همسة في أذن الدعاة!
أيها الدعاة إلى الله، لقد اصطفاكم الله من بين سائر خلقه؛ لحمل هذه المهمة العظيمة، التي اختص بها رسله وأنبياءه من قبل، فأنتم ورثة تلك التركة العظيمة، وحملة هذه المهمة الجسيمة، فلا أحد أشرف منكم وظيفة، ولا أشد منكم حملاً، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصِّلت:33] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العلماء ورثة الأنبياء» [أخرجه أبو داود، رقم (3157)، وصححه الألباني].
فمكانتكم في هذه الأمة كمكانة أنبياء بني إسرائيل في أمتهم، وهذه المكانة التي اصطفيتم لها ليست بالأمر السهل أبداً، بل هي حمل ثقيل، وعبء كبير، وتركة ضخمة. لا بد للداعية إلى الله تعالى من مؤهلات ومؤثرات وأسباب تعينه على القيام بأداء هذه الرسالة على أتم وجه وأكمل حال، ومن أهمها ما يأتي:
أولاً: الصلة الكاملة بالله تعالى، والاستقامة على دينه؛ ليعد ويمده بتوفيقه وعونه. وهنا سيجد الداعية الكثير من النصوص التي يأمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم أثناء قيامه بهذه المهمة، أو إعداده لها، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } [المزمل:1-5]، وكما في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ } [الحجر:98-99]، وقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، وقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الشرح:7-8]، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]، وغير ذلك من النصوص.
فلا بد للداعية إلى الله تعالى من الزاد الإيماني الكافي ، وكثرة تقربه إلى الله تعالى بالنوافل، من صلاة وصيام، وقراءة للقرآن، وتدبر له وعمل به، وكثرة ذكر وشكر، واستكانة واستعانة، واتصال يضمن له الثبات والاستمرار، والوصول إلى هدفه، والبلوغ إلى غايته، كما يضمن محبة الله تعالى له، وقربه منه، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به.
ثانياً: كمال الصدق والإخلاص، وهما لا يكونان إلا بالإيمان الكامل واليقين الجازم بالحق الذي يدعو إليه، ويستميت في سبيله، ويضحي بالغالي والرخيص من أجله، وفي ذلك يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ} [النمل:79]، وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} [يونس:94]، وقال تعالى: {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزُّخرف:43].
فما دمت أيها الداعية على الحق، فلماذا تدخر من وسعك ومالك ووقتك لغيره؟ وما الذي يعوقك عن بلوغ الغاية فيه، أو يوهن من عزمك، ويضعف من صدقك وإخلاصك عن لزومه ونصرته، والحياة والموت من أجله؟!
ثالثاً: الثبات عليه، وعدم التنازل عن أي شيء رغبة في السلامة أو حرصاً على نيل زهرة الحياة الدنيا، أو ركوناً إلى أعدائه، أو وهناً أو ضعفاً عن حمله. واسمع إلى ربك وهو يقول: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزُّخرف:43]، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ } [الجاثية:18-19]. {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود:113] {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]، {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء:74-75]، {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:49].
فالثبات الثبات معاشر الدعاة، فالمهمة صعبة والتبعات كثيرة، وما لم تأخذوا الحق بعزم والكتاب بقوة، فإنكم ستخذلون ولن تنصروا أبدا {..وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].
رابعاً: عدم الالتفات إلى زهرة الدنيا، والاغترار بها والسقوط في وحلها، وصدق المجاهدة للنفس وشغلها بالحق، وتذكيرها دائماً بالمهمة والغاية والتطلع إلى موعود الله من النصر في الدنيا والعيش الكريم، أو الجنة في الآخرة والسعادة الأبدية، وإلا سقط الداعية من عين الله تعالى، وجانبه التوفيق والسداد، وخذل ونكس. وقد قص الله علينا نبأ من حاد عن الصراط المستقيم إلى غيره بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف:175-176]، وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] .
خامساً: كثرة الدعاء، والتضرع والابتهال إلى الله بطلب السداد، وحصول التوفيق والعون، وإخلاص النية من شوائب الرياء، وتجريد القصد، وخلوص النفس من حضوضها وغوائلها.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.
منقول