعادلةَ التربويةَ المُدهِشة في قوله تعالى: {يَهدِي لِلَتِي هِيَ أَقْوَمُ}..
فإنْ سألَ سائِلٌ:
كيفَ السبيلُ إلى تلكَ التربيةِ الإٍسلاميةِ التي تؤتِي أُكُلَها الطيبةَ دونَ خَلَلٍ بإذنِ رَبِّها،
وتُنشِيءُ أطفالَ المسلمينَ على الاستقامةِ في كلِ حال؟
فالجوابُ في ثلاثٍ:
أولًا: سقايةٌ متينةٌ ومحكمةٌ للعقيدةِ النقيةِ في قلوبهمُ الغَضَّةِ..
كمفهومِ التوحيدِ الخالِصِ وشُرُوطِ لا إلهَ إلا الله/ وأسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه/ وأركانِ الإسلامِ/ وأركانِ الإيمانِ، خاصَّةً رُكنُ الإيمانِ بالأنبياءِ القدواتِ الحسنةِ، والإيمانِ بالملائكةِ الكرامِ الكتبةِ، والإيمانِ بيومِ الجزاءِ والجنةِ والنارِ..
فتلك المنظومةُ المتراصَّةُ بإحكامٍ ستُنبِتُ في قلوبِهِمُ التقوَى والخوفَ من غَضَبِ الله/ والرجاءَ في جَنَّتِهِ ومَحَبَّتِه/ والإخلاصَ/ وحُبَّ الخيرِ وأهلِه/ وبُغضَ الشرِّ وأهلِه/..
وسنفصلُ ذلكَ أكثرَ في مقالاتٍ لاحقةٍ بحولِ اللهِ وقُوَتِه..
ثانيًا: سِقايةٌ متأنيةٌ وعلى مُكثٍ، للقرآن..
وتعليقِهِم بِهِ كغذاءٍ لا غِنَىً عنْهُ،
كغذاءِ البَدَنِ تمامًا بلْ أشد..
فينشأونَ على أنَّ "القرآنَ حياةٌ"، حِفظًا وفَهمًا وحُجَّةً وعَمَلًا ودِرْعًا أمامَ المِحَنِ..
ثالثا: وسائلُ أخرى لا تقلُّ أهميةً، مِن إخلاصِ النيةِ للهِ/ وصِدقِ الاستعانَةِ به/ والقدوةُ/ والصبرُ/ والحبُ والمرحمةُ/ والذِّكرُ للهِ كثيرًا وفيهِ الدعاءُ..
وتكلمنا عنهم من قَبلُ ولازالَ للتفصيلِ بقيةٌ بإذنِ الله..
فختامًا نقولُ،،،
الإسلامُ يُنَشِّئُهُم منذُ صِغَرِهِم على حَملِ هَمِّ الدينِ وهَمِّ إهدائِهِ للناسِ قُدوةً وقِيادة.
ويَنقَعُ قلوبَهم وأعمارَهُم فِي القُرآن.
ويُرَبِّيهُم على الخشونةِ والتخفُّفِ مِنَ الدُنيا وعدمِ الهشاشةِ أو المُيُوعةِ.
ويُلَقِّنُهُم أنَّ مَعَالِي الأمورِ لا نَملِكُ رفاهيةَ تَرْكِها.
ويُعَلِّمُهُم فَنَّ التخطيطِ الشاملِ لحياتِهم حولَ كَعبَةِ رضا الله.
ويَغرِسُ فيهم أنَّ الإنجازَ الساحِقَ والميداليةَ الذهبيةَ = في رضا اللهِ لا الناسِ، وأنَّ ذلكَ هُو الفوزُ العظيم.
وكذلك الإسلامُ يُعَلِّمُكِ وأباهم أن تُلقِناهُم ذلك وأنتُما تحيطانِهِم بحبٍ وتَحنانٍ وحُسْنِ صُحبَةٍ وتَشجِيعٍ واحتواءٍ وصبرٍ وحِكمةٍ..
ويَحَثُّكُما على أن تكونا قدوةً في كلِّ ذلكَ أولًا، ليَقتَفُوا خُطُواتِكما بثباتٍ، فِي فَنِّ ((مَلءِ الصحيفةِ بالحسناتِ))..
فإن رَبَيتُم وتَرَبَيتُم على ضوءِ تِلكَ الثمانيةِ، فلن تقلقُوا من فَخِ الترويضِ، ولن تحتاجُوا إلى الغَربِ لِكَيْ يُعَلِّمُوكُم كيفَ تُرَوِّضُونَ أبناءِ المسلمين..
لأنَّ الثمرةَ إن لم تكُنْ "شابًا نشأَ في طاعةِ الله"، فإننا حِينئذٍ لَم نُرَبِّ غالبًا، وإنَّمَا قد رَوَّضْنا وحَسب..
والتربيةُ صعبةٌ.. أجَلْ..
لَكِنِ الثمرةُ تستحقُّ..
فروِّضُوا أبناءَكم بالإسلامِ..
وهنا قد تسألُ أمٌ فاضلةٌ: هل من نَمُوذجٍ قرآنِيٍّ عَمَلِيٍّ، يُبرِزُ ويُؤكِّدُ هذا الكلامَ، نضَعُهُ نُصْبَ أعينِنا ونَسِيرُ عَلَيهِ؟
والجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..
أسماء محمد لبيب
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (6)
صناعةُ القادةِ والقدواتِ، وآتَيْناَهُ الحُكْمَ صَبِيًّا
أسماء محمد لبيب
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ = سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
قواعد: (6) صناعةُ القادةِ والقدواتِ.. {وآتَيْناَهُ الحُكْمَ ((صَبِيًّا))..}
{وآتيناه الحُكمَ ((صبيًّا))..}
مَنْ هَذَا....؟
سيدُنا يَحيَى عليهِ السلام..
وما معنى الآية؟
معناها أنَّهُ أُوتِيَ مَعرِفةَ أحكامِ اللهِ والحُكمَ بها، وهو في حالِ صِغَرِه وصِباه..*1
فهل من آيةٍ أخرى؟
نعم: { {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ.. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ((بِيَحْيَى)).. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ((سَيِّدًا)) وَ((حَصُورًا)).. وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} }..
لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مِن نَعِيمِ الدنيا الذِي يُبَشَّرُ بهِ المَرءُ، أن يكونَ ولدُهُ ((سيدًا)).. و((حَصُورًا))..
سَيِّدًا مُؤَثِّرًا فِي الناسِ، لَهُ كلمةٌ مًسمُوعةٌ وينتهِي إليهِ القولُ، سَواءً في دائرتِهِ أو أوسَعَ منها..
وحَصُورًا لا يأتِي الذنوبَ والفواحِشَ، بل حَصَرَ نفسَهُ عَنها، وخَصَّصَ بَدَنَهُ لطاعةِ ربِهِ وَتَزكِيةِ نَفسِهِ،
بالِغًا بذلك دُرَّةً عاليةً في الطُّهْرِ والاستقامة:
= فهو سيدٌ في المَشُورةِ والإمامَةِ، أي: ((قائدٌ))..
= وسيدٌ في الصلاح ِ والعِفةِ والعِصمَةِ من المُنكَرَاتِ، أي: ((قدوة))..
والآيةُ تُشِيرُ إلى أنَّ من أقوَى أسبَابِ ذلك: التسلُّحُ بالعلمِ الشرعيِّ منذُ الطفولةِ، وأخدُهُ بقُوةٍ..
ببساطةٍ..
الآيتانِ تَلفِتانِ نِظَرَنا لنوع ٍ مِنَ التَرْبيةِ اسمُهُ [[ فَنُّ صِناعَةِ القادةِ والقُدْواتِ ]]..
فمِن فُنُونِ صِناعَةِ القادةِ: التربيةُ على هدفٍ أكبرَ من دائرةِ الذَّاتِ: "سيادةُ العالمِ وإمامَةُ الناسِ"..
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ، سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!"
تلك أمٌّ قد فَقِهَتْ الآيةَ، ورَبَّتِ ابنَها بها، حتى صارَ "مَعاويةَ بنَ أبِي سُفيان"، داهيةَ العَرَبِ قبلَ الإسلامِ وأحدَ فُضلاءِ الصحابةِ بعد الإٍسلامِ.. رضي الله عنه..
أما نحنُ اليومَ؟... فنتَحَسَّسُ رقابَنا إذا فَكرْنا في مُخاطَبَةِ بَعضِ الناسِ بأدبياتِ تربيةِ تلكَ النفوسِ التِي سادَتِ الدنيا..!!
هذا فيما يَخُصُّ فَنَّ صِناعةِ القادةِ..
أما فيما يَخُصُّ فَنَّ صناعةِ القُدْواتِ:
فمِن أقوَى ما يُعِينُ عليهِ وأشارتْ إليهِ الآياتُ، تربيةُ ولدِكِ على الانتباهِ جيدًا لسلوكياتِهِ ومواضعِ خُطُواتِه حِرصًا على خُطُواتِ الناسِ خَلفَهُ، إخوتِهِ وجِيرانِه وصُحبَةِ المَسجِدِ والمَدرَسةِ وغيرِهم.. فتَكرَارُكِ ذَلِكَ عليهِ دومًا، من أقوَى وسائلِ تَنمِيَةِ حِسِّ القُدْوَةِ بداخِلِه..
مثلما فَعَلَ سيدُنا عُمَرُ معَ سيدِنا طَلحةَ..
ففي يومٍ مِن أيامِهِمُ النَّدِيَّةِ، رأى سيدُنا عُمَرُ سيدَنا طلحةَ وهو مُحرِمٌ بملابسَ مصبوغةٍ، فسألَهُ عن ذلكَ.
فقالَ لهُ طلحةُ: إنما هُوَ مَدَرٌ – أي إنه طِين ٍ لَزِج ٍ فحسْبْ.. وقد ظَنَّهُ سيدُنا عُمَرُ صبغةَ ألوانٍ من التِي لا تَجُوزُ في حَقِّ الرِجالِ..
فقال عُمَرُ جُملتَهُ الذَّهَبِيَّةَ:
[[ إِنَّكُم أيُّها الرَّهطُ أئمَّةٌ يَقتدِي بكُمُ الناسُ.. فلو أن رجلاً جاهِلاً، رَأَى هذا الثوبَ، لقالَ: "إنَّ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلبَسُ الثيابَ الْمُصَبَّغَةَ في الإحرامِ"، /فلا تَلبَسوا أيُّها الرَّهطُ شيـئًا من هَذِهِ الثِّيابِ المُصَبَّغَةِ..]]
رضِيَ اللهُ عن لَئالِيءِ الأُمَّةِ..
ونقولُ خِتاماً..
= رَبِّي وّلَدَكِ على سِيادةِ الدنيا بالقدوةِ الصَّالِحَةِ..
= فِإنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَسِيادةُ قومِه..
= فإن لمْ يَستَطِع، فسيادةُ نَفْسِه وامْتِلاكُ زِمامِها، كَأهَمّ وأَجَدَرِ غايَةٍ للِفلاحِ..
= وهَيِّئِيهِ لتلكَ الدَرَجاتِ العُلَى بِالعِلمِ والقُوَّةِ وكلِّ الأسبابِ، مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ..
فقطْ نَنتَبِهُ ونحنُ نُرَبِّيهِمْ على سِيادَةِ العالَمِ، أن لَّا نَزرَعَ فيهم حُبَّ الرِّئاسَةِ ولا السَّعْيَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ مَالٍ أَوْ مَنصِبٍ أو زَعَامَةٍ، وَلا دُونَ جَدَارَةٍ واستِحقَاقٍ.. فلا يُقَدِّمُ نَفسَهُ لِلقِيادَةِ والإداراةِ وما شابَهَ إلَّا إذا تَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالكَفاءَةِ وَالإِخلاصِ للهِ، كما فَعَلَ سيدُنا يوسفُ {اجعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الآرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. وكما دَعَا عِبادُ الرحمَنِ الذين زكاهم الله: {وَاجعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}..
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟.. فَضَرَبَ ﷺ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ.. إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» "..
لكن في نفسِ الوَقتِ، عن عُثمانَ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "يا رسولَ اللهِ! اجعَلْنِي إِمَامَ قومِي" فقالَ ﷺ: أنتَ إِمامُهُم..
رُغْمَ أَنَّهُ كانَ أصغَرَ قَومِه مِن وَفدِ بَنِي ثَقِيف، إلا إنَّهُ كانَ أحْرَصَهُم عَلَى طَلبِ العِلمِ بَينَ يَدَيِ النبيِ ﷺ، فاستَحَقَّ إمَامَتَهُم..
فالأمرُ أولًا وأخيرًا بضوابِطَ وأدواتٍ نربيه عليها أولًا، ولا يَتَسِعُ لها المَقامُ هُنا..
فيكونُ سَعْيُه لِلقِيادةِ والقُدوَةِ وَسِيلَةً لنَشر ِ دِينِ اللهِ، وليستْ غايةً لِصَرْفِ وُجُوهَ النَّاسِ إِليهِ..
فحِينَها ((سيَحيَى)) بِحَقٍ كَسِيدِنا ((يَحيَى))، الذي كان سَيّدًا فِي النَّاسِ بعِلمِهِ وعملِهِ ذا كَلِمَةٍ مَسمُوعَةٍ، وسيدًا في الصلاح ِ ذا نَفْسٍ حَصُورَةٍ عن الشَّهَوَاتِ والذُّنُوبِ، وسَيِّدًا فِي الأنبياءِ بَلَغَ مِنَ الخَيرِ والكمالِ البَشَرِيِّ ذُرْوَتَهُ..
فيُحْيِي اللهُ الناسَ بِوَلَدِكِ، و((يَحيَى)) هو خالدَ الذِّكْرِ بِلِسانِ صِدْقٍ فِي الآخِرِين.. بحول ِ اللهِ وقُوَّتِهِ..
وهُنا يَأتِي سؤالٌ: كيف يَلِينُ بَينَ يَدَيْكِ فِي كُلِّ ذَلِك...؟
والجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بِإذنِ الله..
--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (7)
الصِدْقُ والعدلُ أساسُ المُلْك.. {لأعدِلَ بينَكُم}
أسماء محمد لبيب
إِذا سَألْنا كيفَ يَلِينُونَ بَينَ يَدَيكِ ويَثِقُونَ في توجيهاتِكِ، فإنَّ أَوَّلَ صِفَتَينِ تملكِينَ بِهِما -بحولِ اللهِ وقوتِهِ- زِمامَ قلبِهِمْ وعقلِهِمْ، هُمَا: الصدْقُ والعدلُ.. وتأتيانِ قبلَ حَتَى كلامِنا عن الحُبِّ والحَنان..
فحنانُكِ مَعَهُم ومَرحَمَتُكِ، ومُشارَكَتُكِ إياهُم لَعِبِهِم، وإلقامِهِمْ مَا لَذَّ وَطابَ مِنَ الأطعِمَةِ، واهتمامُكِ بتفاصِيلِهم المُحببَةِ إليهِم، وتَلْقِينُكِ إياهُم الخِبراتِ الحياتِيَّةِ بِلِينٍ ورِفقٍ، وضَحِكُكِ مَعَهُم وحِرصُكِ على مَصلَحَتِهِم في العاداتِ الصحيةِ، وما إلَى ذلكَ مِنْ مَظاهِرِ أمُومَتِنا لِفَلَذاتِ أكْبادِنا، إن كانتْ جَميعُها لَدَيكِ بنِسَبٍ مُتَوَسِّطَةٍ أو مَقبُولَةٍ، فلا تُحبَطِي مَادُمْتِ في الصِّدقِ والعدلِ تُحَقِّقِينَ دَرجاتٍ نِهائِيةٍ ونِسَبًا قِياسِيَّةٍ...
بلْ أُبَشِّرُكِ: سَتَملِكينَ قلوبَهُمْ أسرَعَ وأقوَى بإذنِ الله..
وبالمُقابِلِ: قد تكونُ نسبتُها كلُّها في أُمُومَتِكِ عَاليةً جِدًا وتَبذُلِينَ فِيهم مَجهُودًا جَبارًا قاصِمًا للظَّهرِ (باركَ اللهُ فِيكِ وتقبلْ مِنكِ فهوَ مِن مَعانِي الأمُومَةِ الجَميلةِ قَطعًا بلا شَكّ)، لكنَّكِ في ذاتِ الوَقتِ تُخفِقِينَ في تَحقِيقِ النَّجاحِ في درجاتِ الصدقِ والعدل، أو ربما في نَظَرِ أولادِكِ قد أحرَزتِ درجةَ السُّقوطِ والعياذِ بالله، فهُنا أخشَى أن أحَذِّرَكِ: أنكِ قد تَخسَرِينَ قُلُوبَهُمْ وعُقُولَهُمْ مهما فَعَلْتِ لهم من مُبهِجاتِ، إلا أنْ يَرحَمَكِ اللهُ، لأنَّ أبناءَكِ هكذا يَفقِدُونَ الشعورَ بالأمانِ في جَنابِك،ِ والثقةِ في حُكمِكِ أو كلامِكِ..
نَعَم سَتَرَيْنَ أبناءً بَارِّينَ مُطِيعِينَ فهذا هو دِينُهم، لكن قلوبُهم وعقولُهم لا سُلطانَ لهُم عليها، ستكونُ مُهاجِرةً من وَاحَاتِكِ لواحاتٍ آُخرَى آمِنَةٍ، بحثًا عن الصدقِ والعَدلِ..
لذلك هما أكثرُ صِفَتَينِ غَيرُ مَقبُولٍ فيهما نِسَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ، بل لا أبالغُ إنْ قُلتُ غَيرُ مَقبُولِ فيهما أصلًا أقلَّ من مائة بالمائة.
حين ضاقَتْ الدنيا على الصحابةِ لشدةِ تَعذِيبِ قريشٍ لهم، وصَّاهُم النبيُّ ﷺ بالحَبَشَةِ..
لماذا بالذات......؟
الجوابُ مِنَ الحديثِ: «لأنَّ عِندَهُم مَلِكٌ لا يُظلَمُ عِندَه أَحَدٌ: النَّجَاشِيّ» (السلسلة الصحيحة)
فكانَ عدلُه سببًا لأن تَهوِي إلَيهِ القلوبُ مِن كُلِّ جَانِبٍ..
فالأمانُ مُقُدَّمٌ على الحُبِّ، لأنَّ دَفْعَ الضَرَرِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المنفعة..
بل لا حُبَّ بِدونِ أمانٍ....
ولا أمانَ بِدونِ عدلٍ...
ولا عدلَ بِدونِ صِدق...
وحينَ كانَ هُناكَ نِزاعٌ بينَ فَريقَينِ من الصحابةِ، حولَ مسألةِ "أيهُما أحقُّ برسولِ اللهِ ﷺ، احتِجاجًا بمِعيارِ "أيهُما الأسبَقُ للهِجرَةِ مِنَ الآَخَرِ"، كان بعضُ المهاجرين يقولون لمُهاجِرَةِ البَحرِ الذينَ هاجَرُوا للحَبَشَةِ قَبلَهُمْ بالسفينةِ ثمَّ بَعدَ بِدْءِ الهِجرَةِ لِلمَدِينَةِ هَاجَرُوا للمدينةِ:
"نحنُ سَبَقناكُم بالهجرَةِ ونحنُ أحقُّ بالنبيِّ مِنكُمْ"..!!
وفي مَرَّةٍ، قالها سيدُنا عُمَرُ لإحدَى مُهاجِراتِهم: السيدةُ أسماءُ بِنتَ عُمَيْسْ.. فَغَضِبَتْ بشدةٍ وقالتْ له كلامًا مُلَخَّصُهُ:
"هذا الذي تقولُهُ يا عُمَرُ كَذِبٌ!!.. وإِنَّكُمْ كُنتُمْ في أمانٍ والنَّبِيُّ ﷺ بينَ أظهُرِكُم يُطعِمُ جائعَكُم ويُوعِظُ جاهلَكُم، بينما نَحنُ كُنا وَحدَنَا بِدونِهِ، نُؤذَى ونَخَافُ للهِ وفي اللهِ ورسولِه..!! "
وأقسَمَتْ ألا تَأكلَ أو تشرَبَ إلا بعدَ تبليغِ الرسولِ ﷺ بالأمرِ ليأتيَ لها بحقِّها هِيَ وَمَنْ مِثلِها مِنْ مُهاجِرَةِ الحَبَشَةِ.. فلما اشتكتْ للنَّبِيِّ ﷺ، أنصَفَها وخَطَّأَ سيدَنا عُمَرَ، قائلًا إجمالًا: « ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان » (رواه البخاري ومسلم)
تَتَخَيَّلُونَ حَجمَ سعادتِها وقومِها بهذا الإنصافِ المُنتَظَرِ، ومَدَى تمَلُّكِ النَّبِيِّ ﷺ لقلوبِهم وعقولِهم بعدَها أكثرَ وأكثرَ؟
وصَفَتْ، جانبًا من رَدّ فِعلِهِم فقالتْ: ((ما مِنَ الدنيا شيئٌ هُم بِهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهِم مما قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ..))
فيا أيَّتُها الأمهاتُ الطيباتُ..
- اعْدِلنَ بينَ أولادِكُنَّ: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]
- واحكُمنَ بينَهُم بالعدلِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} [المائدة:42]
- وأنصِفُوهُنَّ مِن أنفُسِكُنَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]
- وأَتْقِنَّ الصِّدقَ والعَدلَ..
- وكُنَّ مَلاذَهُمُ الآمِنَ الأمِين...
تَملِكْنَ قلوبَهمْ بإذنِ مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار..
فالعدلُ أساسُ المُلْكِ.. والصِّدْقُ أساسُ العدلِ.... والعدلُ هو بَذْلُ الحُقُوقِ بلا نُقصَانَ، والتسويةُ بَيْنَ المُستَحِقِّينَ في حُقُوقِهِم..
وأَعدَلُ قانونَ حُقُوقٍ تُطَبِّقِينَهُ مَعَهُم، بَلْ تَخضَعُونَ لَهُ جَميعًا بأمانٍ فلا تَناقُضَاتٍ فيه تُفقِدُ الثِّقَةَ في عَدَالَتِهِ وتُفسِدُ الوُدَّ وتُوغِرُ الصدُورَهو العدلُ الإلهيُّ، المُتَمَثِّلُ في شَرعِهِ الحَكيمِ الذِي أُحكِمَتْ آياتُه.. ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كثيرًا وميلًا عَظيمًا..
في قانُونِهِ خَمسَةُ أحكامٍ للأمورِ: واجبٌ/ حرامٌ/ مَكرُوهٌ/ مُستَحَبٌ/ مُباحٌ..
- أنصِفِي ابنَكِ مِنكِ فِيهِنَّ تَملِكِينَ قَلبَهُ وعَقلَهُ وتُعَزِّزِينَ إيمانَه بإذنِ الله..
وتَذَكَّرِي أنَّ نِصْفَ حُرُوفِ الـ ((أَ مَ ا ن)) هي الـ ((أُ مَّ)) ..
إلا ما كانَ عَنْ تَقصِيرٍ بَشَرِيٍّ طَبِيعِيٍّ، فنُسارِعُ بَعدَهُ بالإِقرَارِ بالخَطَأ، وهذا عَيْنُ الصِّدقِ والعَدْلِ..فكلنا ذَوُو خَطأٍ، وخَيرُ الخَطائِينَ التوَّابُون..
والسؤالُ: كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَهُمْ بالأحكامِ الخَمسَةِ؟ وما علاقتُها بِالتَربِيةِ وتأسيس السلوك وتعديله؟
والجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذنِ الله.
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (٨)
وأنزلْنا مَعَهُم ((الكتاب)) و ((الميزان)) ليقومَ الناسُ بالقِسط..
أسماء محمد لبيب
[[ قوانين الأسرة]]
كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَ أبنائِنا بالأحكامِ الخَمسَةِ؟
بالكتابِ والمِيزانِ: {لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰت ِ.. وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ}
المسألةُ ليستْ بهوَى الأمهاتِ ولا الأبناءِ.. المسألةُ: بالكتابِ والميزانِ.. هم ونحن عباد لله.. {وَمَا ٱختَلَفتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ}.
فما الكتابُ والميزانُ؟ هما باختصارٍ: الدينُ والعدلُ.. الحَقُّ المِسطَرَةُ للمَنطِقُ المُستَقيمُ...
فحين يَشكُو إِليكِ ابنُكِ أمْرًا في الحياةِ لا يُعجِبُه، فقبلَ أنْ تقولي له "هذا خطأٌ أو ليسَ خَطَئًا، أو هذا ليسَ مِنْ حقك الشَكوَى مِنه أو أنتَ مُحِقٌ في شَكواكَ"، عليكِ أولًا:
-أنْ تَزِنِي الفِعلَ بمِيزانِ الشَرعِ.
-وأن تُبَيِّنِي لهم كلَّ مَرَّةٍ أنكِ تَحكُمِينَ على الأمُورِ أو تُعَدِّلِينَ سلوكَهم وِفْقَ الكتابِ والميزان.
-وتَسُوقِينَ لِذلكَ دليلًا من مَصادِرِ التشريعِ التي نَستَقِي مِنهَا حُكمَنَا على الأمور، سواءٌ مِنَ المَصادِرِ المُتفقِ عليها من آيَةٍ أو حَدِيثٍ أو قِياسٍ أو إجماعٍ، أو المختلَفِ عَلَيها كالاستِحسانِ، والمَصَالِحِ المُرسَلَةِ، والاستِصْحابِ، والعُرْفِ، ومَذهَبِ الصَحَابِيِّ، وشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وسَدِّ الذَّرائِعِ..
وكلُها مُستَقَاةٌ بأدِلَّةٍ، مِنَ المَصدَرَينِ الأَصْلِيَيْنِ للتشرِيعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ/ وتابِعَةٌ لَهُما/ ولا تَسبِقْهُما..
وتلك هي عَلاقَةُ الأحكامِ الخَمسَةِ بِالتَربِيةِ وتأسِيسِ السُّلوكِ وتَعْدِيلِه..
مع العِلمِ أن مراعاةَ المكروهِ والمُستَقبَحِ في العُرْفِ، مَطلُوبٌ شَرَعِيٌّ، بل مِن مَحَاسِنِ الإسلامِ وواقِعِيَّتِه، ما لمْ يُخالِفِ الشَّرِيعَةَ..
فدينُنا لم يَترُكْ أيًّا مِن أُمُورِ حياتِنا اليَومِيَّةِ إلا وأرشَدَنا فِيها لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وأرقَى..
سواءٌ قَصَّةُ الشَّعْرِ، وَشَكلُ وَطُولُ الأظافرِ، والنظافةُ الشخصيةُ، والأدَبُ حتى مَعَ نَواةِ التَمرَةِ والزيتونَةِ، وألوانُ الملابسِ وهَيئتُها، وطريقةُ الأكلِ ونَوعِيَّتُهُ وآدابُه، وفِقهُ الهَدِايا والعَوَراتِ والأماكِن، وآدابُ الصُّحبَةِ والزِيارةِ والحِوارِ واللَعِبِ والمِزاحِ وإخراجِ الريحِ،
صُعودًا إلى العِبادَاتِ والفرائضَ والأركانِ والمقاصِدِ الكُبرَى للدين..
مَا فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيءٍ.. وكُلَّ شَيءٍ فَصَّلناهُ تَفصِيلًا... فالحمدُ للهِ علَى الإسلامِ.. أكملُ وأحكَمُ وأشمَلُ قَواعِدَ وأدواتٍ تَربَوِيَّةٍ في الوُجُود..
نَموذَجُ حِوارٍ تأسيسيٍّ لقانونِ الأُسرَةِ:
يا أبنائِي الأعزاء،،
-لن أقولَ على أمرٍ ما أنَّهُ ((خطأٌ)) لمجردِ أنَّ هذا الشيءَ ليسَ مُوافِقًا لذَوقِي وهَوَايَ، وإنَّما لأنَّ هذا حُكمُ الشرعِ فِيه.
-ولن أقولَ على أمرٍ ما أنهُ ((جميلٌ وصَوابٌ)) بِغَضِّ النَّظَرِ عَن رَأيِ الشَّرعِ فِيهِ ولمجردِ أنِّي أُحِبُّهُ..
-وإنما لوِ الأمرُ وُجهَةُ نَظَرٍ فسأقولُها صَرَاحَةً: هذا رأيِي الشخصيُّ ولكم ما شِئتُم..
-ولو الأمرُ شَرعِيٌّ فسأقولُ بوضَوحٍ: هذا رأيُ الشَرْعِ وهَاكُمُ الدليلُ..
-فأقولُ على الخطأِ الشَرْعِيٍّ حَرامٌ.. ولا أقولُ على المَكرُوهِ أنه حَرامٌ أو مُنكَرٌ.. ولا أقولُ على المُستَحَبِّ أنَّه واجِبٌ أو فَرْضٌ.. وأقولُ على الخطأِ العُرفِي: ((لا يَلِيقُ كذا/ أو الأقربُ للتقوَى والجَمالِ ومُرادِ اللهِ وسَدِّ الذرائعِ وتَحقِيقِ المَصْلَحَةِ كذا..))
-ولَنْ أُمَكِّنُكُم مِنَ المُنكَرَاتِ، ولنْ أُجبِرَكُم على المُستَحَبَّاتِ ، لكن سأُحاسِبُكُم على تَركِ الواجِباتِ والمسؤولياتِ، وسأنصَحُ لكُم في المُشتبَهاتِ بتركِها أحوطَ لِدِينِنا وعِرْضِنا..
-بوضوحٍ هكذا في كُلِ مَسألةٍ دونَ خَلطٍ للأمُورِ ولا تَذوِيبٍ للفَواصِلِ بينَ الدينِ والعُرفِ والهَوَى، فَلَا أُشَدِّدُ عَليكمْ بِغَيرِ حَقٍّ ولا أُفَرِّطُ في حَقٍّ للهِ والعِياذُ باللهِ.. فدِينُنُا قدْ قالَ: {كُونُوا قَوامِينَ بِالقِسطِ} ، {وَإِذَا قُلتُمْ فَاعدِلُوا}، و «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ...
-بالتالي يا حباتِ الفؤادِ، مَن يَعتَرِضْ مِنكم بعدَها على قَبولِ حُكْمِ الدينِ في شأنِه، يَكُونُ رافِضًا لِحُكمِ اللهِ، وقد جاءَ الإسلامُ لِنُخرِجَ أنفُسَنا من داعِيَةِ هواها ونُطَوِّعُها لِمرادِ اللهِ: { {أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّة ِ یَبۡغُونَ.. وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ} }.. { {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيؤِ هُدًى مِنَ الله} }؟...
-فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا العِنادَ، فَذَلِكَ لَنْ يَمنَعَني مِنَ الاستمرارِ في تَربِيَتِكُم بِما يُرضِي رَبِّي ورَبِّكُم، وأَزِّكُم أَزًّا علَى فِعلِ الخَيرِ وتَركِ الشَّرِ، وتَكرَارِ النُّصحَ لكُم سِرًا وَجَهرًا، لَيلًا ونَهَارًا، بأمرِ اللهِ: " {فَاصدَعْ بِما تُؤمَرُ} "..
-فإِصرارُكُم علَى الخَطَأِ لن يَجْعلَنِي أترك نُصحَكُم وتَذْكِيرَكُمْ:{ {أفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} }؟
ولا أَرضَخُ وأُسَهِّلُ لكُم المُنكَرَاتِ، فكلٌ مِنا يَجمَعُ لصَحِيفَتِهِ: { {قُلْ كُلُّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} }، { {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ} }، { {وَمَن یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} }..
فإن وَجَدتِ بَعدَها أيتُها الكريمةُ، أحدَهُم مُتَضَجِّرًا بَعدَ مَا بَيَّنْتِ لَهُ مِيثاقَ القَوانِينَ الحاكِمَةِ للأُسرَةِ تَحتَ مِظَلَّةِ شَرعِ اللهِ، فهذا يَعنِي أَنَّهُ بِحاجَةٍ للتَذكِيرِ بالتوحيد وحُقوقِ العُبُودِيَّةِ والشُرُوطِ السبعة لـ"لا إله إلا الله"، إلَى آخِرِ مَا بَينَّاهُ فِي القاعِدَةِ الخامِسَةِ،
لِتُوقظي لَدَيْهِ {سَمِعنَا وَأَطَعْنَا} مَعَ اللهِ ثانيةً، رَغَبًا وَرَهَبًا..
{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ}.. وسنفصلها أكثر في الممنوعات التربوية بإذن الله..
{فَإِنْ أَسْلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهْتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَیْكَ ٱلْبَلَـٰغُ.. وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلْعِبَادِ}..
وتذكري دومًا قول أبي حامد الغزالي رحمه الله:
"الصبي أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهرُ جَوهَرَةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورةٍ، وهو قابلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كلِ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليهِ، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرةِ أبواه وكلُ مُعَلِّمٌ له ومؤدبٌ.. وإن عُوِّدَ الشرَ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه"
وهنا يأتي سؤال: هل مِن قواعدَ تفصيليةٍ أكثر لإدارةِ الأزمات بالعدلِ بيني وبين أبنائي....؟
والجواب في المقالة القادمة بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (9)
قواعدُ إدارةِ النزاعاتِ مع ابنكِ: من القرآن..
أسماء محمد لبيب
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
حين تحدثُ أزمةٌ بينِكِ وببنَ وَلَدِكِ، ما القواعدُ التفصيليةُ التي تمشينَ عليها تَطبيقًا لما سَبَقَ من القواعدِ العامة؟
بدايةً.. استحضِرِي الغايةَ الكبرى: إرضاءُ ربُ العالمين.. واستحضِري نظرَه إليكِ وتسخيرَهُ لملكينِ عِندَكِ يَرصُدانِ كلَ ما تلفِظِينَ من قولٍ أو فِعل... {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
وبناءً عليه..
-اجعلي همَكِ ((نفسيةَ وَلدِكِ)) وأمانَه الانفعالِيَّ والدينِيَّ: {يُوصِيكمُ اللهُ في أولادِكُم} ..
وليس ((نفسيتَكِ)) أنتِ/ وتفريغَ انفعالاتِكِ: {ونَهَى النفسَ عنِ الهَوَى}..
-بالتالي لاتَغضَبي لنفسِكِ.. اغضبِي للهِ فقط: { {ليس لكَ مِنَ الأمرِ شيء} }
-فإن كان الغضبُ لغيرِ اللهِ وإنما لعارضٍ مِن الأمورِ الحياتِيةِ مثلا، فاذكُرِي اللهَ وتَعَوَّذِي مِن الشيطانِ واتْلِي قُرآنًا لتسكينِ القلوبِ وترغيمِ الشيطانِ وتَهيئةِ النفوسِ للخير:{ {وإما يَنزَغَنكَ مِنَ الشيطانِ نَزغٌ فاستعِذ بِالله} }/ { {ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القلوب} }/ {إنَّ هذا القرآنَ يَهدِي للتِي هِيَ أقوَمُ}..
-ثم أنزِلِي حُكمَ اللهِ على المشكلةِ كما فَصَّلنا في مَقالَتَيْ العدلِ/ والكتابِ والميزان: { {وأنِ احكمْ بينهم بما أنزلَ اللهُ} }.. {فلا وربكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّمونَكَ فيما شَجَرَ بينَهم ثم لا يَجِدُوا في أنفُسِهِم ((حَرَجًا)) مما قَضَيتَ.. ويُسَلِّمُوا تَسلِيمًا}.. { {وَمَن لَمْ يَحكُمْ بِما أنزلَ اللهُ فأولئكَ هم الظالمون} }
-وإن ثبتَ أنكِ أنتِ المُخطِئة، فاعترفي بالحقِ بشجاعةٍ وتواضُع: { {كونوا قوامينَ بالقِسطِ شُهُداءَ للهِ ولو عَلَى أنفُسِكُمْ أو الوالدينِ والأقربين} }
-ولا تترددي في إعطاءِ صاحبِ الحقِ حقَه،ُ ولا تنسِبِي الخَطَأَ لغيرِكِ بغيرِ حَقّ: {وَمَن يَكسِبْ خَطيئةً أو إِثمًا ثمَ يَرمِ بِهِ بريئًا فقدِ احتَمَلَ بُهتانًا وإثمًا مُبِينًا}
-ولا تُتْبِعِي ذلكَ الحَرَجَ بويلاتِ عقوباتٍ وجزاءاتٍ شتَّى حِفظًا لماءِ وجهِكِ وتنفيسًا عن ضِيقِكِ من كَونِكِ المخطئة.. كلا: فكما قلنا: {ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهِم حَرَجًا مما قضَيْتَ}.. { {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} }... { {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا.. اعدِلُوا هُوَ أقرَبُ للتقْوَى} }.. { {وقد خابَ من افتَرَى} }.. {وقد خابَ من حَمَلَ ظُلمًا}...
-واحذَرِي من مُعاقَبَةِ كل البيتِ بجريرةِ شَخصٍ واحد: { {ألا تزِرُ وازرةٌ وِزرَ أُخرَى} .. { وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما ((سَعَى))} ..}
{ {وَلَا تَعْتَدُوا.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} }/ { {واللهُ لا يُحِبُ ((الظالِمِين))} ..}
-وإياكِ أن تتهاوَنِي في حَقِ الناسِ إرضاءً وانحيازًا لأحدِ أبنائِكِ لو كانتْ الأزمةُ تَمَسُّ حَقًا للهِ أو الآخَرِين: {إنما أموالُكُمْ وأولادُكُم فِتنةٌ واللهُ عندَهُ أجرٌ عظيم}.. {لا تُلهِكُم أموالُكم ولا أولادُكُم عن ذِكرِ اللهِ.. وَمَنْ يفعلْ ذلكَ فأولئكَ هُمُ الخاسِرُون}.. {إنَّ مِن أزواجِكم وأولادِكُم عَدُوًا لكم فاحذَرُوهُم}..
-خاصةً حقوقُ الناسِ فلا تَرضَيْ فيها بالظلمِ ثم أنتِ عندَ حقِكِ وحقِ أبنائِكِ تُقِيمِينَ الدنيا حرائقَ وتقولينَ "هذا لا يُرضِي الله"، كلا.. فهذا مِن أمراضِ القُلُوب: { {ويلٌ للمطففين} }.. { {وإذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِه ليَحكُمَ بينهم إذا فريقٌ منهم مٌعرِضُون.. وإن يَكُن لهمُ الحقُّ يأتُوا إليهِ مُذعِنين} }
-و كلُّ ما عَدَا حَقِّ اللهِ والآخَرِين، وتقدِرِين على العَفوِ فِيه، وتعلَمِينَ أن عَفوَكِ لَن يُفسِدَ وَلَدَكِ ولن يُجَرِؤه أكثرَ على التمادِي، فاعفِي واصفَحِي: {وأن تعفُوا أقرَبُ للتقوَى}.. {والصُلْحُ خَيرٌ}.. {والكاظِمين الغيظَ والعافِينَ عنِ الناسِ}.. {وإذا ما غَضِبُوا هُم يَغفِرُون}
-واجعليهِ عَفوَ الكرام لا عفوٌ فيهِ مَنّ وأذَى: { {فاصفَحِ الصَفحَ ((الجميل))} }.. { {قَولٌ معروفٌ ومَغفرةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذَى واللهُ ((غَنِيٌّ حَلِيم)).. يا أيها الذينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدقاتِكُم بِالمَنِّ والآذَى} }..
-وإياكِ وكُفرانَ العِشِير، فلا تَشطُبِي مواقفَهمُ الطيبةَ بِسببِ غَضَبِكِ: {ولا تَنسَوا الفَضْلَ بينكُم}.. {إن اللهَ يأمُرُ بالعَدلِ والإِحسانِ}
-وَتَخَيِّرِي ألفاظَكِ بعنايةٍ فمِن الكلامِ ما قَتَل: {وقُل لعبادِي يَقولُوا التي هِي أحسَنُ إنَّ الشيطانَ يَنزَغُ بينَهُم}.. {وقُولُوا للناسِ حُسنًا..}.. {لا يُحِبُ اللهُ الجَهرَ بالسوءِ مِنَ القَولِ إلا مَن ظُلِم}.. { {وهُدوا إلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ} }..
-و اسمعي منه فقد يكونُ مُجردَ سُوءِ فَهم: { {فتبينوا أن تُصِيبُوا قومًا بجهالَةٍ فتُصبِحُواعلى ما فَعَلتُمْ نادِمِين} }
-وإن عَجَزتِ عَن حَسمِ الحُكمِ واشتبهَتْ عليكِ المسألة، فلا تَتَعَجَّلِي بحُكمٍ عَشوائِيٍّ لإنهاءِ المَوقِفِ وحَسب، بل فَهِّمِي أبناءَكِ أنك فَوَّضْتِ الحُكمَ للهِ عَالمِ الغيبِ والشهادة.. هذا أفضلُ عندَ رَبِكِ وأبنائِكِ من أن تَتَبِعِي الهوَى فتظلِمِي: {فلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أن تَعدِلُوا}
-ولا تُكثِرِي مِن الحَلِفِ باللهِ وأنتِ غَضْبَى كيلا تَندَمِي.. ولو أقسَمْتِ على شَيء، فَبَرِّي قَسَمَكِ إن لم يِكُنْ فيهِ إثمٌ أو عذابٌ وَعَنَتٌ على أهلِك، وإلا فَلتَحنثي ولتُكَفّرِي عَن يَمِينِكِ طالما الخيرُ والإصلاحُ في ذلك: {ولا تجعَلوا الله عُرضَةً لأيمانِكُم أن تَبَرُّوا وتَتَقُوا وتُصلِحُوا} { {واحفَظُوا أيمانَكم} }.. فحِفظُها يَكُونُ عنِ الكَذِب/ أو الإسرافِ/ أو الحِنْثِ إِلا لِخَير..
وختامًا..
أعلمُ أن كَبحَ زِمامِ النفسِ شديد، وأننا لن نُوَفَّقَ فيهِ دومًا..
لكنه يسهلُ بالاستعانةِ بالِله: { {واستعينوا بالصبرِ والصلاة} }...
وبالمجاهدةِ المستمرةِ كما في الوصيةِ النبوية: "استَعِن باللهِ ولا تَعجَز"/ إنما العِلمُ بالتعلمِ وإنما الحِلمُ بالتحلُم.."
مع تَذكِيرِ النفسِ دَومًا أنهم أمانةٌ في حُجُورِنا قد وهَبْنا غَرسَها للهِ بلا حَظِ نَفسٍ أو مَصلحةٍ سِوَى الفِردَوس..
وبذلك لن يكونَ سَهلًا عَليكِ ظُلمُهُم والثأرُ لِنفسِكِ، وسيكونُ ذِكرُ اللهِ رفيقَكِ، وستَقطِفِينَ ثمرَةَ حُبِهِم واطمِئنانِهم مَعَكِ، فتغنَمِينَ في الدنيا والآخرةِ ما يُعَوِّضُ صَبرَكِ، فمَن تَزَكَّى فإنما يتزكَّى لنفسِه...
فإن سألتِ: كيفَ نوازن بين الحِرصِ على نفسيتِهِم و" {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء} "،
وبين تعلِيمِهِمْ تَحَمُّلِ عواقِبِ الأمور؟
فالجوابُ في القاعِدةِ القادمة بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (10)
تفصيل قاعدة {ليس لك من الأمر شيء}
أسماء محمد لبيب
فإن سألتِ: كيفَ نحقق قاعدةَ "ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيء"، دون إهمالِ تَعلِيمِهم تَحَمُّلِ عَواقِبِ الأمور؟
مثلا، إذا سَقَطَ منه كوبُ العصير دون قصدٍ أو إهمال، أو لم يصنعْ لكِ كوبَ قَهوَتِكِ كما تحُبِينَهُ، أو دَخَلَ إلى المنزِلِ بحذائِهِ الممتليءِ بالرملِ، أو أغلقَ السيارةَ قبل أن تنزِعوا المفاتيحَ منها، أو أضاعَ هاتفَهُ أو نَزَلَ إلى المَسبَحِ ناسيًا أن الهاتفَ فِي جَيبِهِ.. إلى آخِرِ تلكَ المواقفَ اليوميةِ العفويةِ التي لا تتماسُّ مع العقوقِ أو الحقوقِ، ومتصلةٌ بأمورٍ دنيويةٍ لا دينية، وليس فيها شُبهَةُ إهمالٍ أو سوءُ خُلُق..
فبدايةً:
-استهدِي باللهِ وحَوقِلِي واسترجِعِي واحمَدِي اللهَ علَى كُلِ حال..
ثم اقبَلِي اعتِذارَهُ ولا تُشعِلِي البيتَ حرائقَ على مِثلِ تلكَ الأمور، مهما كانتْ مُوجِعةً لكِ وسخيفة..
-وفهّمي ولدَكِ أنها دنيا لا تُساوِي عِندَ اللهِ جَناحَ بَعوضةٍ فلن تغضَبِي لفواتِ دُنيا، وأنكِ ستحتَسِبِينَ أجرَ كَظمِ الغيظ، لأنكِ دومًا تَدْعِين أن يُصَبِرَكِ اللهُ على مصائبِها ومُنَغِّصاتِها وسخافاتِها كي تَغنَمِي أجرَ الصبرِ الجميلِ، وأنكِ تَحمَدِينَ اللهَ أنها ليست مَصائبَ في الدينِ ولا فِيهم فالحمدُ للهِ أنهم بِخير.. وأن قُدوَتَكِ في ذلكَ النبيُ ﷺ الذي لم يغضَب لنفسِهِ ولا انتقمَ لها قَط ..
-واجعَلِيهِ يُساهِمُ في إصلاحِ الخطأِ قدرَ استطاعتِهِ، فلا تَحمِلِي عنهُ واجِبَ الإًصلاحِ إلا قليلًا حسبَ تقديرِكِ للظرفِ الراهِنِ، بكلِ هدوءٍ وصبرٍ وحِلم..
فمادامَ قد أخطأَ رُغمًا عنهُ ودونَ إهمال، ووَجَدتِهِ نادمًا، فسامحِيه.. ولا تلومِيهِ كأنه مُتُعَمِدٌ.. ففي الحديث: «رُفِع عن أمَّتِي الخطأَ والنسيانَ وما استُكْرِهُوا عَلَيه»
ولو كان أخطأَ عن قَصدٍ وهناكَ شبهةُ إهمالٍ، لكنهُ نادمٌ، فاجعلِي غايتَكِ أن يَتَعَلمَ الدرسَ المُستفادَ مِن خَطَئِهِ، وسُرعَةَ إزالتِهِ بإقرارٍ واعتذارٍ وإصلاحٍ: {ويدرؤون بالحسنةِ السيئة}، وقال النبي ﷺ: «أتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمْحُها» ..
ولا تكن غايتُكِ أن يرى قدراتَكِ على الانتقامِ والبَطشِ/ وشِدةَ اعتدادِك بحظِّ نفسِكِ والعياذُ بالله/، ورَفْضَكِ لقبولِ الإصلاحَ مِنه/
فلا يدفَعُكِ حِرصُكِ على ردعِهِ إلى أن تفعَلي ذلك..: {إنما التوبةُ على اللهِ للذينَ يعمَلُونَ السُوءَ بجهالةٍ ثم يتُوبُونَ مِن قَرِيب} .. {إلا من ظَلَمَ ثُم بَدَّلَ حُسْنًا بعدَ سُوءٍ فَإنِي غَفورٌ رحيم} ..
فإن الشعور َبالذنبِ أقوَى رادعٍ عن الخطأِ بالفِعل، وقد تحقَقْ لكِ..
أما إن كان قد أخطأَ عامدًا مُتَعَمِّدًا وتكرارًا، ولديهِ استهانةٌ بحقِ الآخرينَ أو النعمةِ، مع عدمُ الشعورِ بالذنبِ أو الندم، فلتكُنْ غايتُكِ هنا كذلكَ وأنتِ تتخيرينَ وسيلةَ الردعِ، أن تربيَهُ على النفورِ من تَكرارِ الخطأِ والحرصِ على الحقِ واجتنابِ الظلمِ، لا أن تَجعَلِيهِ يكتئِبُ وييأسُ من نفسِهِ بسببِ شِدةِ ردِّ فِعلِكِ..
وأحيانًا تَضعُفُ مقاومَتُنا ولا رَيْب.. فلو غَضِبتِ لنفسِكٍ في موقِفٍ ليسَ لديكِ نيةٌ للهِ من ورائِهِ بل ثأرًا لحظِّ نفسِكِ فقط، وتَجاوَزتِ الحَدَّ في رِدِّكِ وظَلَمْتِ وقَصَّرتِ في تطبيقِ القواعد، فحذارِ أن تُبَرِرِي ذلكَ بأعذارٍ تَنفِي بها أنّ ما صدرَ مِنكِ كان خَطَئًا وظُلمًا يَستَوجِبُ توبةً واعتذارًا، ولا تُلقِي بالخطأِ على ولدِكِ كما قلنا سابقًا،
بل على النقيض: بادِري بالإقرارِ بشجاعةٍ وتواضُعٍ أنه كان سلوكًا خاطِئًا وكلُنا ذوُو خَطأٍ وخَيرُ الخطائينَ التوابون.. {يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوامِينَ بالقِسطِ شُهَداءَ للهِ ولو على أنفُسِكُم}..
وإن كان خَطَؤُهُ في أمورٍ دينيةٍ أو أخلاقيةٍ، كتَكاسُلٍ عن مَوعِدِ الصلاةِ مَثَلاً أو التلفُظِ بالسبِّ أو الكذِبِ أو خيانةِ أماناتٍ وأسرار
أو السخريةِ والاغتيابِ لغيرِه وما إلَى ذلك، فاغضَبِي ها هنا للهِ إن شِئتِ ولا حرج عليكِ، لأنك تُعَلِّمِينَهُ بغضَبِكِ هنا أن يَعمَلَ حِسابًا لغَضَبِ الله لا غَضَبِك، فغَضَبُكِ هنا تربيةٌ إسلاميةٌ قَوِيمةٌ، وإن رأوْا أوداجًا مُنتَفِخَةٌ ووَجهًا مًتَمَعِّرًا حتى، فليسَ عليكِ مَلام..
وفهِمِيهِم كلَ مَرةٍ هذا التمايُزَ السلوكِيَ بينَ المواقفِ التِي ((للهِ))، والمواقفِ التي ((لنَفسِكِ))، غرسًا لقِيمةِ الأُولَى في نفُوسِهم، وطلبًا للمساعدةِ منهم كصُحبَةٍ صالحةٍ، حالَ ضَعفِكِ في الثانية،
وأن رسولَهم ﷺ لم يغضَبْ لنفسِهِ قَط، إلا إنّ يَقَعَ مُنكَرٌ أمامَه أو تَهاوُنٌ في حقوقِ الغَير وما إلى ذلك، وأن غضَبَهُ ﷺ كان درجاتٍ:
-أولُها يَسكُتُ ويَتَغَيَّرُ وجهُهُ بالعُبُوسِ أو بتعبيراتِ الاستياءِ، وتَختَفِي ابتسامتُه الحَنونةُ الدائمةُ، وقد تَحِلُّ مَحِلَّها ((ابتسامةُ المُغضَب)) كما حدثَ في قِصةِ كعبٍ بنِ مالِكٍ وغزوةِ تَبُوك.
-ثانيها يسكُتُ ويَحْمَرُّ وجهُهُ ويُقرَأُ الغضبُ في وجهِه، وتَضطَرِبُ لذلكَ قلوبُ رِجالٍ كالفاروقِ عُمَر..
-ثالِثُها يَنهَرُ المُخطِيءُ بغضَبٍ واضحٍ يَهابُ مِن وَقعِهِ الحاضِرُون..
فخِتامًا...
كُونِي قدوةً في الاعتِرافِ بالخطأِ/ والتواضعِ للحقِ/ والتوبةِ من قريبٍ/ والغضبِ للهِ لا للنَفسِ/ وكُونِي في ذاكِرَتِهِم الأمَّ التقيةَ الرحيمةَ العَفُوَّةَ، التي تُسامِحُ في أمورِ الدنيا إجمالًا، لكِنَها في حَقِ اللهِ وتربيتِهم على الاستقامةِ لا تِتهاوَن..
وبذلكَ تُحَقِقِينَ التَوازُنَ في {لَيسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيءٌ} ، وتُضاعِفِينَ مِن أمانِ أبنائِكِ النفسيِّ والدِينِيّ، بإذن الله..
وأعلمُ أن كثيرًا منا قد تَرَبَّى خلافَ هذا ورُبَمَا يَعوقُهُ ذلكَ كثيرًا عن المجاهدَة..
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (11)
ثلاثُ قواعد في عَلاقَةِ والديكِ بتربيتكِ لأبنائك
أسماء محمد لبيب
كل ما سَبَقَ سَهلٌ بحولِ الله وقوته الالتزام به، وأعلمُ أن كثيرًا منا تَرَبَّى بخِلافِه ورُبَمَا يَعُوقُ ذلكَ مُجاهدتَهُ، إذ يَجِدُ طِباعَهُ تَغلِبُ محاولاتَهُ الإصلاحِية باستمرار، أو يَجِدُ آباءَه يَعوقُونَ توجِيهاتَه التربويةَ المخالفةَ لبعضِ ما رَبَّوهُ عَليه، ومِنا مَن تَشَرَّبَ الخَلَلَ حتى النخاعِ ولا يَقبَلُ حتى فكرةَ أن يُرَبِّي أبناءَه بشكلٍ مُختَلِف...
والحلُّ لهذِهِ المُنَغِّصاتِ بجانِبِ ما سبقَ من قواعِد: تَذَكُّرُ ثلاثَ قواعِدَ خاصةٍ لتطويعِ هذهِ العقباتِ وتَمهِيدِ طريقِ التربيةِ بإذنِ اللهِ..
:القاعدةُ الأولَى
قولُ النبيِّ ﷺ: «احرِصْ على ما يَنفَعَك»
فلا تجعلي حِرمَانَكِ سببًا فِي حِرمانِ أبنائِك، فإنَّ فاقدَ النعمةِ هو أَقدَرُ الناسِ على إعطائِها..
فَأيُّ قِسوِةٍ أو حِرمانٍ أو ألَمٍ قد تَعَرَّضتِ لهم في بيتِ أهلِكِ الكِرامِ -عفا اللهُ عنهم وعنا- اجتهِدِي أن تُجَنِّبِيهِ أولادَكِ.. وكلنا غَيرُ مَعصُومين..
وكذلك... أيُّ فَضيلةٍ أو قِيمَةٍ تعلمْتِها مِنهُم في بيتِهم الكريمِ -جزاهمُ اللهُ الجنةَ- اجتَهدِي في تعليمِها لأبنائِكِ بغَضِ النَظَرِ عن ألمِكِ فِي غيرها، وتَذَكَّرِي والديكِ بالثناءِ حينَها أمامَ أولادِكِ، وادعِي لهما جَهرًا بصِدقٍ وامتنانٍ، أحياءً أو أمواتًا.. هذا تربيةٌ على الامتنانِ وحُسنِ العَهد، لقلبِكِ بالتَكرار، ولأبنائِكِ بالقُدوَة..
انسَيْ تمامًا قاعدةَ: "فاقد الشيء لا يعطيه"..
وتَذَكَّرِي فقط قاعدةَ: {قد أفلح من زكاها} ..
فإنَّ فاقِدَ الشيءِ هوَ أقدَرُ الناسِ على إعطائِهِ، لأنهُ الأكثرُ مَعرِفَةً بقَدرِ هذا الشيءِ وبأثَرِ وشعورِ الحِرمانِ مِنه..
هذا فقط لوِ القلبُ سليمٌ، لم يَفسُدْ بنَبْضِ الثأرِ، وَلَمْ تُقَسِّهِ القَسوَةُ، ولمْ تَحرِقْهُ شَهوَةُ الحِقدِ والانتقام؛ ويَتُوقُ لتخرِيجِ أجيالَ مُسلِمةٍ خاليةٍ من التشوهاتِ النفسيةِ والإعاقاتِ الروحيةِ والاعوجاجِ التربوِي...
سلامٌ على كل ابنَةٍ رَحِمَتْ أبناءَها من أيِّ بلاءٍ تَربَوِيٍّ أثَقَلَها، فَجبَرَتْ نَقصَ والديها الكرامِ بإكمالِ حالِ أبنائِها فِيه، وأوقَفَتْ مُسَلسَلَ التشوهاتِ والعُقَدِ النفسيةِ عِندَ عَتَبَتِها..
سلامٌ على كل رُوحٍ مُتعَبةٍ، وتأبَى إلا الإحسان..
القاعدة الثانية:
قاعدة عامة ولها استثناء:
{بِرُّوا آباءَكم تبرَّكم أبناؤُكم}
فبقدرِ بِرِكِ بوالديكِ، بِقَدرِ بِرِّ أبنائِكِ بِكِ، غالبًا وليس مُطلقًا..
ورغم أن الحديثَ مُختَلَفٌ حولَ صِحَتِه، إلا أَنَّهُ صحيحُ المعنَى وإن لم يكن قاعدةً مُطلَقَة..
فإن أردتِ مضاعفةَ صلاحِ ثَمَرَتِكِ، فَعَلَيكِ بِبِرِّ والدَيكِ..
فلو لازالا أحياءَ فبادِرِي بالتوبةِ عنِ التقصِيرِ أو الخطأِ، وأدرِكِي ما فاتَكِ باجتهادٍ وصِدقٍ..
قال ﷺ: «رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ...! قيل: مَنْ يا رَسُولَ اللهِ؟! قال: مَن أدرَكَ والدَيهِ عِندَ الكِبَرِ، أحدَهُما أو كِلَيهِما، ثم لم يَدْخِلِ الجَنةَ» *2
ولو ما عَادا أحياءَ، فِبِرُّهُمْ لَم يَنقَطِعْ بَعدُ رُغمَ الفِراق..
قال رجل: " «يا رسولَ اللهِ إنَّ أبَوَيَّ قد هلَكا، فهلْ بَقِيَ لِي بَعدَ مَوتِهِما مِن بِرِّهِما شَيءٌ؟ قال ﷺ: نَعَم، الصَّلاةُ عليهِما، والاستغفارُ لهُما، وإنفاذُ عُهُودِهما مِن بَعدِهما، وإكرامُ صديقِهِما، وَصِلةُ رَحمِهما الَّتِي لا رَحِمَ لكَ إلَّا مِن قِبَلِهما» ".*3
فلازال أمامَكِ سَبَبٌ من أسبابِ تَحسِينِ ثَمَرَتِكِ تأخُذِينَ بِهِ كلما تأمَّلْتِها بِحُزنٍ لِتَأَخُّرِها أو لذُبُولِ بَعضِ وُرَيقَاتِها، فإنْ عَجَزتِ عن سببٍ فلا تَعجَزِي عن غَيْرِه.. {والذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِين} ..
و {جَاهَدُوا فِينَا} تُنَبِّهُكِ ألا تَنْسَيْ إخلاصَ النيةِ لِوَجهِ اللهِ الكَرِيم..
القاعدة الثالثة:
{وَاخفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِ}
عِندَ تَعارُضِ تَوجِيهاتِكِ لابنِكِ، معَ توجيهاتِ وَالدَيكِ لَه، فالأمرُ يَنقَسِمُ لأُمُورٍ دِينِيةٍ وأمورٍ حياتِيةٍ عادِية..
فمثلًا، إن كانَ الجَوُّ بارِدًا ووالدتُكِ الكريمةُ تَحرِصُ بِشِدَّةٍ علَى المُبالَغَةِ فِي تَدفِئَةِ ولَدِكِ بسِروالٍ إضافيٍّ ووُشاحٍ على عُنُقِهِ وأنفِهِ ورُبمَا طاقِيَّةٍ وقُفازاتٍ وجواربَ صُوفِيَّةٍ، بينما أنتِ تَترُكِينَ أبناءَكِ يُقَرِّرُونَ بأنفُسِهِم حَسبَ شُعُورِهِم بِالبَردِ، ما يَوَدُّونَ ارتداءَهُ دُونَ إفراطٍ أو تَفرِيط، وَتَعلَمِينَ أنهُم علَى قَدرٍ مِنَ المَسؤُولِيةِ هُنا، لِتَعلِيمِكِ إياهُم حُسنَ التَفكِيرِ وَتَقدِيرِ عَواقِبَ الأُمور..
الشاهد: هذا مَوقِفٌ دُنيَوِيٌّ عام، وَلَيسَ شَرعِيًا مَحضًا، تَجِدِينَ فيهِ أُمَّكِ الكريمةَ تُعارِضُ توجيهاتِكِ تِلكَ أمامَ ابنِكِ، وَتُوَجِّهُهُ لِخِلافِها، وَتُصِرُّ أمامَهُ أنَّ كلامَكِ خَطَأٌ وكلامُها هُوَ الصَوَاب...
هنا..
استمِعِي لكلامِها ولَيِّنِي قَلبَ وَلَدِكِ.. ولا تُعارِضِيها أكثَرَ مِن ذَلكَ أمامَه.. واخفِضِي لها جَناحَ الذُلِّ مِن الرَحمَةِ بشكلٍ عَمَلِيٍّ، وأَرِيحِي قلبَها أراحَ اللهُ قلبَكِ وكَتَبَ أجرَكِ.. ولا تَخشَيْ هُنا عَلَى تَربِيةِ وَلدِكِ بسببِ فِعلِهِ عَكسَ توجيهاتِكِ القَوِيمَةِ، فعلَى النَقِيضِ: وَلدُكِ الآنَ قَد تَرَبَّى بِشكلٍ عَمِيقٍ سَتقَطِفِينَ ثِمارَهُ الزكيةَ وَلوْ بَعدَ حِينٍ..
كيف....؟
وَلدُكِ هكذا قَد تَعَلَّمَ عَمَلِيًا مَعنَى البِرَّ بالآباءِ واحتِرامِهِم، وهذه الفَضِيلةُ تحاوِلِينَ ليلَ نهارٍ تَلقِينَهُ إياها تِجاهَكِ وتجاهَ والدِهِ لِيَلِينَ في أيدِيكُما للتَربِيةِ الرَشيدَةِ على الكتابِ والسُنة، فرآكِ مُتَسِقَةً مع قِيَمكِ وتعاليمِ دينِكِ التي تُلَقِّنِينَهُ إياها، بشكلٍ واضِحٍ وصادِقٍ وحَقِيقِيٍّ بعيدًا عن الشِّعارات..
باختصار: رآكِ قُدوةً له في بِرِ الوالدين....
فاحتسِبِي الأجرَ والثمَرَةَ حينَها واطمِئنِّي، فالبِرُّ لا يَبْلى.
ثم حين تَعُودُون لِبَيتِكُم، تفاهَمِي مَعَهُ على انفرادٍ وبهُدُوءٍ وعَقلانِيةٍ وحنان، حولَ الموقَفِ والعِبرَةِ فِيه، مَعَ كاملِ احتِرامٍ وإحسانٍ وَحِفْظٍ لِسِيرَةِ أُمِّكِ بِالغَيبِ، ولا تَنسَيْ أن تَشكُرِيهِ على بِرِّهِ لَكِ في إعانَتِكِ عَلَى بِرِّها..
وَلَقِّنِيهِ بالدليلِ الشرعيِّ والعِلمِي، ما الصوابُ في المسألة، وأنَّ قاعدةَ "إنْ عَليكَ إلا البلاغُ" نَحنُ مأمورنَ بتَطبِيقِها معَ الناسِ كافَّة..
وأنَّ الواجبَ عَلَيهِ هوَ أن يختارَ الصوابَ ويَترُكَ الخطأَ، عَمَلًا بقاعدةِ: {كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهيِنٌ} ،
وَحَفِّزِيهِ لاتباعِ الحِكمَةِ أينما وَجَدَها، بقاعدِةِ: {الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ}
أما إنْ كانَ النزاعُ على أُمُورٍ عَقَدِيَّةٍ/ أو مُنكَرَاتٍ لا يَجُوزُ السكوتَ عَنها/ أو حَثٍّ عَلَى تَركِ نوافلَ أو فِعْلِ مَكرُوهات --- فَلَعَلَّ والدتُكِ لا تَعرِفُ.. فَلتُوَضِّحِي لها الحُكمَ بِكُلِّ بِرٍ وَبِالدَلِيل،
فِي حينِها أو لاحقًا حَسْبَ المُناسِب..
ولو علمتِ أَنَّ الأقربَ لِقَلبِها وَقبُولِها كلامُ وَلَدِكِ معها بدلًا مِنكِ، فلا تترددي..
ثم بعدَها فلا سُلطانَ لكُما عليها، وَما أَنتَ عَلَيهِمْ بِوَكَيل...
أهَمُ شَيءٍ:
-البرُّ والاحترامُ والمصاحبةُ بالمعروفِ..
-وتَقدِيرُ المكانةِ والسنِ والعِلمِ والحِكمَةِ الأعلَى للكِبارِ عامَّةً والوَالِدَينِ خاصَّة، عَلَنًا أمامَ الأحفاد..
-وتَجاهُلُ الإساءةِ، والصبرُ عليها إيمانًا واحتسابًا..
-ثم نَهجُرُ الخطأَ الشَرعِيَّ الذِي يَحُثانا عَلَيهِ، ونَتِّبِعُ سَبِيلَ الطائِعِينَ وَلو لَمْ يَكُونا مَعَنا فيه: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }
هذا وكُلُّ ما سبقَهُ يَقودُنا للكلامِ عن القُدوَةِ.. في القاعِدةِ القادِمةِ بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (١٢)
{فَبُهُداهُمُ اقتَدِه}: لا قُدوة على غَيرِ هُدًى..
أسماء محمد لبيب
قالَ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَهُ الكريمَ ﷺ: {أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقتِدِهْ} ..
يأمرُهُ بالاقتداء بالصالِحِين، وهو ﷺ أكمَلُ الناسِ صَلاحًا وَخُلُقًا وَطَرِيقةً، وأعلمُهُم بِالهُدَى..!
فكيف بنا نحن؟
لا شَكَ سنقولُ جَميعًا: ((لكننا قُدوَةٌ صالحةٌ لأبنائِنا بالطبعْ..!))
فأتساءلُ: ومِن أينَ استقَينا المَعْرِفَةَ أو المعلوماتِ التي تُؤَسِّسُ أفعالَنا وقناعاتِنا الصادرةَ أمامَهم لِيَقتَدُوا بِنا فِيها كي نَجزِمَ بيقينٍ أننا قُدوةٌ صالحة؟ ألا نُدرِكُ أن الأفعالَ هي ثمَرةُ القناعاتِ؟ وأن القناعاتِ هي ثمَرةُ المعرفةِ؟
إن القدوةَ هي مُحاكاةٌ لنَموُذَجٍ ما، سواءٌ كان النموذجُ غائِبًا أو حاضِرًا.. فالنَمُوذجُ الحاضِرُ قُدوَةٌ عَمَلِيَّةٌ حِسِّيَّةٌ -أي نَتلقَّاها بالحواسّ-/ والنمُوذجُ الغائبُ: قُدوَةٌ عِلميةٌ خَبَرية -أي نتلقاها بالأخبارِ والمَعرِفة..
تَظُنِينَ حبيبتي أن اللهَ سيأمُرُ نبيَهُ بالاقتداءِ بقومٍ مِن زَمانٍ آخرَ لم يُعاشِرْهم، ثُم لا يَمُدُّهُ بمَعلوماتٍ عن هَديِهِم وطَرِيقتِهِم وأخلاقِهِم؟
القاعدةُ الأصوليةُ الفِقهِيةُ المَعروفَةُ تقول: ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا بِهِ فهو واجبٌ..
فلا يَشُكُّ عاقلٌ أن الأمرَ الإلهيَّ بالاقتداءِ بالقُدواتِ الغائبةِ، مُتَضَمِّنٌ لأمرٍ آخَرَ مَنطِقِيٍّ لا ينفكُّ عَنهُ وَلا يَتِمُّ إلا بِه، ألا وهُو: تَعَلُّمُ سِيرِتِهِم وأفعالِهم أولًا..
هذا... وهو النبيُّ واسِعُ العِلمِ بالأخلاقِ والفضائلِ وأركانِ الصلاحِ الإنسانِيَّ الشامِلِ عِلميًا وعَمليًا،
فما بالكم نحن، وَنحنُ لم نُتَمِمْ بَعدُ ما لا يَسَعُ المسلمَ جَهلُهُ في أبسَطِ أصولِ ومعارِفِ دينِنا الإيمانيةِ والأخلاقيةِ والسلوكيةِ؟ كيف سنربِي أولادَنا على شَيءٍ لم نتَرَبَّ بِهِ نحنُ أولًا كقدوةٍ حاضرةٍ أمامَ حواسِّهم الخَمسَة؟
كيف سأكون صبورةً وأُربي ولدي على مَراتِبِ الصبرِ، ولم أَتَعَلمْ مثلًا قِصةَ أيوبَ ويوسفَ ونُوح؟
كيف سأربي نفسِي ووَلَدِي على معاني العِفَةِ، ولم أتعلَمْ مثلا قِصةَ يوسفَ ومريمَ؟
كيف سأربيهم على الحياءِ ولم أتعلمْ قصةَ موسَى وبناتِ شُعَيب؟
كيف سأربيهم على الصِدقِ دونَ أن أتعلمَ قِصةَ كعبٍ بنِ مالِكٍ،
أو على الدعوةِ بلا يأسٍ أو قنوطٍ دُونَ أن أتعلمَ قِصةَ نوحٍ ويونُسَ؟
بل كيف سأربيهم على أي خَصلَةِ خيرٍ دونَ أن أتعلمَ قَصصَ الأنبياءِ والصحابةِ والصالحينَ من سلفِ الأمةِ كافَّة؟
تلك هي القدواتُ المطلوبُ منكِ أنتِ أولًا تَعَلُّمَ سِيرتِها الصحيحةِ معرفيًا، قبلَ أن تكونِي فيها قُدوةً عَمَلِيًا،
إن كنتِ تريدينَ غَنِيمَةَ الآخرةِ لكليكُما كما قالَ تعالَى: {لقد كانَ لكُمْ فِيهِمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ}
تَأَمَّلِي بَنِي إسرائيل حينما استَنكَرُوا وِلادةَ مريمَ لطِفلٍ دونَ زوجٍ وظنوا السوءَ بها، ماذا قالوا أولَ شَيء: {يَا أُختَ هارُونَ ما كان أبوكِ امرأَ سَوءٍ وما كانتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ... يُذَكِّرُونَها بقدواتِ بيتِها الكرامِ ويستنكرُونَ أن يَصْدُرَ مِنها ما ينافِي سيرتَهُم العفيفةَ وأخلاقَهم القويمةَ..
تَأَمَّلِي كذلكَ كلمةَ "كما" في قولِ اللهِ تعالَى: {فاصبِرْ ((كما)) صَبَرَ أولُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ}
القدوةُ إذًا -حاضرةً أو غائِبةً- هي أقوَى الأدلةُ إقناعًا وأشدُّها َحَثًا لأولئكَ البراعمَ المقتفينِ لأثَرِنا، أنَّ كلامَنا عَمَلِيٌّ تطبيقيٌّ، لا مُجِردَ شِعاراتٍ نظرِيةٍ عَصِيَّةٍ على التنفيذ.. فيَصبِرُونَ كما تَصبُرِين، ويَعفُونَ كما تَعفِينَ، ويستُرُونَ كما تَستُرِين، ويَجُودُونَ بالخيرِ كما تَجُودِين، ويَتَرَفَّعُون عنِ الفواحشِ كما تترَفَّعِين، وهَلُمَّ جَرًا..
بالتالي... فإنَّ على رأسِ القُدواتِ المطلوبُ مِنا تَوفيرُ أصولِها في أنفسِنا لأبنائِنا: النبيَ محمد ﷺ..
فهو الذي قِيلَ فيه أنه ((قرآنٌ يَمشِي على الأرضِ)).. والقرآنُ هو الذي قِيلَ فيه أنه {يَهدِي للتي هِيَ أقوَمُ} ..
فصار ﷺ أسوةٌ حسنةٌ حاضرًا وغائبًا، على أكملِ وأجملِ ما يكونُ..
فتعلَمِي عنهُ هُو بالأخص:
كيفَ يُعَظِّم اللهَ وشعائرَه/ وكيف لا يَغضبُ لنفسِهِ ولا يَسُبُ ولا يَكذِبُ ولا يَسخَرُ/ وكيف يَعدِلُ ويَحكُمُ بما أنزلَ اللهُ دونَ حَرج/ وكيفَ كَرَمُه وحياؤُهُ وصِدقُهُ وعَفوُهُ ورِفقُهُ وتواضُعُهُ/ وكيف هِمَّتُهُ وعبادتُهُ واعتناؤُهُ بالعِلمِ وزُهدُهُ في الدنيا/ وغيرُ ذلكَ من هَديِهِ القويمِ في المُعاملاتِ والآدابِ وكلِّ فَضِيلَةٍ تَستَطِيعِينَ تَحصِيلَ عِلمَها وتَطبيقَها، قَبلَ أن تطلُبِي من أولادِكِ الالتزامَ بها..
وصَدَقَ مَن قال:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
فأعيذُكِ أن تكوني كمن قال فيهم ﷺ: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ، كمثلِ السِراجِ: يُضِيءُ للناسِ... و((يُحرِقُ نفسَهُ))"..
وكلُ ذلكَ لن ينجحَ دونَ الاستعانةِ بحولِ اللهِ وقُوتِهِ، على أنفسِنا وأبنائِنا..
فسدِدُوا وقارِبُوا.. وأبشرُوا..
فالتوازنُ مطلوبٌ، دونَ مِثالِيةٍ مُحبِطةٍ، ولا عَفَوِيَّةٍ مُهلِكَةٍ، ولا تناقُضاتٍ مُخجِلَةٍ..
فكيف نُحَقِّقُ هذا التوازنَ؟ ومتى ينبغِي أن ننتبِهَ لأمرِ القدوةِ؟ ومَتَى تبدأُ المحاكاةُ عادَةً؟ وإنْ خُدِشتِ القدوةُ أمامَ الأبناءِ يَومًا فكيفَ التصرُفُ؟ وإنْ كَبُرَ وَلَدِي وأنا لازِلتُ أجاهِدُ نفسِي ولم تَكتَمِلْ قُدوَتِي لهُ بَعدُ فِي حَدِّها الأدنَى ويُقَلِدُنِي، فما الحل؟
والجوابُ في القواعِدِ القادمةِ تِباعًا بإذن الله..
رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء
قواعد: (١٣)
كل ابن آدم خطاء": ليسوا ملائكة.. ولا أنتِ!
أسماء محمد لبيب
ثمةُ أمهاتٍ يُعامِلنَ أولادَهُنَّ كملائِكَةٍ لا يَعصُونَ اللهَ ما أمَرَهُم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرون..
رُغمَ إقرارِهِنَّ أنَّ كلَ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، إلا أنهُنَّ عَمَلِيًا يَنسَوْنَ هذا القانونَ البَدَيهِيَّ..
حبيبتي..
ابنُكِ دونَ الحُلُمِ مَرفُوعٌ عنهُ القلمُ لأنهُ سيُخطِيءُ كثيرًا عن جهلٍ وعُذْرٍ، وليسَ القلمُ مَرفوعًا عنهُ لأنهُ لن يُخطِيءَ..!
فلماذا سيُخطِيءُ كثيرًا؟
لأنه غيرُ مُكتَمِلِ النُمُوِّ الجسديِّ والعَقليِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ.. فلا يُمُيِّزُ الصوابَ من الخطأِ ولا يُدرِكُ عواقِبَ الأمورِ ولا يُلِمُّ بقوانينِ الحياةِ كلِها بَعْد.. فيتَعَثَّرُ تمامًا كَتَعَثُرِهِ حينَ يتعلمُ المَشْيَ أولَ مَرَّة..
ويُصبحُ مكلفًا مُحاسَبًا بأهليةٍ وجَدارَةٍ حين يَبلُغُ الحُلُمَ ويَشتَدُّ عُودُه، دونَ أدنَى ظُلمٍ له مِن ربِهِ أرحمِ الراحِمينَ وأحكمِ الحاكِمين..
ونِسبَةُ الخطأِ والتَعَثُرِ تَقِلُّ تدريجيًا كلما كَبَرُوا وانتقلوا بسلامٍ من المرحلةِ العُمرِيَّةِ الأدنَى إلى الأعلَى، وكانت تربيتُهم فِي جَوٍّ أُسِرِيٍّ آمِنٍ وصِحِيٍّ وإسلامِيّ، بلا عَقبَاتٍ قاصِمة فِي طريقِ نُمُوِهِمُ الشامِل..
فعليكِ:
-إدراكُ ذلك
-والإلمامُ بالحدِ الأدنَى من المعرفةِ بطبيعةِ وسِماتِ واحتياجاتِ المرحلةِ العُمْرِيةِ، وبكيفيةِ تحقيقِ التوازُنِ بين طبيعةِ كلِ مَرحَلَةٍ ومُتَطلباتِها وخُطَةِ التربيةِ التي رسَمتِها لهم
-واستيعابُ أنَّ صبرَكِ على أخطائِهِم ليسَ تَفَضُّلًا وإنعامًا مِنكِ حبيبتي، إنَما هو شَهادةٌ في حَقِكِ بالرُشدِ والحِكمَةِ، وأنكِ عاقِلَةٌ فِكرِيًا ومُتَزِنَةٌ انفعاليًا، مُستَوعِبَةٌ للبَدِيهِياتِ وتُعطِينَ الأمورَ حَجمَها، وتُمَيزِين جيدًا مَنِ الصغيرُ ومَنِ الكبيرُ/ ومَنِ القويُ ومَنِ الضعيفُ/ ومَنِ العالِمُ ومَنِ الجاهلُ/ ومَنِ المُكَلَفُ ومَنِ المَرفُوعُ عنهُ القلمُ..
ليسوا ملائكةً.. وكذلك أنتِ.. كلاكُما ابنُ آدم وكُلُ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ..
فلو تَعذُرِينَ نَفسَك؟ِ= فَهُم أجدرُ بالمَعذِرة، فعلَى الأقلِ هم مَعذُورون لقلةِ رُشدِهِم ونُضجِهم وخِبراتِهم، بينما أنتِ كبيرةٌ وراشدةٌ وخبيرةٌ، فكيفَ عُذرُكِ مُقارَنةً بهم؟
ولو عذرُكِ في عَصَبِيتكِ هو الضُغوطُ والمسؤولياتُ؟= فأعِيدِي مُراجعةَ وترتيبَ أوضاعِكِ مِن جديدٍ وأزيحِي منها ما أمكَنَ، مِن عَمَلٍ أو دِراسَةٍ أو رسائلَ عِلمِيةٍ قد لا يكونوا بالضرورةِ العاجلةِ التي تبدو لكِ بل ربما الأفضلُ لكِ ولبيتِكِ تأجيلُها لأجواءٍ أكثرَ بركةً في التحصِيل، واكتفِي مُؤقتًا بالضغوطِ الأصلِيةِ في حياتِكِ كأمٍ وابنةٍ وأختٍ وزوجة، فنحنُ جنودٌ لله، نَعمَلُ حيثُ سخَرَنا وقَدَّرَ لنا، وتَذَكَّرِي دعاءَ النبيِّ ﷺ بالجنةِ حينَ قال: "طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بعِنَانِ فَرَسِهِ في سَبيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إنْ كانَ في الحِرَاسَةِ، كانَ في الحِرَاسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ"، أي إذا أُقِيمَ في مُقَدِمَةِ الجَيشِ لِحراسَتِه رَضِيَ وقامَ، وإنْ أُقيمَ في السَّاقةِ مُؤَخِّرةِ الجَيشِ رَضِيَ وقامَ، ولا يَضُرُّهُ تفاوتُ المَواضِع، لابتغائِهِ وَجهِ اللهِ، وهو خامِلُ الذِّكرِ بِلا مَكانةٍ بيْنَ النَّاسِ ولا يَسعَى لوَجاهَةٍ بيْنَهُم..
فطُوبَى كذلكَ لأُمٍ آخذةٍ بعِنانِ نفسِها ولِجامِ أمرِها في سبيلِ اللهِ، مُنطَلقةً تُجاهِدُ في تربيةِ أبنائِها بإحسانٍ، مُستَدبرَةٍ زخارفِ الدنيا، خَفِيةِ الذِكرِ بينَ الناسِ بِلا مكانةٍ عِلمِيةٍ أو شَرَفِيَةٍ، لكنها عندَ ربِها حَفيةُ الذِكرِ شريفةُ القدرِ مَحفُوظةُ الأجرِ..
ولو عُذرُكِ هُو جَهلُكِ بقواعِدِ التربيةِ تِلك، فها قد عَرَفتِ فالزَمِي، وقولي ربِّ زِدنِي عِلمًا.. وأكمِلِي مَسيرَةَ طلبِ العِلمِ التربوِيِّ، لتفكيكِ ما يُضاعِفُ تَعَثُرَكِ مَعَهُم.
ولو عُذرُكِ ضَعفُ مُقاومَتِكِ؟= فكيفَ بِمَن هم أضعَفُ وأَعجَزُ مِنكِ؟ لا شكَ أنكِ بَشَرٌ تَضعُفِينَ وتَعجَزِينَ، لكنِ الصغارُ أضعَفُ وأضعَف.. اجبُرِي ضعفَكِ بحَوقَلاتٍ واستغفاراتٍ وركعاتِ بَثٍّ مِن نوعِيةِ "أرِحنا بِها يا بلال"، وبمُحاسَبَةٍ دَورِيةٍ وإصلاحٍ، وبالاستعانةِ بمن يَدعَمُكِ ويَحمِلُ عَنكِ/
وَلَبِنَةٌ فوقَ لَبِنَةٍ يَكتَمِلُ البِناءُ.. فاستعِنْ باللهِ ولا تَعجَز..
ولو عُذرُكِ هُو حُزنُكِ لتأخُرِ الثَمَرةِ وتُبَرِّرِينَ عَصَبِيَتَكِ بذلك؟= فكما قُلنا مِرارًا: كُلُّ نَبتَةٍ لها مُدةُ إنباتٍ..
هناك بِذرَةٌ تحتاجُ سبعَ سنواتٍ لتُزهِرَ، كشجرةِ المانجو مثلًا، وهناك بِذرةٌ تحتاجُ لسبعَةِ أيامٍ، كالعَدَسِ مثلًا.. فتأمَّلِي! سبعُ سنواتٍ وسبعُ أيامٍ، والماءُ واحدٌ والتُربَةُ واحدةٌ.. وفي السماءِ رِزقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ.. والرِزقُ يحتاجُ لسَعْيٍ، فاسعَيْ وتَرَقَّبِي رِزقَهُ برضا وتَوَكُلِ الطيرِ= فتَغدِينَ بكفوفٍ خاويةٍ، وتَعُودِينَ بها عامرةً بالأزهارِ..
فاسقَي.. واستمِرِي.. واصبرِي.. وأبشرِي.. ربُكِ سيسألُكِ عن السقايةِ، لا ثمرتِها، ما دُمتِ رَعَيتِها بِما علَّمَكِ..
وثمةُ أمهاتٍ تتعاملُ مع خَطئِها بجلدٍ للذات مُفرِطٍ ومُحبِطٍ..
فَلا تنسَي: أنتِ لستِ ملاكًا.. فلا تُسَوِّقي نفسَكِ عِندَهُم كالملاكِ أو قريبٍ مِنه، حتى إذا زَلَلْتِ تكونُ صدمةٌ لكليكُما..
بَل أدرِكِي ضَعفَ نَفسِكِ، واعلَمِي أن هناكَ مِساحاتُ عَجزٍ وقِلَةِ حِيلَةٍ نستعينُ فيها باللهِ ذِي القوةِ والطولِ، والتقصيرُ مَعفِيٌّ عنهُ طالما نجتهدُ ونجاهِدُ بنفسٍ لوامةٍ بغيرِ إفراطٍ، تُصحِحُ المسارَ أولًا بأول..
وكَرِّرِي عليهم أن كُلَ ابنِ آدمَ خَطاءٌ وخيرُ الخطائينَ التوابُون، وأنكِ قُدوةٌ تُسارِعُ إلى الخيرِ الذي تأمُرُ بِه، وتمتَنِعُ عن الخطأِ الذي تَستَنكِرُه.. ولا تَمنَعَنَّكِ زلاتُكِ عن الاستمرار..
قِيلَ عنِ الحسنِ البَصرِيِّ أنهُ ما بَلَغَ ما بَلَغَهُ مِن مكانةٍ إلا لكَونِهِ إذا أمَرَ الناسَ بشَيءٍ يَكونُ أسبقَهُم إليه، وإذا نهاهم عن شَيءٍ يكونُ أبعدَهم مِنهُ.. وهوَ نفسُهُ الذِي حِينَ قِيلَ لَهُ أنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ مَخافَةً أن يقُولَ مَا لَا يفْعَلُ، قال: [وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟-يَقصِدُ ((كُلَّ)) ما يَقول- [وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّ يظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ]..
=فالأساسُ أن فِعلُكِ مُوافِقٌ لقولِكِ، لا انفصامَ بينَهُما ولا ازدواجيةً للمعايير، فقاعدتُكِ: {وما أُريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}/ {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}/ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
=والخطأُ والتقصيرُ وارِدٌ، وقاعِدتُكِ: {كل ابن آدم خطاء}/ و{إن أريد إلا الإصلاح ((ما استطعت))}..
=وبادِرِي بالإقرارِ والاعتذارِ إن أخطأتِ، وقاعدتُكِ: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}..
=وتَجَنَّبِي مَواطنَ الشُبهَةِ وبَرِّئِي سُمعَتَكِ... وقاعدتُكِ: {ما عَلِمنَا عليه من سوء}.. كما فعلَ النبيُ ﷺ حين كان مع صفيةٍ في الطريقِ ليلًا، فبعضُ الصحابةِ أَسرَعُوا الخُطَى، فَبَرَّأَ ﷺ موقفَهُ وأوضحَ أنها زوجتُه.. ذَكَرَ ابنُ حَجَر ضِمنَ فوائدِ الحديثِ: ((اجتنابُ التَعَرُّضَ لسوء الظن بنا وتقديم العذر فيه))..
غَفَرَ اللهُ لنا انفلاتَ أعصابِنا معَ المَرفُوعِ عنهُم القَلَمُ..
شَمِلتْهُم رحمتُهُ تعالَى، وضاقَتْ عنهم رحمَتُنا...
فاللهم سامِحْنا واجبُرْ عَجزَنا واجبُرْهُم.. وما أُبَرِّيءُ نفسِي فكُلنا خطَّاؤُون.. وخيرُ الخطائِينَ التوابُون..
فإن سألتِ: متى وكيفَ ننتبِهُ لأمرِ القُدوَةِ؟ ومَتَى تَبدأُ المُحاكاةُ عادَةً؟
فالجوابُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..