رد: وسائل الثبات على التوبة
فإن القلوب لها إقبال وإدبار، وهذا الإقبال والإدبار متوقف على العوامل التي تساعد على إيجاد الإقبال أو الإدبار، فكلما وُجد الإنسان في بيئة طيبة وتوافرت العوامل المساعدة للالتزام والاستقامة، فلا شك فيه أن الصحبة الصالحة والبيئة الطيبة وأن أعمال الإيمان كل ذلك تؤدي إلى ثبات العبد على التوبة وعلى طاعته لله تعالى، بل والثبات على الإيمان. أما إذا وجد الإنسان بعيداً عن مثل هذه الأمور فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، ولذلك حثنا صلوات ربي وسلامه عليه على الطاعة والعبادة، وحتى تظل على علاقة حسنة بالله إليك بعض العوامل التي نسأل الله أن تنفعك.
العامل الأول في الثبات على الصلاح: الصلاة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (والصلاة نور)، والله تبارك وتعالى قال: (( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ))[العنكبوت:45]، فالمواظبة على الصلاة من عوامل التقنية ومن عوامل البعد عن المعاصي؛ لأن الله كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (احفظ الله يحفظك)، فأنت ما دمت تحافظ على الصلاة فإن الله سيحفظك ببركة المحافظة على الصلاة، وكذلك المحافظة على الصلاة في جماعة؛ لأن صلاة الجماعة كما تعلم تزيد على الصلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وصلاة الجماعة معناها أنك ستكون ضيفاً على الله في بيته، ومما لا يخفى عليك أنه حق على المزور أن يكرم زائره، فإذا زرت الله تعالى في بيته فإن الله سيكرمك وسيمنُّ عليك بالثبات والاستقامة والطاعة وزيادة في الإيمان وغير ذلك من الأعمال.
ثانياً: المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ لأنك تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في اليوم مائة مرة ...) فحدد النبي عليه الصلاة والسلام مجموعة من المكافآت: (كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل عملاً أكثر من ذلك).
والمقصود (وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي)، فمعنى ذلك أنك إذا حافظت على هذه الأذكار صباحاً ومساءً الله تعالى سيحفظك بحوله وقوته من الشيطان الرجيم، الذي هو عدوك الأول الذي يستغل بعدك عن الأذكار ووجودك في بيئة الغفلة، فيزين لك المعاصي والعياذ بالله رب العالمين.
ثالثاً: المحافظة على ورد من القرآن الكريم يومياً؛ لأن القرآن نور، والله تبارك وتعالى عندما أخبرنا عن القرآن فقال: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))[الإسراء:9]، فبقراءة القرآن تستقيم بإذن الله على منهج الله، ويشرح الله صدرك ويطهر قلبك من المعصية، ويجعلك تحافظ على الطاعات؛ ولذلك حاول أن يكون لك ورد يومي من القرآن حسب استطاعتك، يعني إذا استطعت أن تقرأ جزءاً من القرآن فاقرأه وإن كان نصف جزء فلا مانع، المهم أن تكون بينك وبين القرآن صلة يومياً صباحاً ومساءً.
رابعاً: الدعاء، أن تدعو الله أن يهديك صراطه المستقيم، وأنت تعلم أنه لا يهلك مع الدعاء أحد، فإن الله جعله آية من آياته الواضحة، فأنت تقرأ (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ))[الفاتحة:6]، وهذه أعظم دعوة، قال العلماء: هذه الدعوة هي أشمل دعوة، فإذن أنت مطالب أن تدعو الله لنفسك وأن تجتهد في ذلك، خاصة في أوقات الإجابة وفي الأوقات الفاضلة والأزمان الفاضلة، يعني في السجود وبعد التحيات وقبل السلام، كذلك وقت السحر والثلث الأخير من الليل وفي جوف الليل، وكذلك الدعاء وأنت صائم فإن دعاء الصائم كما تعلم لا يرد، وغيرها من الأوقات الطيبة التي ورد فيها كلام من النبي عليه الصلاة والسلام كيوم الجمعة وساعة مخصوصة في يوم الجمعة من دعا فيها الله تعالى استجاب له.
خامساً: الصحبة الصالحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، فاجتهد في الصحبة الصالحة والارتباط بهم؛ لأن المرء على دين خليله، والطيور على أشكالها تقع، فإذا منَّ الله عليك بصحبة صالحة فإنك بإذن الله ستجد عوناً كبيراً خاصة في بلاد بالغربة وخاصة في هذه البلاد التي لا يخفى عليك حالها، فالصحبة الصالحة سوف تعينك على ملء أوقات الفراغ بشيء مفيد، على الأقل إذا لم يكن فيه زيادة في الإيمان فعلى الأقل فيه التوقف عن المعاصي.
سادساً: أن تربط نفسك بعمل من أعمال الدين، أي تمارس الدعوة بنفسك؛ لأن الله تعالى لا يضيع أهله، والأخ الذي يعمل في خدمة الدين فإن الله تبارك وتعالى يجعل له من لدنه وليّاً ونصيراً؛ ولذلك بعث الله إلى الناس الأنبياء والرسل، والإنسان منا الذي يعمل في مجال الدعوة يقول لنفسه: (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ))[البقرة:44]، فالعمل في الدعوة، بمعنى أن تشارك في الأنشطة الدعوية التي توجد في المنطقة حسب الظروف.
وعليك أن ترتب وقتك، الفراغات الموجودة بالنسبة لجدولك الدراسي اجعل جزءاً من الوقت لله تعالى في الدعوة إليه سبحانه وتعالى، واشترك مع إخوانك في أعمال الدعوة، المهم أن تمارس الدعوة، ولا يلزم من الدعوة أن تكون خطيباً أو إماماً أو متحدثاً، وإنما هناك أعمال كثيرة تقوم بها المؤسسات الإسلامية في الغرب تستطيع أن تمارس الدعوة يتناسب مع ظروفك وقدراتك وإمكاناتك.
أيضاً أن تسأل الوالدين الدعاء لك، فإن دعاء الوالدين كما تعلم لا يُرد، حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ)، فأنت تحتاج أن تستعين بعد الله تعالى بدعاء الوالدين؛ لأن دعاء الوالدين على درجة عظيمة من الأهمية بالنسبة لك.
سابعاً: تزود بالعلم الشرعي؛ لأن الإيمان يزيد إذا لم نُعطَ دورات في الإيمان، يعني الآن نحن لا نتعامل مع الكومبيوتر إلا إذا أخذنا دورة فيه في كيفية التعامل، ولا نستطيع أن ننطق باللغات الأجنيبة إلا إذا أخذنا دورات في دراسة هذه اللغات حتى نكتسبها، كذلك عوامل زيادة الإيمان تحتاج إلى العوامل التي تعين على هذه الزيادة، وهذه هي الدورات التي أقولها، فكن عندك بعض الكتب البسيطة جدّاً في العقيدة في العبادة في الأخلاق في المعاملات، وإذا لم يتيسر فعليك بالمراكز الدعوية الموجودة عندكم في منطقتك؛ لأن كل آية تزيد في الإيمان، وكل حديث يزيد في الإيمان، فعليك أن تحضر الدروس والمحاضرات والاستماع إلى الأشرطة وقراءة ما تستطيع من الكتب النافعة في دينك ودنياك، وأشغل وقت فراغك، ونسأل الله أن يزيدك إيمانك وتقوى وهدى واستقامة.
وبالله التوفيق.
<span style="font-family: Helvetica, Arial, sans-serif; color: rgb(28, 30, 33); font-size: 14px; text-align: right; background-color: rgb(242, 243, 245);">https://www.islamweb.net/ar/consult/...&id=293842
رد: وسائل الثبات على التوبة
السؤال
انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة ؟.
نص الجواب
الحمد لله
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )الزمر/53-54 .
لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة ، ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى :
كلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار .
ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط ، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث ، وهذا ذكر بعضها :
الأول : الإقلاع عن الذنب فوراً .
الثاني : الندم على ما فات .
الثالث : العزم على عدم العودة .
الرابع : إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم .
ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :
الأول : أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر ، كعدم القدرة عليه أو على معاودته ، أو خوف كلام الناس مثلاً .
فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ، أو ربما طرد من وظيفته .
ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية ، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته .
ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً .
ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه .
وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته ، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع ، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه ، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجه ، صحيح الجامع 6802 .
الثاني : أن تستشعر قبح الذنب وضرره .
وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية ، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل .
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها :
حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة .
وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية ، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها :
أن يعتقد أن وزنها أخف .
لأن النفس تميل إليها أكثر ، والشهوة فيها أقوى .
لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، وأسبابها حاضرة متوافرة .
لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم .
لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .
الثالث : أن تبادر إلى التوبة ، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة .
الرابع : استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .
الخامس : أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى .
السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية .
والله يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف /67 . وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة ، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم .
وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .
السابع : إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار ، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها .
ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها ، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات .
الثامن : أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .
التاسع : أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .
العاشر : الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات
وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات ، قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )
أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات ، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر .
واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم .
https://islamqa.info/ar/answers/1399...88%D8%A8%D8%A9