العلمانيين وقضية الحجاب:
(فمما يثير العجب أن العلمانيين الذين يشنعون على التيارات الإسلامية عند التيارات العلمانية لبوصلة الأولويات حيث تركز -في زعمهم- على الشكليات والقشور والفروع والهوامش على حساب القضايا الكبرى والمصيرية التي تخص واقع مجتمعاتهم، وتطلعاتها وحاجاتها الضرورية، نراهم -أي العلمانيين- من جهة أخرى يسقطون في ذات النقيصة التي ألبسوها خصومهم، فها هي مقالاتهم وكتبهم وبحوثهم وتصريحاتهم وندواتهم ولقاءاتهم المتلفزة في تناول الحجاب ومتعلقاته التي عدوها من مسائل القشور، فما سر هذا التناقض المريب ؟!
إن موضوع الحجاب من الموضوعات القديمة المتجددة التي أثارت جدلا واسعا منذ بدايات القرن الماضي وتنوعت أساليب الطعن فيه والتهوين من شأنه بأشكال عدة، منها خلع الحجاب عمليا ورميه على الأرض، وسكب البنزين عليه وإشعال النار به كما حصل بميدان الإسماعيلية في مصر عام 1919 مظاهرة نسائية تنشد التحرر من المستعمر !
أما الكتابات فإنها توالت في السباق ذاته ضد هذا الحكم الشرعي فمرة بوسمه بالأسطورة بحجة أنه موروث تاريخي أخذه المسلمون من المسيحية التي تلقفته من البيزنطيين الذين نقلوه من الفرس !
ومرة أخرى بكونه صورة للثقافة الذكورية ومظهرا لسلطة المجتمع الأبوي !
وتارة بتسخيفه واعتباره مجرد قطعة قماش لا تستحق الاهتمام بحيث تكون علامة التدين، وحينا بزعم تجاوز الزمن له وأنه بات مجرد عادة من مخلفات الماضي وشكلا من أشكال التخلف الاجتماعي ونتيجة للفكر الرجعي، وتارة يجعله علامة على سوء الظن في المجتمع المسلم، حيث يفترضون أن المسلمين لا يثقون بأخلاق بعضهم، ومنهم من فسر انتشار الحجاب باعتباره شعارا لتيارات دينية سياسية أو أنه ظاهرة إجتماعية مرتبطة بهزيمة العرب عام1967 إلى غير ذلك من تحليلات شاطحة محصلتها النهائية رفض الحجاب وإدانة لبسيه !
وفي بعض الأنظمة العلمانية تجاوز الأمر النقد الفكري والتشغيل الدعائي إلى إجبار النساء على إلقاء الحجاب عن طريق اتخاذ إجراءات وعقوبات قانونية على من تضع الحجاب وحرمانها من الوظائف والتعليم كما حصل في تركيا وغيرها من الدول الإسلامية). [من مقدمة كتاب: (جدلية الحجاب: حوار عقلي في فرض الحجاب وإنكاره: (ص ١١- ١٢)، للدكتور: صهيب محمود السقار].