رد: لا يتوارث أهل ملتين شتى
شرح حديث: (لا يتوارث أهل ملتين شتى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (لا يتوارث أهل ملتين شتى)، وبعض أهل العلم قال: المقصود بالملتين: ملة الإسلام والكفر؛ لأن الكفر ملة واحدة، فصارت ملة في مقابل الإسلام، فإذاً الملل ملتان فقط: إسلام وكفر، ولهذا جاء في القرآن عن الكفار أن: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، فالكفر ملة واحدة على اعتبار تعاون الكفار ومعاداتهم المسلمين، فهم في ذلك يد واحدة، وعلى منهج واحد، وعلى طريقة واحدة؛ لأنهم وإن اختلفوا فيما بينهم فهم متفقون على عداء الإسلام، وعلى محاربة الإسلام وأهل الإسلام. فبعض أهل العلم قال: إن المقصود بالملتين: الإسلام والكفر، ومن أهل العلم من قال: إن المقصود بالملتين: أي ملتين، سواءً كانت ملة الإسلام والكفر، أو ملل الكفر نفسها بحيث لا يرث اليهودي النصراني، والنصراني لا يرث المجوسي، والمجوسي لا يرث الوثني. وهكذا، وأن التوارث إنما هو في الملة الواحدة بحيث يكون اليهودي يرث اليهودي، والنصراني يرث النصراني، والمجوسي يرث المجوسي، والوثني يرث الوثني، وأما أن يتوارث من هو في ملة من ملة أخرى، فإنه لا توارث لهذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) أي: مطلقاً أي ملة من الملل، فمقتضاه: أن المسلم لا يرث الكافر، واليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث المجوسي وهكذا؛ لأن المقصود به عموم الملل، والله عز وجل ذكر في القرآن أن الكفر ملل فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج:17]، فعددهم وذكرهم وهم ملل، وإن كانوا متفقين على حرب الإسلام، وأنهم شيء واحد بالنسبة على حرب الإسلام، ولكنهم ملل شتى ومناهج مختلفة، فإذاً لا يرث أهل ملة أهل ملة، الكافر النصراني لا يرث المجوسي، والمجوسي لا يرث اليهودي وهكذا. وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال، فعند الإمام الشافعي و أبي حنيفة : أن الكفر ملة واحدة، وأنهم يتوارثون، اليهودي يرث النصراني، والنصراني يرث المجوسي وهكذا. وعند الإمام مالك رحمة الله عليه ثلاث ملل: اليهودية ملة، والنصرانية ملة، وسائر الملل الأخرى ملة واحدة. وعند الإمام أحمد : أنهم ملل شتى متعددة مختلفة، فاليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث المجوسي، والمجوسي لا يرث الوثني، وهكذا، فهم ملل شتى مختلفة لا يرث بعضهم من بعض. وهذا الحديث بعمومه يدل على أنه لا توارث بين الملل المختلفة، وسواءً كان في ذلك بين ملة الإسلام والكفر، أو بين الكفار أنفسهم، أي: أنه لا توارث بينهم، فالمسلم لا يرث، والكافر النصراني لا يرث اليهودي، واليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث المجوسي، وهكذا. وقد ذكر صاحب ألفية الفرائض التي اسمها: عمدة الفارض، ولها شرح واسع اسمه العذب الفائض في شرح عمدة الفارض في الفرائض، وهي ألفية يذكر فيها مسائل الخلاف، وعندما ذكر هذه المسألة ذكرها بوضوح فقال: والكفر عند الشافعي ملة ووافق النعمان والأجلة وعند مالك ثلاث ملل وملل شتى لدى ابن حنبل ثم قال: وأثر اختلافهم قد ظهرا في كافر من المجوس قبرا فخلف ابناً أولاً مجوسي وثانياً من وثن منحوس وثالثاً أيضاً وقد تنصر ا ورابعاً هود ثم حضرا فعند أبي حنيفة والشافعي جميع ما خلف بين الأربع يعني: الكفر ملة واحدة، وجميع ما خلف بين الأربعة الملل وهم أولاده الأربعة: مجوسي ويهودي ونصراني ووثني، الأربعة يشتركون لأن الكفر ملة واحدة. هذا عند أبي حنيفة و الشافعي : و مالك ورثه للوثني وللمجوسي باتفاق بين لأن ما عدا اليهود والنصارى ملة، فجعله خاصاً بالوثني والمجوسي،ولم يجعل لليهودي والنصراني شيئاً. وأحمد ورثه المجوسي للاستوا في ملة الخسيس معناه: أنه قصره على المجوسي؛ لأن الكفر عنده ملل شتى. والذي يظهر: أن الحديث عام يدخل فيه سائر الملل، فلا يتوارث أهل ملتين شتى، كما جاء في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتوارث أهل ملتين شتى)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن حبيب المعلم ]. حبيب بن ذكوان المعلم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده عبد الله بن عمرو ]. جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وفي هذا التصريح بالجد، فقد قال: عن جده عبد الله بن عمرو ؛ فالجد هو عبد الله وليس محمداً ؛ لأنه لو كان محمداً يكون مرسلاً؛ لأنه ليس بصحابي، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وهو متصل، ولهذا قالوا: إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو حديث حسن؛ لأنه صدوق وأبوه صدوق، وأحاديثهم من قبيل الحسن، وإنما الإشكال فيما دون ذلك، وفيما قبل عمرو بن شعيب ، ولكن إذا استقام الحديث إلى عمرو بن شعيب -مثل هذا الحديث- فإنه يكون من قبيل الحسن.
الكتاب : شرح سنن أبي داود
المؤلف : عبد المحسن العباد
رد: لا يتوارث أهل ملتين شتى
اختلاف العلماء في كون الكفر ملة واحدة
قال المصنف رحمه الله: [ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتوارث أهل ملتين ) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي ، وأخرجه الحاكم بلفظ أسامة ، وروى النسائي حديث أسامة بهذا اللفظ ].
تقدم في الحديث السابق: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم )، وهذا فيه نوع من الإجمال، وكان حري بالمؤلف أن يأتي بهذا الحديث بجواره، ولكنه جاءنا بحديث بيان ميراث البنت وبنت الابن والأخت معهما، وهنا: ( لا يتوارث أهل ملتين )، الملة: هي المعتقد والدين، وإذا نظرنا إلى ملتين وجئنا إلى كلام العلماء: هل الكفر كله ملة واحدة أو ملل شتى.
إن كان الكفر كله ملة واحدة؛ فهذا بمعنى الحديث الأول: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم )، أياً كان نوع كفره، وإذا كان الكفر مللاً شتى فيكون هناك جانبان: علاقة المسلم بغيره، وعلاقة أصحاب الملل بعضهم ببعض.
وهنا نجد من العلماء من يقول: الكفر كله ملة واحدة.
وهناك من يقول: الكفر ملل.
ويستدل كل بما لديه.
ومن أدلة كون الكفر مللاً شتى أن هناك اليهود والنصارى، وكل منهما يحارب الأخرى: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ } [البقرة:113]، فكل منهما يحارب الأخرى في ملتها وعقيدتها.
مالك رحمه الله يقول: الكفر ثلاث ملل: يهودية، ونصرانية بنص الكتاب (وقالت اليهود) (وقالت النصارى) وما عدا اليهود والنصارى يجتمعون تحت مسمى ملة واحدة، فالمجوس والصابئة وعبدة الأوثان .
كل هؤلاء عند مالك ملة واحدة.
وهناك من يقول: كل مسمى من هذه المسميات ملة مستقلة.
وهناك من يقول: كل هذه الأصناف ملة واحدة.
وعلى هذا فالمسلم لا يرث اليهودي ولا النصراني، ولا أجناس الملل الأخرى، وعند مالك : اليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث اليهودي، وكل منهما لا يرث الملل الأخرى من الصابئة والمجوس وعبدة النجوم .
إلخ.
إذاً: (لا يتوارث أهل ملتين)، أي: مختلفتين في المعتقد والمنهج، والبعض يقول: إن المجوس ملة مستقلة، وكان لها كتاب ثم نسخ، والذي يهمنا الخلاف في ميراث المسلم من غيره، سواء كان غير الإسلام ملة واحدة فلا ميراث أو مللاً شتى أيضاً فلا ميراث بينها وبين المسلمين، أما هم فيما بينهم فسيرجع إلى التفصيل المتقدم، إن قلنا: بملل شتى فلا يهودي يرث نصرانياً، ولا نصراني يرث يهودياً، ولا واحد منهما يرث مجوسياً ولا بوذياً ولا وثنياً.
الكتاب : شرح بلوغ المرام
شرح : عطية بن محمد سالم