الشيعة المتصوفة
ناصر بن عبد الله القفاري
كتب كثير من العلماء والباحثين عن التصوف، وكتب آخرون عن الصلة بين التصوف[1] والتشيع[2]، مبيّنين التشابه العقدي والمنهجي بينهما؛ كالتشابه بين عقيدة الولاية عند الصوفية والإمامة عند الشيعة، وعقيدة العصمة للإمام عند الشيعة وعقيدة الحفظ للولي عند الصوفية، والتأويل الباطني عند الشيعة الباطنية والتأويل الباطني أو الرمزي أو الإشاري عند الصوفية، وتقسيم الدين إلى شريعة وحقيقة عند الصوفية كتقسيم الدين إلى تنزيل وتأويل عند الشيعة... وقد خص بعضهم هذه المسألة بمصنفات مستقلة[3].
وكان محور الحديث وأساسه هو التشابه العقدي بين الصوفية والشيعة، لكن لم توجد - فيما أعلم - دراسة علمية مستقلة تتناول التيار الخفي الباطني الرافضي المتقنّع والمستتر بالتصوف، مع أنه أخطر ما في الاتجاه الصوفي، بل هم الذين وراء اتساع الانحراف في دوائر التصوف حتى وصل الحال ببعض الباحثين المعاصرين إلى القول بأنه لا يوجد في التصوف اليوم معتدل، بل كلهم غلاة[4]، وذلك لاتساع دائرة هذا التيار وتغلّب مظاهره وآثاره على الاتجاه الصوفي، وهذا التيار هو الذي قاد ولا يزال يقود ركب التصوف نحو الغلو والتطرف.
وقد عرفت هذه الطائفة وأدركت أهمية دراستها؛ لأنني ابتليت بدراسة المذهب الشيعي بفرقه المختلفة، فأمضيت ما يزيد على ثلاثين سنة بحثاً ونظراً وتدريساً وتأليفاً[5] ورحلاتٍ متعددةً للبحث عن موارد المذهب ومقابلة بعض رموزه وجمعياته والوقوف على نشاطاته والتعرف على مخططاته، ومراجعة مناهجه الدراسية، وزيارة مشاهده ومزاراته... إلخ.
أما التصوف فقد عنيت بشأنه أيضاً بحثاً وتأليفاً[6]، وكذلك أثناء تدريسي مادة التصوف لطلاب وطالبات الدراسات العليا في الجامعة[7].
وهذه الصلة القائمة بين التصوف والتشيع والتشابه العقدي بينهما، ترجع في الأساس إلى تلك الخلايا الباطنية المنتشرة بين الطرق الصوفية، والمستترة بقناع التصوف، حتى بدأ بعضهم يدرس ما يسميه «التصوف السني»، وهو السالم من الوقوع في براثن الكيد الباطني وانحرافات الرافضة المتصوفة.
وقد تبيَّن لي من خلال دراستي وتدريسي لكلا الطائفتين، ضخامة الخطر وخطورة الداء المتمثل في التيار الشيعي الباطني الذي يسري في كيان التصوف الخرافي، ويسخره لخدمة أغراضه.
والملاحظ أن سلاح التشيع الباطني، وسلاح التصوف الغالي ذي الأصول الباطنية؛ من أخطر ما وجه لضرب الأمة من داخلها، بل هما من أمضى الأسلحة الخفية المؤثرة سلباً داخل كيان الأمة الإسلامية، وقد استخدم أعداء الأمة الظاهرون والمستترون هاتين الطائفتين لغزو الأمة من داخلها؛ ولذا فقد اعتنى أهل الاستشراق بدراستهما، حتى إن المستشرق دونلدسن بقى في إيران ست عشرة سنة لدراسة التشيع، ثم أخرج كتابه «عقيدة الشيعة».
واهتم المستشرق الفرنسي ماسينيون بالتصوف، وأمضى حياته في دراسة هذه الطائفة، بل اهتم بالشخصيات المتطرفة منهم كالحلاج، حتى لقب بـ «عاشق الحلاج».
وهؤلاء المستشرقون - كما هو معروف - يعملون مستشارين في وكالات الاستخبارات ووزارات الخارجية في بلادهم، وتبنى على بحوثهم ودراساتهم وتقاريرهم مواقف وخطط وحروب وسياسات.
بأنه اطلع على تقرير استشراقي سري يفيد بأن أفضل طريقة لمواجهة انتشار الإسلام هو تغذية هذه المذاهب والطوائف ودعمها وتشجيعها.
وتتجلى خطورة هذا التيار الخفي من «التشيع الصفوي» المستتر بـ «التصوف»، في بُعده العقدي والأمني والسياسي والاجتماعي، فلقد تسللت المجوسية الفارسية التي تتخذ من «التشيع» وسيلة لخدمة أهدافها السياسية، وإقامة إمبراطوريتها الفارسية، وإعادة مملكتها البائدة ومجدها الغابر؛ تسللت إلى التصوف على سبيل الخصوص، وإلى المجتمعات الإسلامية على سبيل العموم، بواسطة هذه الطائفة والمتأثرين بها.
والخطورة الكبرى في هذا الاختراق الشيعي ترجع إلى كثرة عدد الصوفية وانتشارها واتساع نفوذها وعلو مكانة بعض شيوخها لدى بعض الساسة وأصحاب القرار في بعض الدول. ولإدراك أبعاد هذا الخطر انظر إلى آثار الاختراق الإيراني باسم التشيع لبعض فرق الزيدية، وهي «الجارودية»[8]، وتأثيراته الخطرة على بلاد اليمن وما جاورها[9]، ثم انظر إلى اختراقهم المجتمع اللبناني بواسطة ما يسمى «حزب الله».
ثم أرجع البصر إلى محاولة إيران احتواء نصيرية سورية باسم التشيع لعلي رضي الله عنه، مع أن المصادر الأساسية لشيعة إيران - أعني الشيعة الإمامية الإثني عشرية - تقرر في مصادرها المعتمدة لديها تكفير النصيرية صراحة[10]، كما أن النصيرية لا تبشر بمذهبها؛ لأنه مذهب سري باطني، إلا أن إيران – لا سيما بعد الثورة الخمينية - اتخذت من دعوى التشيع طريقاً إلى نشر دينها في المجتمع السوري، ونجحت - بواسطة التخطيط الإيراني - في احتواء النصيرية، ولذا ظهر «الغَزَل الشيعي» بين آيات قم ورجال الدين النصيريين، فأصدر - مثلاً - رجل الدين الشيعي الإيراني حسن الشيرازي بعد زيارة له لسورية، رسالة بعنوان «العلويون شيعة أهل البيت»[11]، ثم تطور الأمر واتسع الخطر إلى درجة تجنيد ملالي الرافضة في قم لبعض الجهلة والمرتزقة من أتباعهم لدعم النظام السوري النصيري العلوي في سورية، كعصابات «حزب الله» اللبناني، و«لواء أبي الفضل العباس» العراقي، وخلايا «الحرس الثوري» الإيراني[12].
وهم اليوم ينفذون خطة كبرى لاحتواء الطرق الصوفية لإفسادها وتجنيد أتباعها لتحقيق مصالح الرافضة، كما فعل اليهود حين دخلوا في النصرانية لتحقيق مآربهم.
ولذا؛ فإن أكثر الباحثين يتحدثون عن التشابه بين التصوف والتشيع في المبادئ والمعتقدات، وقلَّ من يدرك وجود تيار واسع متغلغل داخل الكيان الخرافي الصوفي، كما لم تفطن جماهير الصوفية الغائبة أو المغيبة لهذا التيار الباطني المتقنّع بالتصوف، فهم في غفلة عما يراد بهم ومنهم، بل إن الانحراف الصوفي نحو التشيع، ووجود التشابه بين التصوف والتشيع؛ هو بسبب الكيد الشيعي والتآمر الباطني المستتر بقناع التصوف، وهذا جزء من استراتيجيتهم ووسائلهم للتسلل إلى مراكز التأثير في الأمة.
وبحسبك أن تعلم أن تسلل التيار الشيعي إلى الطوائف والمجتمعات لم يسلم منه أهل السنة[13]، بل أشدهم تحفظاً واحتراساً وورعاً وتقوى وعلماً، وهم أهل الحديث، فكيف بالتصوف الذي تشيع منه الخرافة ويسيطر عليه الابتداع؟! وقد كشف العلامة عبد الله السويدي - رحمه الله - كيف تسللوا إلى أهل الحديث، بقوله: «إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث وسمعوا الأحاديث من ثقات المحدثين من أهل السنّة وحفظوا أسانيد أهل السنّة الصحيحة، وتحلّوا في الظاهر بحلي التقوى والورع، بحيث كانوا يعدون من محدثي أهل السنّة، فكانوا يروون الأحاديث صحاحاً وحساناً، ثم أدرجوا في تلك الأحاديث موضوعات مطابقة لمذهبهم، وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنّة فضلاً عن العوام، لكن قيض الله بفضله أئمة أهل الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ والحمد لله على ذلك»[14].
كما قام بعض شيوخهم المتستّرين بالانتساب للسنة، بابتداع بعض الأفكار المشابهة للفكر الشيعي ونشرها بين أهل السنة، فيرى الشيخ محمد أبو زهرة أن نجم الدين الطوفي (المتوفى سنة 716هـ) قد تعمد الترويج للمذهب الشيعي بهذه الوسيلة في بحثه عن المصلحة الذي قرر فيه أن المصلحة تقدم على النص؛ لأن هذا مسلك شيعي، حيث عند الشيعة أن للإمام أن يخصص أو ينسخ النص بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالطوفي قد أتى بالفكرة كلها، وإن لم يذكر كلمة الإمام وأبدلها بالمصلحة، ليروج القول وينشر الفكرة. ثم يقرر أبو زهرة بأن الطوفي في تهوينه شأن النص ونشر فكرة نسخه أو تخصيصه بالمصالح المرسلة، قد أراد تهوين القدسية التي تعطيها الجماعة الإسلامية لنصوص الشارع[15].
وهذا ليس بغريب من طائفة دينها «التقية» التي هي النفاق بعينه، ولذلك نجد الخميني يحثّ أتباعه على التسلل داخل الحكومات الإسلامية لمناصرة تنظيمهم السري، ويسمي ذلك «الدخول الشكلي» في الحكومات[16]؛ لذا يرى شيخهم محمد جواد مغنية (رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت) وجوب العمل بالمكيافيلية، والتي تعني أن الغاية تبرر الوسيلة، ويقرر أن هذه هي عقيدة «التقية» عندهم[17]. وإن رابك شيء عن خطر الحركة الرافضية الباطنية التي تعمل في خفاء داخل أروقة التصوف (مع وجود ذلك التشابه العقدي المتعمد بينهما)؛ فتأمل التواصل المستمر الظاهر والخفي بين الطائفتين، والزيارات المتبادلة بين شيوخ الطرق الصوفية وملالي الرافضة، والتعاون بينهما، وقيام بعض شيوخ التصوف بتحقيق الأهداف السياسية للتشيع الصفوي، وتقديس شيوخ الروافض لرموز تيارهم الخفي المتسلل داخل التجمعات الصوفية.
بل إن بعض شيوخ الرافضة في عصرنا يتخذون من التيار الصوفي أداة للهجوم على السنة وأهلها، وربما يحتجون بما في كتبهم من تأييد لمناهج الروافض بدعوى أن هذا رأي أهل السنة، فمثلاً يستشهد الكاتب الشيعي المعاصر محمد حسين الزين في كتابه «الشيعة في التاريخ»، بتأويل سليمان الحنفي النقشبندي حديث مسلم: «إن هذا الأمر لا ينقضِي حتى يمضِي فيهِم اثنا عشرَ خليفةً كلهُم من قُرَيش»[18]، يحتج بتأويل النقشبندي له بالأئمة الاثني عشر[19]، وذلك ليسند مذهبه برأي سني كما يزعم[20]. والحقيقة – كما يقول د. مصطفى الشيبي - أنه «لا دخل لأهل السنّة بهذا التوثيق، وإنما هي الصوفية المتشيعة التي ينتمي إليها النقشبندي»[21]. وأقول: بل هي «الشيعة المتصوفة» المتسللة داخل الطرق الصوفية. وقد أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذه الظاهرة الخطيرة، وإن لم يحدد جهتها، حيث قال: «قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي»[22].
إن من المفاهيم الخاطئة الشائعة التي يجب أن تصحح، هو تصور عامة الناس أن العلاقة بين «التشيع» و«التصوف» هي نوع من التشابه غير المقصود، ولا ينبئ عن وجود طائفة قائمة لها كيانها ورجالها ومصادرها وتواصلها السري والعلني مع رموز الشيعة، واعتقاد بعضهم أن العلاقة بين التشيع والتصوف هي من قبيل الغزو الخارجي الشيعي للتصوف فقط، ولا وجود لطائفة باطنية رافضية قائمة تعيش وتقبع داخل الطرق الصوفية من مدة طويلة، ولا تزال هذه الطائفة تتوسع في تدميرها لكيان التصوف، ونقلهم إلى نحلتهم بأنواع الإغراءات وصنوف شتى من التلبيس والتدليس.
وقد أشارت مصادر صحفية مصرية إلى تقرير لمجمع البحوث الإسلامية كشف عن محاولة لنشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي بين أتباع ومريدي الطرق الصوفية في مصر من قبل بعض التيارات والجهات الشيعية التي تستغل التشابه بين التصوف والتشيع، وأن الأموال باتت تتدفق على أتباع الطرق الصوفية في مصر بعد تصريحات أطلقها بعض قيادات التصوف أشاروا فيها إلى أنه لا فرق بين الشيعة والمتصوفين، وفقما نسب إلى حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية. وحذر المجمع من تزايد النشاط الشيعي في مصر، خاصة مع قدوم لاجئين عراقيين ينتمون إلى المذهب الشيعي[23].
لقد قام «الرافضة المتصوفة» قديماً بإشاعة معتقدات توافق في المعنى والحقيقة المذهب الشيعي وإن اختلفت الألفاظ، وعملت على نشرها في الوسط الصوفي، حتى كاد أن يختفي الصوت المعتدل لأهل التصوف، الذي هو في حقيقته عبارة عن الزهد في الدنيا والانقطاع لعبادة الله، والذي قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أسلافهم: «والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله»[24]، حيث تم - بتخطيط وتعمد وسبق إصرار - طرح عقيدة «الولاية» في الوسط الصوفي والمشابهة لعقيدة «الإمامة» عند الشيعة، وتم إشاعة عقيدة «الحفظ» للولي بين الصوفية، والتي تشبه عقيدة «العصمة» للإمام عند الشيعة، كما قام الشيعة المتصوفة بتقسيم الدين إلى «شريعة» و«حقيقة»، وهو يشبه تقسيم الدين إلى «تنزيل» و«تأويل» عند الشيعة الإمامية، وقالت الشيعة المتصوفة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ببيان الشريعة، والولي جاء ببيان الحقيقة، كما قالت الشيعة الإمامية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتنزيل، وجاء علي رضي الله عنه بالتأويل.
كما قامت «الشيعة المتصوفة» أو «رافضة الصوفية» بإشاعة مبادئ ومظاهر الشرك والوثنية في أوساط الصوفية، فمثلاً يوجد في مصر أكثر من ستة آلاف ضريح أكثرها تابع للمجلس الصوفي الأعلى، وصرح وزير الأوقاف المصري بأن حصيلة النذور التي جمعت من الأضرحة في الفترة من (1/7/2005) إلى (30/6/2006)، بلغت 52 مليوناً و67 ألفاً و579 جنيهاً (مع أن هناك الملايين من الأحياء تحت خط الفقر).
وقد أثبت موقع الصوفية أن عدد القبور والأضرحة التي تزار بشكل يومي، وتقدم لها القرابين والنذور، وتطلب منها قضاء الحاجات وتفريج الكربات، ويسألون الشفاعة، ويستغاث بهم، في تهامة اليمن فقط؛ بلغ ما يقارب (178) ضريحاً، وقد قرر المحققون من أهل العلم بأن «الشيعة الباطنية» هم أول من أحدث عبادة القبور والمشاهد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم[25].
إن تغلغل هذا التيار الشيعي الباطني داخل الطرق الصوفية، وتكاثرهم العددي، وتأثيرهم العملي، وكيدهم الباطني، ومكرهم الخفي، وضررهم الخرافي، وخطرهم الوثني؛ هو الذي أرخى بسدوله المظلمة على التصوف الذي يعيش حالة من المبالغة في الزهد، والتوجه الروحي المتجرد، والتقوقع على الذات، حتى سخروهم لخدمة أهدافهم وتحقيق أغراضهم من حيث لا يشعرون.
إن هذه الخلية الرافضية السرية التي تنخر في كيان التصوف، وتعيث فيه فساداً؛ تظهر آثارها وملامحها في كثير من الطرق الصوفية، فغالب الطرق الصوفية تلتصق بعلي وسلمان رضي الله عنهما، وكل منها يدعي العلوم المكتومة الباطنة من طريق علي - رضي الله عنه -، كما أن أصول بعض الطرق الصوفية فارسية بحتة كالطريقة النقشبندية.
ويبدو من خلال الاستقراء والدراسة والنظر أن التيار الشيعي الباطني إذا أنهى أو أكمل عملية تحويل الطريقة الصوفية إلى المسار الشيعي الباطني؛ فإنه يتم حينئذ كشف المستور والخروج عن التقية كما ترى الحال بالنسبة للطريقة «الختمية»، حيث أفصحت وأعلنت تشيعها بالكامل من خلال ارتباطها اعتقاداً واستدلالاً ومنهجاً ومصيراً بالتشيع، ولذا ترى بعض شيوخ الطريقة «الختمية» المعاصرين يحتجون بنفس حجج الإمامية، ويطعنون في الصحابة كحال إخوانهم الرافضة، سواء بسواء، ومثل ذلك «البكتاشية»، حتى عدها الكوثري من ألقاب الشيعة الإمامية[26]، وكذلك الطريقة «العزمية»[27]. ثم يتحدث بعض من لا يدرك أبعاد المكر الباطني بأن هذا تشابه، وهذا آخر ما وصلت إليه دراستهم.
ومن إفرازات هذه الخلية الباطنية الصوفية قيام بعض رموزها بمناورات ماكرة وحيل سافرة، وهي الإعلان عن انتقالهم من السنة إلى الشيعة، وقيامهم بتأليف بعض الكتب التي يدّعون فيها تحولهم من السنة إلى الشيعة، وقد مرت هذه الخدعة على بعضهم، وظنوا أنها حقيقة، وما علموا أنها «الرافضة الباطنية المستترة برداء التصوف»[28].
إن قلة من الناس من يستطيع أن يفرق بين «الشيعة الصوفية» و«الشيعة المتصوفة» و«الصوفية الزاهدة» ذات التوجه السني في الأصل، وموضوع هذا البحث هو «الشيعة المتصوفة».
أما «الشيعة الصوفية»، فإن رموزها يجاهرون بمبادئ «التصوف المنحرف» ومبادئ «التشيّع الغالي»، وربما كان ذلك إحدى الخطط الاستراتيجية لاستيعاب الطرق الصوفية، كما فعلوا من قبل في استيعاب فرق التشيّع التي ظهرت على امتداد التاريخ، ومزج آرائها ومعتقداتها في التشيّع الاثني عشري[29]، فمؤسس الدولة الصفوية الحديثة في عصرنا الخميني الموسوي مثلاً، هو من غلاة المتصوفة القائلين بالحلول والاتحاد، فهو من الشيعة الصوفية، وتتمثل صورة التصوف الغالي عنده في أقبح مظاهرها وفي أشد تطرفها في كتابه: «مصباح الهداية»[30]، وكتابه الآخر: «سر الصلاة»[31]، كما أنه يعتمد التلقي في هذا الباب عن أقطاب التصوف الغلاة كابن عربي الذي يصفه بـ «الشيخ الكبير»[32]، والقونوي الذي يصفه بـ «خليفة الشيخ الكبير محيي الدين»[33]، وهما من الشيعة المتصوفة، كما يذهب مذهب غلاة الصوفية القائلين بأن النبوة مكتسبة[34]، هذا فضلاً عن اتفاقه وسائر بني ملته في جملة من المبادئ العقدية مع غلاة الصوفية[35].
إن «الشيعة المتصوفة» هي التي تسخر الطرق الصوفية لتحقيق أهدافها، وتسييس التوجه الصوفي ليتحول إلى كيانات سياسية موالية لإيران، ومتآمرة ضد دول الإسلام.
يتخذ الشيعة من التصوف مدخلاً على المجتمعات الإسلامية للترويج لنحلة «الرفض» و«الزندقة»، والروافض يرون أن البيئات التي ينتشر فيها التصوف تمثّل المناخ أو التربة الصالحة لنشر الرفض، وقد أطلعني أحد الباحثين العراقيين قديماً على تقرير سري لخطة نشر المذهب الرافضي في البلاد المصرية، وكان التقرير ينص على أن البيئة المصرية، حسب زعمهم، بيئة صالحة لنشر مذهبهم؛ لوجود وانتشار الطرق الصوفية، وكذلك وجود ما يسمى مشاهد أهل البيت المزعومة، كمشهد الحسين والسيدة زينب، إضافة إلى وجود قبائل الجعافرة في الصعيد.
ويذكر أحد المتشيعة في مصر، ويدعى محمد الدريني، أن عدد الشيعة في مصر حسب تقرير الحالة الدينية للخارجية الأمريكية، قدر بـ 750 ألفاً، لكنه يزعم أن عدد الشيعة أكثر من ذلك، ويستند في هذه الدعوى إلى قوله: «لا بد أن نضع في اعتبارنا وجود ما لا يقل عن مليون من صوفية مصر يتّبعون الفكر الشيعي، وهكذا الحال في السودان ودول إفريقية أخرى». وهو يشير هنا إلى «الشيعة المتصوفة» أو «رافضة الصوفية»، فهم صوفية في الظاهر وشيعة في الباطن[36].
ومع وجود هذا التيار الخفي داخل التصوف والذي يجهله الكثير، فإن الخطر الأكبر في أن هناك توجهات عربية وغربية لدعم الحالة الصوفية، مع حملها في أحشائها ومن داخلها «الحمل الباطني الرافضي». يقول د. عبد الوهاب المسيري: «مما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات ابن عربي وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي»[37].
ويزعم المستشرق الألماني شتيفان رايشموت[38] أن «مستقبل العالم الإسلامي سيكون حتماً للتيار الصوفي»[39].
ويقول دانيال بايبس[40]: «إن الغرب يسعى إلى دعم التصوف الإسلامي لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية، وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة»[41].
وفي صيف عام 2004 أصدرت مؤسسة «راند»[42] تقريراً[43] تضمّن توجيه الولايات المتحدة الأمريكية بـ «تشجيع انتشار وقبول الصوفية في المجتمعات الإسلامية»[44].
وقد كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالاً يعلق فيه على هذا التقرير، ومما قال: «إن التقرير لا يخفي دعوة صريحة إلى تشجيع التصوف، وهو ما يعد نوعاً من الدعوة إلى التعلق بما يمكن أن نسميه الإسلام الانسحابي[45] الذي يقلص التدين في دائرة روحية لا يتجاوز حدودها، فهو يتحدث صراحة عن أهمية تعزيز الصوفية وتشجيع البلدان ذات التقاليد الصوفية القوية على التركيز على ذلك الجانب من تاريخها، وعلى إدخاله ضمن مناهجها الدراسية، بل يلح على ذلك في عبارة أقرب إلى الأمر تقول: لا بد من توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي»[46].
وفي 24 أكتوبر 2003م استضاف مركز نيكسون[47] مؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن لاستكشاف مدى دور الصوفية فيما يتعلق بأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وقد عقد المؤتمر في ثلاث جلسات، واحدة منها سرية.
يتبع