موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني الكرام سوف أضع لكم كلاماً مطولاً ومفصلاً عن عارض الجهل ومدى تأثيره على أفعال المكلف سواء في أبواب فروع الدين أو أصوله .. ونريد منكم أن تعلقوا على هذا الكلام الهام زادكم الله علماً وعملاً وجزاكم خير الجزاء.
وهـذا أوان الشروع في المقصود بعون الله عزوجل.
يقول شيخ المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في كتابه الرائع : ( التبصير في معالم أصول الدين ) مجيباً على من سأله عن بعض المسائل العقدية فقال بعد كلامه له:(... اعلموا رحمكم الله أن كل معلوم للخلق من أمر الدين والدنيا لا يخرج من أحد معنيين:
من أن يكون إما معلوماً لهم بإدراك حواسهم إيّاه.
وأما معلوماً لهم بالإستدلال عليه بما أدركته حواسهم.
ثم لن تعدو جميع أمور الدين الذي امتحن الله به عباده معنيين:
أحدهما: توحيد الله وعدله ، والأخر: شرائعه التي شرعها لخلقه من حلال وحرام وأقضية وأحكام .
فأما توحيده وعدله: فمُدركةٌ حقيقة علمه استدلالاً بما أدركته الحواس.
وأما شرائعه فمدركة حقيقة علم بعضها حساً بالسمع وعلم بعضها استدلالاً بما أدركته حاسة السمع.
ثم القول فيما أدركته حقيقة علمه منه استدلالاً على وجهين:
أحدهما: معذور فيه بالخطأ والمخطئ ، ومأجور فيه الإجتهاد والفحص والطلب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر).
وذلك الخطأ فيما كانت الأدلة على الصحيح من القول فيه مختلفة غير مؤتلفة ، والأصول في الدلالة عليه مفترقة غير متفقة وإن كانت لا يخلو من دليل على الصحيح من القول فيه ، فميز بينه وبين السقيم منه غير أنه يغمض بعضه غموضاً يخفى على كثير من طلابه ويلتبس عليه كثير من بغاته.
والأخر منهما: غير معذور بالخطأ فيه مكلف قد بلغ حد الأمر والنهي ، ومكفر بالجهل به الجاهل ، وذلك ما كنت الأدلة الدالة على صحته متفقة غير مفترقة ، ومؤتلفة غير مختلفة وهي مع ذلك ظاهرة للحواس) إهـ.
قلت: واضح جداً أن الإمام الطبري يعتبر المسائل التي تعلم بضرورة الحس لا يعذر فيها المكلف بالجهل أو الخطأ وهذا مثل مسائل الأصول الكبار كالتوحيد بأنواعه الربوبية والألوهية والأسماء والصفات كما سيأتي من كلامه القادم إن شاء الله.
وقال أيضاً رحمه الله:(.. وأما ما أدركت حقيقة علمه منه حساً ، فغير لازم فرضه أحداً إلا بعد وقوعه تحت حسه ، فأما وهو غير واقع تحت حسه فلا سبيل إلى العلم به مع ارتفاع العلم به، وذلك أنه من لم ينته إليه الخبر بأن الله تعالى ذكره بعث رسولاً يأمر الناس بإقامة خمس صلوات كل يوم وليلة لم يجز أن يكون معذباً على تركه إقامة الصلوات الخمس لأن ذلك من الأمر الذي لا يدرك إلا بالسماع ومن لم يسمع ذلك ولم يبلغه فلم تلزمه الحجة به وإنما يلزم فرضه من ثبتت عليه به الحجة) إهـ.
ويقول أيضاً رحمه الله:(... فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة على الدلالة عليه غير مختلفة وظاهرة للحس غير خفية فتوحيد الله تعالى ذكره والعلم بأسمائه وصفاته وعدله ، وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة فلن يعدم دليلاً دالاً وبرهاناً واضحاً يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه ، ويوضح له حقيقة صحة ذلك ، ولذلك لم يعذر الله جل ذكره أحداً كان بالصفة التي وصفت بالجهل وبأسمائه وألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكره ، والخلاف عليه بعد العلم به وبربونيته في أحكام الدنيا وعذاب الآخرة فقال جل ثناؤة:" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أؤلئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم له يوم القيامة وزناً ".
فسوى جل ثناؤه بين هذا العامل في غير ما يرضيه على حسبانه أنه في عمله عامل بما يرضيه في تسميته في الدنيا بأسماء أعدائه المعاندين له ، الجاحدين ربوبيته مع علمهم بأنه ربهم وألحقه بهم في الآخرة في العقاب والعذاب ، وذلك لما وصفنا من استواء حال المجتهد المخطئ في وحدانيته وأسمائه وصفاته وعدله ، وحال المعاند في ذلك في ظهور الأدلة الدالة المتفقة غير المفترقة لحواسها فلما استويا في قطع الله جل وعز عذرهما بماأظهر لحواسهما من الأدلة والحجج وجبت التسوية بينهما في العذاب والعقاب ، وخالف حكم ذلك حكم الجهل بالشرائع لما وصفت من أن من لم يقطع الله عذره بحجة أقامها عليه بفريضة ألزمه أياها من شرائع الدين فلا سبيل له إلى العلم بوجوب فرضها إذ لا دلالة على وجوب فرضها ، وإذ كان ذلك كذلك لم يكن ماموراً ، وإذا لم يكن مأموراً لم يكن بترك العمل لله عز ذكره عاصياً ولا لأمر ربه مخالفاً ، فيستحق عقابه ، لأن الطاعة والمعصية إنما تكون باتباع الأمر ومخالفته.)إهـ.
ثم قال الطبري رحمه الله عن الفرق بين الخطأ في التوحيد والشرائع:(... وليست كذلك الأدلة على وحدانية الله جل جلاله وأسمائه وصفاته وعدله بل هي كلها مؤتلفة غير مختلفة ليس منها شئ إلا وهو في ذلك دال على مثل الذي دلت عليه الأشياء كلها ، فلذلك افترق القول في حكم الخطأ في التوحيد وحكم الخطأ في شرائع الدين وفرائضه.)إهـ.
وقال الطبري مرة أخرى:(... وأما ما لا يصح عندنا عقد الإيمان لأحد ولا يزال حكم الكفر عنه إلا بمعرفته فهو ما قدمنا ذكره.
وذلك أن الذي ذكرنا قبل من صفته لا يعذر بالجهل به أحد بلغ حد التكليف كان ممن أتاه من الله تعالى ذكره رسول أو لم يأته رسول ، عاين من الخلق غيره أو لم يعاين أحداً سوى نفسه ... ثم فرق رحمه الله بين حكم الجاهل بالشرائع والصفات التي لا تعلم إلا من جهة الخبر والبلاغ فقال رحمه الله:(.. فإن هذه معاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله عزوجل بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم مما لا يدرك حقيقة علمه بالفكر والروية ولا نكفر بالجهل بها احداً إلا بعد انتهائها إليه ... إلخ) إهـ.
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
لعلي أتطفل وأزيد المسألة إيضاحاً :
العذر بالجهل في أصل الدين على قسمين :
إن كان العذر المقصود به أنه لا يستباح ماله وعرضه أي عذراً يدفع عنه القتل والقتال والتعذيب فهذا صحيح ، فيكون هذا الجاهل ليس بمسلم ، والجهل هنا عذر فلا يستباح ماله وعرضه، ولا يعذّب يوم القيامة بل يمتحن .
وإن كان العذر المقصود به أنه يسمى به مسلماً ، فهذا باطل قطعاً فكيف يكون الإنسان مسلماً ولم يقم بأصل الدين ولم يشهد الشهادتين ولم يعرف معناها .
وهذا المقصود بقولنا وقول أهل العلم أن الجاهل في أصل الدين لا يعذر بالجهل أي لا يقاتل ولا يستباح ماله وعرضه إلا بعد قيام الحجة . وأيضاً هو في هذه الحال لا يسمى مسلماً لأنه لم يقم بأصل الدين ولم يدخل في الإسلام.
وقيام الحجة في أصل الدين هو ببلوغها ، ولو ادعى أنه لم يفهمها .
وقيام الحجة في المسائل الخفية هو بفهمها .
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
ان نشطت ان شاء الله اتيت بنقولات لابن منده وغيره من الائمة في عدم العذر بالجهل في الشرك الاكبر .
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مستور الحال
وقيام الحجة في أصل الدين هو ببلوغها ، ولو ادعى أنه لم يفهمها .
وقيام الحجة في المسائل الخفية هو بفهمها .
أرجو مراجعة هذا الرابط؛ بارك الله فيكم:
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
يا أبا رقية ،
هذا الحديث لا يصح فيه الاستدلال في هذه القضية ..
فإن القضية تدور حول "أصل الدين" .. أي عبادة الله وحده لا شريك له ، والكفر بكل معبود سواه .
فهؤلاء الذين تم ذكرهم في الحديث يؤمنون أن الله واحد أحد ، فرد صمد ، لا شريك له في الألوهية أو الربوبية ، ولكن لم تصلهم شعائر الدين التي يتعبدون لله بها .
وحالهم مثل حال ذلك الرجل الذي وقف في أهل مكة قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لهم إنهم قد أفسدوا دين إبراهيم ، وجعلوا لله شركاء ، وإنه على ما عليه إبراهيم - عليه السلام - من التوحيد . ثم صار يسجد لله ويقول : يا رب ، لو أعلم كيف أعبدك على الوجه الذي يرضيك ، لما امتنعت ، ولكن هذا وسعي وحيلتي ..
ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه في الجنة .
-------
والذي مدار الموضوع حوله هو : من يعبد غير الله ، أي : نقض أصل دينه .. فهل هذا معذور بالجهل ؟
رد: موقف الإمام ابن جرير الطبري من مسألة العذر بالجهل في الأصول والفروع
أخــي الكريم أبو رقية حياك الله وبياك
وتفضل اقـــرأ هـــذا الــكلام
يقول صاحب كتاب البــلاغ المبين
( الشبهة الأولي: حديث حذيفة في سنن ابن ماجة : ( حدثنا عليٌّ عن محمد حدثنا معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حِراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يُدْرَسُ الإسلامُ كما يُدرَسُ وشي الثوب حتي لا يُدري ما صيام ولا نسك ولا صدقة، ويسري على كتاب الله عزَّ وجلَّ في ليله فلا يبقي في الأرض منه آية، وتبقي طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة. فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثًا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صله: تنجيهم من النار ثلاثًا) .
وقال المحقق عن هذا الحديث في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات ورواه الحاكم وقال إسناده صحيح على شرط مسلم.
وتعليقًا على هذا الحديث نقول: علىٌّ بن محمد بن إسحق الطنافسي ثقة عابد من الطبقة العاشرة قال عنه أبو حاتم الرازي كان ثقة صدوقًا وهو أحبُّ إليَّ من أبي بكر بن أبي شيبة في الفضل والصلاح وأبو بكر أكثر حديثًا منه وأفهم. محمد بن خازم أبو معاوية الضرير: قال عنه ابن حجر ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، من كبار الطبقة التاسعة، مات سنة خمسة وتسعين ومائة 195هـ، وله اثنان وثمانون سنة وقد رمي بالإرجاء.
وروي ابن أبي حاتم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظًا جيدًا وروي ابن أبي حاتم أيضًا عن يحيي بن معين يقول: ( أبو معاوية أثبت من جرير في الأعمش. وروي أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر أحاديث مناكير) .
سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي: ثقة من الطبقة الرابعة، مات في حدود الأربعين 140هـ، وربعي بن حِراش أبو مريم العَبْسي الكوفي ثقة عابد مخضرم من الطبقة الثانية، مات سنة مائة وقيل غير ذلك .
وعلي هذا يكون هذا الحديث ضعيف الإسناد.
وعلته ضعف أبو معاوية في غير حديث الأعمش، إلى جانب أنه قد رمي بالإرجاء وروي أحاديث مناكير عن عبيد الله بن عمر، كما أن تتمة الحديث تخالف ما جاء في صحيح السنة المطهرة إذ أن رفع المصحف لا يكون إلا بعد أن تأتي ريحٌ طيبةٌ فتقبض أرواح المؤمنين ولا يبقى على الأرض إلا شرارها يتهارجون عليها تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة ولا يبقى على الأرض أحدٌ يقول الله الله فلا يبقى على الأرض إلا الكفار بعد قبض أرواح المؤمنين، وعلى فرض صحة الحديث فهو خارج موضوع النزاع إذ أنه في هذه الحالة يكون فيمن آمن وأدرك التوحيد وغابت عنه الشرائع ومثل هذا موحد ويعذر بعدم البلاغ فليس فيه عذر في الإشراك بالله تبارك وتعالى الإشراك الأعظم . ) إهــ كتاب البلاغ المبين للشيخ الشاذلي .