117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
سلطان بن عبد اللّه العمري
بين يديك فوائد ولطائف على قصة يوسف - عليه السلام - كنت كتبتها بطريقة مختصرة في موقع "تويتر" وأحببت جمعها في ملف واحد لتتم الاستفادة منها.
1- بداية السورة: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)[يوسف: 3] فيه: استخدام أسلوب القصة في الدعوة والاختيار الجيد للقصص النافعة من قصص الأنبياء والصحابة، وهنا نؤكد على استخدام القصص الواقعية في التأثير الدعوي والتربوي.
2- لا مانع من سرد القصص الواقعية، قال - تعالى -: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176].
وهناك يعيب بعض الناس علينا لماذا نقص؟ وأقول: نحن نقص؛ لأن الله أمرنا باستخدام القصص.
3- (وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف: 3] أي: قبل الوحي، وفيه: أن المرء بلا هداية القرآن ونوره في غفلة، وعلى قدر قربه من القرآن يهتدي.
4- (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) [يوسف: 5] هنا: فراسة يعقوب ومعرفته بما يفسد الأبناء وأن الرؤيا لا تحدث بها كل أحد، بل لا تحدث بها إلا من تحب.
5- أن الحسد بين الإخوة والأقارب أقوى من غيرهم لقوة التنافس والتنازع بينهم.
6- الحث على سد الذرائع الموصلة للخلافات والبغضاء.
7- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يوسف: 5] اليقين الكامل بعداوة الشيطان ومكره ومحاولة إيقاعنا في الفتن والمصائب، وقد تكرر ذلك في القرآن كثيراً.
8 - (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) [يوسف: 6] الاجتباء: هو الاصطفاء والاختيار، وفي هذا شرف الدعوة وشرف للداعية إذ أنها مهمة الأنبياء ومحط اختيار الله - تعالى -.
9- (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) [يوسف: 6] فيه: أن العلم وسائر النعم إنما هي فضل من الله ورحمة منه، وأن الإنسان لا شيء لولا رعاية الله.
10- (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) [يوسف: 8] فيه: الغيرة بين الأبناء، وأنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد وعدم إشعار البقية بفضل أحدهم.
11- (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) [يوسف: 9] فيه: أن جريمة القتل من أشنع الجرائم، وأن الحسد قد يتسبب في إلحاق الأذى بالمحسود.
12- (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) [يوسف: 9] فيه: أن صاحب الخطأ قد يبرر لخطئه ويسوف التوبة، فهم أرادوا قتله لينفردوا بأبيهم.
13- أخذوا يوسف وعاهدوا والدهم على رعايته، ثم رموه في البئر وجاءوا بثيابه وزعموا أن الذئب أكله. والسؤال: كيف يأكله وثيابه لم تتمزق؟.
14- أن السيئات ينادي بعضها بعضاً، فهم أرادوا قتله، ثم عاهدوا وكذبوا، ثم رموه، ثم كذبوا في العذر. وعلى العكس، الحسنات ينادي بعضها بعضاً.
15- (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ)[يوسف: 18] فيه: أن النفس أمارة بالسوء غالباً وتدعو صاحبها لكل ذنب، ولهذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ".
16- (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)[يوسف: 18] فيه؛ الصبر عند البلاء، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه، والحرص على تفويض الأمور لله.
17- جاءت سيارة وهي القافلة ورمى أحدهم بالدلو فخرج عليهم يوسف فأخذوه وباعوه لسيد مصر والمسؤول الكبير فيها لعل يوسف أن ينفعهم أو يكون ولداً لهم.
18- ويمكث يوسف في قصر العزيز فترة - الله أعلم بها ولما بلغ أشده آتاه الله النبوة، ومنحه الحكمة والعلم.
19- وفي القصر الجميل الكبير تحدث..
20- الفتنة العظيمة؛ حيث عشقت زوجة عزيز مصر يوسف - عليه السلام - بسبب جماله وحسنه، وتعرضت له وأغلقت الأبواب وقالت: هيت لك.أنا بين يديك..
22- ولكن يوسف كان صاحب إيمان وخوف من الله، قال: معاذ الله، أي أعتصم بالله. وهذا شأن كل مؤمن أن يستعيذ بالله من الفتن ويبرأ من حوله وقوته.
23- ثم اعترف يوسف بفضل سيده (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)[يوسف: 23] فكيف أقع في الحرام المتعلق بعرضه، وهو الذي أكرمني وآواني في قصره، وهذا دليل على سمو أخلاق يوسف وهو: خلق الوفاء.
24- (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)[يوسف: 24] الهم من المرأة معلوم، ولكن ما معنى الهم من يوسف؟ على خلاف في التفسير...
25- والصواب: أنه لم يحدث منه هم أصلاً؛ لأنه رأى برهان ربه قبل أن يهم، وهو اختيار الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان - رحمه الله -.
26- (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24] وفيه: الحفظ الرباني لأنبيائه، وأن المرء لا حول له ولا قوة إلا بالله.
27- وأن المخلصين يحفظهم الرحمن من الفتن بسبب قوة إخلاصهم وحرارة تقواهم. قال ابن تيمية: " فإن قوة إخلاص يوسف كان أقوى من جمال المرأة ".
28- شدة الفتنة بيوسف - عليه السلام -، فإن المرأة هي التي دعته، وقد غلقت الأبواب، وهي سيدته، وهو شاب وأعزب وغريب عن البلد ومع ذلك - حفظه الله -.
29- (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)[يوسف: 25] فيه: الفرار من مواطن الفتن، فيوسف يسرع للباب حذراً من فتنة المرأة، وهي تلاحقه لكي توقعه في الفتنة. إنه مشهد عجيب.
30 - الناس قسمان: 1- يفر من مواطن الفتنة ويبتعد عنها، وهذا يحفظه الله ويرعاه. 2- يفر إلى مواطن الفتن ويسابق لها، وهذا يكله الله لنفسه.
31- الفتنة بالنساء عظيمة جداً فكيف إذا كانت ذات منصب وجمال كما هو في ظاهر القصة، فالملوك يتزوجون أجمل النساء. وهنا يظهر لك ثبات يوسف.
32- لما كانت المرأة تلاحق يوسف مزقت قميصه من الخلف من شدة التعلق به ومحاولة فتنته. وهذا يوحي لك بأن المرأة عازمة بقوة، ومع ذلك يوسف يبتعد.
33- حينما كان يوسف والمرأة يتقدمان نحو باب الغرفة صادفا السيد والزوج، فبدأت المرأة باتهام يوسف مباشرة (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا)[يوسف: 25].
34- يوسف بدأ بالدفاع عن نفسه (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)[يوسف: 26] وفي هذا: المبادرة المباشرة للدفاع عن النفس عند أي اتهام يوجه لك في أي موضوع كان.
35- كان هناك شاهد حضر عند الباب وأرشدهما إلى الحل الحكيم، إن كان القميص ممزق من الخلف فيوسف بريء؛ لأنها هي التي تلاحقه.
36- إن كان قميص يوسف ممزق من الأمام فهو الذي راودها؛ لأنها ستدافع عن نفسها وتمزق ثيابه من الأمام، وبعد التبين ظهر أن قميصه ممزق من الخلف.
37- فلما ظهرت براءة يوسف قال زوجها: هذا من كيدك أيتها المرأة (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)[يوسف: 28] وخطير على من يقع عليه. وفي هذا دليل على ضعف الغيرة لديه.
38- ثم ألقى الأمير كلمته ليوسف بأن ينسى ماحدث (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)[يوسف: 29] ولا تكشف الأسرار. ووجه زوجته بالاستغفار فقط مع عدم وضع حدود لها أو أي تأنيب لها.
39- انتشرت قصة يوسف مع المرأة في المجتمع وبدأت النساء يتكلمن في القصة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا)[يوسف: 30].
40- وفي هذا: أن القصص تنتشر والتاريخ يفوح، فاحذر من انتشار القصص التي تتضمن عيوباً ومخالفات.
41- حكمت النساء على ضلال المرأة بسبب فعلها.
42- علمت المرأة بكلام النساء عنها فتألمت لذلك، وأرادت كشف السبب لفعلتها وعشقها ليوسف، فرتبت موعد لكي يشاهدوه، وفعلاً حضرن وخرج يوسف.
43- أجلستهم في مكان وفيه مأكولات وأعطت سكيناً لكل واحدة، ولما خرج يوسف وشاهدن جماله استغربن من هيئته وقطعن أيديهن بلا شعور.
44- (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف: 31] ولسان حال المرأة: هذا مع أنكم شاهدتموه مرة واحدة فكيف بالتي تعيش معه في قصر واحد؟.
45- اعترفت المرأة بجريمتها أمام صديقاتها (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: 32] وفيه: البجاحة والرذيلة التي كانت عليه المرأة حيث تتحدث بمعصيتها.
46- الغالب أن صديقات الأغنياء من نفس الطبقة والأهداف، وصديقات المرأة يستمعون لسيدتهم وهي تتحدث برغبتها في المعصية ولم ينكروا عليها.
47- التهديد ليوسف العفيف (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32] مسكينة تلك المرأة تظن أنها بتهديدها سيقبل يوسف ما يجرح إيمانه وتقواه.
48- حينما هددت المرأة يوسف - عليه السلام - بالسجن ظنت أنها سوف تخيفه وتجعله يوافق على اتباع هواها، وهكذا يفعل الطغاة بالدعاة من التخويف بالسجن.
49- كانت تظن المرأة أن سجنها ليوسف سوف يجعل يوسف ذليلاً صغيراً مهاناً، وما علمت أن السجن سيكون بوابة للعز والشرف والتمكين.
50- وحينما شعر يوسف بخطر الفتنة من المرأة وصاحباتها توجه لربه - عز وجل - مضطراً منكسراً (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33].
51- وفي قوله (مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف: 33] مع أن امرأة العزيز هي التي حاولت معه، إلا أن حضور النساء ومشاركتهن لسيدتهم جعل يوسف يشعر بأن الخطر منهن.
52- اختار يوسف السجن الذي ظاهره الألم والحرمان من متاع الحياة والالتفاف حول قضبان الحديد، ولكن يهون كل شيء في سبيل المحافظة على العفاف.
53- قال يوسف لربه ومولاه (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] دليل على أن الحماية الحقيقية من الفتن إنما هي من الله - تعالى -.
54- وفي قوله: (وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33] إشارة إلى الجهل الحقيقي هو في تقديم الهوى على الهدى، وأن المعاصي نوع من الجهل ولو كان صاحبها يملك علماً.
55- قال - تعالى -: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34] لما علم الله صدق يوسف وتقواه استجاب له وصرف عنه فتنة النساء.
56- ثم تبين لتلك الأسرة الحاكمة أن يسجنوا يوسف حتى ينقطع خبر قصته مع المرأة لينسى الناس.
57- ودخل يوسف السجن وكان معه فتيان، وذكروا له بعض الرؤى، وطلبا منه التعبير، والسبب (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 36] وفي هذا إشارة للأخلاق التي كان عليها يوسف - عليه السلام -.
58- وأن يوسف كانت أخلاقه في السجن رائعة وأنه صاحب إحسان، ونستفيد أن السجن الذي تعرض له يوسف لم يغير أخلاقه للأسوأ كما هو حال بعض من يقع عليه البلاء.
59- وأن الناس يتأثرون بما يشاهدون من أخلاق العالم والداعية وينجذبون له بأسئلتهم وهمومهم إذا تأثروا بأخلاقه.
60- ثم فسر لهما الرؤيا وقال: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)[يوسف: 37] وفي هذا الاعتراف بفضل الله وتعليمه وهدايته وأن كل خير فيك فهو من الله - تعالى -.
61- ثم استغل يوسف فترة وجوده في السجن وبدأ يدعو رفاقه للتوحيد (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[يوسف: 39].
62- وفي هذا أن الداعية عالي الهمة يستفيد من كل فرصة لكي يدعو الناس للمنهج الحق وأنه لا يستسلم للظروف والعوائق التي تقعده عن تبليغ الدين.
63- في السجن تكرر ذكر التوحيد ونبذ الشرك على لسان يوسف عدة مرات، مما يدل على عناية الأنبياء بالدعوة للتوحيد وتأصيله في النفوس.
64- لما فسر لهما الرؤيا قال: (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )[يوسف: 41] وهذا يدل على أن تعبير الرؤيا نوع من الفتوى، فتجري فيه آداب الفتوى والمستفتي.
65- لما خرج أحدهم طلب منه يوسف أن يذكر لسيده أن في السجن من هو مظلوم، فنسي الرجل ذلك، ومكث يوسف عدة سنوات في السجن، قيل 9 وقيل 12 سنة.
66- وفي طلب يوسف هذا يتبين أن طلب المساعدة ممن يقدر عليها لا ينا في التوكل، وأن المرء يحاول تخفيف البلاء عن نفسه بقدر ما يستطيع.
67- حصل القدر الرباني وهو أن يمكث يوسف في السجن بضع سنين، وفي هذا تسلية لكل سجين مظلوم، فالله قادر على إخراج يوسف ولكنه التمحيص والابتلاء.
يتبع
رد: 117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
117 همسة من قصة يوسف عليه السلام
سلطان بن عبد اللّه العمري
68- وتجري الشهور والسنوات، ويوسف في السجن، ولك أن تسبح بخيالك كيف عاش يوسف في السجن، أي هموم كانت تدور في نفسه، وكم هي ساعات الألم؟؟
69- لم يذكر الله أي تفصيل لحياة يوسف في السجن ولكننا نجزم بأنها كانت حافلة بالإيمان والتثبيت الرباني لنبيه يوسف؛ لأنه كان من عباده المخلصين.
70 - ثم يسخر الله الأسباب لخروج يوسف من السجن من خلال رؤيا الملك، وفي هذا إشارة إلى أن الله له الحكمة البالغة في كل أقداره.
71- في قول المعبرين للملك (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ)[يوسف: 44] اعتراف بعدم العلم، وهذه شجاعة عجيبة؛ لأن الملك قلق من الرؤيا، ومع ذلك لم يجاملوه.
72 - وكم نحن بحاجة إلى أن نسمع من المفتي " لا أدري أو لا أعلم " بكل شجاعة بدون أن يلمع النصوص ويتبع الهوى في فتواه بسبب رهبة أو رغبة.
73 - وحينها خرج الرجل الذي كان مسجوناً مع يوسف وأخبر الملك بمهارة يوسف في تعبير الرؤى، فوافق الملك، وجاء الرجل وقص الرؤيا على يوسف فعبرها.
74 - فلما فسرها يوسف أعجب الملك بتفسيره وأمر بإحضاره، ولكن يوسف رفض الخروج حتى تبرأ ساحته من الاتهام المنسوب له وسجن بسببه.
75 - فطلب يوسف من الملك أن يجمع النساء اللواتي قطعن أيديهن، فجمعهم الملك وسألهم وكانت زوجته حاضرة، فاعترف النسوة ببراءة يوسف.
76 - وفي هذه اللحظة ظهر الحق، واعترفت المرأة بأنها هي التي راودت يوسف، وأن يوسف بريء، وهذا الاعتراف منها ليعلم زوجها أنها لم تخنه.
77- وأن يوسف لم يحصل منه شيء معها، ثم اعترفت بأن هذه الجريمة بسبب النفس الأمارة بالسوء، وأن النفوس تدعو للمعصية إلا مارحم ربي.
78 - وختم الله تلك القصة بقوله (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)[يوسف: 53] وفي هذا لطف إلهي جميل حيث ذكر مغفرته ورحمته لمن اعترف بذنبه ورجع للحق وأناب.
79 - وفي ذلك بيان أن المظلوم سيأتي يوم وتبرأ ساحته، وأن العسر لن يطول، وأن الله مع الصابرين، وأن الله سيخيب خطط المخالفين والأعداء.
80 - تنبيه. الآية (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي)[يوسف: 53] قيل إنها من كلام يوسف، وهذا ليس بصواب، والصواب أنه من كلام المرأة والسياق يدل عليه ورجحه ابن تيمية.
81- قال يوسف للملك (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55] فيه: جواز طلب الإمارة والرئاسة لمن يعلم في نفسه القدرة عليها.
82- إذا ترك أهل الخير الرئاسة فقد يتولاها من لا يحسن رعايتها.
83- قال: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55] فيه: جواز مدح الإنسان لنفسه لمصلحة يراها.
84- يوسف لم يزكِ نفسه ليتفاخر بشيء عنده، وإنما قال (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)[يوسف: 55] ليبين للملك أنه أمين على المنصب وعليم بأصول القيادة والإدارة.
85- (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ)[يوسف: 21] أن تمكين يوسف إنما هو بتوفيق الله، وأن الإمارة والولاية داخلة في النعم لمن أجاد إدارتها.
86- (وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يوسف: 57] جاءت هذه الآية بعد تولي يوسف المنصب ليعلم الجميع أن الآخرة خير من الدنيا ومناصبها.
87- قال يعقوب لأبنائه (لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)[يوسف: 67] فيه الاحتراز من العين والحسد وأن ذلك مطلوب وهو سبب مهم في الحفظ.
88- ثم قال يعقوب بعد ذلك (وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ)[يوسف: 67] فيه: التعلق بالله وتفويض الأمور إليه، وأن الواجب علينا فعل الأسباب فقط.
89- لما أخذ يوسف أخاه وأبقاه عنده كان يعقوب يحدوه الأمل وحسن الظن بربه - عز وجل - (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا)[يوسف: 83].
90- تعجب أولاده من بقاء يوسف في قلبه بعد مرور نحو 30 سنة، فأعلنها من قلب محترق (إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)[يوسف: 86] فما أجمل التعلق بالله وحده.
91- وقال يعقوب: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)[يوسف: 86] نعم أنا أعلم أن ربي لطيف وسيلطف بي، والله كريم وسيكرمني بعودتهما. وهنا يكون الرجاء الحقيقي.
92- ثم أمرهم بالرجوع للملك والبحث عن يوسف وعدم اليأس من رحمة الله وفرجه ونصره. وكأني بهم يقولون: وأين يوسف؟ وما علموا بالذي أمامهم.
93- ثم دخلوا على يوسف فعرفهم ولكنهم لا يعرفونه وطلبوا طلباتهم في الطعام. فقال يوسف لهم (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ)[يوسف: 89] إنها الصدمة الكبرى!.
94- قالوا لعلك أنت يوسف، فأخبرهم أنه يوسف، وأن الله أكرمه وأخاه بالبركات، ثم أخبرهم بقاعدة مهمة وهي " التقوى والصبر " وأنها طريق النجاة.
95 - (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 90] يالها من آية جامعة لأسباب النجاة. نعم لقد كان يوسف تقياً لربه في عدة مواضع.
96- لقد كان يوسف صابراً على قضية البئر، وقصة مراودة المرأة في القصر، وكان صابراً للسجن في سبيل الله، فكانت النتيجة (التمكين والرفعة).
97 - وحينما علم إخوة يوسف بأن الذي أمامهم هو يوسف، نطقوا بكلام جميل (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا)[يوسف: 91] إنه الإيثار الرباني واختياره.
98- وحينما ترجع لقصة يوسف وقصص البلاء التي وقعت له، ثم تتأمل (لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا)[يوسف: 91] تعلم أن الإيثار الرباني لابد أن يكون معه بلاء.
99- وتزداد يقيناً بأن الوصول إلى مراضي الرب ومنازل القرب منه لا تتم إلا بعد تجاوز الابتلاء بكل أدب، بلا اعتراض ولا جدال ولا شكوى.
100- ثم قالوا (وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ)[يوسف: 91] ما أجمل الاعتراف بالخطأ، ومحاولة الرجوع للحق، وكم في هذا الموقف من أثر على قلب يوسف - عليه السلام -.
101 - وبعد ذلك أعلن يوسف عفوه عنهم بكل حب وأدب وصدق (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف: 92] إنها أخلاق الكبار.
102 - وإن المتأمل في خلق العفو من يوسف مع جريمة القتل التي حاولوا إيصالها له لما رموه في البئر، يجد أن يوسف كان رائعاً جداً في عفوه عنهم.
103 - هل لي أن أسألك سؤالاً: هل مارست خلق العفو مع أحد من أقاربك أو أصدقائك؟ لابد أن نتربى عليه فهو من أخلاق الأنبياء - عليهم السلام -.
104 - ثم تكون معجزة القميص لما أمر يوسف إخوته بأن يأخذوا القميص ليرموه على وجه أبيه ليعود إليه بصره: (ذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا)[يوسف: 93].
105 - وتنطلق رائحة القميص إلى يعقوب، وتتجاوز حدود المكان والزمان ويقول: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)[يوسف: 94] يا الله، أي شوق مثل هذا؟!.
106 - (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)[يوسف: 96] نعم جاء البشير، وألقى قميص يوسف، وعاد بصر يعقوب، وانطلقت الأسرة إلى يوسف بكل شوق، فما أجمل الشوق قبل اللقاء، فكيف إذا حصل اللقاء؟
107 - جاء الأبناء لأبيهم يعقوب - عليه السلام - معتذرين (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)[يوسف: 97] فما ظنكم بأخلاق الأنبياء؟ (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي)[يوسف: 98].
108- وأريدك أن تتذكر معي العفو الذي مارسه يوسف عن إخوته ودعائه لهم (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ)[يوسف: 92] ثم تأمل عفو يعقوب واستغفاره لهم، وسيظهر لك جمال العفو وأنه خلق عند الأب يعقوب والابن يوسف - عليهما السلام -.
109 - ثم وصلت الأسرة إلى مصر وخرج يوسف لاستقبالهم من عناء الطريق، ثم كانت لحظة اللقاء عجيبة (آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ)[يوسف: 99] وهنا نسبح في خيال واسع.
110 - ولك أن تتخيل كيف كان اللقاء بين يعقوب ويوسف بعد هذا الغياب الطويل. هنا نقف، لنتخيل تلك الدموع والعبارات العاطفية والعناق العجيب.
111- ثم قال يوسف لأسرته: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)[يوسف: 99] وأبشروا بالراحة والسعادة والأمان، ثم أدخلهم قصره: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)[يوسف: 100].
112- (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا)[يوسف: 100] أي: سجد الوالدان والإخوة ليوسف من باب التحية والتقدير ليوسف، وهذا كان جائزاً في شرعهم، وأما في شرعنا فلا نسجد إلا لله.
113- (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)[يوسف: 100] أي: أن الرؤيا في أول السورة (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف: 4] ها هي تتحقق.
114- وفي مشهد إيماني عجيب من يوسف يعترف يوسف بفضل الله عليه بأن أخرجه من السجن: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ)[يوسف: 100].
115 - ثم يبدع يوسف بلمسة تربوية ساحرة حيث أخبر أن الشيطان هو الذي نزغ بينه وبين إخوته، ولم يذكر أي تفاصيل من هموم تلك المعاناة.
116- وهنا نكتشف خلق التغافل وعدم تذكير صاحب الخطأ بخطئه، بل نعفو عنه ونتجاوز عنه بدون أي تفاصيل وقصص.
117- وفي ختام السورة يدعو يوسف ربه بأن يميته على الإسلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )[يوسف: 101] وفي هذا: إشارة لنا بأن الثبات بيد الله وحده.
وفي نهاية سورة يوسف يقول ربنا: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ)[يوسف: 111] أي: أن حكاية قصة يوسف فيها العبر والاعتبار، ولكن أين من يعتبر؟