كلمة وعدل وإنصاف في الألباني
كلمة عدل وإنصاف في الألباني
محدث العصر الألباني رحمه الله المتوفى سنة 1420 هجرية خدم السنة النبوية خدمة عظيمة لا يُستهان بها، ولا يستطيع أن يعمل مثل أعماله إلا مؤسسات علمية ومراكز بحثية يجتمع فيها الكثير من المتخصصين في الحديث، وقد قام الألباني خلال ستين عاما بأعمال علمية عظيمة بمفرده، وقرَّب للناس السنة النبوية بتمييز صحيحها من ضعيفها بقدر استطاعته، ولولا توفيق الله له لما استطاع ذلك، {والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
ولا ينبغي لطالب العلم المعاصر أن يستغني عن كتب الألباني، ففيها من الدرر والفوائد ما لا يكاد يجده عند غيره، ولا غنى لطالب العلم الباحث في الحديث عن النظر في كتب العلل والرجال، وجميع كتب التخريج القديمة والحديثة.
ولا شك عند المنصفين أنه لا مقارنة بين الألباني وبين جهابذة أهل الحديث المتقدمين كالبخاري وأبي حاتم والدارقطني، فهم أعلم منه بعلل الأحاديث، وأحوال الرواة، وأحفظ للمتون والأسانيد، وأصوب أحكاما.
والألباني رحمه الله بشر يعلم ويجهل، ويصيب ويخطئ، ويذكر وينسى، ويكفيه فضلا أن تعد أخطاؤه، فقد حكم على آلاف الأحاديث النبوية تصحيحا وتضعيفا، من غير استخدام الحاسوب (الكمبيوتر)، وقبل طباعة كثير من كتب الحديث المخطوطة، وقبل ظهور كثير من الموسوعات الحديثية المتنوعة، من كتب مطبوعة وبرامج عظيمة النفع للباحثين.
■ ويتميز الألباني رحمه الله بسعة الاطلاع، والصبر في البحث، والإنصاف، وهو غالبا يجتهد ولا يقلد، وله شجاعة في البحث والمناقشة، وفي الغالب أحكامه في تصحيح الأحاديث وتضعيفها يوافق فيها غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين، ولا سيما في التضعيف.
■ ومن أبرز ما يُؤخذ على الألباني رحمه الله في أحكامه على الأحاديث أمران:
الأمر الأول: توسعه في ذكر المتابعات والشواهد لتحسين بعض الأحاديث أو تصحيحها مع كون بعض تلك المتابعات والشواهد لا تصلح للاعتبار؛ لتفرد بعض المتروكين بها، أو لكون جهابذة المحدثين قد نصوا على خطأ تلك الرواية أو نكارتها.
الأمر الثاني: عدم تعليل بعض الأحاديث التي أعلها بعض العلماء المتقدمين بسبب عنعنة أحد الرواة المدلسين أو التي في إسنادها بعض الرواة المعروفين باﻹرسال عن شيوخ لم يلقوهم، ولا سيما إذا كان في متن الحديث نكارة.
● هذا، ولكل حديث نظر خاص عند المحدثين، فقد يوافق الألباني بعض العلماء المعاصرين المتخصصين في الحديث، وقد يخالفه بعضهم، ولا حرج على العلماء فيما اختلفوا فيه، ولا حرج على غير المتخصص في الأخذ بقول أي عالم يثق بعلمه، ولا يجوز لأحد التشنيع على من أخذ بقول أحد العلماء المتخصصين في الحديث، لا سيما وكثير من الأحاديث تصحيحها وتضعيفها مبني على غلبة الظن كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث.
● وبحمد الله أكثر الأحاديث المروية يتفق غالب المحدثين قديما وحديثا في الحكم عليها بالصحة أو الضعف أو الوضع، وإنما اختلفوا في الأقل:
- فما اتفقوا على تصحيحه يجب قبوله،
- وما اتفقوا على كونه موضوعا يجب رده وعدم قبوله،
- وما اتفقوا على ضعفه يجب التوقف فيه، فلا يُقبل كما يُقبل الحديث الصحيح والحسن، ولا يُرد كما يُرد الحديث الموضوع، ولا يجوز نسبة الحديث الضعيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا سيما مع شدة ضعفه،
- وما كان مختلفا في تصحيحه وتضعيفه بين علماء الحديث المتخصصين فلا حرج على من أخذ بأحد القولين ترجيحا أو تقليدا؛ لأن مبنى التصحيح والتضعيف على غلبة الظن بعد النظر في المتون والأسانيد، وجمع الطرق، وقد يصل الباحث إلى اليقين في حكمه بصحة حديث أو ضعفه لقرائن تحتف بالحديث الذي يجمع طرقه، ويدرس أسانيده، وينظر في متنه، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
وهكذا جميع العلوم الشرعية من تفسير وفقه وغير ذلك، يتفق المتخصصون في كل علم منها على غالب مسائل ذلك العلم، ويختلفون في الأقل، {وفوق كل ذي علم عليم}، {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
رحم الله الإمام الألباني، فأثره عظيم جدا في عصرنا، بكتبه وطلابه وطلاب طلابه، ولا نستغني عن كتبه وتحقيقاته، ومعرفة أحكامه الحديثية، ولكن لا عصمة لأحد من العلماء، وكلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله ويُرد، إلا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم.
وكتب/ محمد بن علي بن جميل المطري
غفر الله له ولوالديه ومشايخه وجميع المسلمين
20 جمادى أولى 1441
صنعاء - اليمن