فوائد من كتاب: الفوائد
المؤلف: ابن قيم الجوزية
الناشر: دار عالم الفوائد للنشر و التوزيع
تحقيق: محمد عزير شمس
إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد
********************
بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فقد قرأت النسخة الإلكترونية من هذا الكتاب و الموجودة على الإنترنت و استخرجت منه بعض الفوائد.
الفوائد:
ما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار و في الدنيا بالبصائر.
دلت سورة (ق) صريحاً على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع و عصى فينعمه و يعذبه، كما ينعم الروح التي آمنت بعينها و يعذب التي كفرت بعينها.
(هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ) [سورة ق: آية 32]:
أواب: رجاع إلى الله من معصيته إلى طاعته و من الغفلة عنه إلى ذكره، و قيل: الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها.
للإنسان قوتان: قوة علمية نظرية و قوة عملية إرادية، و سعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية و الإرادية.
الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين: أحدهما النظر في مفعولاته، و الثاني التفكر في آياته و تدبرها، فتلك آياته المشهودة، و هذه آياته المسموعة المعقولة.
فالأول كقوله تعالى: (إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب ...) [سورة آل عمران: آية 190].
و الثاني كقوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ...) [سورة النساء: آية 82].
(فرق بين) من يريد الله و يريد مراده و من يريد من الله و هو فارغ عن إرادته.
تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة.
مصدر ما في العبد من الخير و الشر و الصفات الممدوحة و المذمومة من صفة المعطي المانع، فهو سبحانه يصرف عباده بين مقتضى هذين الاسمين، فحظ العبد الصادق من عبوديته بهما الشكر عند العطاء، و الافتقار عند المنع، فهو سبحانه يعطيه ليشكره، و يمنعه ليفتقر إليه، فلا يزال شكوراً فقيراً.
قال النبي عليه الصلاة و السلام:
(و الذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء، إلا كان خيراً له، و ليس ذلك إلا للمؤمن).
قال العلامة ابن القيم: فسألت شيخنا هل يدخل في ذلك قضاء الذنب؟ فقال: نعم بشرطه، فأجمل في لفظة (بشرطه) ما يترتب على الذنب من الاثار المحبوبة لله من التوبة و الانكسار و الندم و الخضوع و الذل و البكاء و غير ذلك.
خراب القلب من الأمن و الغفلة، و عمارته من الخشية والذكر.
و إذا أحب الله عبداً اصطنعه لنفسه، و اجتباه لمحبته، و استخلصه لعبادته، فشغل همه به، و لسانه بذكره، و جوارحه بخدمته.
الإخلاص: هو ما لا يعلمه ملك فيكتبه، و لا عدو فيفسده، و لا يعجب به صاحبه فيبطله.
الرضى سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
الهمة العلية لا تزال حائمة حول ثلاثة أشياء: تعرف لصفة من الصفات العليا تزداد بمعرفتها محبة و إرادة، و ملاحظة لمنة تزداد بملاحظتها شكراً و طاعة، و تذكر لذنب تزداد بتذكره توبة و خشية، فإذا تعلقت الهمة بسوى هذه الثلاثة جالت في أودية الوساوس و الخطرات.
الإيمان حقيقة مركبة من: معرفة ما جاء به الرسول علماً، و التصديق به عقداً، و الإقرار به نطقاً، و الانقياد له محبة وخضوعاً، و العمل به باطناً و ظاهراً، و تنفيذه و الدعوة إليه بحسب الإمكان.
و كماله في: الحب في الله، و البغض في الله، و العطاء لله، و المنع لله، و أن يكون الله وحده إلهه ومعبوده.
و الطريق إليه: تجريد متابعة رسوله ظاهراً وباطناً، و تغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله و رسوله.
لله سبحانه على عبده أمر أمره به و قضاء يقضيه عليه و نعمة ينعم بها عليه، فلا ينفك من هذه الثلاثة، والقضاء نوعان: إما مصائب وإما معايب، وله عليه عبودية في هذه المراتب كلها.
فعبوديته في الأمر: امتثاله إخلاصاً واقتداء برسول الله. و في النهي: اجتنابه خوفا منه وإجلالاً و محبة.
و عبوديته في قضاء المصايب: الصبر عليها، ثم الرضى بها و هو أعلى منه، ثم الشكر عليها و هو أعلى من الرضى. و هذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حبه من قلبه و علم حسن اختياره له و بره به و لطفه به و إحسانه إليه بالمصيبة و إن كره المصيبة.
و عبوديته في قضاء المعايب: المبادرة إلى التوبة منها و التنصل و الوقوف في مقام الاعتذار و الانكسار.
و أما عبودية النعم فمعرفتها و الاعتراف بها أولاً، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها و إضافتها إلى سواه و إن كان سبباً من الأسباب، فهو مسببه و مقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه و اعتبار، ثم الثناء بها عليه و محبته عليها و شكره بأن يستعملها في طاعته. و من لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه، و يستقل كثير شكره عليها فلا تزيده النعم إلا انكساراً وذلاً و تواضعاً و محبة للمنعم.
قال بشر بن الحارث: أهل الاخرة ثلاثة: عابد و زاهد و صديق، فالعابد يعبد الله مع العلائق، و الزاهد يعبده على ترك العلائق، و الصديق يعبده على الرضى و الموافقة: إن أراه أخذ الدنيا أخذها، وإن أراه تركه تركها.
قال بعض الزهاد: إنك إن تضحك و أنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي و أنت مدل بعملك، إن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه.
أفضل الزهد إخفاء الزهد، و أصعبه الزهد في الحظوظ. و الفرق بينه وبين الورع: أن الزهد ترك ما لا ينفع في الاخرة، و الورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة.
قال سهل بن عبد الله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي، لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، و إبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.
في قوله تعالى: (و عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئاً و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون) [سورة البقرة: آية 216]، و من أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، و الرضى بما يختاره له و يقضيه له، لما يرجو فيه من حسن العاقبة.
و منها: أنه لا يقترح على ربه و لا يختار عليه و لا يسأله ما ليس له به علم، فلعل مضرته و هلاكه فيه و هو لا يعلم، فلا يختار على ربه شيئاً، بل يسأله حسن الاختيار له، و أن يرضيه بما يختاره، فلا أنفع له من ذلك.
الحمد كله لله، والأمر كله له، والخير كله في يديه.
الصبر على الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، ... و إما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق.
للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدواناً، و متى قصرت عنه كان نقصاً و مهانة.
و للحسد حد، و هو المنافسة في طلب الكمال و الأنفة أن يتقدم عليه نظيره. فمتى تعدى ذلك صار بغياً و ظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود و يحرص على إيذائه، و متى نقص عن ذلك كان دناءة و ضعف همة و صغر نفس.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا حبذا نوم الأكياس و فطرهم، كيف يغبنون به قيام الحمقى و صومهم، و الذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين. فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه، و التقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح.
قال رجل عند ابن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أ ن أكون من المقربين، فقال عبد الله: لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث (يعني نفسه).
لا يجتمع الإخلاص في القلب و محبة المدح و الثناء و الطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء و النار.
الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد و قطع العوائق و العلائق.
فالعوائد: السكون إلى الدعة والراحة و ما ألفه الناس و اعتادوه من الرسوم و الأوضاع، و أما العوائق فهي أنواع المخالفات ظاهرها وباطنها فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله و تقطع عليه طريقه.
و هي ثلاثة أمور: شرك، و بدعة، و معصية، فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد، و عائق البدعة بتحقيق السنة، و عائق المعصية بتصحيح التوبة.
و أما العلائق فهي كل ما تعلق به القلب دون الله و رسوله من ملاذ الدنيا و شهواتها و رئاساتها و صحبة الناس والتعلق بهم.
فالنعم ابتلاء من الله و امتحان يظهر به شكر الشكور و كفر الكفور، كما أن المحن بلوى منه سبحانه، فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب.
وأما خوف أوليائه من مكره فحق، فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم وخطاياهم فيصيرون إلى الشقاء، فخوفهم من ذنوبهم، و رجاؤهم لرحمته.
فترى الرجل روحه في الرفيق الأعلى و بدنه عندك، فيكون نائماً على فراشه و روحه عند سدرة المنتهى تجول حول العرش.
بين رعاية الحقوق مع الضر و رعايتها مع العافية بون بعيد.
ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع الخدمة، إنما العجب من ضعيف سقيم تعتوره الأشغال و تختلف عليه الأحوال و قلبه واقف في الخدمة غير متخلف بما يقدر عليه.
ويتصل التوكل و الحب به، بحيث يصير واثقاً به سبحانه، مطمئناً إليه، راضياً بحسن تدبيره له، غير متهم له في حال من الأحوال.
********************
و الحمد لله أولاً و آخراً و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.