من أسرار القرآن الكريم: فن الإجمال و التفصيل
بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فمن فنون البلاغة و البيان في القرآن الكريم فن اسمه: الإجمال و التفصيل.
و هذا الفن مشهور عند العرب و العجم في المجالين العلمي و الأدبي، فلو أراد كاتب أن يكتب مقالة أو أراد باحث أن يكتب بحثاً علمياً أو أدبياً فإنه يبدأ بمقدمة (مجملة) ثم لب الموضوع (مفصل) ثم الخاتمة (مجملة).
و قد وردت كلمة (مفصلا) و (فصلناه) و (تفصيل) في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكماً و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً) [سورة الأنعام].
قال الله تعالى: (ما كان حديثاً يفترى و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شيء) [سورة يوسف].
قال الله تعالى: (و كل شيء فصلناه تفصيلاً) [سورة الإسراء].
أما كلمة: (مجمل) و (أجمل) و (إجمال) فلم ترد في القرآن الكريم.
و الآن أضرب ثلاثة أمثلة من القرآن الكريم على فن الإجمال و التفصيل.
المثال الأول: إجمال و تفصيل من الله عز و جل:
أجمل الله عز و جل أصناف الناس في بداية سورة الواقعة إلى ثلاثة أصناف فقال: (و كنتم أزواجاً ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * و أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * و السابقون السابقون).
ثم فصل عن نعيم السابقين فقال: (أولئك المقربون * في جنات النعيم ...) إلى قوله: (إلا قيلاً سلاماً سلاماً).
ثم فصل عن نعيم أصحاب اليمين فقال: (و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود ...) إلى قوله: (لأصحاب اليمين * ثلة من الأولين * و ثلة من الآخرين).
ثم فصل عن عذاب أصحاب الشمال فقال: (و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم و حميم ...) إلى قوله: (فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين).
ثم أجمل عن مصير السابقين و أصحاب اليمين و أصحاب الشمال في نهاية السورة فقال: (فأما إن كان من المقربين * فروح و ريحان و جنة نعيم * و أما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * و أما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * و تصلية جحيم).
المثال الثاني: إجمال من الله عز و جل و تفصيل من الراسخين في العلم:
قال الله تعالى في سورة الأنعام: (و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً).
قال الراسخون في العلم في تفسير هذه الآية: (صدقاً في الأخبار و عدلاً في الأحكام) و هذا تفصيل الآية المجملة.
المثال الثالث: تفصيل من الله عز و جل و إجمال من الراسخين في العلم:
قال الله تعالى في سورة النساء: (حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الأخ و بنات الأخت و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة و أمهات نسائكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و أن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً).
هذه الآية تفصل المحرمات في النكاح و قد أجمل الراسخون في العلم أن المحرمات في هذه الآية ثلاثة أصناف: محرمات بالنسب و محرمات بالرضاع و محرمات بالمصاهرة.
و صلى الله على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم.