ســـؤال: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل الله يعلم الغيب الحاضر بمعنى الأمور التي سأفعلها؟ نرجو الجواب بنص يقنع هذا الشخص لأنه يقع في نفس الواقعة التي وقعت فيها الفرقة القدرية التي تقول إن الله لا يعلم الغيب ولا يعلم ما سيفعله الإنسان حتى يفعله فيعلمه؟
الجواب: الإنسان مخير ومسير، ومعنى ذلك أن الله أعطاه قدرة يزاول بها الأعمال، ويختار بها الخير أو الشر، وتنسب إليه ويستحق الجزاء عليها، فالعباد فاعلون حقيقة، فالعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم إرادة، ومع ذلك فإن الله خالقهم وخالق أفعالهم، ولو شاء الله ما حصلت منهم تلك الأفعال، فقد أثبت الله لهم مشيئة، ثم جعل تلك المشيئة مرتبطة بمشيئة الله تعالى، قال الله تعالى: كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وقال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فالله تعالى هو الذي يهدي من يشاء، نعمة منه وفضلاً، ويضل من يشاء حكمة وعدلاً، ولا يظلم ربك أحدًا.
والله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها، فيعلم الغيب الحاضر والمستقبل، والأمور التي سيفعلها العباد، وقد كتب كل ما يحصل وما هو كائن إلى يوم القيامة، قال الله تعالى:أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، وقال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، وقال الله تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، وقال الله تعالى مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
وقد خالفت القدرية الغلاة وقالوا: (إن الله لا يعلم الغيب، ولا يعلم ما سيفعله الإنسان)، قال الشافعي رحمه الله: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا)، وذلك لأن الله وصف نفسه بأنه بكل شيء عليم، ولا فرق بين علم ما مضى وعلم المستقبل، فكلهم خلقه، قال الله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وهكذا الذين ينكرون قدرة الله، فقد أخبر الله أنه على كل شيء قدير، وأنه خالق كل شيء، فتدخل في ذلك أفعال العباد، كما قال تعالى:وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ، قال الإمام أحمد رحمه الله: (القدر قدرة الله).
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
17/2/1426هـ