إطلاقات أثر الخلاف عند الأصوليين

إطلاقات أثر الخلاف عند الأصوليين
فاطمة بنت عمر اليحيا*

المقصود هنا بيان الألفاظ، أو العبارات التي أطلقها علماء الأصول، أو المختصين بفن تخريج الفروع على الأصول للتعبير عن أثر الخلاف أو الدلالة عليه، ويمكن إجمال تلك الإطلاقات فيما يلي:
1 – أثر الخلاف: وهذا الإطلاق هو الأصل في الدلالة على أثر الخلاف، إلا أن المتتبع لما قاله علماء الأصول في مؤلفاتهم، يجد أن استخدام هذا الإطلاق للدلالة على أثر الخلاف قليل، إذا ما قورن بغيره من الإطلاقات التي سيأتي ذكرها.
ومن أمثلة استخدام هذا الإطلاق: ما جاء في البحر المحيط للزركشي، عند كلامه عن الاستثناء المتوسط جملتين، حيث قال: "ويظهر أثر الخلاف ... فيما إذا قلت أكرم بني تميم، وبني بكر، أو أكرم بني بكر إلا ثلاثة هل معناه إلا ثلاثة من كل طائفة أو مجموعهما " [1]0
وأيضًا ما ذكره الجوينيفي التلخيص في معرض كلامه عن مسألة أقل الجمع، حيث قال :"ويظهر أثر الخلاف في موضع يحتاج فيه إلى أقل الجمع، وذلك مثل أن يوصي للمساكين، أو لأقل من يتناول هذا الاسم" [2].
2 – ثمرة الخلاف، أو ثمرة الاختلاف: واستعمال هذا اللفظ أكثر من سابقه إلا أنه أقل استعمالًا فيما إذا قورن بغيره من الإطلاقات الآتية.
ومن أمثلة استخدام هذا الإطلاق: ما جاء في إرشاد الفحول في أثناء الكلام عن الحقائق اللغوية والعرفية والشرعية، حيث قال:"وثمرة الخلاف أنها إذا وردت في كلام الشارع مجردة عن القرينة هل تحمل على المعاني الشرعية أو على اللغوية، فالجمهور قالوا بالأول، والباقلاني ومن معه قالوا بالثاني "[3]..
وأيضًا ما جاء في التقرير والتحبير في أثناء الكلام عن تعارض المفاهيم، حيث قال: "وقالوا: وثمرة الخلاف تظهر في الترجيح عند التعارض، فيقدم الأقوى والأقوى"[4].
وأيضًا ما جاء في التوضيح في حل غوامض التنقيح في أثناء الحديث عن التعليل بالوصف القاصر حيث قال: "ومنه أن من ثمرة الخلاف جواز التعليل بالقاصرة وعدمه" [5].
وكذلك ما جاء في كشف الأسرار في أثناء الحديث عن ثبوت الملك بالغصب، حيث قال: "وتظهر ثمرة الاختلاف في ملك الأكساب، ونفوذ البيع، ووجوب الكفن على الغاصب إذا مات المغصوب "[6].
3 – فائدة الخلاف، أو فائدة الاختلاف: واستعمال هذا الإطلاق كثير عند الأصوليين، ومن أمثلة استخدام هذا الإطلاق ما جاء في كشف الأسرار للبخاري في أثناء حديثه عن مسألة أقل الجمع، حيث قال: "وفائدة الاختلاف تظهر في جواز التخصيص إلى اثنين وعدمه، وفيما إذا قال: لله علَيّ أن أتصدق بدراهم، أو قال: لفلان عليّ دراهم"[7]، ومسألة نفي المساواة حيث قال: "وفائدة الاختلاف تظهر في أن المسلم لا يقتل بالذمي عنده، وأن ديته لا يكون كدية المسلم"[8].
وأيضًا ما ذكره الإسنويفي التمهيد في أثناء كلامه عن مسألة القياس في اللغات، حيث قال :"وفائدة الخلاف في هذه المسألة ما ذكره في المحصول، وهو صحة الاستدلال بالنصوص الواردة في الخمر، والسرقة، والزنى على شارب النبيذ، والنباش، واللائط" [9].
واستعمله ابن قدامة في روضة الناظر في أثناء حديثه عن الأفعال، والأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها، حيث قال :" وفائدة الخلاف أن من حرّم شيئا أو أباحه كفاه فيه استصحاب حال الأصل" [10].
4 – "البناء" وما اشتق منها: والمقصود أن تأتي بعد ذكر الخلاف كلمة مشتقة من البناء، للدلالة على أن الخلاف مترتب، أو مبني على الخلاف في القاعدة الأصولية، كقولهم: "وينبني على الخلاف"، أو "ويبنى على هذا الأصل"، ومن أمثلة هذا الإطلاق ما جاء في الإبهاج في أثناء الكلام عن الخلاف في النكرة في سياق النفي، هل تعم لذاتها؟ حيث قال :"ويبنى على الخلاف التخصيص بالنية"[11].
وأيضًا ما جاء في البرهان في أثناء الكلام عن الكلام إذا اشتمل على جمل واستعقب الجملة الأخيرة استثناء، حيث قال :"وينبني على المذهبين مسألة في الوصايا، والحبس"[12].
وما ذكره ابن اللحامفي القواعد والفوائد الأصولية في أثناء الحديث عن العموم، هل يبطل إذا بطل الخصوص، حيث قال :"وينبني على ذلك مسائل"[13].
5 – "التخريج" وما اشتق منها: وأعني بالتخريج هنا، تخريجات الخلاف في المسائل الفرعية على الخلاف في القواعد الأصولية، وهو المسمى بأثر الخلاف، وليس المقصود به تخريج الفروع الفقهية على القاعدة الأصولية، فهو بهذا المفهوم بيان للأصول التي استند إليها الأئمة في الاستنباط، وبيان كيفية وجه الاستنباط منها، بل أحيانًا تخرّج مسائل فرعية على قواعد أصولية متفق عليها بين الأصوليين، وبينهما فرق. وكلمة "التخريج" وما اشتق منها مثل "ويتخرج"، وغيرها، استعملها العلماء للدلالة على أثر الخلاف.
ومن أمثلة هذا الإطلاق: ما ذكره الزركشيفي البحر المحيط في أثناء كلامه عن المستثنى منه والمستثنى إذا وقع بعدهما جملة تصلح أن تكون صفة لكل واحدٍ منهما، فإلى أيهما ترجع؟ حيث قال :"ويتخرج على هذا ما لو قال: له عليّ ألف درهم إلا مائة، قضيته إياه"[14].
6 – التنصيص على أن الخلاف في المسألة الأصولية خلاف معنوي: فالتنصيص أو الإشارة إلى ذلك يعد من إطلاقات أثر الخلاف، وهذا إنما يحصل عندما يتحقق أو يترجح لدى العالم أن الخلاف في المسألة معنوي، وله أثر، ثم يذكر تلك الآثار المبنية على الخلاف.
ومن أمثلة هذا الإطلاق: ما ذكره الشوكانيفي إرشاد الفحول في أثناء حديثه عن الاستثناء المنقطع، هل هو حقيقة أم مجاز؟ حيث قال :"قال الزركشيبل هو معنوي، فإن من جعله حقيقة جوز التخصيص به، وإلا فلا"[15].
والزركشيفي البحر المحيط في أثناء كلامه عن المندوب، هل هو مأمور به حقيقة؟ حيث قال: "ثم قيل: الخلاف لفظي....والصحيح أنه معنوي"[16]، وعن عموم المفهوم، حيث قال: "وكلام الشيخ أن الخلاف معنوي، وليس الخلاف لفظيا كما زعموا"[17].
ولعل من إطلاقات أثر الخلاف أيضًا قول العالم: "ويتفرع عن هذا الأصل"، ومن أمثلته ما ذكره الزنجانيفي أثناء كلامه عن الزيادة على النص هل هي نسخ؟ حيث قال :"ويتفرع عن هذا الأصل مسائل؛ منها أن النية واجبة في الوضوء عندنا"[18]. وقوله: "وعلى ذلك جرى الخلاف"، ومن أمثلته ماذكره التلمسانيفي أثناء كلامه عن معنى الاستثناء، حيث قال :"وعلى ذلك جرى الخلاف بين الفريقين في بيع الحفنة بالحفنتين"[19]، وقوله: "وعلى هذا الأصل"، ومن أمثلته ما ذكره التلمسانيفي أثناء كلامه عن ما لا يتم الواجب إلا به، هل هو واجب أو لا؟ حيث قال: "وعلى هذا الأصل اختلف العلماء في وجوب طلب الماء للطهارة"[20]، والله تعالى أعلم.
الهوامش والمراجع

[1] البحر المحيط 2/460.

[2] التلخيص 2/173.

[3] إرشاد الفحول 1/49.

[4] التقرير والتحبير 1/154.

[5] التوضيح في حل غوامض التنقيح 2/181.

[6] كشف الأسرار 1/385.

[7] المصدر السابق2/40.

[8] المصدر السابق2/152.

[9] التمهيد 468.

[10] روضة الناظر 1 /38.

[11] الإبهاج 2/106.

[12] البرهان 2/106.

[13] القواعد والفوائد الأصولية 272.

[14] البحر المحيط 2/466.

[15] إرشاد الفحول 1/249.

[16] البحر المحيط 1/232.

[17] المصدر السابق2/320.

[18] تخريج الفروع على الأصول 51.

[19] مفتاح الوصول 531.

[20] المصدر السابق 405.