فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
" وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وسائر أهل الملل ، وسائر العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ، وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه ، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه ، بل يتناقض ، وتناقض القول يدل على فساده ، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول " مجموع الفتاوى ( 8/179)
وقد دل على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات ؛ الشرع والعقل ،
فمن الأدلة الشرعية :
1ـ قول الله- تعالى - : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ) الأنعام/39 ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه . فمن احتج بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار ، وينسب إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً .
2ـ قال تعالى : ( رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165 ، فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل ، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع .
3ـ أن الله أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع ، قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 ، وقال سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286
ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو إكراه ، فلا إثم عليه لأنه معذور . ولو صح هذا الاحتجاج لم يكن هناك فرق بين المكره والجاهل ، وبين العامد المتعمد ، ومعلوم في الواقع ، وبدائه العقول أن هناك فرقا جليا بينهما .
4ـ أن القدر سر مكتوم ، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله ، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله ، فادعاؤه أن الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل ؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله ، فحجته إذاً داحضة ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .
5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب .
6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار ، إذا عاينوها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، كذلك إذا دخلوها ، وبدأ توبيخهم وتقريعهم ، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به ، بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم : ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ) إبراهيم/44 . ويقولون : ( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) المؤمنون/106
وقالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/10 . و ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44 ، إلى غير ذلك مما يقولون .
ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به ؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم .
7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16 ، ولتساوى فرعون عدو الله ، مع موسى كليم الله عليه السلام .
8- ومما يرد هذا القول ، ويبين فساده : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه ، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر ؟!
وإليك مثالاً يوضح ذلك : لو أن إنساناً أراد السفر إلى بلد ، وهذا البلد له طريقان ، أحدهما آمن مطمئن ، والآخر كله فوضى واضطراب ، وقتل ، وسلب ، فأيهما سيسلك ؟
لاشك أنه سيسلك الطريق الأول ، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار ؟
9 ـ ومما يمكن أن يُرد به على هذا المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له : لا تتزوج ، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك ، وإلا فلن يأتيك . ولا تأكل ولا تشرب ، فإن قدر الله لك شبعاً ورياً فسيكون ، وإلا فلن يكون . وإذا هاجمك سبع ضار فلا تفر منه ، فإن قدر الله لك النجاة فستنجو ، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار . وإذا مرضت فلا تتداو ، فإن قدر الله لك شفاءً شفيت ، وإلا فلن ينفعك الدواء .
فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا ؟ فإن وافقنا علمنا فساد عقله ، وإن خالفنا علمنا فساد قوله ، وبطلان حجته .
10- المحتج بالقدر على المعاصي شبه نفسه بالمجانين ، والصبيان ، فهم غير مكلفين ، ولا مؤاخذين ، ولو عومل معاملتهم في أمور الدنيا لما رضي .
11- لو قبلنا هذا الاحتجاج الباطل لما كان هناك حاجة للاستغفار ، والتوبة ، والدعاء ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
12- لو كان القدر حجة على المعائب والذنوب لتعطلت مصالح الناس ، ولعمت الفوضى ، ولما كان هناك داع للحدود ، والتعزيرات ، والجزاءات ، لأن المسيىء سيحتج بالقدر ، ولما احتجنا لوضع عقوبات للظلمة ، وقطاع الطريق ، ولا إلى فتح المحاكم ، ونصب القضاء ، بحجة أن كل ما وقع إنما وقع بقدر الله ، وهذا لا يقول به عاقل .
13- أن هذا المحتج بالقدر الذي يقول : لا نؤاخذ ، لأن الله كتب ذلك علينا ، فكيف نؤاخذ بما كتب علينا ؟
فيقال له : إننا لا نؤاخذ على الكتابة السابقة ، إنما نؤاخذ بما فعلناه ، وكسبناه ، فلسنا مأمورين بما قدره الله لنا ، أو كتبه علينا ، وإنما نحن مأمورين بالقيام بما يأمرنا به ، فهناك فرق بين ما أريد بنا ، وما أريد منا ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به .
وكون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون ، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر ، ومثال ذلك من الواقع ـ ولله المثل الأعلى ـ : لو أن مدرسا علم من حال بعض تلاميذه أنه لا ينجح هذا العام لشدة تفريطه وكسله ، ثم إن هذا الطالب لم ينجح كما علم بذلك الأستاذ فهل يقول عاقل بأن المدرس أجبره على هذا الفشل ، أو يصح للطالب أن يقال أنا لم أنجح لأن هذا المدرس قد علم أني لن أنجح ؟*!
وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع ، والعقل ، والواقع .
ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان ، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة ، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه : " أنت عند الطاعة قدري ، وعند المعصية جبري ، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " ( مجموع الفتاوى 8/107 ) يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه ، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له ، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر : " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى " ( مجموع الفتاوى 8 / 262 )
وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر .
وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر :عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، وتلف الزرع ، وخسارة المال ، وقتل الخطأ ، ونحو ذلك ؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً ، فالاحتجاج إنما يكون على المصائب ، لا المعائب ، " فالسعيد يستغفر من المعائب ، ويصبر على المصائب ، كما قال تعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) والشقي يجزع عند المصائب ، ويحتج بالقدر على المعائب "
ويوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً أسرع بسيارته وفرَّط في أسباب القيادة السليمة فتسبب في وقوع حادث ، فوبِّخ على ذلك ، وحوسب عليه فاحتج بالقدر ، لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً ، بينما لو أن شخصا صُدِمت سيارته وهي في مكانها لم يتحرك بها ، فلامه شخص فاحتج بالقدر لكان احتجاجه مقبولا ، إلا أن يكون قد أخطأ في طريقة إيقافها .
فالمقصود أن ما كان من فعل العبد واختياره فإنه لا يصح له أن يحتج بالقدر ، وما كان خارجا عن اختياره وإرادته فيصح له أن يحتج عليه بالقدر .
ولهذا حَجَّ آدم موسى عليهما السلام كما في قوله صلى الله عليه وسلم في محاجتهما : " احتج آدم وموسى فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق ؟ فحج آدمُ موسى" ( أي : غلبه في الحجة ) رواه مسلم ( 2652 ).
فآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على الذنب كما يظن ذلك من لم يتأمل في الحديث ، وموسى عليه السلام لم يلم آدم على الذنب ؛ لأنه يعلم أن آدم استغفر ربه وتاب ، فاجتباه ربه ، وتاب عليه ، وهداه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
ولو أن موسى لام آدم على الذنب لأجابه : إنني أذنبت فتبت ، فتاب الله علي ، ولقال له : أنت يا موسى أيضاً قتلت نفساً ، وألقيت الألواح إلى غير ذلك ، إنما احتج موسى بالمصيبة فحجه آدم بالقدر . انظر الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 – 22 )
" فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له ؛ فإنه من تمام الرضا بالله رباً ، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب ، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب " شرح الطحاوية ( 147 ) ....
ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب ، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر .
فلو قيل لأحد التائبين : لم فعلت كذا وكذا ؟ ثم قال : هذا بقضاء الله وقدره ، وأنا تبت واستغفرت ، لقُبل منه ذلك الاحتجاج ، لأن الذنب في حقه صار مصيبة وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب ، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى ، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه ، فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا بنقص البداية
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
فإذا قال قائل: إن لدينا حديثاً أقر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بالقدر وهو: أن آدم احتج هو وموسى، فقال له موسى: أنت أبونا خيبتنا أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ـ أي غلبه بالحجة مع أن آدم احتج بقضاء الله وقدره، فهل هذا الحديث إلا إقرار للاحتجاج بالقدر؟
فالجواب أن نقول:
إن هذا ليس احتجاجاً بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة ـ ولم يقل: عصيت ربك فأخرجت من الجنة، إذاً احتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبر مصيبة،
والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، أرأيت لو أنك سافرت سفراً، وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر، لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء؟ فبماذا ستجيبه؟
الجواب:
أنك ستقول له: هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟ لا، فالمصيبة إذاً التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجاً صحيحاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى فحج آدم موسى،
مثال آخر:
ما تقولون في رجل أصاب ذنباً وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول له: يا فلان؛ كيف يقع منك هذا الشيء؟ فقال: هذا قضاء الله وقدره، فهل يصح احتجاجه هذا أولا؟ نعم يصح، لأنه تاب، فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف،
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعلى فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، فوجدهما نائمين، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لامهما لماذا لم يقوما؟ فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله؛ إن أنفسنا بيد الله، فإن شاء الله أمسكها، وإن شاء أرسلها، فخرج النبي، صلى الله عليه وسلم يضرب على فخذه وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ـ فهل الرسول قبل حجته؟ لا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يبين أن هذا من الجدل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازماً، فيحرص على أن يقوم ويصلي،
على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز،
وكذلك الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها جائز،
وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريراً لموقف الإنسان واستمراراً فيها: فغير جائز. انتهى.
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف
كون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون ، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر
نعم
الواجِب على كلِّ مسلمٍ أن يعتقِدَ بأنَّ الله - تعالى - ربُّ كلِّ شيء ومليكُه، له التَّصرُّف المطْلَق، وله الحكْمة البالغة، يفعل ما يشاء ويحكم بما أراد، لا يُسأَل عمَّا يفعل، ولا معقِّبَ لحُكْمِه، ولا رادَّ لقضائِه، وأنَّه عليم حكيم عدْل، لا يظلمُ أحدًا؛ بل حرَّم - سبحانه - الظلمَ على نفسِه؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : 40]، وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت : 46]، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف : 49]. أمَّا الاحتجاجُ بأنَّ الله - سبحانه وتعالى - يخلُق الإنسانَ، ويكتُب مصيرَه من السَّعادة أو الشَّقاء، فهذا أمرٌ طبيعي للإلَه القادِر العليم، الَّذي يحيطُ علمُه بكلِّ شيءٍ من مَخلوقاته؛ ولذا قال: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[الملك : 14]، وكيف يكون ربًّا للأشياءِ وهو لا يعْلمُ مصيرَها، ولا ما تؤُول إليْه؟!
وهذا لا يُنافِي عدْله - سبحانه - لأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - إنَّما يُحاسِب الخلقَ بمقتضى عمَلِهم وسعْيِهم، واختِيارهم لأنفسهم الخيرَ أو الشَّرَّ، ولا يُحاسبهم بمقتضى ما علِمَه منهم، وجعل للعبد اختيارًا ومشيئة وإرادة، بها يَختار طريقَ الخير أو الشَّرِّ، وبها يَفْعل ما يريد، وعلى أساسِها يُحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسِه، فالاختِيار مع وجودِ العقل وعدم الإكْراه هو مناطُ التَّكليف، وإذا فُقِد ارتفع التَّكليف؛ قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران : 182]، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما منكُم من أحدٍ، وما من نفس منفوسةٍ، إلاَّ كُتِبَ مكانها من الجنَّة والنَّار، وإلاَّ قد كتبت شقيَّة أو سعيدة))، قال رجُلٌ: يا رسول الله، أفلا نتَّكل على كتابِنا وندعُ العمل؛ فمَن كان من أهلِ السَّعادة فسيصير إلى عملِ أهل السَّعادة، ومن كان من أهلِ الشَّقاء فسيصير إلى أهل الشَّقاوة؟ قال: ((أمَّا أهلُ السَّعادة، فييسَّرون لعمل أهل السَّعادة، وأمَّا أهل الشَّقاوة، فييسَّرون لعمل أهل الشَّقاء))، ثمَّ قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل : 5 - 7]؛ رواه البخاري.
فالمرْء لن يعمل إلاَّ بما قدَّر الله له في كتابِه، ولكنَّه لما أُتيح له من الأسباب ما يُمكنه من سلوك الطَّريق السوي، وبيَّن له ذلك، وجهل ما قدره الله له مِن السَّعادة أو الشَّقاوة يوم القيامة - كان عليه أن يعمَل ويأخذ بالأسبابِ الشَّرعيَّة ويدع ما سواها، ويدعو الله أن يرزُقَه الثَّباتَ على الدِّين.
فإذا اطمأنَّت نفسُ المسلِم لذلك، فلا ينبغي له البحْثُ وكثرة السؤال، والاستِرْسال مع وساوِس الشَّيطان التي يُريدُ أن يفسِدَ بها دين المرْء ودُنياه وأُخراه.
وقد سُئِل شيخُ الإسلام - قدَّس الله روحه - عن قومٍ قد خصُّوا بالسَّعادة، وقوم قد خصُّوا بالشَّقاوة، والسَّعيد لا يشقَى، والشَّقِي لا يسعد، وفي الأعمال لا تراد لذاتِها؛ بل لجلْب السَّعادة ودفْع الشَّقاوة، وقد سبقنا وجود الأعمال، فلا وجْه لإتْعاب النفس في عمل، ولا كفِّها عن ملذوذ؛ فإنَّ المكتوب في القِدَم واقع لا محالة، بيِّنوا ذلك.
فأجاب - رحمه الله -: "الحمد لله، هذه المسألة قد أجابَ فيها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غيرِ حديث؛ ففي "الصَّحيحين": عن عمران بن حصين قال: قيل: يا رسولَ الله، أعُلِم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: ((نعم)) قيل: ففيم يعمل العاملون؟ قال: ((كلٌّ ميسَّر لِما خُلِق له))، وفي رواية البُخاري: قُلْت: يا رسولَ الله، كلٌّ يَعمل لما خُلِق له أو لِما يسِّر له؟ رواه مسلم في "صحيحه".
عن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عِمران بن حصين: أرأيتَ ما يعمل النَّاس اليوم ويكدحون فيه، أشيءٌ قُضِي عليهم ومضى عليْهم من قدر سابق، أو فيما يستقْبِلون به ممَّا أتاهم به نبيُّهم وثبتت الحجَّة عليهم؟ فقلت: بل شيء قُضِي عليهم ومضى عليهم، قال: فقال: أفلا يكونُ ذلك ظلمًا، قال: ففزِعْتُ من ذلك فزعًا شديدًا، وقلت: كلُّ شيء خَلْقُ الله ومِلْكُ يده، فلا يُسْأل عمَّا يفعل وهم يسألون، فقال: يرحَمك الله، إنِّي لم أُرِد بما سألتُك إلاَّ لأجود عقلك؛ إنَّ رجُلين من مزينة أتَيَا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالا: يا رسولَ الله، أرأيتَ ما يعمل النَّاس اليوم ويكدحون فيه، أشيءٌ قُضِي عليْهِم ومضى فيهم من قدَرٍ سابق، أو فيما يستقبلون به ممَّا أتاهم به نبيُّهم وثبتت الحجَّة عليهم؟ فقال: ((لا، بل شيءٌ قُضِي عليْهِم ومضى فيهم، وتصْديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس : 7 ، 8])).
وروى مسلم في "صحيحِه": عن زهيرٍ عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسولَ الله، بيِّن لنا دينَنا كأنَّا خُلِقْنا الآن، فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفَّت به الأقْلام وجرت به المقادير؟ أم فيما يستقبل؟ قال: ((لا، بل فيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير))، قال: ففيم العمل؟ قال زهيرٌ: ثمَّ تكلَّم أبو الزُّبير بشيءٍ لَم أفهمْه، فسألت عمَّا قال، فقال: ((اعملوا فكلٌّ ميسَّر))، وفي لفظ آخر: فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ عامل ميسَّر بعملِه)).
وفي "الصَّحيحين": عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنَّا في جنازة في بقيع الغرْقد، فأتانا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقعد وقعدنا حوْلَه ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكُتُ بمخصرتِه، ثمَّ قال: ((ما منكم من أحدٍ، وما من نفسٍ منفوسة، إلاَّ وقد كتب الله مكانَها من الجنَّةِ والنَّار، إلاَّ وقد كتبتْ شقيَّة أو سعيدة))، فقال رجل: يا رسولَ الله، أفلا نتَّكل على كتابِنا وندَع العمل، مَن كان من أهل السَّعادة فسيصيرُ إلى عملِ أهل السَّعادة، ومَن كان من أهل الشَّقاوة فسيصير إلى عملِ أهل الشَّقاوة؟ فقال: ((اعمَلوا فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السَّعادة فسيُيَسَّرون لعمل أهل السَّعادة، وأمَّا أهل الشَّقاوة فسيُيَسَّرون إلى عمل أهل الشَّقاوة))، ثمَّ قرأ: {﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل : 5 - 10]، وفي روايةِ البخاري: أفلا نتَّكل على كتابِنا وندع العمل؛ فمَن كان منَّا من أهلِ السَّعادة سيصير إلى عمل أهل السَّعادة، ومن كان من أهْل الشَّقاوة سيصير إلى عمل أهل الشَّقاوة؟ وقال: ((أمَّا عمل أهل السَّعادة..))، الحديث.
وفي روايةٍ في "الصَّحيحين" عن علي قال: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات يوم وفي يدِه عود ينكُت به، فرفع رأسَه فقال: ((ما منكم من نفسٍ إلاَّ وقد علم منزلها من الجنَّة والنَّار))، فقالوا: يا رسولَ الله، فلِمَ نعمل؟ أولا نتَّكل؟ قال: ((لا، اعملوا فكلٌّ ميسَّر لِما خُلِق له)) ثمَّ قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ إلى قولِه: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].
فقد أخبر النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذه الأحاديث وغيرِها بما دلَّ عليه القُرآن أيضًا، من أنَّ الله - سبحانه وتعالى - تقدَّم علمُه وكتابه وقضاؤه بِما سيصيرُ إليه العِباد من السَّعادة والشَّقاوة، كما تقدَّم علمُه وكِتابه بغير ذلك من أحْوال العباد وغيرهم؛ كما في الصَّحيحين عن عبدالله بن مسعود قال: حدَّثنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الصَّادق المصْدوق: ((إنَّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أرْبعين يومًا نُطْفة، ثمَّ يكون علقةً مثلَ ذلك، ثمَّ يكون مضغةً مثْل ذلك، ثمَّ يبعث الله ملكًا بأرْبَع كلِمات، فيكتب عمله، وأجلَه، ورزقَه، وشقي أو سعيد، ثمَّ ينفخ فيه الرُّوح، فوالَّذي لا إلهَ غيرُه، إنَّ أحدَكم ليعملُ بعمل أهل الجنَّة حتَّى ما يكون بيْنه وبيْنها إلاَّ ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النَّار فيدخُلها، وإنَّ أحدَكم ليعملُ بعمل أهل النَّار حتَّى ما يكون بيْنه وبيْنها إلاَّ ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب فيعْمل بعمل أهل الجنَّة فيدخُلها)).
وفي "الصَّحيحين": عن أنسِ بن مالك - رضي الله عنه - ورفَع الحديث، قال: ((إنَّ الله وكل بالرَّحم ملكًا فيقول: أيْ ربِّ نطفة، أيْ ربِّ علقة، أيْ رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال الملك: أيْ رب ذكرٌ أو أنثى؟ شقيٌّ أو سعيدٌ؟ فما الرِّزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمِّه))، وهذا المعنى في صحيحِ مسلم من حديث حُذيفة بن أسيد الغفاري أيضًا. والنُّصوصُ والآثار في تقدُّم عِلْم الله وكتابته وقضائه، وتقْديره الأشياء قبل خلْقِها، وأنواعها - كثيرة جدًّا، وقد بيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ ذلك لا يُنافي وجودَ الأعْمال التي بها تكون السَّعادةُ والشَّقاوة، وأنَّ مَن كان من أهْل السَّعادة، فإنَّه ييسر لعملِ أهل السَّعادة، ومَن كان من أهل الشَّقاوة، فإنَّه ييسَّر لعمل أهل الشقاوة، وقد نَهَى أن يتَّكلَ الإنسان على القدَر السَّابق، ويدَع العمل؛ ولهذا كان من اتَّكلَ على القدَر السابق، وترك ما أُمِر به من الأعمال - هو من الأخْسرين أعمالاً، الَّذين ضلَّ سعْيُهم في الحياة الدُّنيا، وكان ترْكهم لما يجب عليْهم من العملِ من جُملة المقْدور الَّذي يسِّروا به لعمل أهل الشَّقاوة؛ فإنَّ أهل السَّعادة هم الَّذين يفعلون المأْمور، ويتركون المحْظور، فمَن ترك العمل الواجب الَّذي أُمِر به وفعل المحْظور متَّكلاً على القدر، كان من جملةِ أهل الشَّقاوة الميسَّرين لعمل أهل الشَّقاوة.
وهذا الجواب الذي أجاب به النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غايةِ السَّداد والاستِقامة، وهو نظيرُ ما أجابَ به في الحديث الَّذي رواه التِّرمذيُّ أنَّه قيل: يا رسولَ الله، أرأيتَ أدويةً نتداوى بِها، ورقًى نسترْقِي بها، وتقاةً نتَّقيها، هل تردُّ من قدَر الله شيئًا؟ فقال: ((هي من قدَر الله))؛ وذلك لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - هو يعلَم الأشياء على ما هي عليه، وكذلك يكتُبها، فإذا كان قد علِم أنَّها تكون بأسبابٍ من عمل وغيرِه، وقضى أنَّها تكون كذلك وقدَّر ذلك - لم يَجُز أن يظنَّ أنَّ تلك الأمورَ تكون بدون الأسْباب التي جعلَها الله أسبابًا، وهذا عامٌّ في جَميع الحوادثِ.
مثال ذلك: إذا علم الله وكتَب أنه سيُولد لهذَين ولدٌ، وجعل الله - سبحانه - ذلِك معلَّقًا باجتِماع الأبويْن على النِّكاح، وإنزال الماء المهين الَّذي ينعقِد منه الولد - فلا يجوز أن يكون وجود الولَد بدون السَّبب الَّذي علق به وجود الولد، والأسباب وإن كانت نوعين: معتادة وغريبة. فالمعتادة: كولادةِ الآدمي من أبوَيْن.
والغريبة: كوِلادة الإنسان من أمٍّ فقطْ؛ كما وُلد عيسى، أو من أبٍ فقط؛ كما وُلِدتْ حوَّاء، أو من غير أبويْن؛ كما خُلِق آدم أبو البشر من طين.
فجميع الأسباب قد تقدَّم عِلْم الله بها وكتابتُه لها، وتقْديره إيَّاها وقضاؤُه بها، كما تقدَّم ربْط ذلك بالمسبِّبات، كذلك أيْضًا الأسباب التي بها يخلق النَّبات - من إنزال المطَر وغيره - من هذا الباب؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾ [البقرة : 164]، وقال: ﴿ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ [الأعراف : 57]، وقال: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء : 30]، وأمثال ذلك.
فجميعُ ذلك مقدَّرٌ معلوم، مقْضيٌّ مكتوب قبل تكْوينه، فمَن ظنَّ أنَّ الشَّيء إذا عُلم وكتب أنَّه يكفي ذلك في وجودِه، ولا يحتاج إلى ما به يكونُ من الفاعل الَّذي يفعله وسائر الأسباب - فهو جاهلٌ ضالٌّ ضلالاً مبينًا؛ من وجهين: أحدهما: من جِهة كونِه جعل العِلْم جهلاً؛ فإنَّ العِلْم يُطابق المعلوم، ويتعلَّق به على ما هو عليْه، وهو - سبحانه - قد علم أنَّ المكوَّنات تكون بما يخلقه من الأسباب؛ لأنَّ ذلك هو الواقع، فمَن قال: إنَّه يعلم شيئًا بدون الأسباب، فقد قال على الله الباطل، وهو بمنزلة مَن قال: إنَّ الله يعلمُ أنَّ هذا الولد ولد بِلا أبويْن، وأنَّ هذا النَّبات نبت بلا ماء، فإنَّ تعلُّقَ العلمِ بالماضي والمستقْبل سواء، فكما أنَّ مَن أخبر عن الماضي بعِلْم الله بوقوعِه بدون الأسباب يكون مبطلاً، فكذلك مَن أخْبر عن المستقبل، كقوْل القائل: إنَّ الله علم أنَّه خلق آدم من غير طين، وعلم أنَّه يتناسل النَّاس من غيرِ تناكُح، وأنَّه أنبت الزُّروعَ من غيرِ ماء ولا تراب، فهو باطلٌ ظاهرٌ بطلانُه لكلِّ أحد، وكذلك إخباره عن المستقبل، وكذلك "الأعمال" هي سببٌ في الثَّواب والعِقاب، فلو قال قائل: إنَّ الله أخْرج آدم من الجنَّةِ بلا ذنب، وأنَّه قدر ذلك، أو قال: إنَّه غفر لآدم بلا توبة، وإنَّه علم ذلك - كان هذا كذبًا وبهتانًا، بخلافِ ما إذا قال: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة : 37]، ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [طه : 121]، فإنَّه يكون صادقًا في ذلك.
والله - سبحانه - علِم ما يكون من آدمَ قبل أن يكون، وهو عالِمٌ به بعد أنْ كان، وكذلك كل ما أخبر به من "قصص الأنبِياء"، فإنَّه علم أنَّه أهلك قومَ نوح وعاد وثمود، وفرعون ولوط ومدْين وغيرهم بذنوبهم، وأنَّه نجَّى الأنبياءَ ومن اتَّبعهم بإيمانهم وتقْواهم؛ كما قال: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف : 165]، وقال: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾ الآية [العنكبوت : 40]، وقال: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ ﴾ [الأنعام : 146]، وقال: ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [غافر : 21]، وقال: ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُ مْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ [الأنعام : 6]، وقال: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [النمل : 52 ، 53]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود : 102]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف : 56]، وقال: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء : 3]، وقال: ﴿ إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾} [القمر : 34 ، 35]، وقال: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [الأعراف : 137]، وأمثال ذلك في القرآنِ كثير.
وكذلك خبره عمَّا يكون من السَّعادةِ والشَّقاوة بالأعمال؛ كقوله: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة : 24]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف : 72]، وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور : 21]، وقوله: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون : 111]، وقوله: ﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان : 12] الآيات، وقوله: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين : 36]، وقوله: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر : 42 - 48]، وأمثال هذا في القُرآنِ كثيرٌ جدًّا.
بيَّن - سبحانه - فيما يذكره من سعادةِ الآخِرة وشقاوتها: أنَّ ذلك كان بالأعْمالِ المأمور بها والمنهيِّ عنْها، كما يذكر نحْو ذلك فيما يقضيه من العقوباتِ والمثوبات في الدُّنيا أيضًا.
والوجه الثاني: أنَّ العِلْم بأنَّ الشَّيء سيكون، والخبر عنْه بذلك، وكتابة ذلك - لا يُوجِبُ استِغْناء ذلك عمَّا به يكون من الأسباب الَّتي لا يتمُّ إلاَّ بها، كالفاعلِ وقدرته ومشيئته، فإنَّ اعتقاد هذا غاية في الجهل؛ إذ هذا العلم ليس موجبًا بنفسِه لوجود المعلوم باتِّفاق العُلماء؛ بل هو مطابق له على ما هو عليه، لا يكسبه صفةً، ولا يكتسب منه صفة، بِمنزلة عِلْمِنا بالأمور الَّتي قبلنا، كالموجودات التي كانتْ قبل وجودِنا، مثل عِلْمنا بالله وأسمائِه وصفاته، فإنَّ هذا العِلْم ليس مؤثرًا في وجود المعلوم باتِّفاق العُلماء، وإن كان من علومِنا ما يكون له تأثير في وجود المعلوم، كعِلْمنا بما يدعونا إلى الفعلِ ويعرفنا صفته وقدره، فإنَّ الأفعالَ الاختياريَّة لا تصدرُ إلاَّ ممَّن له شعورٌ وعلم؛ إذِ الإرادةُ مشروطةٌ بوجودِ العلم، وهذا التَّفصيل الموجود في علمنا بحيث ينقسم إلى علمٍ فعْلي له تأثير في المعلوم، وعلم انفِعالي لا تأثير له في وجود المعلوم - هو فصْلُ الخطابِ في العلم، وهكذا علْم الرَّبِّ - تبارك وتعالى - فإنَّ علمه بنفسِه - سبحانه - لا تأثير له في وجودِ المعلوم، وأمَّا علمه بمخلوقاتِه التي خلَقَها بمشيئتِه وإرادته، فهو ممَّا له تأثيرٌ في وجود معلوماتِه، والقول في الكلامِ والكِتاب كالقول في العلم؛ فإنَّه - سبحانه وتعالى - إذا خلق الشيءَ خلقه بعلمِه وقدرته ومشيئته؛ ولذلك كان الخلقُ مستلزمًا للعلمِ ودليلاً عليه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك : 14]، وأمَّا إذا أخبر بما سيكون قبل أن يكون، فعِلْمُهُ وخبره - حينئذٍ - ليس هو المؤثر في وجودِه؛ لعلمه وخبره به بعْد وجودِه؛ لثلاثة أوجُه:
أحدها: أنَّ العلمَ والخبر عن المستقبلِ كالعِلم والخبر عن الماضي. الثاني: أنَّ العلمَ المؤثِّر هو المستلزمُ للإرادة المستلزمة للخلْق، ليس هو ما يستلزم الخبر، وقد بيَّنَّا الفرقَ بين العِلْم العمَلي والعلم الخبري. الثالث: أنَّه لو قدر أنَّ العلمَ والخبر بما سيكون له تأثيرٌ في وجود المعْلوم المخْبر به، فلا ريْبَ أنَّه لا بدَّ مع ذلك من القُدرة والمشيئة، فلا يكون مجرَّدُ العلم موجبًا له بدون القُدْرة والإرادة، فتبيَّن أنَّ العلم والخبر والكِتاب لا يوجب الاكتِفاء بذلك عن الفاعل القادِر المريد؛ ممَّا يدلُّ على ذلك أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يعلم ويُخبر بما سيكونُ من مفعولاتِ الرَّبِّ، كما يعلم أنَّه سيُقيم القيامةَ ويخبر بذلك، ومع ذلك فمعلومٌ أنَّ هذا العلمَ والخبر لا يُوجب وقوع المعْلوم المخبر به بدون الأسْباب التي جعلها الله أسبابًا له....بقلم خالد عبد المنعم الرفاعى
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
قال ابن عثيمين رحمه الله فى تقريب التدمرية
أن الاحتجاج بالقدر على ترك الواجب، أو فعل المحرم بعد التوبة جائز مقبول، لأن الأثر المترتب على ذلك قد زال بالتوبة فانمحى به توجه اللوم على المخالفة، فلم يبق إلا محض القدر الذي احتج به لا ليستمر على ترك الواجب، أو فعل المحظور ولكن تفويضاً إلى قدر الله تعالى الذي لابد من وقوعه. وقد أشار إلى هذا ابن القيم في – شفاء العليل – وقال إنه لم يدفع بالقدر حقاً ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضوع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقاً ويرتكب باطلاً، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148]. {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [الزخرف: 20]. فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه وأنهم لم يندموا على فعله ولم يعزموا على تركه ولم يقروا بفساده، فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه، وندم وعزم كل العز على أن لا يعود.
ونكتة المسألة: أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل، ثم ذكر حديث علي رضي الله عنه حين طرقه النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة ليلاً فقال: (ألا تصليان). الحديث. وأجاب عنه بأن احتجاج علي صحيح ولذلك لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يعذر فيه؛ فالنائم غير مفرط، واحتجاج غير المفرط بالقدر صحيح.
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
سئل ابن عثيمين رحمه الله:
عن شخص عاص عندما دعي للحق قال: "إن الله لم يكتب لي الهداية" فكيف يتعامل معه؟
فأجاب :
نقول بكل بساطة : أطَّلعت الغيب أم اتخذت عند الله عهداً؟ إن قال : نعم ، كفر لأنه ادعى علم الغيب وإن قال: لا ، خصم وغلب ، إذا كنت لم تطلع أن الله لم يكتب لك الهداية فاهتد ، فالله ما منعك الهداية بل دعاك إلى الهداية ، ورغبك فيها ، وحذرك من الضلالة ، ونهاك عنها ولم يشأ الله - عز وجل - أن يدع عباده على ضلالة أبداً قال - تعالى- : ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ (1) ... ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ ... فتب إلى الله ، والله ـ عز وجل – أشد فرحاً بتوبتك من رجل أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه ، وأيس منها ، ونام تحت شجرة ينتظر الموت ، فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة فأخذ بخطام الناقة فرحاً وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" . أخطأ من شدة الفرح فنقول ـ تب إلى الله ، والله أمرك بالاهتداء وبين لك طريق الحق.
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
الطوائف التي ضلت في القدر
الطائفة الأولى: الجبرية:
الجبرية من الطوائف التي ضلت في القدر، وهم الذين قالوا: إن العبد مجبور على عمله، وليس له فيه إرادة ولا قدرة.
والجبر معناه:
أن الإنسان لا يخلق أفعاله، وإنما هو مجبور علىها، فليس له إرادة ولا اختيار، وهذا يعني: أن العبد غير مؤاخذ أو محاسب على أفعاله.
وبناء على هذا المذهب الفاسد فإنه لا فائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، فإن الرسل جاءت بشرائع ليعمل الناس بها، ويترتب على ذلك الثواب والعقاب، فالثواب يكون لمن عمل خيرًا، والعقاب يكون لمن أساء وعمل شرًّا.
الطائفة الثانية: القدرية:
القدرية من الطوائف التي ضلت في القدر، وهم الذين قالوا: إن العبد مستقل بعمله وفي الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر.
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
.......
نعم لايجوز الإحتجاج بالقدر
......
{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }
لو أعملوا عقولهم لنفذت بصيرتهم ولما طبع الله على قلوبهم ..
......
رد: فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيد شويل
.......
نعم لايجوز الإحتجاج بالقدر
......
{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }
لو أعملوا عقولهم لنفذت بصيرتهم ولما طبع الله على قلوبهم ..
......
بارك الله فيك اخى السعيد شويل
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قال الله تعالى: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم"،
فقوله تعالى: "فلما زاغوا" هذا عمل سيئ نتيجته: "أزاغ الله قلوبهم"
فالأعمال السيئة لها آثار وخيمة؛
وقال رحمه الله
الإنسان كلما أوغل في المعاصي ، ازداد بعدًا عن الإقبال على الحق ؛ كما قال الله تعالى : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم }
وقال رحمه الله
و قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ فمعناها أن الإنسان إذا استقام على طاعة الله فإن الله تعالى يزيده من نعمه لقوله تعالى: ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾،
فأما إذا انحرف عن طاعة الله سبحانه وتعالى فإن الله تعالى يقول: ﴿ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾.
فما دام الإنسان على طاعة الله، قائماً بأمره، مجتنباً لنهيه فليبشر بالخير وبكثرة النعم وبتحقيق قول الله تعالى: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾. فأما إذا غير ما بنفسه من الإنابة إلى الله والإقبال عليه وبارز الله تعالى بالعصيان بفعل المحظورات وترك المأمورات فإن الله تعالى يغير عليهم هذه النعمة.
... ويقول ومن اقتضت حكمته أن يضل؛ أضله الله، وهذا مبني على قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ وحينئذٍ يكون حرمان الله تعالى الهداية للشخص يكون الشخص هو السبب في حرمان نفسه الهداية؛ لأنه ليس أهلًا لها
وقال ابن باز رحمه الله:
"من حاد عن الحق وأعرض عنه مع العلم، لهوى في نفسه ولغرض خسيس، أو للمكابرة والمجادلة بالباطل، أو للتكبر والعناد، أو لأسباب أخرى خبيثة، فإن هذا حري بأن يزاغ قلبه، نسأل الله العافية، ويخذل غاية الخذلان، لكونه حاد عن الحق بعد العلم، قال عز وجل:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، سورة الصف:5؛ وقال سبحانه:{وَنُقَلِ ّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، سورة الأنعام:11؛ وقال جل وعلا:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا غڑ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} سورة النمل:14؛ فلما جحدوا الحق، علوا وتكبرا، أصيبوا وهلكوا وخسروا في الدنيا والآخرة". المصدر: التعليقات البازية على شرح الطحاوية...
فالجزاء من جنس العمل سُنةٌ إلهيةٌ، وقاعدة عدليةٌ، مستقاةٌ من النصوص الشرعية،
جزاء العمل من جنس عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، (جَزَاء وِفَاقًا)