زهرة الحكم و سدرة القيم - الحديقة الأولى

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بارئ النَسَم، الذي علم بالقلم، و شفى من سقم، فضله سابغ منذ القدم، خير الحاكمين و أحكم الحاكمين و أعدل من حكم، تسبح الملائكة عنده بالليل و النهار بلا سأم، يغفر الذنوب جميعاً سواء الكبائر منها و اللمم، ذل لكبريائه العرب و العجم، عَظَّم الكعبة و المسجد الحرام و الحَرم، هدانا لدين الإسلام القِيَم، فصرنا به خير الأمم، حبانا بالقرآن العظيم أحسن الحديث فسمونا إلى أعلى القمم، حثنا على علو الهمم، و زيننا بمكارم الأخلاق و محاسن الشيم، بعث فينا رسول الله و خاتم النبيين فأنقذنا من دياجير العمى و براثن الظُلَم، ما أقسم الله بحياة أحد في القرآن الكريم إلا بحياته فلنعم القَسَم، آتاه الله جوامع الكلم ففاضت على لسانه الشريف ينابيع العلوم و الحكم، و فاح عطر هديه الكريم الدال على أسمى القيم.

أحمد الله أزكى حمد و أنماه و أشرفه و أسماه على جميل رزقه و جميع النعم، سبحانه لا أحصي ثناء عليه هو أهل الكمال و الجمال و الجلال و الكرم، و أشهد ألا إله إلا الله و حده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله شهادة أدخرها لكشف الغمم، و النجاة من الجحيم و الفوز بجنة النعيم يوم لا ينفع الندم.

اللهم يا من يُعبد لكماله، و يُحَب لجماله، و يُخشى لجلاله، و يُدعى لنواله، صل على محمد و آله، و صحبه و من نسج على منواله.

اللهم إني أستنزل فضلك العظيم، و جودك العميم، و توفيقك الكريم.
اللهم إني أستوهب فتحك الكافي، و البيان الصافي، و العلم الشافي.
اللهم إني أستزيد من واسع رحمتك، و عظيم نعمتك، و بديع حكمتك.

و أسألك الثبات على الإسلام، و فيوض الإنعام، يا ذا الجلال و الإكرام.
و أسألك إخلاص العمل، و إتقان العمل، و إحسان العمل.
و أسألك زيادة العلم، و سعة الحلم، و سربال السِلْم.
و أسألك لفظاً هنيئاً مريئاً، و معنى رائقاً فائقاً.

اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، و العقل السقيم، و المنطق الذميم.
و أعوذ بك من شر نفسي، و ضيق رمسي، حين أفول شمسي.
و أعوذ بك من الشرك الخفي، و القول الغوي، و الفعل الشقي.

اللهم اصرف عني السهو و الزهو و اللهو و اللغو.
اللهم اصرف عن كلامي الخطل، و عن رأيي الخلل، و عن عملي الزلل.
اللهم اصرف عني عثرات الكلام، و هفوات الكرام، و القصور عن بلوغ المرام.

إلهي، ألفيت كرمك موروداً، فلا تردني عن بابك مطروداً، (إن ربي لسميع الدعاء)، و هو الله العظيم الكريم أهل المجد و الثناء.

أما بعد:

فإن الأدب أنفس من الذهب عند الألباء الحكماء، و لله در القاسم الحريري أسكنه الله الجنة إذ يقول في المقامة النجرانية: (إلا أني لم أكن أقطع وادياً، و لا أشهد نادياً، إلا لاقتباس الأدب المسلي عن الأشجان، المغلي قيمة الإنسان) [1].

و الاستزادة من العلم عامة و الأدب خاصة هي دأب ذوي الهمة العالية و النفوس الغالية، قال الله تعالى في القرآن العظيم: (و قل رب زدني علماً) [سورة طه - آية 114]. و لا أنسى قول بديع الزمان الهمذاني أسكنه الله الجنة إذ يقول في المقامة المكفوفية: (و قصاراي لفظة شرود أصيدها، و كلمة بليغة أستزيدها) [2]، و كذلك قال القاسم الحريري رحمه الله في المقامة المغربية: (فرغبت في محادثتهم لكلمة تستفاد، أو أدب يستزاد) [1].

و كلام العرب على نوعين: النثر و الشعر، و العرب في قول النثر و الشعر على أربعة أقسام: القسم الأول لم يُفتح له باب النثر و لا باب الشعر، و القسم الثاني فُتح له باب النثر دون باب الشعر، و القسم الثالث فُتح له باب الشعر دون باب النثر، و القسم الرابع فُتح له باب النثر و باب الشعر.

فإذا اجتمع لامرئ بهاء النثر و سناء الشعر فقد ملك زمام البيان، و امتلك ناصية التبيان، و أجمِل بقول بديع الزمان الهمذاني رحمه الله في المقامة الجاحظية: (و البليغ من لم يُقَصِّر نظمه عن نثره، و لم يُزْرِ كلامه بشعره) [2]، و قد قال الإمام محمد عبده أسكنه الله الجنة في معرض ثنائه على بديع الزمان الهمذاني رحمه الله: (فقد عرف الناظرون في كلام العرب، و شهد السالكون على مناهج الأدب، أن الشيخ أبا الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني المعروف ببديع الزمان قد طبق الآفاق ذكره، و سار مثلاً بين الناس نظمه و نثره) [2]، و أَحسِن بقول القاسم الحريري رحمه الله في المقامة الزبيدية [1]:

و طالما أبدع فيما صنعا *** و فاق في النثر و في النظم معا

و الإبداع و التجديد في الأدب مقدم على الجمود و التقليد، قال القاسم الحريري رحمه الله في المقامة الكوفية [1]:

و إنما لي فنون سحر *** أبدعت فيها و ما اقتديت

و من أبرز المبدعين في الأدب العربي بديع الزمان الهمذاني رحمه الله مبتكر فن المقامات [2]، و قد تبعه في هذا الفن الجميل القاسم الحريري رحمه الله [1] من المتقدمين و ناصيف اليازجي من المتأخرين [3] و غيرهم.

و قد أردت الاقتداء ببديع الزمان الهمذاني رحمه الله في ابتكار فن جديد عند العرب، يكون عقداً فريداً في جِيْد الأدب، و سميت هذا الفن: فن الحديقة.
و فن الحديقة يعتبر مثالاً حياً و تطبيقاً واقعياً لوصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (علموا أولادكم العوم و الفروسية، و رووهم ما سار من المثل، و حسن من الشعر) [4]، فهذا الفن يجمع بين صبيح النثر و مليح الشعر.

تعريف فن الحديقة:

الأصل أن تتكون الحديقة من مئة زهرة و الأصل أن تتكون الزهرة من ثلاث حِكَم نثر تتلوها ثلاثة أبيات من الشعر، و تعريف الحكمة التي أقصدها: (الكلام الذي يقل لفظه و يجل معناه) [6].
قد تكون الحديقة ذات مواضيع مختلفة (منوعة) أو ذات موضوع واحد (مركزة) مثل الحديقة الإسلامية أو الحديقة السياسية أو الحديقة الاجتماعية أو حديقة الحب و هلم جراً.
قد تتناول الزهرة موضوعاً واحداً (مركزة) أو مواضيع شتى (منوعة)، اخترت أن أسمي الزهور المنوعة التي تتناول مواضيع شتى: (قوس قزح).

شروط فن الحديقة:

الأصل في الحديقة أن تستوفي جميع الشروط الأربعة التالية:

الشرط الأول: أن تكون الحديقة بجميع زهورها من تأليف الأديب الشاعر نفسه و ليست كلاماً منقولاً عن أدباء و شعراء آخرين، إذا تحقق هذا الشرط فإن الحديقة توصف بأنها (شمسية) لأن الشمس تشع ضوءها الذاتي، أما إذا اختل هذا الشرط بأن جمع كاتب ما كلام أدباء و شعراء آخرين فإن الحديقة توصف بأنها (قمرية) لأن القمر لا يشع ضوءه الذاتي و إنما يعكس ضوء الشمس.
الشرط الثاني: أن تتكون الحديقة من مئة زهرة حصراً.
الشرط الثالث: في كل زهرة عدد حكم النثر يساوي عدد أبيات الشعر.
الشرط الرابع: جميع الأزهار متساوية في الحجم من حيث عدد حكم النثر و عدد أبيات الشعر.

إذا اختل شرط أو أكثر من الشروط الأربعة توصف الحديقة بأنها (ناقصة) أما إذا استوفت الحديقة الشروط الأربعة فتوصف بأنها (كاملة).

الحديقة الأولى:

في هذا الموضوع سأنشر حديقتي الأولى و التي سميتها: (زهرة الحِكَم و سدرة القِيَم) و المكونة من مئة زهرة.
حجم الزهرة الذي اخترته لحديقتي الأولى هو ثلاثي لأني رأيت أن الرقم ثلاثة وسط بين الطول و القصر، و يمكن لأديب شاعر آخر أن يجعل حجم زهر حديقته أحادياً أو ثنائياً أو رباعياً أو خماسياً و هلم جراً.

سمات زهرة الحكم و سدرة القيم - الحديقة الأولى:

نوع الحديقة: شمسية (من تأليفي) كاملة (تستوفي الشروط الأربعة).
مواضيع الحديقة: منوعة.
مواضيع الزهور: غالبها مركزة (موضوع واحد) و بعضها منوعة (مواضيع شتى تسمى قوس قزح).
حجم الزهرة: ثلاثي (ثلاث حكم من النثر و ثلاثة أبيات من الشعر).

و قد اخترت التنويع في مواضيع الحديقة و أحياناً في مواضيع الزهور عملاً بقول بديع الزمان الهمذاني رحمه الله في المقامة العراقية: (بأي العلوم تتحلى؟ فقال: لي في كل كنانة سهم) [2]، و في هذه الحديقة الأولى أتناول هذه المواضيع:

الفصل الأول: الله عز و جل.
الفصل الثاني: النبي عليه الصلاة و السلام.
الفصل الثالث: الإسلام.
الفصل الرابع: الأخلاق.
الفصل الخامس: العلم.
الفصل السادس: الشعر.
الفصل السابع: النهضة.
الفصل الثامن: الحياة.
الفصل التاسع: قضايا اجتماعية.
الفصل العاشر: قوس قزح.
الفصل الحادي عشر: الحب.
الفصل الثاني عشر: الآخرة.

و سأنشر إن شاء الله كل يوم زهرة واحدة (على مدار مئة يوم) في تعليق مستقل على هذا الموضوع ما لم يعقني عن ذلك عائق، أو أرى أولوية عدم النشر لمناسبة معينة.
و أرجو أن يجد القارئ في هذه الحديقة روضاً بهيجاً و مسكاً أريجاً و ذهباً نسيجاً [7]، و أن تكون هذه الحديقة مصدر فائدة و متعة للقراء.

سرقة الأفكار:

من آفات العلماء أو الأدباء أو الشعراء سرقة الأفكار حيث يسرق شخص ما جهد شخص آخر و ينسبه إلى نفسه دون عزو (نسبة أو إسناد [6]) إلى القائل الأول أو إحالة (الإشارة بالرجوع إلى مصدر [6])، و هذه الآفة يترفع عنها النبلاء من العلماء و الأدباء و الشعراء.
و رحم الله الإمام الشافعي فقد قال مقولة تكتب بماء الذهب و أنا أعمل بها قدر الإمكان: (الحر من راعى وداد لحظة، و انتمى لمن أفاده لفظة) [5].

قال القاسم الحريري رحمه الله في المقامة الشعرية: (و استراق الشعر عند الشعراء، أفظع من سرقة البيضاء و الصفراء (الفضة و الذهب)، و غيرتهم على بنات الأفكار، كغيرتهم على البنات الأبكار)، و ذكر أيضاً ثلاث صور لسرقة الأفكار في المقامة الشعرية: النسخ (سرقة فكرة بلا تغيير اللفظ و لا المعنى) و السلخ (سرقة فكرة بتغيير اللفظ دون المعنى) و المسخ (سرقة فكرة بتغيير اللفظ و المعنى) [1].

قلت:

ما أنا بالسارق من غيري *** أعزو و أحيل بـلا ضَـيْر
تعساً لأناس قد سرقوا *** من جهد الغير قد استرقوا

توارد الأفكار:

قد يظن بعض الناس أن كل قولين أو فكرتين بينهما تطابق أو تشابه لشخصين مختلفين يقتضي أن القائل اللاحق قد سرق أقوال أو أفكار القائل السابق، و هذا الظن أحياناً فيه إثم و رمي الناس بالتهم جزافاً.

إن تشابه قولين أو فكرتين لا يقتضي دائماً سرقة الأفكار لأن هنالك مفهوماً يعرف بتوارد الأفكار قد يكون سبب التطابق أو التشابه بين الأقوال أو الأفكار، فينزه الشخص اللاحق عن سرقة أقوال أو أفكار الشخص السابق بسبب توارد الأفكار.

يعرف توارد الأفكار بأنه: (اتفاق الأفكار من غير نقل أو سماع) [6].

إذاً قد يحصل التطابق أو التشابه بين الأقوال أو الأفكار من قبيل توارد الأفكار صدفة و ليس من قبيل سرقة الأفكار عمداً.

و قد ذكر القاسم الحريري رحمه الله في المقامة الشعرية مفهوم توارد الأفكار فقال: (و إنما اتفق توارد الخواطر، كما قد يقع الحافر على الحافر) [1].

إذا ثبت أن أحد الناس قد سبقني إلى قول حكم النثر أو أبيات الشعر التي سأعرضها في (زهرة الحكم و سدرة القيم - الحديقة الأولى) فإن هذا التطابق أو التشابه في الأقوال هو من قبيل (توارد الأفكار) و ليس من قبيل (سرقة الأفكار)، فأنا أربأ بنفسي عن سرقة الأفكار و ليس في وسعي الاطلاع الكامل على جميع ما قاله العرب نثراً و شعراً سواء كان منطوقاً أو مكتوباً، لأني بشر محدود العلم و محدود القدرة و محدود الوقت.

قلت:

أما الأفكار فتتفق *** لا تسئ الظن بأن سرقوا
تتوارد أفكار شتى *** إن قربوا أو بعدوا حتى

الشروع في (زهرة الحكم و سدرة القيم - الحديقة الأولى):

و الآن أبدأ عرض أزاهير حديقتي الأولى راجياً من الله التوفيق و السداد، و أن يجعل حديقتي رفيعة العماد، خالية من القتاد، و ذخراً لي في المعاد، و أن يقيني عذابه و يدخلني جنته التي قال فيها مالك الملك و ملك الملوك :(إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) [سورة ص - آية 54].

=========================
المصادر:

[1] مقامات الحريري.
[2] مقامات بديع الزمان الهمذاني - تقديم و شرح الإمام محمد عبده.
[3] مجمع البحرين - ناصيف اليازجي.
[4] البيان و التبيين - الجاحظ.
[5] قيمة الزمن عند العلماء – عبد الفتاح أبو غدة.
[6] قاموس المعاني - ( www.almaany.com ).
[7] عبارات: (الروض البهيج و المسك الأريج و الذهب النسيج) مقتبسة من قصيدة الحكم بن أبي الصلت رحمه الله التي يقول في مطلعها:

للفظك يهجر الروض البهيج *** و دون ثيابك المسك الأريج

زهرة الحكم و سدرة القيم - الحديقة الأولى
الفصل الأول: الله عز و جل

الزهرة 1:

العنوان: الله الرحمن

الذكر للقلب واحة، فيها رَوْح و راحة.
ذاكر الله محفوظ، و بأزكى الأعمال محظوظ.
ذاكر الله في زُلْفى، و الغافل عن الله في مَنْفى.

الله ربي و عندي منه برهانُ *** ذكر حكيم به ذكرى و تبيانُ
عبدته وامقاً من غير رؤيته *** بحمده سبحت روحي و أكوان
فكيف حبي إذا أُدخلت جنته *** إذا تجلى يُرى بالعين رحمن

معاني الكلمات:
رَوْح: استراحة، راحة و طمأنينة، أو رحمة و فَرَج.
محظوظ: سعيد، ذو نصيب طيِّب وبَخْتٍ حسن.
زُلْفى: القُربى و المنزلةُ، أو الروضةُ.
مَنْفى: مكان إقامة المطرود من بلاده.
وامقاً: محباً.
تجلى: بدا للعيان، ظهر.

المصادر:
عبارة (أزكى الأعمال) مقتبسة من قول النبي عليه الصلاة و السلام: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم ... ذكر الله) [سنن الترمذي].

الزهرة 2:


العنوان: الله الواحد القهار


ذكر الله دوا، لمن قلبه بالغفلة ذوى.
لا يعادي اللهَ الواحد القهار، إلا الأشرار.
الله الواحد القهار، حبيب الأخيار، و طبيب الأبرار.


الله ربي واحدٌ قهارُ *** عن حمده تتقاصر الأشعارُ
فله الثنا و الكبرياء و عزة *** تجري على تقديره الأقدار
ذو العرش علام الغيوب بجذوة *** من نوره يستبصر الأبرار


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):

ذوى: ذبل، يبس.
تتقاصر: تتضاءل و تتصاغر، أي إن الأشعار لا تحصي ثناء على الله سبحانه بما هو أهله.
جذوة:عودٌ فيه نارٌ بلا لهب، أو الجمرة الملتهبة.
يستبصر: يبصر، يستبين.

الزهرة 3:


العنوان: الله الغني

كن لربك وامقاً، و برزقه واثقاً.
الرزق مضمون، فالراضي ميمون، و الساخط مأفون.
اشترك في رزق الدنيا المؤمن و الكافر، و اختص المؤمن برزق الآخرة الفاخر.


إلهي أنت ذو الطَّوْل الغنيُ *** على العرش استوى رب عليُ
أتيت إليك من فقري كسيراً *** بلطفك يُجبر القلب الشجي
فآنس وحشتي و اجمع شتاتي *** تبارك مالك الملك القوي


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


وامقاً: محباً.
ميمون: ذو اليمن و البركة.
مأفون: ناقص العقل، ضعيف الرَّأي لا تصدر عنه حكمةٌ ولا واقعيّةٌ ولا حزم.
الطَّوْل: الفضلُ والغنى واليسر و القدرة.
الشجي: حزين مهموم, الذي تملّكه الهمُّ والغمُّ.

الزهرة 4:


العنوان: الله القدوس


الذكر ذُخْر، و الغفلة خُسْر.
الأذكار مضمار التنافس بين الأبرار.
تبارك الله القدوس، فكماله محسوس، و نواله ملموس.


حسبي و حسيبي القدوس *** كم تسمو برضاه نفوس
مولاي جميل و جليل *** و ولي مليكيَ محروس
من ذاق أفاق بتشمير *** فالقُرْب نعيم مأنوس


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


الذُّخْرُ:أجر و ثواب في حياة الآخرة.
المِضْمَارُ: مجال، ميدان، حقل.
القدوس: اسم من أسماء الله الحسنى، و معناه: الممدوح بالفضائل و المحاسن، الطاهر المنَزّه عن النقائص.
حسبي: كافيني.
حسيبي: محاسبني.
جليل: عظيم القَدْرِ.
تشمير: التهيؤ للأمر و الاجتهاد فيه.
مأنوس: الذي فيه أُنْس.


فائدة:
الجمع بين (حسبي) و (حسيبي) أخذته من بديع الزمان الهمذاني رحمه الله في المقامة الوصية: (فإن قبلت فالله حسبك، و إن أبيت فالله حسيبك).

الزهرة 5:


العنوان: الله الصمد


ذكر الله أُنْس المشتاق، للذنوب دِرْياق.
ذكر الله يشفي، و لخَبَث القلوب ينفي.
القرب من الله عَذْب، و الصدر بذكره رَحْب.


إني أحب إلهي الواحد الصمدا *** الخالق الرازق المحصي الورى عددا
إذا أناخ بسُوْح الخلق نائبةٌ *** فاطلب على كشفها من ربنا مددا
فليس تنفد من جود خزائنُه *** وَعَد الحساب فآتٍ كلُ ما وعدا


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


دِرْياق: ترياق: دواء يضاد عمل السم في المعدة و الأمعاء.
ينفي: يبعد.
عَذْب: سائغ حسن الطعم.
رَحْب: واسع.
الصمد: اسم من أسماء الله الحسنى، و معناه: السَّيِّد المُطاع الذي كمُل في أنواع الشّرف و السُّؤدد، المقصود إليه في الحوائج فلا يُقضى دونه أمرٌ، الدّائم الباقي بعد فناء خلقه.
الورى: الخلق.
أناخ: أصاب أو حل بـ.
سوح: جمع ساحة.
نائبة: مصيبة شديدة، ما ينزل بالرَّجُل من الكوارث و الحوادث المؤلمة.

الزهرة 6:

العنوان: الله الودود

النعم عطايا، تزيلها الخطايا.
النعم تُقبل و تدبر، فإذا فقدتها فاصبر.
النعم لا تُعَد، و القَدَر لا يُرَد، و باب الدعاء لا يُسَد.

جود الإله توالى غير محدودِ *** فكيف أحمد حمداً غير معدودِ
عمّ الخلائق بالإحسان أجمعَهم *** أنْعِمْ ببر من الوهاب ممدود
أنت الودود فأكرمني بمنزلة *** تدني إليك إلهي خيرَ مودود

معاني الكلمات (من قاموس المعاني):

توالى: تتابع.
الودود: اسمٌ من أسماء الله الحُسنَى، معناه: المحبُّ لعباده الصالحين، أَو المحبوبُ في قلوب أَوليائه.
مودود: محبوب.

فائدة:
الجمع بين (الودود) و (مودود) أخذته من بيت أبي تمام رحمه الله:

و لَكَمْ عدو قال لي متمثلاً *** كم من ودود ليس بالمودود

* (و القَدَر لا يُرَد) ليس على إطلاقه و إنما المقصود به القدر الذي أثبت في اللوح المحفوظ و فرغ منه، (رفعت الأقلام و جفت الصحف).

الزهرة 7:


العنوان: الله الحي


وحي الله الحي، أزهق الغي.
ذكر الله الحي، لقلب المحب رَي.
ذكر الله شذا، لروح المؤمن غذا.


الحمد لله المليك الحيِ *** ملكِ الملوك و ما له من سِيِّ
بفضله و جوده اجتبانا *** بنوره اضمحل كل غي
و ذكره سبحانه أنيس *** أحلى لدى أهل النهى من ظَي


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


رَي: تنعم، حسن الحال، كثرة النعمة.
سِيِّ: مِثلٌ و نظيرٌ.
ظَي: عسل.

الزهرة 8:

العنوان: الله القيوم


ذكر الله زاد، لرائح و غاد.
نور الله يشفي من عِي، و ينقذ من غَي.
عجباً للمبتعد عن القريب، الغافل عن الرقيب.


الله الملك القيومُ *** و رضاه فإني لأرومُ
فإليه متابي و مآبي *** إني بذنوبي لملوم
طوبى لغريب مجتهد *** يذكر و يصلي و يصوم


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


عِي: جهل.
القيومُ: اسم من أسماء الله الحُسْنى، و معناه: القائم على كلّ شيءٍ بما يجب له، و المتكفّل بتدبير خلقه فلا قوامَ بغيره.
أروم: أنشد و أطلب.

الزهرة 9:


العنوان: الله الخالق


الوامق الصادق، بالطاعات سابق.
لا يليق بالوامق، أن يعصي الخالق.
الذكر خير وِقاء، و ذخيرة لخير لقاء.


القلب بالحمد و التسبيح قد نطقا *** لمالك الملك من أحيا و من خلقا
تبارك الله لا أحصي محامده *** فنور آياته قد أذهب الغسقا
إني وقفت على باب الكريم و لا *** يخيب راجٍ لباب البَر قد طرقا


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


الوامق: المحب.
وِقاء: ما وقَيْت به شيئاً.
ذخيرة: ما يُعدّ للآخرةِ من الأعمال الحسنة.
محامد: جمع محمدة، و هي ما يدعو إلى الحمد و الثناء و الشكر.
الغسق: ظلمةُ الليل.

الزهرة 10:


العنوان: حب الله


أسمى الحب، حب الرب.
حب الإله العزيز، أنفس من الإبريز.
حب الله كنز منشود، عند المؤمنين مشهود، و عند الكافرين مفقود.


محب الله يسمو في عروجِ *** بطاعات النهار مع الدَجوجي
يزكي نفسه بعلوم وحي *** فيصفو قلبه مثل الثلوج
و يدعو الله أن ثبت جَناني *** إذا قد حان من دنيا خروجي


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


الإبريز: الذَّهَب الخالص.
الدَجوجي: الليل المظلم.
جَناني: قلبي.

الزهرة 11:

العنوان: حمد الله

الحمد لله مالك المُلْك، مزجي الفُلْك.
الحمد لله ما امتدت الفيافي، و ازدانت القوافي.
الحمد لله حمداً وافياً، للقلوب شافياً، ظاهراً و خافياً.

تبارك الله ذو الإحسان و الجودِ *** ما طار طير و فاح العطر من عودِ
رب البرية رب العرش مقتدرٌ *** يبقى إلهي و كل غيره مُوْد
هذا عُبَيْدك قد ناداك مرتجياً *** منك النوال فربي خير من نودي

معاني الكلمات (من قاموس المعاني):
مزجي: أزجى اللهُ الفلكَ :زجاها، ساقها، جعلها تمضي في رِفق.
الفيافي: الصحارى الواسعة.
خافياً: مستتراً.
مُوْد: هالك. اسم الفاعل من الفعل: (أودى).

فائدة:
(مُوْد) أخذتها من أبي تمام رحمه الله في قوله:
هذا الوليد رأى التثبت بعدما *** قالوا يزيد من المهلب مود

الزهرة 12:


العنوان: نعم الله


من أعظم الحكمة، شكر النعمة.
من لم يشكر النوال، عَرَّضه للزوال.
نعمة الخلق و الرزق عامة في البداية، تتلوها نعمة خاصة هي الهداية.


الله بالقرآن قد شفانا *** بأحسن الحديث قد حبانا
سبحانه نواله عميم *** من الضلال و الردى وقانا
حياتنا بفضله هنية *** و ما أهمنا لقد كفانا


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


حبانا: أعطانا.
عميم: كثير.
هنية: سائغة، طيِّبة مقبولة، رَضِيّة.


فائدة:
الحكمة الثانية سبقني إلى معناها ابن عطاء الله السكندري في حكمته: (من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها).


الحكمة الثالثة سبقني إلى معناها ابن عطاء الله السكندري في حكمته: (نعمتان ما خرج موجود عنهما ولا بد لكل مكوَّن منهما: نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد).

الزهرة 13:


العنوان: عبادة الله


إحسان العبادة، إقليد السعادة.
عبادة الله شرف، و الإعراض عنها صَلَف.
عبادة الله روضة مُنيفة، لا ترقى إليها إلا نفس شريفة.


من رام لذات العبادةْ *** فعليه هجران الوسادةْ
فقيام ليل أَلْيَلٍ *** باب السكينة و السعادة
و الذكر جَنة مؤمن *** و به السيادة و الزيادة


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


إقليد: مفتاح.
صَلَف: التَّكَبُّرُ وَالْعَجْرَفَةُ .
مُنيفة: عالية تامة.
ليل أَلْيَل: شديدُ الظلمة.

--- انتهى بهذه الزهرة الفصل الأول ---

الفصل الثاني: النبي عليه الصلاة و السلام

الزهرة 14:


العنوان: النبي نجم النجوم


السُنّة سفينة، بالنجاة ضمينة.
من اتبع النبي نجا، من غياهب الدجى.
من اتبع النبي رسا، على الهدى و ما دسا.


نجمُ النجوم في السماء لاحا *** و أريج دين محمد قد فاحا
يا وامقين نبينا فلتُبْشروا *** إني مشوق بالثنا قد باحا
يا أسوة الأبرار شوقي مُوقد *** عذراً فقلبي من هيام ناحا

* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.

معاني الكلمات (من قاموس المعاني):

ضمينة: ضامنة، كفيلة.
رسا: رسخ و ثبت.
دسا: غوى، ضل.
وامقين: محبين.

الزهرة 15:


العنوان: النبي شمس الشموس


السُنة سياج، و البدعة اعوجاج.
السُنة خير مِيعاس، و أوضح نبراس.
متبع النبي يَرقى، و المعرض عنه يشقى.


رسولَ الله يا شمس الشموسِ *** بهديك تنمحي ظُلَم النفوسِ
شكرت الله في عسر و يسر *** بصبرك تُجتنى خير الدروس
إمامَ الناس في خير و بر *** حديثك قد غدا زهرَ الطروس


* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


مِيعاس: طريق.
نبراس: مصباح.
تُجتنى: تجنى، تقطف.
الطروس: الصحف.

الزهرة 16:


العنوان: النبي بحر البحور


التمسك بالسنن، منجاة عند الفتن.
السُنة حرز حريز، تقرب من الله العزيز.
السنة أسمى طريق، و أهلها أسنى فريق.


نبيَ الله يا بحر البحورِ *** و أسوتنا على مر العصورِ
بنور محمد تحيا نفوس *** و تنأى عن مقارفة الشرور
رسول الله بي شوق قديم *** لقاؤك بُغْيَتي و به حبوري


* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


حرز حريز: موضع حصين.
تنأى: تبتعد.
مقارفة: ارتكاب.
بُغْيَتي: أمنيتي و مطلبي.
حبوري: سروري و فرحي.

فائدة: عبارة (بحر البحور) سبقني إليها البحتري في قوله:
أنت غيث الغيوث يحيا به القو *** م إذا أمحلوا و بحر البحور

الزهرة 17:


العنوان: النبي أكرم البرايا


من لازم السنن، بلغ القُنَن.
كلام النبي عطر العطور، و حِلْية السطور.
مجد النبي سماء لا ترام، و صَرْح مثله لا يقام.


نبينا يا أكرم البرايا *** يا طيب الأخلاق و النوايا
المعرضون عنك هم خزايا *** يا واسع الإحسان و العطايا
حررتنا من رِبْقة الخطايا *** يا ناصع البرهان و الوصايا


* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


القُنَن: جمع قنة، أعلى ما في الشيء.
ترام: تطلب.
خزايا: هالكون.
رِبْقة: قيد.
ناصع: ظاهر، واضح، خالص.

الزهرة 18:


العنوان: الرسول الماحي


الرسول نجم بلا أفول.
النبي الأمي، قلب زكي، و عقل ذكي.
القلب الصاحي، يتبع النبي الماحي.


رحيقَ الحب أهديتُ الرسولا *** بسُنته أنا أرجو الوصولا
فداءُ نبينا أغلى نفيس *** و لو أزكى الدما تجري سيولا
بنجم هداه تنجاب الدياجي *** و عنه فلست مبتغياً عدولا


* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


أفول: غياب و استتار.
تنجاب: تنقشع و تزول.
الدياجي: الظلمات.

الزهرة 19:


العنوان: حب الرسول


بذكر أحمد، القلب أسعد.
حب النبي بلا اتباع، سفينة بلا شراع.
محبة النبي شجرة لها ثمر: في القول تصديق الخبر، و في الفعل اقتفاء الأثر.


رسولَ الله يَنبوع النوالِ *** و من جاز الثريا في المعالي
تبعتك وامقاً أرجو لقاء *** برؤيا ثم في دار الكمال
دعوتُ لذاك وهاباً كريماً *** و رب العرش ذو أسمى جمال


* اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، و غفل عن ذكره الغافلون.


معاني الكلمات (من قاموس المعاني):


جاز: جاز الموضع أي تعداه و خلفه وراءه.
وامقاً: محباً.

--- انتهى بهذه الزهرة الفصل الثاني ---