خطبة عن بر الأقارب ورعايتهم
الحمد لله الذي كرَّم بني آدم، وفضَّلهم على كثـير من المخلوقات، ويسَّر لهم من ألطاف بره وأسباب كرمه ما به ينتفعون ويرتفعون درجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كامل الأسماء والصفات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى من جميع البريات، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه الذين فضلوا الأمة بالعلوم النافعة والأعمال الصالحات، أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أجل القربات وأفضل الطاعات القيام بمؤنة البنين والبنات، والإخوان والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وجميع القرابات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك)[1]، و(من عال جاريتين حتى يغنيهما الله، كانتا له حجابًا من النار)[2]، (الساعي على الأرملة والمسكـين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر)[3]، (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين)[4]، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا، (خير بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشرُّ بيت فيه يتيم يساء إليه)[5].
فما أعظم توفيق من قام بكفالة أحد من أقاربه العاجزين، وما أولاه بالأجر والثواب والخلف من رب العالمين، فإنه في عبادة وثواب متزايد، كلما أطعمهم وكساهم، وهو في جهاد كلما سعى في الكسب لهم وضمهم إليه وآواهم، وقد يفتح الله له بسببهم طرقًا من الخير وأبوابًا، وينزل له البركة ويعطيه خلفًا عاجلًا وأجرًا وثوابًا، فإنما ينصر الناس ويرزقون بعاجزيهم وضعفائهم، وإنما ترحمون برحمتهم إياهم وكثرة سؤالهم ودعائهم.
أما تحبون أن يحسن الله إليكم إذا أحسنتم إليهم؟ أما ترغبون أن يكرمكم مولاكم إذا آويتموهم وتفضَّلتم عليهم؟ أما تغتنمون أدعيتهم لكم في كل الأحوال؟ أما علمتم أن من فرَّج عنهم كربة فرَّج الله عنه يوم القيامة الشدائد والأهوال؟
ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن شرح صدر قريبه المحتاج، يسَّر الله أمره، وغفر له يوم فقره وفاقته: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
(الفواكه الشهية في الخطب المنبرية)
-------------------------
[1] البخاري الإيمان (56)، مسلم الوصية (1628)، الترمذي الوصايا (2116)، أحمد (1/ 176)، مالك الأقضية (1495)، الدارمي الوصايا (3196).
[2] مسلم البر والصلة والآداب (2631)، الترمذي البر والصلة (1914)، أحمد (3/ 148).
[3] البخاري الأدب (5661)، مسلم الزهد والرقائق (2982)، الترمذي البر والصلة (1969)، النسائي الزكاة (2577)، ابن ماجه، التجارات (2140)، أحمد (2/ 361).
[4] البخاري الأدب (5659)، الترمذي البر والصلة (1918)، أبو داود الأدب (5150)، أحمد (5/ 333).
[5] ابن ماجه، الأدب (3679).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/138633/#ixzz6E1YNuLQ7