هذا ما نفعله ...عندما تتحزب الأحزاب ويتقاعس الإخوان والأحباب
أبو يونس العباسي
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه , وسلم تسليما كثيرا , وبعد ....
- إخوة التوحيد والإيمان : كثيرا من الأحيان ما أجلس مع نفسي وأفكر في هموم أمتي الجريحة المكلومة , وإن أكثر ما أفكر فيه هو حال أبناء شعبي في غزة والضفة , أتذكر حصارهم , أتذكر فقرهم , أتذكر عذابات اليهود المسلطة عليهم , اتذكر تواطأ طواغيت العرب عليهم , أتذكر طالبا لايستطيع أن يخرج ليكمل تعليمه , أتذكر مخطوبة لا تستطيع أن تزف إلى زوجها , أتذكر مريضا لايستطيع أن يخرج للعلاج , أتذكر أبا لايستطيع أن يرجع لأولاده , أتذكر وأتذكر وأتذكر ....... وما أكثر ما أتذكره .
- إخوة التوحيد والإيمان : وفي وقت مثل هذا الوقت , الذي تخوض فيه الأمة صراعها العسكري , تخوض وفي الوقت نفسه صراعها المنهجي العقدي , بل لا أكون قد جئت بجديد إذا قلت بأن الصراع العسكري تبع للصراع المنهجي , وفي مثل الصراع الذي نتحدث عنه , يستخدم طواغيت العجم , وعملاؤهم من طواغيت العرب , كل الوسائل الرامية إلى تركيعنا لهم , وانتهاجنا لنهجهم , ويفعلون المستحيل لنجهر بكفرنا بالدين العظيم الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - , وهنا لابد أن نذكر بأن عداء الكافرين لنا وقتالهم لنا , والحرب الضروس المشنونة ضدنا , هذه الأشياء جميعا لا تحتاج إلى مبررات إلا مبررا واحدا , ألا وهو العداوة الدينية العقدية المنهجية , قال الله تعالى :"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم ْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون" , قال الله تعالى :" لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ" , قال الله تعالى :" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير" , وغيرها من الآيات التي تدل على أن عداءنا مع اليهود والنصارى , عداء عقدي , وإن هذا العداء كاف عندهم للهجوم علينا وقتلنا وتدمير بيوتنا وانتهاك أعراضنا , والنيل من مقدساتنا , وسلب خيراتنا , وعلى أي حال : نحن فهمنا هذه المعادلة جيدا , ولكن متى سيفهما الكثيرون من المخدوعين بالغرب وحضارته وثقافته ؟!!!
- إخوة الإيمان والإسلام : وتجاه هذه التكتلات والتجمعات الكافرة تجاه الإسلام وأهله , ومع قلة العدة والعتاد , فإن أقوى سلاح نواجه به الطواغيت عربا وعجما هو : سلاح الاعتصام بالله واللجوء إليه , والمقصود بالاعتصام بالله هو : اللجوء والاحتماء والامتناع والتوكل على الله وحده لا شريك له , وإذا سألت لماذا نعتصم بالله ؟ قلت لك : لأن الله قوي وغيره ضعيف , لأن الله غني وغيره فقير ,لأن الله قدير وغيره عاجز , لأن الله يملك أزمة الأمور وغيره لا يملك , لأن الله فوق المسائلة والتعقيب وغيره ليس كذلك , لأجل ذلك وغيره فإننا نعتقد : أن الاعتصام بالله عبادة لا يجوزأن تصرف لغير الله تبارك وتعالى , أخرج الترمذي في سننه وصححه الألباني من حديث ابن عباس قال :"كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" .
- إخوة الإسلام والإيمان : وهنا لا بد أن نعتقد : أن من اعتصم بالله فإن الله لا يتركه ولا يخلي بينه وبين عدوه , بل إن الله ينصر أولياءه ويخذل أعداءه , قال الله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" , وقال جل جلاله :" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" , وكيف يتخلى عنا مولانا عند الاعتصام به , وهو لا يتخلى عن مشرك صدق في الاعتصام به لما احاط به الموج في لجة البحر , قال الله تعالى :" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" , ولكن الشيئ المؤسف أن الناس في هذه الأيام تركوا الاعتصام بالله إلى الاعتصام بالمؤسسات الكافرة والمنظمات الفاجرة والدول الضالة المضلة , كيف نسي هؤلاء ربهم , والتفتوا إلى المخلوق , ورب العالمين يقول :" وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا" , وهل نسي المسلمون قول ربهم سبحانه وتعالى :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " , كيف نسي المسلمون قوله تعالى :" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" , ونذكركم والحرب بيننا وبين أعدائنا جذعة , بقول بن قيم الجوزية - رحمه الله - عندما قال : "لاتحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ اعرض " , وإذا استفسرت فقلت : لماذا أعرض الحافظ ؟ قلت لك : ذنوبنا هي السبب , والأمر كما قالت العرب : " يداك أوكتا وفوك نفخ " .
- إخوة التوحيد والإيمان: ولا بد لنا أن نعلم أن من صور الاعتصام بالله الاعتصام بالدين الذي أوحي إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - , ودليلي على هذا الفهم قوله تعالى :" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" , وعليه فإن أبرز صفات المسلم المستعصم بربه : أنه مستمسك بالكتاب والسنة , يتحرك حسب ما تمليه توجيهات الكتاب والسنة , قال سفيان الثوري :" إذا استطعت ألا تحك شعرك إلا بدليل فافعل" , ومن صفات المستعصم بربه : الخضوع لله رب العالمين , والذلة التي يخالطها حب للملك - جل جلاله - , ومن صفاته : أنه مجاهد أو داع للجهاد أو داعم للجهاد , إن كان جهاد الشيطان أو النفس أو الهوى او الدنيا أو التعلم او التعليم أو الصبر على الدعوة أو جهاد المنافقين والكافرين , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ومن صفاته : أنه يوالي في الله ويعادي في الله , ويبذل الغالي والرخيص خدمة لدين رب العالمين , ومن صفاته انه يقول الحق لا يخشى في الله لومة لائم , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" .