فَتْحُ العَلِيمِ بِتَخْرِيجِ مَرْوَيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلِيْهِ السَّلَامُ _
تَصْنِيفُ
أَبِي عُمَرَ نَادِرِ بْنِ وَهْبِي ، النَّاطُورِ ، القَنِّيرِيِّ ، الأُرْدُنِّيِّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُـقَــدِّمَـــ ــةٌ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُه ُ ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ ، وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثَيرًا .
أَمَّا بَعْدُ :
فَهَذَا جُزْءٌ لِطِيفٌ جَمَعْتُ فِيهِ الأَحَادِيثَ وَالآثَارَ الوَارِدَةَ فِي نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ، وَقُمْتُ بِتَحْقِيقِهَا وَالكَلَامِ عَلَيْهَا بِمِيزَانِ أَهْلِ الشَّأْنِ فِي هَذَا الفَنِّ ، وَالَّذِي دَعَانِي إِلَى جَمْعِهَا ، وَالنَّظَرِ فِيهَا ؛ هُوَ مَا أَطْلَعَنِي عَلَيْهِ الأَخُ الفَاضِلُ بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ العَقَايِلَةُ ، حَيْثُ أَرَانِي مَقَالًا مَنْشُورًا عَلَى مَوْقِعِ ( مَرْكَزِ يَقِينٍ ) لِلْكَاتِبِ : ( سَامِي فَسِيحٍ ) ، وَعِنْوَانُهُ : ( هَلْ تَحْتَوِي كُتُبُ السُّنَّةِ عَلَى خُرَافَاتٍ ؟! ، الوَزَغُ الَّذِي نَفَخَ النَّارَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، وَهُوَ مَقَالٌ مُخْتَصَرٌ خَلَصَ مِنْهُ الكَاتِبُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الـمُشْتَمِلَةَ عَلَى نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى النَّارِ والَّتِي وَرَدَتْ فِي حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ لَا تَصِحُّ .
أَقُولُ : مَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الكَاتِبُ فِي مَقَالِهِ صَوَابٌ ، وَهُوَ مَا تَمَخَّضَ عَنَهُ بَحْثِي فِي هَذَا الجُزْءِ ، لَكِنِّي أَعْتَبُ علَى الكَاتِبِ عَدَّةَ أُمُورٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الكَاتِبَ قَدْ نَشَرَ مَقَالَهُ هَذَا فِي مَوْقِعٍ غَيْرِ مُتَخَصِّصٍ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ ، بَلْ هُوَ مَوْقِعٌ يُعْنَى بِالشُّؤُنِ الدِّينِيَّةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ ، يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ ، وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةً لِلْبَعْضِ ، لِمَنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِعِلْمِ الحَدِيثِ مَعْرِفَةً سَطْحِيَّةً ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ التَّحْذِيرُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ ؛ فَقَالَ : " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً "( 1 ) ، وَقَدْ عَقَدَ البُخَارِيُّ لِذَلِكَ بَابًا فِي " صَحِيحِهِ " ، فَقَالَ : " بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ ؛ كَرَاهِيَةَ أَن لَا يَفْهَمُوا " ، وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُنْشَرَ أَمْثَالُ هَذِهِ الـمَقَالَاتِ وَالأَبْحَاثِ عَلَى الـمَلَإِ فِي وَقْتٍ( 2 ) تَعْصِفُ فِيهِ الأَهوَاءُ وَالفِتَنُ ، وَتُسْتَهْدَفُ فِيهِ ثَوَابِتُ الأُمَّةِ ، وَتُسْتَغَلُّ هَذِهِ الأَبْحَاثُ لِلتَّشْكِيكِ فِي هَذَا الدِّينِ وَحَمَلَتِهِ ، وَتَكُونُ ذَرِيعَةً لِلْمُتَرَبِّصِ ينَ وَالـمُتَرَصِّد ِينَ لأَدْنَى شُبْهَةٍ لِيَتَمَسَّكُوا بِهَا ، وَبَثِّهَا بَيْنَ أَبْنَاءِ الـمُسْلِمِينَ .
فَالحَاصِلُ ؛ أَنَّ طَالِبَ العِلْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ أَحْوَالَ النَّاسِ ، وَيُعْطِيَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الـمَسَائِلِ ، وَلَا يُلْقِي عَلَيْهِمُ الـمَبَاحِثَ العِلْمِيَّةَ الغَامِضَةَ وَالدَّقِيقَةَ الَّتِي لَا تَتَّسِعُ لَهَا عُقُولُهُمْ ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الـمَبَاحِثِ الَّتِي يَتَدَاوَلُهَا أَهْلُ الاخْتِصَاصِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَلَا تَصْلُحُ لِعُمُومِ النَّاسِ .
ثَانِيهَا : أَنَّ الكَاتِبَ عَنْوَنَ لِـمَقَالِهِ بِـ : ( هَلْ تَحْتَوِي كُتُبُ السُّنَّةِ عَلَى خُرَافَاتٍ ؟! ) ، وَلَمْ يُورِدْ فِيهِ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " ، ثُمَّ قَامَ بِانْتِقَادِ عِبَارَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الحَدِيثُ ، وَحَكَمَ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا ، وَهَذَا لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ ، إِنَّمَا الاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا العِنْوَانِ الـمُوهِمِ بِأَنَّ " صَحِيحَ البُخَارِيِّ " يَشْتَمِلُ عَلَى خُرَافَاتٍ ، فَيَحْصُلُ لِلْقَارِئِ رَبْطٌ ذِهْنِيٌّ بَيْنِ " صَحِيحِ البُخَارِيِّ " وَالخُرَافَةِ .
وَبِمَا أَنَّ الكَاتِبَ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ _ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ مَقَالِهِ _ ، كَانَ الأَجْدَرُ وَالأَحْرَى بِهِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ العَبَارَاتِ الـمُوهِمَةِ الـمُبَهْرَجَةِ ، وَالَّتِي تُثِيرُ الشَّكَّ وَالرَّيْبَ فِي نُفُوسِ القُرَّاءِ تُجَاهَ كُتُبِ الصِّحَاحِ الـمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، وَتُنَفِّرُ النَّاسَ مِنْهَا .
وَهَذَا الصَّنِيعُ مِنَ الكَاتِبِ يُخَالِفُ سَبِيلَ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ انْتَقَدُوا " الصَّحِيحَيْنِ " كَالدَّارَقُطْن ِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، فَهَذِهِ كُتُبُهُمْ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَصَفَ الأَحَادِيثَ الَّتِي انْتَقَدَهَا بِأَنَّهَا أَحَادِيثُ خُرَافَةٍ ، أَوْ تَشْتَمِلُ عَلَى خُرَافَةِ ، إِنَّمَا سَمُّوا الأُمُورَ بِمُسَمَّيَاتِه َا الـمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ الفَنِّ .
وَهَذَا الأَمْرُ شَبِيهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ مَكَّةَ عِنْدَمَا وَصَفُوا القُرْآنَ بِأَنَّهُ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ لِيَصُدُّوا النَّاسَ عَنْهُ ، وَلِيُنَفِّرُوه ُمْ مِنْهُ .
وَلَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مَقَالٍ آخَرَ لِكَاتِبٍ مَغْرِبِيٍّ اسْمُهُ : ( مُحَمَّدُ بْنُ الأَزْرَقِ الأَنْجرِيُّ ) اتَّبَعَ فِيهِ الأُسْلُوبَ ذَاتَهُ ، فَعَنْوَنَ لِمَقَالِهِ بِـ : ( تَبْرِئَةِ الرَّسُولِ الأَمِينِ مِنْ أَسَاطِيرِ الـمُحَدِّثِينَ _ خُرَافَةِ الوَزَغِ ) !! ، وَهُوَ مَنْشُورٌ عَلَى مَوْقِعِ ( هسبريس ) الـمَغْرِبِيِّ ، وَهَذَا الكَاتِبُ كَانَ أَكْثَرَ جُرْأَةً مِنَ الأَوَّلِ ، حَيْثُ قَامَ بِإِضَافةِ كَلِمَةِ ( أَسَاطِيرِ ) فِي العُنْوَانِ ، وَضَعَّفَ حَدِيثًا لِأَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ فِي أَجْرِ مَنْ قَتَلَ الوَزَغَ مِنْ أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالنَّكَارَةِ ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، وَاشْتَمَلَ مَقَالُهُ عَلَى سُوءِ أَدَبٍ فِي حَقِّ الـمُحَدِّثِينَ ، وَاتِّهَامِهِمْ بِعَدَمِ الأَمَانَةِ ، وَسَنَذْكُرَ بَسْطَ هَذَا فِي مَحَلِّهِ .
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ " الصَّحِيحَيْنِ " أَصَحُّ كِتَابَيْنِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ _ تَعَالَى _ ، وَلَهُمَا مِنَ الـمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ ، وَالـمَكَانَةِ العَالِيَةِ فِي قُلُوبِ الـمُسْلِمِينَ _ خَاصِّهِمْ ، وَعَامِّهِمْ _ ، مَا هُوَ مَعْلُومٌ .
وَعَلَى ذَلِكَ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى هَذِهِ الـمَنْزِلَةُ لَهُمَا مِنَ الإِجْلَالِ والإِعْظَامِ وَالتَّقْدِيرِ كَمَا هِيَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ، وَلَا يَجُوزُ _ بِحَالٍ _ السَّعْيُّ وَرَاءَ التَّشْكِيكِ أَوْ إِثَارَةِ الشُّبَهِ بِأَحَادِيثِهِم َا .
وَإِنْ كَانَ عَدَدٌ مِنَ النُّقَادِ قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الأَحَادِيثِ فِيهِمَا وَأَعَلَّهَا بِالعِلَلِ الخَفِيَّةِ _ كَمَا صَنَعَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي كِتَابِ " التَّتَبُّعِ " _ ، فَأَكْثَرُهُ _ عَلَى قِلَّتِهِ _ يَعُودُ إِلَى مَعْنَى الصِّنَاعَةِ الحَدِيثِيَّةِ ، لَا إِلَى رَدِّ الحَدِيثِ ، عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ أَقْوَى وَأَرْجَحُ ، كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الجُدَيْعُ _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ فِي كِتَابِهِ " تَحْرِيرِ عُلُومِ الحَدِيثِ " (2/840) .
ثَالِثُهَا : أَمَا عَلِمَ الأَخُ ( سَامِي ) _ وَهُوَ طَالِبُ عِلْمٍ _ ، وَالآخَرُ _ وَهُوَ خِرِّيجُ دَارِ الحَدِيثِ الحَسَنِيَّةِ _ أَنَّ كُتُبَ السُّنَّةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَالحَسَنِ ، وَالضَّعِيفِ ، بَلْ وَالـمُكْذُوبِ _ أَيْضًا _ ، وَأَنَّ مَصَنِّفِيهَا _ رَحِمَهُمُ اللَّهُ _ أَوْرَدُوهَا بِأَسَانِيدَ إِلَيْهِمْ ، فَأَلْقَوُا التَّبِعَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَبَرِئَتْ عُهْدَتُهُمْ وَذِمَّتُهُمْ بِأَنْ أَحَالُوا غَيْرَهُمْ إِلَى الإِسْنَادِ ، فَكَمَا قِيلَ : ( مَنْ أَسْنَدَ لَكَ ؛ فَقَدْ أَحَالَكَ ) ، يَقُولُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ _ كَمَا فِي " النُّكَتِ عَلَى كِتَابِ ابْنِ الصَّلَاحِ " لَهُ (2/863) _ : " وَالاكْتِفَاءُ بِالحَوَالَةِ عَلَى النَّظَرِ فِي الإِسْنَادِ ، طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الـمُحَدِّثِينَ ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا صَدَرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ، مِنْ إِيرَادِ الأَحَادِيثِ السَّاقِطَةِ مُعْرِضِينَ عَنْ بَيَانِهَا صَرِيحًا ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ ، وَكَانَ ذِكْرُ الإِسْنَادِ عِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ البَيَانِ " ا.ه.
وَلَقَدْ كَانَ هَمُّ الأَغْلَبِ مِنْهُمْ تَقْمِيشَ( 3 ) الأَحَادِيثِ ؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَرْحَلَةِ جَمْعٍ لَهَا ، وَتَرَكُوا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مُهِمَّةَ التَّفْتِيشِ ، فَلَا غَرَابَةَ أَنْ تَحْتَوِي كُتُبُهُمْ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الغَرِيبَةِ والـمُنْكَرَةِ ، فَلَا يَنْبَغِي التَّشْغِيبَ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، أَوِ الحَطِّ مِنْ قَدْرِهِمْ ، أَوْ مِنْ كُتُبِهِمْ بِوَصْفِهَا بِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الأَسَاطِيرِ وَالخُرَافَةِ .
وَكَذَلِكَ لِهَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ عُذْرٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ " (1/125 _ 126) فِي مَعْرِضِ كَلَامِهِ عَنْ سَبَبِ رِوَايَةِ الأَئِمَّةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالـمَتْرُوكِي نَ ؛ حَيْثُ قَالَ : " فَقَدْ يُقَالُ : لِمَ حَدَّثَ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةُ عَنْ هَؤُلَاءِ ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ ؟ ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُمْ رَوَوْهَا لِيَعْرِفُوهَا ، وَلِيُبَيِّنُوا ضَعْفَهَا ؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ فِي وَقْتٍ عَلَيْهِمْ ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، أَوْ يَتَشَكَّكُوا فِي صِحَّتِهَا .
الثَّانِي : أَنَّ الضَّعِيفَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِيُعْتَبَرَ بِهِ ، أَوْ يُسْتَشْهَدَ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الـمُتَابَعَاتِ ، وَلَا يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ رِوَايَاتِ الرَّاوِي الضَّعِيفِ يَكُونُ فِيهَا : ( الصَّحِيحُ ، وَالضَّعِيفُ ، وَالبَاطِلُ ) ، فَيَكْتُبُونَهَ ا ، ثُمَّ يُمَيِّزُ أَهْلُ الحَدِيثِ وَالإِتْقَانِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ ، وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ ، مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ ، وَبِهَذَا احْتَجَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ حِينَ نَهَى عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الكَلْبِيِّ ؛ فَقِيلَ لَهُ : أَنْتَ تَرْوِي عَنْهُ ؟ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُمْ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، وَالقَصَصِ ، وَأَحَادِيثَ الزُّهْدِ ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ وَسَائِرِ الأَحْكَامِ ، وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الحَدِيثِ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ التَّسَاهُلُ فِيهِ ، وَرِوَايَةُ مَا سِوَى الـمَوْضُوعِ مِنْهُ وَالعَمَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ أُصُولَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ ، مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ فَإِنَّ الأَئِمَّةَ لَا يَرْوُونَ عَنِ الضُّعَفَاءِ شَيْئًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ فِي الأَحْكَامِ ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَفْعَلُهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الـمُحَدِّثِينَ ، وَلَا مُحَقِّقٌ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ العُلَمَاءِ " ا.ه .
أَقُولُ : وَمِنْ أَقْدَمِ مَنْ وَقَفْتُ لَهُ عَلَى نَقْدٍ وَكَلَامٍ فِي مَرْوِيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ هُو : الجَاحِظُ _ الـمُعْتَزِلِيّ ُ _ ، حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ " الحَيَوَانِ " (4/401 _ 402) _ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، بِطُرُقِهِ الـمُخْتَلِفَةِ فِي قَتْلِ الوَزَغِ _ : " وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ _ كُلُّهَا _ يَحْتَجُّ بِهَا أَصْحَابُ الجَهَالَاتِ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الأَشْيَاءَ _ كُلَّهَا _ كَانَتْ نَاطِقَةً ، وَأَنَّهَا أُمَمٌ مَجْرَاهَا مَجْرَى النَّاسِ .
وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ _ تَعَالَى _ : ﴿ وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَــٰـئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَــٰبِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [ الأَنْعَامُ : 38 ] ، وَقَالُوا : قَاَل اللَّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمـٰــــَـو َاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسـٰنُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [ الأَحْزَابُ : 72 ] ، وَقَالَ _ تَعَالَى _ : ﴿ يـٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [ سَبَأٌ : 10 ] ، وَقَالَ : ﴿ وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَــٰــرُ ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الـمَاءُ ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [ البَقَرَةُ : 74 ] .
فَذَهَبَتِ الجَهْمِيَّةُ وَمَنْ أَنْكَرَ إِيجَادَ الطَّبَائِعِ مَذْهَبًا ، وَذَهَبَ ابْنُ حَائِطٍ( 4 ) وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الجَهَالَاتِ مَذْهَبًا ، وَذَهَبَ نَاسٌ مِنْ غَيْرِ الـمُتَكَلِّمِي نَ وَاتَّبَعُوا ظَاهِرَ الحَدِيثِ ، وَظَاهِرَ الأَشْعَارِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ الحِجَارَةَ كَانَتْ تَعْقِلُ وَتَنْطِقُ ، وَإِنَّمَا سُلِبَتِ الـمَنْطِقَ فَقَطْ ، فَأَمَّا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ ؛ فَعَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ .
قَالُوا : ( وَالوَطْوَاطُ ، وَالصُّرَدُ( 5 ) ، وَالضِّفْدَعُ ) ، مُطِيعَاتٌ وَمُثَابَاتٌ ، ( وَالعَقْرَبُ ، وَالحَيَّةُ ، وَالحِدَأَةُ( 6 ) ، وَالغُرَابُ ، وَالوَزَغُ ، وَالكَلْبُ ) ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ ، عَاصِيَاتٌ مُعَاقَبَاتٌ .
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَقُولُ لَهُ : إِنَّ الوَزَغَةَ الَّتِي تَقْتُلُهَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تُضْرِمُ النَّارَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، أَهِيَ هَذِهِ ، أَمْ هِيَ مِنْ أَوْلَادِهَا ، فَمَأْخُوذَةٌ هِيَ بِذَنْبِ غَيْرِهَا ؟ ، أَمْ تَزْعُمُ أَنَّهُ فِي الـمَعْلُومِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الوَزَغُ لَا تَلِدُ وَلَا تَبِيضُ وَلَا تُفَرِّخُ إِلَّا مَنْ يَدِينُ بِدِينِهَا ، وَيَذْهَبُ مَذْهَبَهَا ؟! .
وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَفْهَمُ تَأْوِيلَ الأَحَادِيثِ ، وَأَيَّ ضَرْبٍ مِنْهَا يَكُونُ مَرْدُودًا ، وَأَيَّ ضَرْبٍ مِنْهَا يَكُونُ مُتَأَوَّلًا، وَأَيَّ ضَرْبٍ مِنْهَا يُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ بَعْضِ القَبَائِلِ .
وَلِذَلِكَ أَقُولُ : لَوْلَا مَكَانُ الـمُتَكَلِّمِي نَ لَهَلَكَتِ العَوَامُّ ، وَاخْتُطِفَتْ ، وَاسْتُرِقَتْ ، وَلَوْلَا الـمُعْتَزِلَةُ لَهَلَكَ الـمُتَكَلِّمُو نَ " ا.ه .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (1/201) : " وَجُهَّالُ النَّاسِ _ اليَوْمَ _ يَقْتُلُونَ الوَزَغَ ، عَلَى أَنَّ آبَاءَهَا وَأُمَّهَاتِهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ ، وَتَنْقُلُ إِلَيْهَا الحَطَبَ . فَأَحْسَبُ أَنَّ آبَاءَهَا وَأُمَّهَاتِهَا قَدْ كُنَّ يَعْرِفْنَ فَصْلَ مَا بَيْنَ النَّبِيِّ وَالـمُتَنَبِّي ، وَأَنَّهُنَّ اعْتَقَدْنَ عَدَاوَةَ إِبْرَاهِيمَ ، عَلَى تَقْصِيرٍ فِي أَصْلِ النَّظَرِ ، أَوْ عَنْ مُعَانَدَةٍ بَعْدَ الاسْتِبَانَةِ حَتَّى فَعَلْنَ ذَلِكَ ، كَيْفَ جَازَ لَنَا أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ؟! ، إِلَّا أَنْ تَدَّعُوا أَنَّ هَذِهِ الَّتِي نَقْتُلُهَا هِيَ تِلْكَ الجَاحِدَةُ لِلنُّبُوَّةِ ، وَالكَافِرَةُ بِالرُّبُوبِيَّ ةِ ، وَأَنَّهَا لَا تَتَنَاكَحُ وَلَا تَتَوَالَدُ .
وَقَدْ يَسْتَقِيمُ فِي بَعْضِ الأَمْرِ أَنْ تُقْتَلَ أَكْثَرُ هَذِهِ الأَجْنَاسِ ، إِمَّا مِنْ طَرِيقِ الـمِحْنَةِ وَالتَّعَبُّدِ ، وَإِمَّا إِذْ كَانَ اللَّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَدْ قَضَى عَلَى جَمَاعَتِهَا الـمَوْتَ ، أَنْ يُجْرِيَ ذَلِكَ الـمَجْرَى عَلَى أَيْدِي النَّاسِ ، كَمَا أَجْرَى مَوْتَ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى يَدِ مَلَكٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَلَكُ الـمَوْتِ .
وَبَعْدُ ؛ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ هَذَا القَوْلَ _ إِنْ كَانَ قَالَهُ _ عَلَى الحِكَايَةِ لِأَقَاوِيلِ قَوْمٍ .
وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَعْنًى كَانَ يَوْمَئِذٍ مَعْلُومًا ، فَتَرَكَ النَّاسُ العِلَّةَ وَرَوَوُا الخَبَرَ سَالِمًا مِنَ العِلَلِ ، مُجَرَّدًا غَيْرَ مُضَمَّنٍ .
وَلَعَلَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الحَدِيثَ شَهِدَ آخِرَ الكَلَامِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَوَّلَهُ ، وَلَعَلَّهُ _ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ _ قَصَدَ بِهَذَا الكَلَامِ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ كَانَ دَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ سَائِغٌ ، غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وَلَا مَدْفُوعٍ " ا.ه .
أَقُولُ : " الـمُعْتَزِلَةُ فِرْقَةٌ تَمَيَّزَتْ بِمُغَالَاتِهَا فِي العَقْلِ وَمَقَايِيسِهِ ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى مَا يُظَنُّ مُخَالِفًا لَهُ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَعُرِفَتْ بِذَلِكَ بَيْنَ فِرَقِ الإِسْلَامِ الـمُخْتَلِفَةِ ، وَمِمَّا جَعَلَهُمْ يَنْحُونَ هَذَا الاتِّجَاهَ العَقْلَاِنَّي هُوَ ضَعْفُهُمْ فِي مَجَالِ الرِّوَايَةِ ، وَجَهْلُهُمْ لِعِلْمِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ ، وَاقْتِصَارُهُم ْ عَلَى آيَاتِ القُرْآنِ ، وَبَعْضِ الأَحَادِيثِ الَّتِي رَأُوا أَنَّهَا تُؤَيِّدُ أَقْوَالَهُمْ .
فَهَذَا الضَّعْفُ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ قَدْ أَلْجَأَهُمْ إِلَى الـمَعْقُولَاتِ لِيُعَوِّضُوا بِهَا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ نَقْصٍ ، وَيَسُدُّوا بِهِ ثَغَرَاتِ مَذْهَبِهِمْ .
وَمِمَّا صَدَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ عَنْ طَلَبِ الحَدِيثِ وَالسَّعْيِ وَرَاءَ حَلَقَاتِهِ ؛ مَا رَأَوْهُ مِنْ كَثْرَةِ الوَضْعِ ، وَانْتِشَارِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ بَيْنَ رُوَاةِ الحَدِيثِ ، وَاخْتِلَاطِهَا بِالصَّحِيحِ مِنْهُ ، وَكَانَ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ مَا يُعَارِضُ الـمَعْقُولَ ، فَظَنُّوا _ لِجَهْلِهِمْ _ أَنْ لَا ضَابِطَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ مِنْهَا ، وَإِنْ زَعَمَ ذَلِكَ أَهْلُ الحَدِيثِ ، فَرَأُوا أَنَّ الرَّأْيَ الصَّائِبَ أَنْ يَدَعُوا صَحِيحَهَا وَسَقِيمَهَا ، وَأَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مَا يُوَافِقُ بِدَعَهُمْ وَآرَاءَهُمْ مِنْهَا "( 7 ) ، وَاسْتَمِعْ إِلَى مَا يَقُولُهُ أَبُو العَلَاءِ الـمَعَرِّيُّ فِي ذَلِكَ :
جَاءَتْ أَحَادِيثُ إِنْ صَحَّتْ فَإِنَّ لَهَا شَأْنًا وَلَكِنَّ فِيهَا ضَعْفَ إِسْنَادِ
فَشَـــاوِرِ العَــقْــلَ وَاتْرُكْ غَيْرَهُ هَـــــــدَرًا فَالعَقْلُ خَيْرُ مُشِيرٍ ضَمَّهُ النَّادِي( 8 )
فَالجَاحِظُ عِنْدَمَا أَعْيَاهُ رَدُّ الحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ لَجَأَ إِلَى العَقْلِ ، مَعْ أَنَّ مَا جَاءَ مِنْ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَليْهِ السَّلَامُ _ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ _ كَمَا سَنُحَرِّرُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي _ ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ هَذَا الفَنَّ لَمَا احْتَاجَ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الاحْتِمَالَاتِ العَقْلِيَّةِ الَّتِي افْتَرَضَهَا ، وَلِكِنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ .
أَقُولُ : وَوَقَفْتُ _ أَيْضًا _ عَلَى مَقَالِيْنَ آخَرَيْنَ تَنَاوَلَا أَحَادِيثَ الوَزَغِ _ وَخَاصَّةً حَدِيثَ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ بِالغَمْزِ وَالسُّخْرِيَةِ :
الأَوَّلُ : ( مَأْسَاةُ حَيَوَانِ البُرْصِ _ الوَزَغِ _ فِي الإِسْلَامِ ) ، لِكَاتِبٍ أَشَارَ إِلَى نَفْسَهِ بِـ ( البَابِلِيِّ ) ، وَهُوَ مَنْشُورٌ عَلَى مَوْقِعِ : ( مَسِيحِيُّو الشَّرْقِ لأَجْلِ الـمَسِيحِ ) .
الثَّانِي : ( مِنْ مَهَازِلِ سُنَّةِ السَّلَفِ وَالخَلَفِ _ فِقْهُ الوَزَغِ ) ، لِكَاتِبٍ مَجْهُولٍ ، وَهُوَ مَنْشُورٌ عَلَى مَوْقِعٍ مَشْبُوهٍ اسْمُهُ : ( الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) .
فَانْظُرْ _ أَخِي الكَرِيمُ _ كَيْفَ اسْتُغِلَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ لِتَشْوِيهِ هَذَا الدِّينِ ، وَالسُّخْرِيَةِ بِنَقَلَتِةِ وَأَهْلِهِ ، وَرَكِبَ الـمَوْجَةَ بَعْضُ أَبْنَاءِ الـمُسْلِمِينَ ، فَقَامُوا بتَضْعِيفِ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِثَةِ ، بِغَرَضِ الذَّبِّ عَنْ هَذَا الدِّينِ ، كَمَا صَنَعَ الأَنْجرِيُّ الـمَغْرِبِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ عِنْدَ الإِمَامِ مُسْلِمٍ .
لِهَذَا كُلِّهِ ؛ صَنَّفْتُ هَذَا الجُزْءَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَضَمَّنْتُهُ جَمِيعَ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مَرْوِيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ، وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا تَخْرِيجًا وَتَحْقِيقًا بِمَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ أَهْلِ الصَّنْعَةِ ، وَرَأَيْتُ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الفَائِدَةِ أَنْ أُتْبِعَهَا بِالأَحَادِيثِ وَالآثَارِ الـمُشْتَمِلَةِ عَلَى قَتْلِ الوَزَغِ ، لِذَلِكَ قُمْتُ بِتَجْزِئَةِ هَذَا البَحْثِ إِلَى قِسْمَيْنِ :
القِسْمُ الأَوَّلُ : الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ الوَارِدَةُ فِي نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ .
القِسْمُ الثَّانِي : بَقِيَّةُ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِي قَتْلِ الوَزَغِ .
وَلَا أَنْسَى أَنْ أُشِيرَ _ هُنَا _ إِلَى بَحْثِ الدَّكْتُورِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّوَّا _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ الـمُسَمَّى بِـ : ( مَرْوِيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ فِي نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ، وَبَيَانِ ضَعْفِهَا مَرْفُوعَةً ) ، وَالَّذِي قَامَ بِنَشْرِهِ عَلَى مَوْقِعِ ( مُلْتَقَى أَهْلِ الحَدِيثِ ) ، وَمَوْقِعِ ( الأَلُوكَةِ ) ، وَهُوَ بَحْثٌ مُفِيدٌ ، تَتَبَّعَ فِيهِ الدَّكْتُورُ أَغْلَبَ الرِّوَايَاتِ الوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ أَوْسَعُ بَحْثٍ وَقَفْتُ عَلَيْهِ ، إِلَّا أَنَّ بَحْثَهُ يَفْتَقِرُ إِلَى حُسْنِ تَرْتِيبٍ وَصِيَاغَةٍ ، وَوَقَعَتْ لَهُ فِيهِ بَعْضُ الأَخْطَاءِ .
هَذَا ؛ وَسَمَّيْتُهُ بِـ : ( فَتْحِ العَلِيمِ بِتَخْرِيجِ مَرْوِيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ) ، فَاللَّهَ _ تَعَالَى _ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَغْفِرَ لِي خَطَئِي ، وَمَا زَلَّ بِهِ قَلَمِي ، إِنَّهُ حَسْبِي وَنِعْمَ الوَكِيلِ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ .
كَتَبَهُ
أَبُو عُمَرَ نَادِرُ بْنُ وَهْبِي ، النَّاطُورُ ، القَنِّيرِيُّ
الأَحَدُ : 10 / رجب / 1440ه
الـمُوَافِقُ : 17 / آذار / 2019م
الأُرْدُنُّ _ الزَّرْقَاءُ
القِسْمُ الأَوَّلُ
الأَحَادِيثُ والآثَارُ الوَارِدَةُ فِي نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _
حَدِيثُ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _
عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ . وَقَالَ : كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلامُ _ .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " مُسْنَدِهِ " (رقم : 1559 _ مُنْتَخَبٌ) ، وَالبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 3359) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : البَغَوِيُّ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " (12/196 _ رقم : 3267) ، وَ " التَّفْسِيرِ " (رقم : 1427) ، وَابْنُ طُولُونَ فِي " تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) " (ص : 56) _ وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَالطَّبَرِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (11/625) ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/582 _ رقم : 9896) ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (9/531 _ رقم : 19367) ، وَ " الصُّغْرَى " (4/58 _ رقم : 3054) ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/187) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ، بِهِ .
وَجَاءَ عِنْدَ البُخَارِيِّ : ( حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، أَوْ ابْنُ سَلَامٍ عَنْهُ ) ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ _ مُعَقِّبًا عَلَى ذَلِكَ _ فِي " الفَتْحِ " (6/394) : " كَأَنَّ البُخَارِيَّ شَكَّ فِي سَمَاعِهِ لَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ، وَهُوَ أَكْبَرُ مَشَايِخِهِ ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْهُ ، فَأَوْرَدَهُ هَكَذَا ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ هَذَا فِي أَمَاكِنَ عَدِيدَةٍ " .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ قَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الـمَوْضِعِ ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ طُرُقِهِ .
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى هُوَ : ابْنُ أَبِي الـمُخْتَارِ ، العَبْسِيُّ ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، الكُوفِيُّ ، مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ البُخَارِيِّ ، وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَالعِجْلِيُّ ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَآخَرُونَ ، إِلَّا أَنَّ البَعْضَ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسَبَبِ غُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ ، وَرِوَايَتِهِ أَحَادِيثَ فِي التَّشَيُّعِ مُنْكَرَةً ، وَبِسَبَبِ اضْطِرَابِهِ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .
وَالقَوْلُ العَدْلُ الوَسَطُ فِيهِ : أَنَّهُ ثِقَةٌ صَدُوقٌ ، رَوَى عَنْهُ الأَئِمَةُ الكِبَارُ ، يُتَجَنَّبُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، أَوْ مَا كَانَ فِيهِ نُصْرَةٌ لِـمَذْهَبِهِ فِي التَّشَيُّعِ ، أَوْ مَا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ .
وَهُوَ فِي هَذَا الحَدِيثِ قَدْ خَالَفَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ رَوَوْهُ ، فَزَادَ فِي آخِرِهِ عِبَارَةَ : " وَقَالَ : كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ " .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ فِي " إِتْحَافِ الـمَهَرَةِ " (18/270) : " زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَحْدَهُ : ( وَكَانَتْ تَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، قَالَ أَبُو عَوَانَةَ : لَمْ يَزِدْهَا غَيْرُهُ ، وَلَا هِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ " .
وَمِمَّنْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ :
1 _ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ ، القَطَّانُ ، أَبُو سَعِيدٍ ، البَصْرِيُّ _ ثِقَةٌ ، مُتْقِنٌ ، حَافِظٌ _ :
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (45/359 _ رقم : 7365) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : أَبُو نُعَيْمٍ فِي " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " (6/3517 _ رقم : 7965) _ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ؛ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، بِهِ نَحْوَهُ .
وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ بِالسَّمَاعِ .
2 _ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، الشَّيْبَانِيُّ ، أَبُو عَاصِمٍ ، النَّبِيلُ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ :
أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ _ إِمَامٌ ، ثِقَةٌ ، مُتْقِنٌ _ فِي " مُسْنَدِهِ " (2/1271 _ رقم : 2043) ، وَأَبُو بَكرٍ الأَنْبَارِيُّ فِي " جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ " (رقم : 20) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : أَبُو نُعَيْمٍ فِي " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " (6/3517 _ رقم : 7964) ، وَأَبُو بَكْرٍ الشِّيرَوِيُّ فِي " الجُزْءِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنَ العَوَالِي الصِّحَاحِ وَالغَرَائِبِ الحِسَانِ " (رقم : 33 _ مخطوط) _ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي العَوَّامِ _ هُوَ : أَبُو بَكْرٍ الرِّيَاحِيُّ ، صَدُوقٌ _ ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/581 _ رقم : 9895) عَنْ عَمَّارِ بْنِ رَجَاءٍ _ ثِقَةٌ _ ، وَأَبِي يُوسُفَ الفَارِسِيِّ _ هُوَ : يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الفَسَوِيُّ ، ثِقَةٌ ، حَافِظٌ _ ، وَأَبِي دَاوُدَ الحَرَّانِيِّ _ هُوَ : سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ ، ثِقَةٌ ، حَافِظٌ _ ، وَابْنُ شَاهِينَ فِي " نَاسِخِ الحَدِيثِ " (ص : 481) مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سَيَّارٍ النَّصِيبِيِّ _ جَاءَ فِي الأَصْلِ : ( ابْنِ يَسَارٍ ) وَهُوَ تَحْرِيفٌ ، كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي " الإِكْمَالِ " (4/429) ، وَهُوَ صَدُوقٌ ، ثِقَةٌ _ ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/187) مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى _ هُوَ : الدَّارَابْـجِر ْدِيُّ ، ثِقَةٌ _ ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، بِهِ نَحْوَهُ .
وَسَقَطَ مِنْ إِسْنَادِ ابْنِ عَسَاكِرَ : ( عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ ) .
أَقُولُ : وَخَالَفَ كُلَّ هَؤُلَاءِ أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الكَشِّيُّ _ وَهُوَ ثِقَةٌ _ ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ ، بِهِ نَحْوَهُ .
أَخْرَجَهَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " (25/97 _ رقم : 251) ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ النَّقُّورِ فِي " الفَوَائِدِ الحِسَانِ " (رقم : 36) مِنْ طَرِيقِهِ ، بِهِ .
وَيَظْهَرُ لِي _ وَاللَّهُ أَعْلَمُ _ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الكَشِّيَّ _ عَلَى ثِقَتِهِ _ قَدْ وَهِمَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ فَسَلَكَ بِهِ الجَادَّةَ ، فَإِنَّه رَوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ ( أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ ) عَدَدًا مِنَ الأَحَادِيثِ ، انْظُرْهَا : فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " لِلطَّبَرَانِيّ ِ ، وَ " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " لأَبِي نُعَيْمٍ .
3 _ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، المِصْرِيُّ _ ثِقَةٌ ، حَافِظٌ ، فَقِيهٌ _ :
أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ _ كَاتِبُ اللَّيْثِ _ فِي " نُسْخَتِهِ " (رقم : 1592) ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/580 _ رقم : 9893) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) ، وَالطَّبَرِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (11/625) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (12/451 _ رقم : 5634) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ مِنْ طَرِيقِهِ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الـمُسَيِّبِ أَخْبَرَهُ ؛ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ شَرِيكٍ _ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ _ أَنَّهَا اسْتَأْمَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ فِي قَتْلِ الوَزَغِ ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا .
4 _ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ،المِصِّيصِيُّ ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، الأَعْوَرُ _ ثِقَةٌ ثَبْتٌ _ :
أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/582 _ رقم : 9897) قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الـمِصِّيصِيُّ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ حَجَّاجًا قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، بِهِ نَحْوَهُ .
5 _ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، القَيْسِيُّ ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، البَصْرِيُّ _ ثِقَةٌ _ :
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (45/359 _ رقم : 27365) ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/581 _ رقم : 9894) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " (6/3517 _ رقم : 7964) مِنْ طَرِيقِهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، بِهِ نَحْوَهُ .
وَصَرَّحَ ابْنُ جُرَيْجِ بِالسَّمَاعِ فِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَأَبِي نُعَيْمٍ .
6 _ عَبْدُ الـمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، أَبُو عَبْدِ الحَمِيدِ ، الـمَكِّيُّ _ صَدُوقٌ ، يُخْطِئُ ، لَكِنَّهُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بَحَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ _ :
أَخْرَجَهُ الفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/380 _ رقم: 2289) مِنْ طَرِيقِهِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، بِهِ نَحْوَهُ .
7 _ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ ، البُرْسَانِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، البَصْرِيُّ _ صَدُوقٌ ، قَدْ يُخْطِئُ _ :
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (45/359 _ رقم : 27365) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، بِهِ نَحْوَهُ .
وَفِيهِ تَصْرِيحُ ابْنُ جُرَيْجٍ بِالسَّمَاعِ _ أَيْضًا _ .
8 _ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، الـمَكِّيُّ ، المَعْرُوفُ بِـ : الزِّنْجِيِّ _ صَدُوقٌ ، كَثِيرُ الأَوْهَامِ _ :
أَخْرَجَهُ الأَزْرَقِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (2/149) مِنْ طَرِيقِهِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، بِهِ نَحْوَهُ .
9 _ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ ، الوَاقِدِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، الـمَدَنِيُّ _ مَتْرُوكٌ _ :
أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (8/124) قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، بِهِ نَحْوَهُ .
أَقُولُ : وَمَعَ كُلِّ مَا سَبَقَ ؛ فَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى رِوَايَةٍ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى مِنْ طَرِيقِ الإِمَامِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ _ وَهُوَ مَنْ هُوَ ثِقَةً ، وَحِفْظًا ، وَعِلْمًا _ عَنْهُ ، يُوَافِقُ فِيهَا مَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الـمُشَارِ إِلَيْهَا ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ عَلَى تَوْفِيقِهِ : أَخْرَجَهَا البَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (5/346 _ رقم : 10049) قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيّ ُ ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ ؛ فَأَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيّ ُ هُوَ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ القَاسِمِ ، مُسْنِدٌ ، مُحَدِّثٌ ، حَافِظٌ ، مِنْ أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ ، وَالحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ الطُّوسِيُّ مِنْ كِبَارِ الـمُحَدِّثِينَ وَثِقَاتِهِمْ .
وَقَدْ تُوبِعَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَلَى حَدِيثِهِ ، تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ :
أَخْرَجَ مُتَابَعَتَهُ : أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (45/593 _ رقم : 27619) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : أَبُو نُعَيْمٍ فِي " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " (6/3518 _ رقم : 7966) _ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي " مُسْنَدِهِ " (5/104 _ رقم :2210) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) _ ، وَالحُمَيْدِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " (1/344 _ رقم : 353) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " (15/186) _ ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/446 _ رقم : 8395) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : الطَّبَرَانِيُّ فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " (25/97 _ رقم : 250) _ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19891) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " الآحَادِ وَالـمَثَانِي " (6/107 _ رقم : 3325) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) ، وَابْنُ مَاجَةَ فِي " السُّنَنِ " (رقم : 3228) _ ، وَالبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 3307) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2237) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (4/104 _ رقم : 3854) ، وَ " الصُّغْرَى " (رقم : 2885) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " (15/186) _ ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/583 _ رقم : 9898) ، وَالطَّبَرِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (11/625) ، وَالـمَحَامِلِي ُّ فِي " أَمَالِيهِ " (رقم : 101) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : عَبْدُ الخَالِقِ بْنُ أَسَدٍ فِي " الـمُعْجَمِ " (رقم : 459) _ ، وَأَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ فِي " جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ " (رقم : 319) مِنْ طَرِيقِهِ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ .
أَقُولُ : حَدِيثُ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ فِي قَتْلِ الوَزَغِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الوَارِدَةَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى لَا تَثْبُتُ ؛ لِـمُخَالَفَتِه ِ فِيهَا مَنْ هُمْ أَوْثَقُ مِنْهُ ، أَوْ مَنْ هُمْ مِثْلُهُ فِي الثِّقَةِ ، وَيَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّها مُدْرَجَةٌ مِنْ أَحَدِ رُوَاةِ الحَدِيثِ .
وَالغَرِيبُ مِنَ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي كِتَابِهِ " الفَتْحِ " لِرِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِنَقْدٍ ، وَلَمْ يَتَوَسَّعْ فِي الكَلَامِ عَلَى رِجَالِهَا وَطُرُقِهَا وَالاخْتِلَافِ فِي أَلْفَاظِهَا كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ فِي مُعْظَمِ أَحَادِيثِ البُخَاريِّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ .
وَلَمْ أَرَ لأَحَدٍ مِمَّنِ انْتَقَدَ البُخَارِيَّ كَـ : ( الدَّارَقُطْنِي ِّ ، وَغَيْرِهِ ) كَلَامًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ .
وَأَرَى أَنَّ الأَصْلَ فِي حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ عِنْدَ البُخَارِيِّ هُوَ ( رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ) ، أَمَّا رِوَايَةُ ( ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْهُ ؛ فَقَدْ أَوْرَدَهَا البُخَارِيُّ فِي الـمُتَابَعَاتِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الـمُتَابَعَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَقِبَ الحَدِيثِ الأَصْلِ مُبَاشَرَةً كَمَا يَعْتَقِدُ البَعْضُ ، وَهَذَا مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الجُدَيْعُ _ حَفِظَهُ اللَّهِ _ فِي كِتَابِهِ " تَحْرِيرِ عُلُومِ الحَدِيثِ " (2/840) حَيْثُ قَالَ : " وَرُبَّمَا حَسِبَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الـمُرَادَ بِـ ( الـمُتَابَعَاتِ ) _ هُنَا _ أَنْ يَأْتِيَ الإِسْنَادُ مِنْ طَرِيقِ الـمُتَكَلَّمِ فِيهِ بَعَدَ إِسْنَادِ الثِّقَةِ غَيْرِ الـمُتَكَلَّمِ فِيهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا ، فَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ _ هُنَا _ لاَ أَثَرَ لَهُ ، مَا دَامَ تَخْرِيجُ صَاحِبِ ( الصَّحِيحِ ) لِذَلِكَ الرَّاوِي الـمُتَكَلَّمِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بِمَا تَفَرَّدَ بِهِ " .
وَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي " صَحِيحِهِ " فِي ( كِتَابِ : بَدْءِ الخَلْقِ (رقم:59) ، بَابِ : خَيْرِ مَالِ الـمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهِ شَعَفَ الجِبَالِ ) ، أَمَّا رِوَايَةُ ابْنُ جُرَيْجٍ ؛ فَأَخْرَجَهَا فِي الكِتَابِ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَهُوَ ( كِتَابُ : أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ (رقم:60) ، بَابُ : قَوْلِ اللَّهِ _ تَعَالَى _ : ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ ) .
يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ فِي " مَجْمُوعِ الفَتَاوَى " (18/73) : " وَأَجَلُّ مَا يُوجَدُ فِي الصِّحَّةِ ( كِتَابُ البُخَارِيِّ ) ، وَمَا فِيهِ مَتْنٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ غَلَطٌ عَلَى الصَّاحِبِ ، لَكِنْ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ مَا هُوَ غَلَطٌ ، وَقَدْ بَيَّنَ البُخَارِيُّ فِي نَفْسِ ( صَحِيحِهِ ) مَا بَيَّنَ غَلَطَ ذَلِكَ الرَّاوِي ، كَمَا بَيَّنَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي ثَمَنِ بَعِيرِ جَابِرٍ ، وَفِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يُقَالُ : إنَّهُ غَلَطٌ ، كَمَا فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّه _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ) ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا . وَفِيهِ عَنْ أُسَامَةَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _لَمْ يُصَلِّ فِي البَيْتِ ) ، وَفِيهِ عَنْ بِلَالٍ : ( أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ ) ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ".
حَدِيثُ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _
عَنْ سَائِبَةَ مَوْلاَةٌ لِلْفَاكِهِ بْنِ الـمُغِيرَةِ ؛ قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا ، قُلْتُ : يَا أُمَّ الـمُؤْمِنِينَ ؛ مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ ؟ ، قَالَتْ : هَذَا لِهَذِهِ الأَوْزَاغِ نَقْتُلُهُنَّ بِهِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ حَدَّثَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ _ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَكُنْ فِي الأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ ، غَيْرَ الوَزَغِ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَنَا رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِهِ .
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (41/80 _ رقم : 24534) ، وَ (41/294 _ رقم : 24780) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19898) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ مَاجَةَ فِي " السُّنَنِ " (رقم : 3231) _ ، وَأَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ " (7/317 _ رقم : 4357) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : الـمِزِّيُّ فِي " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (35/192 _ تَرْجَمَةِ سَائِبَةَ) ، وَالذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الاعْتِدَالِ " (4/607) _ ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (12/447 _ رقم : 5631) ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " التَّفْسِيرِ " _ كَمَا فِي " تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ " 5/352) _ ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/185 _ 186) مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ ؛ قَالَ : حَدَّثَتْنِي سَائِبَةُ ... ، فَذَكَرَهُ .
وَقَدْ تَحَرَّفَ اسْمُ ( سَائِبَةَ ) عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إِلَى ( صَادِقَةَ ) ، وَجَاءَتْ مُبْهَمَةً عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَسَاكِرَ ، وَجَاءَ عَقِبَ رِوَايَتِهِمَا : ( قَالَ جَرِيرٌ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ أَنَّ اسْمَهَا : سَائِبَةُ ) .
قَالَ البُوصِيرِيُّ فِي " مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ " (3/239) : " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ " .
أَقُولُ : سَائِبَةُ مَوْلاَةُ الفَاكِهِ بْنِ الـمُغِيرَةِ الـمَخْزُومِيِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، لِذَا ذَكَرَهَا الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ فِي " الـمِيزَانِ " (4/607) فِي النِّسْوَةِ الـمَجْهُولَاتِ ، وَاللَّاتِي قَالَ عَنْهُنَّ : " وَمَا عَلِمْتُ فِي النِّسَاءِ مَنِ اتُّهِمَتْ وَلَا مَنْ تَرَكُوهَا " ، وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " (4/351) حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ لَدَيْهِ جَرْحُهَا( 9 ) ، فَهِيَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهَا ، لأَجْلِ ذَلِكِ قَالَ عَنْهَا الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " (ص: 748) : " مَقْبُولَةٌ " ، أَيْ : حَيْثُ تُتَابَعُ ، وَهِيَ هُنَا قَدْ تَفَرَّدَتْ بِهِ .
وَقَدْ خُولِفَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ ؛ خَالَفَهُ :
1 _ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ؛ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَائِشَةَ :
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (42/430 _ رقم : 25643) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي " مُسْنَدِهِ " (2/530 _ رقم : 1113) ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ فِي " نُسْخَتِهِ "(رقم : 1591 _ مَطْبُوعٌ ضِمْنَ مَجْمُوعٍ بِاسْمِ : " الفَوَائِدِ " لابْنِ مَنْدَةَ ) ، وَأَبو طَاهِرٍ الـمُخَلِّصُ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " (3/405 _ رقم : 2805) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/186) _ ، وَالأَزْرَقِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (2/150) ، والفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/381 _ رقم : 2289) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ؛ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، أَنَّ نَافِعًا _ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ _ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " اقْتُلُوا الوَزَغَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ النَّارَ " ، قَالَ : وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقْتُلُهُنَّ .
ذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " البِدَايَةَ وَالنِّهَايَةِ " (1/340) أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ ، فَقَدُ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ كَمَا أَسْلَفْنَا .
أَقُولُ : وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهَا ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ مَجْهُولٌ ، ذَكَرَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي " الـمُنْفَرِدَات ِ وَالوُحْدَانِ " ، وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ .
وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِي ُّ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ هَذَا فِي " العِلَلِ " (14/440 _ رقم : 3789) ؛ فَقَالَ : " يَرْوِيهِ نَافِعٌ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ :
فَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ سَائِبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا .
وَحَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَصَحُّ " .
2 _ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِي ُّ ؛ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ ؛ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ :
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (43/24 _ رقم : 25827) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/185) _ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ؛ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ؛ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَإِذَا رُمْحٌ مَنْصُوبٌ ، فَقَالَتْ : مَا هَذَا الرُّمْحُ ؟ ، فَقَالَتْ : نَقْتُلُ بِهِ الأَوْزَاغَ ، ثُمَّ حَدَّثَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ جَعَلَتِ الدَّوَابُّ _ كُلُّهَا _ تُطْفِئُ عَنْهُ ، إِلَّا الوَزَغُ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ يَنْفُخُهَا عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ : " اسْمُ الـمَرْأَةِ : سَائِبَةُ " .
وَذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " (1/340) _ أَيَضًا _ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ .
أَقُولُ : إِسْمَاعِيلُ _ شَيْخُ أَحْمَدَ _ هُوَ : إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِقْسَمٍ ، الـمَعْرُوفُ بِـ : ابْنِ عُلَيَّةَ ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ كَسَابِقِهِ ، فَنَافِعٌ _ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ _ أَغْلَبُ رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ بِوَاسِطَةٍ ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعُهُ مِنْهَا ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ مِنْهَا ، وَرِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ _ السَّابِقَةِ _ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ _ كَمَا فِي " الـمَرَاسِيلِ " لابْنِهِ (ص :225) _ : " وَرِوَايَةُ نَافِعٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي بَعْضِهِ مُرْسَلٌ " .
وَخَالَفَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ : فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ أُمِّ سَيَابَةَ الأَنْصَارِيَّة ِ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ حَدَّثَهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ ... ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .
أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " (1/325) قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، بِهِ .
أَقُولُ : وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ _ أَيْضًا _ عَلَى أَنَّ نَافِعًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَائِشَةَ ، إِنَّمَا عَنِ امْرَأَةٍ عَنْهَا ، وَجَاءَ اسْمُ الـمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : ( أُمُّ سَيَابَةَ الأَنْصَارِيَّة ُ ) ، وَلَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ مَنْ تُكَنَّى بِهَذِهِ الكُنْيَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ وَقَعَ فِي اسْمِهَا ، وَالصَّوابُ أَنَّهَا ( سَائِبَةُ ) أَوْ ( سَيَابَةُ ) كَمَا كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ _ غُنْدَرٌ _ يُسَمِّيهَا ، فَقَدْ قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (3/249 _ رقم : 1170) : " سَمِعْتُ يَحْيَى [ هُوَ : ابْنُ مَعِينٍ ] يَقُولُ فِي حَدِيثِ ( سَائِبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ) : غُنْدَرٌ يَقُولُ : سَيَابَةُ " ، وَكَذَا كَانَ سُفْيَانُ يُخْطِئُ فِي اسْمِهَا _ أَيْضًا _ ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاكُولَا فِي " الإِكْمَالِ " (5/14) : " وَسَيَابَةُ : امْرَأَةٌ رَوَتْ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ، حَدَّثَ عَنْهَا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ، كَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ ، وَالصَّوَابُ : سَائِبَةُ ، انْقَلَبَ عَلَيْهِ " ، كَذَا قَالَ ، وَلَمْ يُحَدِّدْ مَنْ هُوَ سُفْيَانُ هَذَا ، هَلْ هُوَ : ( ابْنُ عُيَيْنَةَ ) أَوِ ( الثَّوْرِيُّ ) ؟ .
وَلَمْ يَعْرِفْهَا الحُسَيْنِيُّ فِي " الإِكْمَالِ " (ص :190) فَظَنَّهَا رَجُلًا ؛ فَقَالَ : " سَيَابَةُ : عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَنْهُ : نَافِعٌ ، لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ " ، فَتَعَقَّبَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَعْجِيلِ الـمَنْفَعَةِ " (1/632) : " سَيَابَةُ لَيْسَتْ بِرَجُلٍ ، بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا ، فَقِيلَ : سَيَابَةُ ، وَقِيلَ : سَائِبَةُ _ بِتَقْدِيمِ الأَلِفِ _ ، وَهِيَ مَوْلاَةُ الفَاكِهِ بْنِ الـمُغِيرَةِ " ، وَانْظُرْ _ أَيْضًا _ : " تَوْضِيحَ الـمُشْتَبِهِ " (5/271) لابْنِ نَاصِرِ الدِّينِ .
وَالخَطَأُ فِي اسْمِهَا فِي الرِّوَايَةَ السَّابِقَةِ نَاشِئٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا ، فَإِنَّهُ قَدِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، وَيَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ _ الرَّاوِي عَنْهُ ، وَهُوَ : ابْنُ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، أَبُو زَكَرِيَّا ، البَصْرِيُّ ، نَزِيلُ إِفْرِيقِيَّةَ _ ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ بَعْدَ الاخْتِلَاطِ ؛ لأَجْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَلِرِوَايَتَيْ نِ أُخْرَيَيْنِ رَوَاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فَيهِمَا نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ البَرْذَعِيُّ فِي كِتَابِ " الضُّعَفَاءِ " (2/339) فِي سُؤَالَاتِهِ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ : " قُلْتُ : يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ الـمَغْرِبِيُّ ؟ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَرُبَّمَا وَهِمَ . قُلْتُ : حَدَّثَ عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : ( أَتَدْرُونَ أَيُّ شَجَرَةٍ أَبْعَدُ مِنَ الخَارِفِ( 10 ) ؟ ) ، فَأَنْكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ ، وَقَالَ لِي : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الجُعْفِيُّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : ﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ ﴾ ، قَالَ : مِصْرَ ، وَجَعَلَ أَبُو زُرْعَةَ يُعَظِّمُ هَذَا وَيَسْتَقْبِحُه ُ . قُلْتُ : فَأَيْشٍ أَرَادَ بِهَذَا ؟ ، هُوَ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : مَصِيرَهُمْ . وَأَنْكَرَ أَبُو زُرْعَةَ حَدِيثَ الخَارِفِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ( 11 ) لَهُ ، وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِعِلَّتِهِ ، وَلَا أَدْرِي عَلِمَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يَحْفَظْهُ ؟ . قَالَ أَبُو عُثْمَانَ البَرْذَعِيُّ : وَقَدْ ذَكَرَ الحَدِيثَ وَعِلَّتَهُ لِيَهْتَدِيَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ " .
وَيَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ الإِفْرِيقِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ _ أَيْضًا _ ، فَقَدْ قَالَ عَنْهُ أَبُو العَرَبِ فِي " طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ إِفْرِيقِيَّةَ " (ص :37) ، وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ _ كَمَا فِي " السِّيَرِ " لِلذَّهَبِيِّ (9/397) _ : " وَكَانَ ثِقَةً ، ثَبْتًا " ، وَقَالَ ابْنُ النَّاجِيِّ _ كَمَا فِي " مَغَانِي الأَخْيَارِ " (3/560) _ : " وَكَانَ ثِقَةً " ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ _ كَمَا فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (9/155) _ : " وَهُوَ صَدُوقٌ " ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " (9/261) وَقَالَ : " رُبَّمَا أَخْطَأَ " ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ _ كَمَا نَقَلْنَا عَنْهُ آنِفًا _ : " لَا بَأْسَ بِهِ ، رُبَّمَا وَهِمَ " .
أَمَّا الدَّارَقُطْنِي ُّ ؛ فَقَدْ ضَعَّفَهُ _ كَمَا فِي " السُّنَنِ " لَهُ (2/114) _ ، وَقَالَ مَرَّةً : " لَيْسَ بِالقَوِيِّ " _ كَمَا فِي " السُّنَنِ " أَيْضًا (3/157) _ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (9/124) ، وَأَوْرَدَ لَهُ عَدَدًا مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " وَلِيَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الحَدِيثِ ، وَأَنْكَرُ مَا رَأَيْتُ لَهُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ مَعَ ضَعْفِهِ " .
فَالحَاصِلُ ؛ أَنَّهُ صَدُوقٌ ، لَكِنَّهُ يُخْطِئُ ، فَحَدِيثُهُ صَالِحٌ لِلاعْتِبَارِ .
وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مُتَابِعٍ لِنَافِعٍ _ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ _ ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الـمُسَيِّبِ :
أَخْرَجَ مُتَابَعَتَهُ : النَّسَائِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (4/84 _ رقم : 3800) ، وَ " الصُّغْرَى " (رقم : 2831) قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ؛ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَبِيَدِهَا عُكَّازٌ ؛ فَقَالَتْ : مَا هَذَا ؟ ، فَقَالَتْ ، لِهَذِهِ الوَزَغِ ؛ لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ حَدَّثَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ إِلَّا يُطْفِئُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا هَذِهِ الدَّابَّةُ ، فَأَمَرَنَا بِقَتْلِهَا ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ ؛ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ البَصَرَ ، وَيُسْقِطَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ .
أَقُولُ : هَذِهِ مُتَابَعَةٌ جَيِّدَةٌ لَوْلَا تَدْلِيسُ قَتَادَةَ ، وَقَدْ عَنْعَنَهُ ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ القَاضِي فِي " أَحْكَامِ القُرْآنِ " _ كَمَا فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ " (8/356) _ : " سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الـمَدِينِيِّ يُضَعِّفُ أَحَادِيثَ ( قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ) تَضْعِيفًا شَدِيدًا ؛ وَقَالَ : أَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهَا بَيْنَ قَتَادَةَ وَسَعِيدٍ فِيهَا رِجَالٌ ، وَكَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَقُولُ : ( مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ الـمُسَيِّبِ ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ( قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ الـمُسَيِّبِ ) " .
وَسَعِيدُ بْنُ الـمُسَيِّبِ وَإِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ مِنْهَا فِي هَذَا الحَدِيثِ ، وَقَدِ احْتَمَلَ الأَئِمَّةُ مَرَاسِيلَهُ ، وَالـمَرْأَةُ الـمُبْهَمَةُ أُرَى أَنَّهَا هِيَ ( سَائِبَةُ ) نَفْسُهَا ؛ لأَنَّ الشِّقَّ الثَّانِي مِنَ الحَدِيثِ وَهُوَ : ( وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ ... إلخ ) قَدْ جَاءَ عَنْهَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ : مَالِكٌ فِي " الـمُوَطَّإِ " (رقم : 32 _ رِوَايَةِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ ) ، وَأَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (40/265 _ رقم : 24219) ، وَ (41/82 _ رقم : 24535) ، وَ (42/71 _ رقم : 25142) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي " الـمُسْنَدِ " (رقم : 1774) ، وَابْنُ الجَعْدِ فِي " مُسْنَدِهِ " (رقم : 1581) ، وَأَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ " (7/319 _ رقم : 4358) ، وَ (8/212 _ رقم : 4776) ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " (رقم : 1646) مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ ، عَنْ سَائِبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، نَهَى رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ عَنْ قَتْلِ الحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي البُيُوتِ ، وَأَمَرَنَا بِقَتْلِ الأَبْتَرَ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ ، قَالَ : " إِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ البَصَرَ ، وَيُسْقِطَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ ، وَمَنْ تَرَكَهُمَا فَلَيْسَ مِنِّي " .
وَقَدْ أَرْسَلَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ سَائِبَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ فِي الإِسْنَادِ .
وَجَاءَ لَفْظُهُ عِنْدَ البَعْضِ : " قَتْلِ الجِنَّانِ " .
وَجَاءَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ : ( عَنِ السَّائِبِ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الثَّانِيَةِ ، وَرِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الأُولَى : ( عَنْ مَوْلَاةٍ لِفَاكِهِ بْنِ الـمُغِيرَةِ ) .
أَقُولُ : وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ هَذَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أُخْرَى ، لَكِنَّهَا مَعْلُولَةٌ ، لَا تَصْلُحُ لِأَنْ يَعْضُدَ بَعْضُهَا بَعْضًا :
الطَّرِيقُ الأُولَى : أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي " الأَوْسَطِ " (7/100 _ رقم : 6973) قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الـمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا مُطَهَّرُ بْنُ الحَكَمِ الـمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، حَدَّثَنِي مَطَرٌ الوَرَّاقُ ، عَنْ أُمِّ السَّائِبِ ؛ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ _ أُمِّ الـمُؤْمِنِينَ _ وَمَعَهَا عُودٌ تَتْبَعُ الوَزَغَ فَتَقْتُلُهُ ، فَقُلْتُ : يَا أُمَّ الـمُؤْمِنِينَ ، مَا شَأْنُ هَذَا الوَزَغِ ؟ ، فَقَالَتْ : لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَرُدُّ غَيْرَ هَذَا ، فَأُمِرْنَا بِقَتْلِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ مُنْكَرٌ ؛ مُطَهَّرُ بْنُ الحَكَمِ الـمَرْوَزِيُّ مَجْهُولُ الحَالِ ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " الـمُؤْتَلِفِ وَالـمُخْتَلِفِ " (4/2053) وَقَالَ : " يَرْوِي عَنْ : عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ، وَعَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ، وَغَيْرِهِمَا ، رَوَى عَنْهُ : أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِي ُّ ، وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ " ، وَكَذَا جَاءَ عِنْدَ ابْنِ مَاكُولَا فِي " الإِكْمَالِ " (7/202) ، وَتَرْجَمَ لَهُ مُغُلْطَايْ فِي " إِكْمَالِ تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (11/237) ، وَنَقَلَ عَنِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الحَجَّاجِ رَوَى عَنْهُ _ أَيْضًا _ .
وَعَلَيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَأَبُوهُ يَهِمَانِ بَعْضَ الشَّيْءِ ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ هُوَ : ابْنُ طَهْمَانَ ، صَدُوقٌ كَثِيرُ الخَطَإِ ، وَأُرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أَخْطَأَ فِيهِ ، فَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ ( سَائِبَةَ ) أَخْطَأَ فَقَالَ : ( أُمُّ السَّائِبِ ) ، فَرَجَعَ الحَدِيثُ إِلَى ( سَائِبَةَ ) مَرَّةً أُخْرَى ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي تَرَاجِمِ النِّسَاءِ مَنْ تُكَنَّى بِأُمِّ السَّائِبِ وَلَهَا رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ .
الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرَهَا الجَاحِظُ فِي كِتَابِ " الحَيَوَانِ " (4/401) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ ، عَنْ مُعَاذٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ عَلَيَّ وَفِي يَدِي عُكَّازٌ فِيهِ زُجٌّ ؛ فَقَالَ : " يَا عَائِشَةُ ، مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا ؟ " ، قُلْتُ : أَقْتُلُ بِهِ الوَزَغَ فِي بَيْتِي ، قَالَ : " إِنْ تَفْعَلِي فَإِنَّ الدَّوَابَّ _ كُلَّهَا _ حِينَ أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ فِي النَّارِ كَانَتْ تُطْفِئُ عَنْهُ ، وَإِنَّ هَذَا كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ فَصَمَّ وَبَرِصَ " .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ لِثَلَاثِ عِلَلٍ :
1 _ الانْقِطَاعُ ، فَالجَاحِظُ أَوْرَدَهُ مُعَلَّقًا ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِهِ .
2 _ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ اسْمُهُ : سُلْمَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلْمَى ، بَصْرِيٌّ ، وَهُوَ أَخْبَارِيٌّ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ ، بَلْ كَذَّبَهُ غُنْدَرٌ _ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ _ .
3 _ مُعَاذٌ شَيْخُ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ وَالرَّاوِي عَنْ عَائِشَةَ ، بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْ فِي الرُّوَاةِ مَنْ يُسَمَّى ( مُعَاذًا ) وَيَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ غَيْرَ مُعَاذِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ ، التَّيْمِيِّ ، القُرَشِيِّ ، مِنْ أَهْلِ الـمَدِينَةِ ، ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الكَبِيرِ " (7/361) ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (8/247) وَسَكَتَا عَنْهُ ، يَرْوِي عَنْهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، وَالـمَاجِشُونُ عَمُّ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " (5/422) .
لَكِنِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اسْمَهُ تَحَرَّفَ عَنْ ( مُعَاذَةَ ) ، وَهِيَ العَدَوِيَّةُ ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (4/313) فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْهَا ، وَكَذَلِكَ الـمِزِّيُّ فِي " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (35/309) .
وَمُعَاذَةُ العَدَوِيَّةُ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ ، فَهِيَ بَلَدِيَةُ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ ، وَهِيَ _ كَذَلِكَ _ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَرَوَى عَنْهَا ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الـمَقْصُودَةُ فِي هَذَا الحَدِيثِ ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهَا : " ثِقَةٌ ، حُجَّةٌ " ، وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " (5/466) ، وَقَدْ رَوَى لَهَا الجَمَاعَةُ .
الطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ : ( وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا نَفْخُ الوَزَغِ عَلَى النَّارِ ) : أَخْرَجَهَا أَبُو طَاهِرٍ الـمُخَلِّصُ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " (1/390 _ رقم : 662) قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، حَدَّثَنَا بَحْرٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ أَبِي الـمُخَارِقِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَائِشَةَ _ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَ عِنْدَهَا جَرِيدَةً فِيهَا زُجُّ رُمْحٍ ؛ فَقَالَ : يَا أُمَّتَاهُ ، مَا هَذَا الزُّجُّ ؟ ، قَالَتْ : أَقْتُلُ بِهِ الأَوْزَاغَ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يَقُولُ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً مَحَا اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ " .
وَأَخْرَجَ الحَدِيثَ _ أَيْضًا _ مِنْ غَيْرِ القِصَّةِ فِي أَوَّلِهِ : ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (7/41) ، وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي " الأَوْسَطِ " (8/369 _ رقم : 8900) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي صَخْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ أَبِي الـمُخَارِقِ ، بِهِ مِثْلَهُ .
وَلَفْظُ ابْنِ عَدِيٍّ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ " .
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : " لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءٍ إِلَّا عَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ أَبِي الـمُخَارِقِ ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو صَخْرٍ " .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ أَبِي الـمُخَارِقِ ، أَبِي أُمَيَّةَ البَصْرِيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، بَلْ قَالَ فِيهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ : " لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ ، شِبْهُ الـمَتْرُوكِ " ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ : " مَتْرُوكٌ " .
وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ :
أ _ فَرَوَاهُ أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْهُ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا ، كَمَا مَرَّ سَابِقًا .
ب _ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ بْنِ أَبِي الـمُخَارِقِ ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا ؛ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/446 _ رقم : 8394) عَنْ سُفْيَانَ ، بِهِ .
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَبْدِ الكَرِيمِ وَعَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ .
جـ _ وَرَوَاهُ مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ _ وَهُوَ ثِقَةٌ ، حُجَّةٌ ، مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ _ ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ ، عَنْ عَطَاءٍ ؛ قَالَ : مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كُفِّرَ عَنْهُ سَبْعُ خَطِيئَاتٍ .
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19897) قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَطَاءٍ مِنْ قَوْلِهِ .
وَفِي كُلِّ مَا سَبَقَ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الكَرِيمِ بْنَ أَبِي الـمُخَارِقِ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي هَذَا الحَدِيثِ ، وَهَذَا مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ .
الخُلَاصَةُ ؛ حَدِيثُ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ فِي نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى النَّارِ وَالأَمْرِ بِقَتْلِهِ ، لاَ يَثْبُتُ ، وَمِمَّا يُعَلِّلُهُ _ أَيْضًا _ أَنَّهُ صَحَّ عَنْهَا عَدَمُ سَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ الأَمْرَ بَقَتْلِ الوَزَغِ :
فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (43/394 _ رقم : 26382) ، وَالبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 3306) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2239) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (4/104 _ رقم : 3855) ، وَ " الصُّغْرَى " (رقم : 2886) ، وَابْنُ مَاجَةَ فِي " السُّنَنِ " (رقم : 3230) ، وَأَبُو عَلِيٍّ الـمَدَائِنِيُّ فِي " فَوَائِدِهِ " (رقم : 6) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ _ كَاتِبُ اللَّيْثِ _ فِي " نُسْخَتِهِ " (رقم : 1622) _ ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/583 _ رقم : 9899 و9900) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (9/276 _ رقم : 3963) ، وَ (12/452 _ رقم : 5636) ، وَأَبُو طَاهِرٍ الـمُخَلِّصُ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " (رقم : 660) ، وَأَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ فِي " الخِلَعِيَّاتِ " (رقم : 466) ، وَالذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (12/503) ، وَ " مُعْجَمِ الشُّيُوخِ الكَبِيرِ " (1/175) مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ _ وُهُوَ ثِقَةٌ _ .
وَأَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ _ أَيْضًا _ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 1831) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (4/104 _ رقم : 3855) ، وَ " الصُّغْرَى " (رقم : 2886) ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/583 _ رقم : 9899 و9900) ، وَأَبُو عَلِيٍّ الـمَدَائِنِيُّ فِي " فَوَائِدِهِ " (رقم : 6) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ فِي " نُسْخَتِهِ " (رقم :1622) _ ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (9/276 _ رقم : 3963) ، وَ (12/452 _ رقم : 5636) ، وَأَبُو طَاهِرٍ الـمُخَلِّصُ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " (1/389 _ رقم : 660) ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (5/345 _ رقم : 10047) ، وَأَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ فِي " الخِلَعِيَّاتِ " (رقم : 466 و 467) ، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " (15/187) ، وَالذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (12/503) ، وَ " مُعْجَمِ الشُّيُوخِ الكَبِيرِ " (1/175) مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ _ الإِمَامُ ، الحُجَّةُ _ .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/584 _ رقم : 9901) مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ ، وَأَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (42/120 _ رقم : 25215) مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ الأَيْلِيِّ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ ، وَ (43/353 _ رقم : 26332) مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسٍ _ وَهُوَ : صَدُوقٌ ، فِيهِ ضَعْفٌ _ ، وَ (41/116 _ رقم : 24568) مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ القُرَشِيِّ الأُمَوِيِّ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ _ ، وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي " الأَوْسَطِ " (2/363 _ رقم : 2241) مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ العُمَرِيِّ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ؛ أَنَّ عَائِشَةَ _ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَخْبَرَتْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ لِلْوَزِغِ : " فُوَيْسِقٌ " ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ .
كَذَا جَاءَ لَفْظُهُ عِنْدَ الأَغْلَبِ ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الـمَقْطَعِ الأَوَّلِ مِنَ الحَدِيثِ دُونَ الـمَقْطَعِ الثَّانِي ، وَهُوَ قَوْلُهَا : ( قَالَ لِلْوَزَغِ : فُوَيْسِقٌ ) .
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْرَقِيُّ فِي " مُسْنَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ " (رقم : 14) ، وَأَبُو يَعْلَى فِي " الـمُسْنَدِ " (2/143 _ رقم : 831) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بْنُ أَسَدٍ فِي " الـمُعْجَمِ " (رقم : 465) ، مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ؛ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " اقْتُلُوا الفُوَيْسِقَ " ، يَعْنِي : الوَزَغَ .
أَقُولُ : هَذَا لَفْظٌ شَاذٌّ ، خَالَفَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ _ وَهُوَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ ، القُرَشِيُّ ، العَامِرِيُّ ، الـمَدَنِيُّ ، يُقَالُ لَهُ : عَبَّادٌ _ جَمَاعَةَ مَنْ رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، وَهُمْ أَوْثَقُ مِنْهُ ، وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الأُولَى مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ، فَهُوَ وَإِنَ كَانَ صَالِحَ الحَدِيثِ ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، إِلَّا أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ عَنْهُ : " لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ إِذَا خَالَفَ مَنْ لَيْسَ بِدُونِهِ ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ فِي بَعْضٍ " ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ مَا يُنْكَرُ ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، وَالأَكْثَرُ مِنْهُ صِحَاحٌ ، وَهُوَ صَالِحُ الحَدِيثِ ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ " ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : " يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ _ صَاحِبِ الـمَغَازِي _ ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيثِ ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ وَلَا قَوِيٍّ ، وَهُوَ أَصْلَحُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ أَبِي شَيْبَةَ " .
وَذَكَرَ العُقَيْلِيُّ فِي " الضُّعَفَاءِ " (4/88) أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى النَّيْسَابُورِ يَّ جَعَلَهُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ العُقَيْلِيُّ : " وَهَؤُلَاءِ _ كُلُّهُمْ _ فِي حَالِ [ جَاءَ فِي الأَصْلِ : رِجَالِ ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ صَوَّبْنَاهُ مِنْ " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (25/556) ] الضَّعْفِ وَالاضْطِرَابِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى : إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ الـمَفْزَعُ إِلَى أَصْحَابِ الطَّبَقَةِ الأُولَى فِي اخْتِلَافِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَيَانٌ ، فَفِيمَا رَوَى هَؤُلَاءِ _ يَعْنِي : الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ _ ، وَفِيمَا رَوَى _ يَعْنِي : أَصْحَابَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ _ ، يُعْرَفُ بِالشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ " .
لِذَا ؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (14/121 _ رقم : 3471) : " وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَالصَّحِيحُ _ بِهَذَا الإِسْنَادِ _ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : ( الوَزَغُ فُوَيْسِقٌ ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَمْ أَسْمَعِ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِهِ " .
قُلْتُ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ وَاضْطِرَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْرَقِيَّ أَخْرَجَهُ _ أَيْضًا _ فِي " مُسْنَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ " (رقم :15) ، وَأَبَا يَعْلَى فِي " الـمُسْنَدِ " (2/143 _ رقم : 832) عَنْ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْهُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ، بِمِثْلِهِ .
فَجَعَلَ الحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، لَا مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ .
وَخَالِدٌ الوَاسِطِيُّ _ الرَّاوِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ _ هُوَ : خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَبُو الهَيْثَمِ ، الوَاسِطِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ عَلَى مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ بَعْضَ مَا يُنْكَرُ وَيُخَالِفُ فِيهِ .
وَخَالَفَ الوَاسِطِيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ ، إِلَّا أَنَّهُ يُغْرِبُ _ ، فَأَخْرَجَهُ فِي " مَشْيَخَتِهِ " (رقم : 48) عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ [ هُوَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ ] ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، بِهِ .
فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالزُّهْرِيِّ ( عُمَرَ بْنَ سَعِيدٍ ) .
وَقَدْ أَخْطَأَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّوَّا فِي تَصْحِيحِهِ لإِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ فِي بَحْثِهِ الـمُسَمَّى : ( مَرْوِيَّاتِ نَفْخِ الوَزَغِ فِي نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ، وَبَيَانِ ضَعْفِهَا مَرْفُوعَةً )( 12 ) ، وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ .
أَقُولُ : وَزَادَ البُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ (رقم : 3306) مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : ( وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِهِ ) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الفَتْحِ " (6/354) : " قَوْلُهُ : ( وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ) قَائِلُ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةَ ؛ فَيَكُونُ مَتَّصِلًا ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْدٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةَ ؛ فَيَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ القَرِينِ عَنْ قَرِينِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ ؛ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا ، وَهَذَا الاحْتِمَالُ الأَخِيرُ أَرْجَحُ ؛ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِي َّ أَخْرَجَهُ فِي ( الغَرَائِبِ ) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ وَمَالِكٍ _ مَعًا _ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ لِلْوَزَغِ : ( فُوَيْسِقٌ ) . وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَةَ ، وَابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ سَعْدٍ .
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَأَحْمَدُ ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ وَسَمَّاهُ : فُوَيْسِقًا .
وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ وَصَلَهُ لِـمَعْمَرٍ ، وَأَرْسَلَهُ لِيُونُسَ .
وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشُّرَّاحِ ، وَلَا مِنْ أَصْحَابِ الأَطْرَافِ ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ " ا.ه .
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ _ أَيْضًا _ فِي " تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ " (3/518) احْتِمَالًا رَابِعًا ، فَقَالَ : " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ القَائِلُ : ( وَزَعَمَ سَعْدٌ ) هُوَ البُخَارِيُّ ؛ فَيَكُونُ مُعَلَّقًا ، وَفِيهِ بُعْدٌ شَدِيدٌ " ، وَقَالَ _ أَيْضًا _ (3/519) : " وَظَهَرَ بِهَذَا تَعْيِينُ القَائِلِ فِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ : ( وَزَعَمَ سَعْدٌ ) أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ " .
أَقُولُ : أَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا تَصْرِيحُ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ بِسَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ؛ فَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا : أَخْرَجَهَا العُقَيْلِيُّ فِي " الضُّعَفَاءِ " (4/393 _ تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَالخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " الـمُتَّفِقِ وَالـمُفْتَرِقِ " (3/1505) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يَقُولُ لِلْوَزَغِ : " فُوَيْسِقٌ " ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَسَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِهِ .
هِذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ عِلَّتُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ، أَبُو زَيْدٍ ، الجَزَرِيُّ ، َوَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ _ كَمَا ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " الغَرَائِبِ وَالأَفْرَادِ " ، انْظُرْ : " أَطْرَافَ الغَرَائِبِ " لابْنِ القَيْسَرَانِيّ ِ (1/340) _ ، وَمِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُخَالَفَتِهِ ، وَخَاصَّةً أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ هُوَ : يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ، وَابْنُ الـمَدِينِيِّ .
وَقَالَ البَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " (3/295) _ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (رقم : 1086) مِن طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْهُ _ : " وَهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ سَعْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ إِلَّا عَنْ عَامِرٍ ، عَنْهُ ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَّا الزُّهْرِيُّ ، وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مَعْمَرٌ ، وَلَا عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا عَبْدُ الرَّزَّاقِ . إِلَّا حَدِيثًا أَخْطَأَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ _ وَهُوَ ضَعِيفٌ _ ، فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ سَعْدٍ ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ " .
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (4/340 _ رقم : 613) أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ وَهِمَ فِيهِ .
وَالحَدِيثُ أَخْرَجَهُ _ أَيْضًا _ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي " الـمُعْجَمِ " (3/963 _ رقم : 2044) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ، بِهِ بِلَفْظِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يَقُولُ لِلْوَزَغِ : " فُوَيْسِقٌ " .
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (4/340) مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ القَاضِي ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ سَعْدٍ . فَهِيَ مَعْلُولَةٌ _ أَيْضًا _ ، فَعُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ القَاضِي هُوَ : العَدَوِيُّ ، البَصْرِيُّ ، وَهُوَ غَيْرُ الـمَكِّيِّ ، فَالـمَكِّيُّ ثِقَةٌ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، يَهِمُ عَنِ الثِّقَاتِ ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِي ُّ أَنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ .
أَقُولُ : أَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ الأَمْرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ ؛ فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " (15/ 187) : " وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : ( لَمْ أَسْمَعِ الأَمْرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ ) بِشَهَادَةٍ ، وَالقَوْلُ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ " .
وَقَالَ ابْنُ الـمُلَقِّنِ فِي " التَّوْضِيحِ " (19/246) : " وَقَوْلُ أُمِّ شَرِيكٍ لَا يُضَادُّ قَوْلَ عَائِشَةَ : ( لَمْ أَسْمَعْ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ أَمَرَ بِقَتْلِهِ ) ؛ لأَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْ جَمِيعَ مَقَالَتِهِ ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ " .
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الفَتْحِ " (6/353) : " قَالَ ابْنُ التِّينِ : هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا عَدَمُ الوُقُوعِ ، وَقَدْ حَفِظَ غَيْرُهَا كَمَا تَرَى . قُلْتُ : قَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ _ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ _ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَابْنِ مَاجَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِهَا رُمْحٌ مَوْضُوعٌ ، فَسُئِلَتْ ؛ فَقَالَتْ : نَقْتُلُ بِهِ الوَزَغَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَخْبَرَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتْ عَنْهُ النَّارَ إِلَّا الوَزَغَ ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِهَا . انْتَهَى
وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ ، وَلَعَلَّ عَائِشَةَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَأَطْلَقَتْ لَفْظَ ( أَخْبَرَنَا ) مَجَازًا ، أَيْ : أَخْبَرَ الصَّحَابَةَ ، كَمَا قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ : ( خَطَبَنَا عِمْرَانُ ) وَأَرَادَ أَنَّهُ خَطَبَ أَهْلَ البَصْرَةِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " ا.ه .
أَقُولُ : وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الوَزَغَ وَتَأْمُرُ بِقَتْلِهِ ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ مِنْ أَنَّهَا مُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتِ الأَمْرَ بِقَتْلِهِ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ _ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ _ ، وَمِمَّا جَاءَ عَنْهَا فِي مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ :
مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19894) قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ حَنْظَلَةَ ، عَنِ القَاسِمِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الأَوْزَاغَ .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ نَظِيفٌ ؛ حَنْظَلَةُ هُوَ : ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، القُرَشِيُّ ، الـمَكِّيُّ ، ثِقَةٌ ، حُجَّةٌ ، وَالقَاسِمُ هُوَ : ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، ثِقَةٌ ، أَحَدُ فُقَهَاءِ الـمَدِينَةِ .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الـمُرَجَّى( 13 ) فِي " فَضَائِلِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ " (ص : 49) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ حَنْظَلَةَ ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الوَزَغَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ( 14 ) _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : إِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ إِذْ أُحْرِقَ بَيْتُ الـمَقْدِسِ ، وَكَانَتْ الوَطَاوِطُ تُطْفِئُ بِأَجْنِحَتِهَا .
أَقُولُ : كَذَا رَوَاهُ الحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، حَيْثُ زَادَ فِي لَفْظِهِ ، وَأَرَى أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ؛ لأَنَّ الحَسَنَ بْنَ قُتَيْبَةَ _ هَذَا _ هُوَ : ابْنُ زِيَادِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ زِيادِ بْنِ رَبِيعَةَ ، اللَّخْمِيُّ ، العَسْقَلَانِيّ ُ ، _ كَذَا نَسَبَهُ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " الـمُتَّفِقِ وَالـمُفْتَرِقِ " (1/659) ، وَهُوَ وَالِدُ الـمُحَدِّثِ الـمَشْهُورِ الثِّقَةِ أَبِي العَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ _ مَجْهُولٌ ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ .
وَقَدْ أَخْطَأَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّوَّا فَظَنَّ أَنَّهُ ( الحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، الخُزَاعِيُّ ، الـمَدَائِنِيُّ ) ، وَذَكَرَ أَقْوَالَ الأَئِمَّةِ فِي تَضْعِيفِهِ ، وَقَدْ فَرَّقَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " الـمُتَّفِقِ وَالـمُفْتَرِقِ " بَيْنَ هَذَا وبَيْنَ العَسْقَلَانِيّ ِ ، وَنَبَّهَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى ذَلِكَ فِي " لِسَانِ الـمِيزَانِ " (2/246 _ طَبْعَةِ دَارِ الـمَعَارِفِ النِّظَامِيَّةِ بِالهِنْدِ) فَقَالَ : " وَلَيْسَ هَذَا وَالِدَ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، شَيْخَ ابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ عَدِيٍّ ، ذَاكَ شَيْخٌ آخَرُ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ ( أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ ) حَدِيثًا فَرْدًا رَوَاهُ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَنَسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ رَفَعَهُ : ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنْ عَظَّمُوا مُلُوكَهُمْ ، بِأَنْ قَامُوا وَقَعَدُوا ) . قَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ أَيُّوبُ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، وَلَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْهُ . وَأَوْرَدَ لَهُ الخَطِيبُ فِي ( الـمُتَّفِقِ ) حَدِيثًا آخَرَ وَسَمَّى جَدَّهُ : زِيَادَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ زِيَادِ بْنِ رَبِيعَةَ اللَّخْمِيَّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ رَاوِيًا غَيْرَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ " ا.ه .
وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَ الدُّكْتُورَ الشَّوَّا فِي هَذَا الخَطَإِ هُوَ اطِّلَاعُهُ عَلَى نُسْخَةِ " لِسَانِ الـمِيزَانِ " بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ أَبِي غُدَّةَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ ، فَالشَّيْخُ زَادَ فِي اسْمِ ( الحَسْنِ بْنِ قُتَيْبَةَ الخُزَاعِيِّ ) عَلَى مَا فِي الأَصْلِ هَكَذَا : ( الحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ [ بْنِ زِيَادِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ زِيَادِ بْنِ رَبِيعَةَ ، اللَّخْمِيُّ ] الخُزَاعِيُّ ، الـمَدَائِنِيُّ ) !! ، فَمَا بَيْنَ الـمَعْقُوفَيْن ِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْخِ ، مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ السَّابِقِ ، وَهُوَ ذُهُولٌ شَدِيدٌ مِنْهُ ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَغْفُلُ .
وَقَدْ تُوبِعَ حَنْظَلَةُ عَلَيْهِ ، تَابَعَهُ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ :
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/447 _ رقم : 8400) عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ؛ قَالَ : كَانَ لِعَائِشَةَ رُمْحٌ تَقْتُلُ بِهِ الأَوْزَاغَ .
وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ لِضَعْفِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلاعْتِبَارِ .
وَوَقَفْتُ عَلَى مُتَابِعٍ لِلْقَاسِمِ ، وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ :
أَخْرَجَ مُتَابَعَتَهُ : ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19895) قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ [ أَيْ : قَتْلُ الوَزَغِ ] .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ؛ وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ وَصَفَهُ البَعْضُ بِالتَّدْلِيسِ وَالإِرْسَالِ عَنْ أَبِيهِ ، فَنَقُولُ : إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ قَلِيلٌ نَادِرٌ لَا يُذْكَرُ ، وَلَمْ يَتَّفِقْ إِلَّا حَيْثُ يَكُونُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ ثِقَةٌ لَا شَكَّ فِيهِ ، كَأَخِيهِ عُثْمَانَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ _ يَتِيمِ عُرْوَةَ _ ، كَمَا ذَكَرَ الـمُعَلِّمِيُّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ فِي كِتَابِهِ " التَّنْكِيلِ " (2/741) ، لِذَا ؛ احْتَمَلَ الأَئِمَّةُ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الـمَرْتَبَةِ الأُولَى مِنْ مَرَاتِبِ الـمَوْصُوفِينَ بِالتَّدْلِيسِ ، وَهُمْ : مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ إِلَّا نَادِرًا .
أَقُولُ : وَأَمَّا بِالنِّسْبَةَ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ _ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ فِي أَمْرِهَا بِقَتْلِ الوَزَغِ ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/381 _ رقم : 2290) قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلَاءِ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُئِلَ عَنِ الأَوْزَاغِ ، أَتُقْتَلُ فِي الحَرَمِ ؟ ؛ فَقَالَ : رَأَيْتُ أُمَّ الـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ _ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ تَأْمُرُ بِقَتْلِهِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ .
هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ ؛ فَالفَاكِهِيُّ هُوَ : مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ العَبَّاسِ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، الـمَكِّيُّ ، قَالَ عَنْهُ العَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الـمُعَلِّمِيُّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ فِي كِتَابِهِ عَنْ " مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ " (ص : 61 _ 62 ، ط : عَلِيٍّ الحَلَبِيِّ ) : " الفَاكِهِيُّ وَإِنْ كَانَ كَالأَزْرَقِيِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَوَثِّقْهُ أَحَدٌ مِنَ الـمُتَقَدِّمِي نَ وَلَا ذَكَرَهُ ؛ فَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الفَاسِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنَ " العِقْدِ الثَّمِينِ " ، وَنَزَّهَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجْرُوحًا ، وَفَضَّلَ كِتَابَهُ عَلَى كِتَابِ الأَزْرَقِيِّ تَفْضِيلًا بَالِغًا .
وَمَعَ هَذَا ؛ فَالأَخْبَارُ الَّتِي يَتَّفِقَانِ _ فِي الجُمْلَةِ _ عَلَى رِوَايَتِهَا نَجِدُ الفَاسِيَّ وَمِنْ قَبْلِهِ الطَّبَرِيَّ يُعْنَيَانِ _ غَالِبًا _ بِنَقْلِ رِوَايَةِ الأَزْرَقِيِّ ، وَيَسْكُتَانِ عَنْ رِوَايَةِ الفَاكِهِيِّ ، أَوْ يُشِيرَانِ إِلَيْهَا إِشَارَةً فَقَطْ ، وَأَحْسَبُ الحَامِلَ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ حُسْنُ سِيَاقِ الأَزْرَقِيِّ ، وَقَدْ قِيلَ لِشُعْبَةَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ : ( مَالَكَ لَا تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الـمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَقَدْ كَانَ حَسَنَ الحَدِيثِ ؟ ، فَقَالَ : مِنْ حُسْنِهَا فَرَرْتُ ! ) .
وَيُرِيبُنِي مِنَ الأَزْرَقِيِّ حُسْنَ سِيَاقِهِ لِلْحِكَايَاتِ ، وَإِشْبَاعَهُ القَوْلَ فِيهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَلِيلٌ فِيمَا يَصِحُّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ! ) ا.ه .
أَقُولُ : وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالثِّقَةِ _ كَمَا حَرَّرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو تَيْمِيَّةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيفٍ الـمِيلِيُّ _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ ، فِي بَحْثٍ قَيِّمٍ لَهُ عَنْ حَالِ كُلٍّ مِنَ الفَاكِهِيِّ وَالأَزْرَقِيِّ عَلَى مَوْقِعِ : ( الأَلُوكَةِ )( 15 ) _ ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَبِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ هُوَ : أَبُو عَمْرٍو ، البَصْرِيُّ ، الأَفْوَهُ ، ثِقَةٌ مُتْقِنٌ .
مِمَّا سَبَقَ ؛ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ رِوَايَةُ نَفْخِ الوَزَغِ عَلَى نَارِ إِبْرَاهِيمَ _ عَلَيْهِ السَّلَامُ _ ، لَكِنْ ثَبَتَ عَنْهَا _ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا _ أَنَّ الأَوْزَاغَ لَمَّا أُحْرِقَ بَيْتُ الـمَقْدِسِ كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ بِأَفْوَاهِهَا :
أَخْرَجَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي " غَرِيبِ الحَدِيثِ " (4/470) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَالضِّيَاءُ الـمَقْدِسِيُّ فِي " الـمُنْتَقَى مِنْ مَسْمُوعَاتِ مَرْوَ " (ص : 35 _ مَخْطُوطٌ ) مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ _ ثِقَةٌ ، فَاضِلٌ _ ، وَالفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/381 _ رقم : 2291) مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ _ ثِقَةٌ ، مُتْقِنٌ _ ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (9/534 _ رقم : 19381) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ _ هُوَ : الخَفَّافُ ، أَبُو نَصْرٍ ، العِجْلِيُّ ، صَدُوقٌ ، رُبَّمَا أَخْطَأَ _ ، كُلُّهُمْ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ : لَمَّا أُحْرِقَ بَيْتُ الـمَقْدِسِ كَانَتِ الأَوْزَاغُ تَنْفُخُهُ بِأَفْوَاهِهَا ، وَكَانَتِ الوَطَاوِطُ تُطْفِئُهُ بِأَجْنِحَتِهَا .
وَجَاءَ لَفْظُهُ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ : ( كَانَتِ الأَوْزَاغُ يَوْمَ أُحْرِقَتْ بَيْتُ الـمَقْدِسِ جَعَلَتْ تَنْفُخُ النَّارَ بِأَفْوَاهِهَا ، وَالوَطْوَاطُ تُطْفِئُهَا بِأَجْنِحَتِهَا ) .
وَوَقَعَ تَحْرِيفٌ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ عِنْدَ الضِّيَاءِ الـمَقْدِسِيِّ .
أَقُولُ : وَقَدْ صَحَّحَ البَيْهَقِيُّ إِسْنَادَهُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ الحَبِيرِ " (4/379) : " وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ ؛ لأَنَّهُ لَا يُقَالُ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ ، وَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ " .
وَوَقَفْتُ عَلَى مُتَابِعٍ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ : كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ _ رَضِيعِ عَائِشَةَ _ ، القُرَشِيُّ ، التَّيْمِيُّ ، أَبُو سَعِيدٍ ، الكُوفِيُّ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي لَفْظِهِ ، فَذَكَرَ ( الضِّفْدَعَ ) بَدَلًا مِنَ ( الوَطْوَاطِ ) :
أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي " الـمُسْنَدِ " (3/1018 _ رقم : 1764) قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، وَ (1765) قَالَ : أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ [ وَجَاءَ عِنْدَ أَسْبَاطٍ : كَثِيرٍ الـمَدَنِيِّ ] ؛ قَالَ : إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ عَائِشَةَ إِذْ رَأَتْ وَزَغًا ، فَقَالَتْ : اقْتُلْ ، اقْتُلْ ، قِيلَ : مَا شَأْنُهُ ؟ ، فَقَالَتْ : إِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ النَّارَ يَوْمَ احْتَرَقَ بَيْتُ الـمَقْدِسِ ، وَكَانَ الضِّفْدَعُ يُطْفِئُ .
وَلَفْظُ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ ؛ فَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ _ رَضِيعِ عَائِشَةَ _ ، مَجْهُولُ الحَالِ ، لَمْ يُوَثِّقْهُ إِلَّا ابْنُ حِبَّانَ ، ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ " الثِّقَاتِ " (5/330 و 332) وَهُمَا وَاحِدٌ ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الكَبِيرِ " (7/206) ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (7/155) وَسَكَتَا عَنْهُ ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " (ص : 460) : " مَقْبُولٌ " ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى الـمَدِينَةِ _ فِي رِوَايَةِ أَسْبَاطٍ _ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ تَرْجَمَ لَهُ نَسَبَهُ إِلَيْهَا ، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِهِ سَعِيدٍ أَنَّ أَصْلَهُمْ كَانَ مِنَ الـمَدِينَةِ ،كَمَا فِي " التَّارِيخِ الكَبِيرِ " لِلْبُخَارِيِّ (3/509) ، وَ " الثِّقَاتِ " لابْنِ حِبَّانَ (6/368) وَقَالَ : " عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الكُوفَةِ ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنَ الـمَدِينَةِ " .
أَقُولُ : وَمَعَ هَذَا ؛ فَفِي النَّفْسِ مِنْ أَثَرِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ هَذَا شَيْئًا ، فَكَمَا جَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ سَمِعَتِ الأَمْرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَيُحْتَمَلُ _ أَيْضًا _ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتْ هَذَا الكَلَامَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَهُمْ رِوَايَةٌ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَ : قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ : هَذَا وَزَغٌ _ بَعْدَ أَنْ عَمِيَ _ ، فَقَالَ : أَرْشِدُونِي إِلَيْهِ ، فَأَرْشَدُوهُ إِلَيْهِ ، فَضَرَبَهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ " ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَهُ ؟ ، قَالَ : " إِنَّهُ أَعَانَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ أُوقِدَتِ النَّارُ " .
أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/186) مِنْ طَرِيقِ أَبِي العَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الأَصَمِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَعْقُوبَ اليَشْكُرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الـمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إسْنَادٌ وَاهٍ بِمَرَةٍ ؛ لِأَمْرَيْنِ :
الأَوَّلُ : حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، القُرَشِيُّ ، العَبْدَرِيُّ _ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الدَّارِ _ ، الـمَكِّيُّ ، قَالَ أَبُو الفَضْلِ ابْنُ العِرَاقِيِّ فِي " ذَيْلِ مِيزَانِ الاعْتِدَالِ " (ص : 71) : " لَهُ فِي ( سُنَنِ الدَّارَقُطْنِي ِّ ) [2/70 _ رقم : 1163 ] عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الـمَكِّيِّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . قَالَ ابْنُ القَطَّانِ : عِلَّتُهُ الجَهْلُ بِحَالِ عُمَرَ بْنِ الحَفْصِ الـمَكِّيِّ ، بَلْ لَا أَعْرِفُهُ مَذْكُورًا فِي مَظَانِّ ذِكْرِهِ وَذِكْرِ أَمْثَالِهِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ رَاوِيهِ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ . انْتَهَى " .
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " الـمُغْنِي فِي الضُّعَفَاءِ " (2/464) فِي تَرْجَمَتِهِ _ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الحَدِيثَ السَّابِقَ فِي الجَهْرِ بِالبَسْمَلَةِ _ : " لَا يُعْرَفُ ، وَالخَبَرُ مَوْضُوعٌ " ، وَقَالَ فِي " الـمِيزَانِ " (3/190) : " لَا يُدْرَى مَنْ ذَا ، وَالخَبَرُ مُنْكَرٌ ، وَلَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ _ بِهَذَا الإِسْنَادِ _ إِلَّا هُوَ ، وَسَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ الهِلَالِيُّ ، وَسَعِيدٌ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَغَمَزَهُ غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ " .
أَقُولُ : وَقَدِ انْقَلَبَ اسْمُهُ عَلَى الذَّهَبِيِّ فَأَعَادَ ذِكْرَهُ فِي " الـمُغْنِي " (1/182) ؛ فَقَالَ : " حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، العَبْدَرِيُّ ، الـمَكِّيُّ ، عَنِ : ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَعَنْهُ : جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ ، قَالَ البَيْهَقِيُّ : ضَعِيفٌ " .
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ ، وَكَلَامُ البَيْهَقِيِّ فِيهِ مَوْجُودٌ فِي " سُنَنِهِ الكُبْرَى " ، فَقَدْ أَخْرَجَ فِيهِ (2/15 _ رقم : 2234) مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ جَعْفَرِ بْنِ عَنْبَسَةَ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الـمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " البَيْتُ قِبْلَةٌ لأَهْلِ الـمَسْجِدِ ، وَالـمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لأَهْلِ الحَرَمِ ، ... إِلخ " ، ثُمَّ قَالَ : " تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الـمَكِّيُّ ، وَهُو ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ " .
وَأَخْرَجَ _ أَيْضًا _ (8/336 _ رقم : 16815) بِنَفْسِ الإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " العَبْدُ لَا يُعْطَى مِنَ الغَنِيمَةِ شَيْئًا ، ... إلخ " ؛ وَقَالَ : " عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الـمَكِّيُّ ، ضَعِيفٌ " .
الثَّانِي : ابْنُ جُرَيْجٍ يُدَلِّسُ ، وَهُوَ قَبِيحُ التَّدْلِيسِ ، لَا يُدَلِّسُ إِلَّا فِيمَا سَمِعَهُ مِنْ مَجْرُوحٍ ، وَقَدْ عَنْعَنَهُ ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ _ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ ، كَمَا فِي " بَحْرِ الدَّمِ " (نص : 641) _ : " كُلُّ شَيْءٍ يَقُولُ ابْنُ جُرَيْجٍ : ( قَالَ عَطَاءٌ ) ، أَوْ ( عَنْ عَطَاءٍ ) ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَطَاءٍ " .
أَمَّا بِالنِّسْبَة لأَبِي مُحَمَّدٍ جَعْفَرِ بْنِ عَنْبَسَة بْنِ عَمْرٍو ، اليَشْكُرِيِّ ؛ فَقَدْ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " تَارِيخِ الإِسْلَامِ " (6/529) وَقَالَ : " كَانَ مُقْرِئًا مُجَوِّدًا " ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الجَزَرِيِّ فِي " غَايَةِ النِّهَايَةِ فِي طَبَقَاتِ القُرَّاءِ " (1/193) ، وَذَكَرْنَا عَنْ أَبِي الفَضْلِ ابْنِ العِرَاقِيِّ فِي " ذَيْلِ الـمِيزَانِ " (ص : 71) أَنَّهُ نَقَلَ عَنِ ابْنِ القَطَّانِ أَنَّهُ جَهَّلَ حَالَهُ ؛ وَقَالَ : " وَرَوَى لَهُ البَيْهَقِيُّ فِي ( دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ) [ 2/427 ] حَدِيثًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيِّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، [ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ الأَحْمَرِ ] ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ ، وَقَالَ : إِنَّهُ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ ، وَكَنَّاهُ فِي نَفْسِ الإِسْنَادِ أَبَا مُحَمَّدٍ . قُلْتُ : رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ ؛ مِنْهُمْ : أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ أُسَيْدٍ الأَصْبَهَانِيّ ُ _ شَيْخُ الطَّبَرَانِيِّ _ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ البَزَّارُ _ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِي ِّ _ " ا.ه .
لَكِنَّ الدَّارَقُطْنِي َّ عَرَفَ حَالَهُ فَقَالَ _ فِي " سُؤَالَاتِ الحَاكِمِ لَهُ " (ص : 107) _ : " جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ يَعْقُوبَ ، اليَشْكُرِيُّ ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، الكُوفِيُّ ، يُحَدِّثُ عَنِ الضُّعَفَاءِ ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " .
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الـمِيزَانِ " (2/120) : " وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي ( رِجَالِ الشِّيعَةِ ) ؛ وَقَالَ : ثِقَةٌ ، رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا _ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى _ " .
مُرْسَلُ بَعْضِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _
عَنْ بَعْضِهِمْ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " كَانَتِ الضِّفْدَعُ تُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَكَانَتِ الوَزَغُ تَنْفُخُ عَلَيْهِ ، وَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا ، وَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " _ كَمَا فِي " الدُّرِّ الـمَنْثُورِ " لِلسُّيُوطِيِّ (5/639) _ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ بَعْضِهِمْ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ؛ بَسَبَبِ إِرْسَالِهِ ، وَجَهَالَةِ البَعْضِ هَذَا ، وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ البَعْضُ الـمُبْهَمُ مِنَ الصَّحَابَةِ ؛ لأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدًا إِلَّا أَنَسًا ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَرْجِسَ( 16 ) ، لَكِنَّ غَالِبَ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنِ التَّابِعِينَ ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الحَدِيثِ _ عِنْدَهُ _ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَلَقَالَ : ( عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ، أَوْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ) كَمَا جَرَتِ العَادَةُ بِذَلِكَ ، وَلَمَا اكْتَفَى بِالإِطْلَاقِ دُونَ التَّقْيِيدِ .
قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : لِمَ عَدَلْتَ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " (4/445 _ رقم : 8392) وَالَّتِي يَقُولُ فِيهَا : عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " كَانَتِ الضِّفْدَعُ تُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَكَانَ الوَزَغُ يَنْفُخُ فِيهِ ، فَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا ، وَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا " ، وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ _ كَمَا قَالَ مَحَقِّقُو " مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ " (41/81) _ ، وَذَكَرْتَ الرِّوَايَةَ الـمُرْسَلَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " وَعَزَاهَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ .
أَقُولُ : الرِّوَايَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " _ النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ _ فِي النَّفْسِ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَالقَرَائِنُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ النُّسْخَةَ الـمَطْبُوعَةَ اعْتَرَاهَا تَحْرِيفٌ ، أَوْ سَقْطٌ ، أَوْ تَرْكِيبٌ لْلإِسْنَادِ عَلَى غَيْرِ مَتْنِهِ ، وَمِنْ هَذِهِ القَرَائِنِ :
أَوَّلًا : أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ _ نَفْسَهُ _ أَخْرَجَ الرِّوَايَةَ فِي " تَفْسِيرِهِ " (2/387 _ رقم : 1870) بِنَفْسِ الإِسْنَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ البَعْضَ الـمُبْهَمَ ، وَبِلَفْظٍ قَرِيبٍ مَوْقُوفٍ عَلى قَتَادَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ ؛ فَقَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : " كَانَتِ الوَزَغُ تَنْفُخُ عَلَى النَّارِ ، وَكَانَتِ الضَّفَادِعُ تُطْفِئُهَا ، فَأُمِرَ بِقَتْلِ هَذَا ، وَنُهِيَ عَنْ قَتْلِ هَذَا " .
وَالأَثَرُ أَعَادَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " تَفْسِيرِهِ " (2/387 _ رقم : 1869) _ مَرَّةً أُخْرَى _ بِنَفْسِ الإِسْنَادِ عَنْ قَتَادَةَ ، لَكِنْ بِلَفْظٍ آخَرَ ؛ فَقَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : " لَمْ تَأْتِهِ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتِ النَّارَ عَنْهُ ، إِلَّا الوَزَغَ " .
فَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ قَتَادَةَ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ، وَقَتَادَةُ عَدَّهُ البَعْضُ مِمَّنْ يَأَخُذُ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، أَوْ يَأَخُذُ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُمْ ؛ كَمُجَاهِدٍ( 17 ) ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبَ .
ثَانِيًا : لَا يُتَصَوَّرُ مِنَ الإِمَامِ السُّيُوطِيِّ _ إِنْ كَانَ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الـمُتَّصِلَةِ _ أَنْ يَصْرِفَ النَّظَرَ عَنْهَا إِلَى مَا دُونِهِا فِي الصِّحَّةِ وَالاتِّصَالِ .
ثَالِثًا : يَبْعُدُ أَنْ يَتَفَرَّدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِخْرَاجِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ بِمِثْلِ هَذَا الإِسْنَادِ وَيُعْرِضَ عَنْهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ ، وَأَصْحَابُ الكُتُبِ الـمَشْهُورَةِ .
رَابِعًا : ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ فِي " الصَّحِيحِ " _ كَمَا مَرَّ مَعَنَا _ أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ الأَمْرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْهَا مِنَ الأَمْرِ بِقَتْلِهِ .
خَامِسًا : لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الـمُفَسِّرِينَ أَوْ شُرَّاحِ الحَدِيثِ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ _ مَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِهَا فِي الظَّاهِرِ _ مِنْ قِرِيبٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ ذَكُرُوا مَا دُونَهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ .
سَادِسًا : أَغْلَبُ الظَّنِّ أَنَّ هَذَا الإِسْنَادَ الَّذِي جَاءَ فِي النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ وَهُوَ : ( أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ) هُوَ لِلْمَتْنِ الوَارِدِ عَنْ عَائِشَةَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ سَمَّى الوَزَغَ : فُوَيْسِقًا ) وَالَّذِي مَرَّ مَعَنَا سَابِقًا ، فَكَأَنَّ مَتْنَهُ سَقَطَ مِنَ النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ ، وَكَذَلِكَ سَقَطَ إِسْنَادُ البَعْضِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةَ ، وَرُكِّبَ إِسْنَادُ عَائِشَةَ عَلَى مَتْنِ هَذَا البَعْضِ الَّذِي رَوَى لَهُ قَتَادَةَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فَي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/584 _ رقم : 9901) قَالَ : حَدَّثَنا السُّلَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهِرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ سَمَّى الوَزَغَ : فُوَيْسِقًا .
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ أَخْرَجَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، وَهَذَا الحَدِيثُ لَا يُوجَدُ فِي نُسْخَةِ " الـمُصَنَّفِ " الـمَطْبُوعَةِ .
أَقُولُ : فَكُلُّ هَذِهِ القَرَائِنِ تُؤَكِّدُ وُقُوعَ التَّحْرِيفِ وَالسَّقْطِ فِي النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ مِنَ " الـمُصَنَّفِ " ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أَثَرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ؛ قَالَ : " كَانَتِ البِغَالُ تَتَنَاسَلُ ، وَكَانَتْ أَسْرَعَ الدَّوَابِّ فِي نَقْلِ الحَطَبِ لِتَحْرِقَ إِبْرَاهِيمَ ، فَدَعَا عَلَيْهَا ؛ فَقَطَعَ اللَّهُ أَرْحَامَهَا وَنَسْلَهَا ، وَكَانَتِ الضَّفَادِعُ مَسَاكِنُهَا النُّفْقَانَ ، فَجَعَلَتْ تُطْفِئُ النَّارَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَدَعَا لَهَا ، فَأَنْزَلَهَا الـمَاءَ ، وَكَانَتِ الأَوْزَاغُ تَنْفُخُ عَلَيْهِ النَّارَ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ الدَّوَابِّ ، فَلَعَنَهَا ، فَصَارَتْ مَلْعُونَةً ، فَمَنْ قَتَلَ مِنْهَا شَيْئًا أُجِرَ " .
أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (6/185) مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الحُصَيْنِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الـمَدِينِيُّ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَذَكَرَهُ .
أَقُولُ : هَذَا أَثَرٌ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ ، إِسْنَادُهُ مُسَلْسَلٌ بِالضُّعَفَاءِ وَالـمَجَاهِيلِ :
1 _ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ أَحْمَدَ هُوَ : ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَارِثِ ، أَبُو عَلِيٍّ ، القُرَشِيُّ ، القَزَّازُ ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ : " تَارِيخَ دِمَشْقَ " (36/198) ، وَأَبُو حَصِينٍ _ بِفَتْحِ الحَاءِ _ هُوَ : مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ، التَّمِيمِيُّ ، وَالِدُ أَبِي الدَّحْدَاحِ ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ : " تَارِيخَ دِمَشْقَ " (52/105) ، وَ " تَارِيخَ الإِسْلَامِ " (21/254 _ ت : التَّدْمُرِيِّ ) ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدُ هُوَ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، الخُرَاسَانِيُّ ، الزَّاهِدُ ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ : " تَارِيخَ دِمَشْقَ " (53/348) ، هَؤُلَاءِ _ كُلُّهُمْ _ مَجَاهِيلُ الحَالِ .
2 _ مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ : الـمَرْوَزِيُّ ، كَمَا جَاءَ التَّصْرِيحُ بِنِسْبَتِهِ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " ، فَإِنَّ الحَافِظَ ابْنَ عَسَاكِرَ كَرَّرَ هَذَا الإِسْنَادَ مِرَارًا ، وَالـمَرْوَزِيّ ُ _ هَذَا _ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِيهِ : " مَتْرُوكٌ " ، وَتَرْجَمَ ابْنُ عَدِيٍّ لِمُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ دُونِ أَنْ يَنْسِبَهُ ، وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّهُ هُوَ ، فَقَالَ فِي " الكَامِلِ " (8/65) : " شَيْخٌ مَجْهُولٌ ، حَدَّثَ بِالـمَنَاكِيرِ عَنْ قَوْمٍ ثِقَاتٍ ، أَوْ مَنْ لَا بَأْسَ بِهِ " .
3 _ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الـمَدِينِيُّ ، هُوَ : أَبُو إِسْحَاقَ ، الأَسْلَمِيُّ ، مَتْرُوكٌ ، بَلْ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ .
4 _ الرَّجُلُ الـمُبْهَمُ فِي الإِسْنَادِ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ .
5 _ الأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ ، هُوَ : التَّمِيمِيُّ ، الحَنْظَلِيُّ ، الكُوفِيُّ ، أَبُو القَاسِمِ ، مَتْرُوكٌ ، قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (2/102) : " وَالأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ لَمْ أُخَرِّجْ لَهُ هَاهُنَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ مَا يَرْوِيهِ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، وَهُوَ بَيِّنُ الضَّعْفِ ، وَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ أَخْبَارٌ وَرِوَايَاتٌ ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنِ الأَصْبَغِ ثِقَة ٌ، فَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِرِوَايَتِهِ ، وَإِنَّمَا أَتَى الإِنْكَارُ مِنْ جِهَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ لَعَلَّهُ يَكُونُ ضَعِيفًا " .
أَثَرُ كَعْبِ الأَحْبَارِ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _
قَالَ كَعْبُ الأَحْبَارِ : " جَعَلَ كُلُّ شَيْءٍ يُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ إِلَّا الوَزَغَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ فِي النَّارِ " .
أَقُولُ : أَثَرُ كَعْبٍ _ هَذَا _ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى إِسْنَادٍ ، وَإِنَّمَا تَتَابَعَ أَكْثَرُ الـمُفَسِّرِينَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ مُعَلَّقًا ، فَذَكَرَهُ الـمَاوَرْدِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " (3/453) ، وَالبَغَوِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " (3/295) ، وَالقُرْطُبِيُّ فِي " الجَامِعِ لِأَحْكَامِ القُرْآنِ " (11/304) ، وَالشِّرْبِينِي ُّ فِي " السِّرَاجِ الـمُنِيرِ " (2/511) ، وَغَيْرُهُمْ .
أَثَرُ خَالِدِ بْنِ بَابٍ الرَّبَعِيِّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ ؛ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ إِلَّا كَانَ يُطْفِئُ النَّارَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، إِلَّا الوَزَغُ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ " .
أَوْرَدَهُ الجَاحِظُ فِي كِتَابِ " الحَيَوَانِ " (4/289) _ مُعَلَّقًا _ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ مُنْقَطِعٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَجْلِ تَعْلِيقِهِ ، وَكَذَلِكَ لِأَجْلِ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ ، وَاسْمُهُ : خَالِدُ بْنُ بَابٍ ، الرَّبَعِيُّ ، البَصْرِيُّ ، وَقَدْ حُرِّفَ اسْمُهُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ إِلَى : ( خَالِدِ بْنِ ثَابِتٍ ) ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَتَرَكَهُ أَبُو زُرْعَةَ ، أَمَّا ابْنُ حِبَّانَ ؛ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي " الثِّقَاتِ " .
وَخَالِدٌ _ هَذَا _ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، فَقَدْ وَقَفْتُ لَهُ عَلَى عِدَّةِ رِوَايَاتٍ يَقُولُ فِيهَا : ( قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ : ... ) ، انْظُرْ _ مَثَلًا _ : " الخُطَبَ وَالـمَوَاعِظَ " لِأَبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (رقم :47) ، وَ " الدِّيبَاجَ " لِإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الخُتَّلِيِّ (رقم : 88) ، وَ " الـمُعْجَمَ " لِابْنِ الأَعْرَابِيِّ (رقم : 1576) ، وَ " الحِلْيَةَ " لِأَبِي نُعَيْمٍ (5/342) ، وَفِي بَعْضِهَا يَقُولُ : ( وُجِدَ فِي الكُتُبِ ... ) انْظُرْ : " شَرْحَ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ " لِلَّالْكَائِيّ ِ (رقم :2590) ، وَقَالَ مَرَّةً : ( قَالَ جَعْفَرٌ _ وَكَانَ يَقْرَأُ الكُتُبَ _ : إِنَّ لُقْمَانَ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ... ) انْظُرْ : " الـمُصَنَّفَ " لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (7/74 _ رقم : 34294) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ عَنْهُمْ .
القِسْمُ الثَّانِي
بَقِيَّةُ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ الوَارِدَةِ فِي قَتْلِ الوَزَغِ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، لِدُونِ الأُولَى ، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، لِدُونِ الثَّانِيَةِ " .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2240/147) ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/584 _ رقم : 9902) مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ الوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ ، وَمُسْلِمٌ _ أَيْضًا _ (رقم : 2240/146) ، وَالبَزَّارُ فِي " الـمُسْنَدِ " (16/51 _ رقم : 9092) ، وَالبَغَوِيُّ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " (12/196 _ رقم : 3266) ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (2/378 _ رقم : 3442) مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الوَاسِطِيِّ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ ، صَحِيحُ الحَدِيثِ _ ، وَمُسْلِمٌ _ أَيْضًا _ (رقم : 2240/147) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " (رقم : 5263) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : البَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (2/378 _ رقم : 3442) _ ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/585 _ رقم : 9904) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ، وَمُسْلِمٌ _ أَيْضًا _ (رقم :2240/147) ، وَالتِّرْمِذِيّ ُ فِي " سُنَنِهِ " (رقم : 1482) ، وَأَبُو مُوسَى الـمَدِينِيُّ فِي " اللَّطَائِفِ مِنْ دَقَائِقِ الـمَعَارِفِ " (رقم : 773) مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ _ إِمَامٌ ، حُجَّةٌ _ ، وَمُسْلِمٌ _ أَيْضًا _ (رقم : 2240/147) ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (4/524) مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ _ ثِقَةٌ ، صَحِيحُ الكِتَابِ _ ، وَأَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (14/296 _ رقم : 8659) وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/584 _ رقم : 9903) ، وَأَبُو مُوسَى الـمَدِينِيُّ فِي " اللَّطَائِفِ مِنْ دَقَائِقِ الـمَعَارِفِ " (رقم : 773) مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ ، وَابْنُ مَاجَةَ فِي " سُنَنِهِ " (رقم : 3229) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ الـمُخْتَارِ _ ثِقَةٌ _ ، كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، بِهِ .
وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَفْظُ حَدِيثِ خَالدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَالبَقِيَّةُ رَوَوْهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ خَالِدٍ ، إِلَّا جَرِيرًا فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ ؛ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ ؛ دُونَ ذَلِكَ " .
قَالَ البَزَّارُ : " وَهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ " .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : " حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وَقَالَ البَغَوِيُّ : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ " .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الـمَدِينِيُّ فِي " اللَّطَائِفِ " : " وَهَذَا _ أَيْضًا _ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ " .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، وَقَدْ عَدَّهُ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (6/171) مِنْ غَرَائِـبِهِ ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَنْ ضَعَّفَ هَذَا الحَدِيثَ وَعَدَّهُ مُنْكَرًا ، وَأَعَلَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، بِأَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، وَأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ( 18 ) ، فَسُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الـمَشْهُورِينَ الـمُكْثِرِينَ _ كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الفَتْحِ " (1/408) _ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ البَعْضُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ حَفْظِهِ قَلِيلًا ؛ لِأَنَّ أَخًا لَهُ مَاتَ فَوَجَدَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَضُرُّهُ ، فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (6/35 _ 36) _ فِي مَعْرِضِ رَدِّهِ عَلَى ابْنِ القَطَّانِ عِنْدَمَا وَصَفَ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ بِالاخْتِلَاطِ وَالتَّغَيُّرِ _ : " الرَّجُلُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بْنُ القَطَّانِ مِنْ أَنَّهُ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ اخْتَلَطَا وَتَغَيَّرَا ، فَإِنَّ الحَافِظَ قَدْ يَتَغَيَّرُ حِفْظُهُ إِذَا كَبِرَ ، وَتَنْقُصُ حِدَّةُ ذِهْنِهِ ، فَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْخُوخَتِهِ ، كَهُوَ فِي شَبِيبَتِهِ ، وَمَا ثَمَّ أَحَدٌ بِمَعْصُومٍ مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ ، وَمَا هَذَا التَّغَيُّرُ بِضَارٍّ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ الاخْتِلَاطُ ، وَهِشَامٌ فَلَمْ يَخْتَلِطْ قَطُّ ، هَذَا أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ ، وَحَدِيثُهُ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي ( الـمُوَطَّإِ ) ، وَ ( الصِّحَاحِ ) ، وَ ( السُّنَنِ ) ، فَقَوْلُ ابْنِ القَطَّانِ : ( إِنَّهُ اخْتَلَطَ ) قَوْلٌ مَرْدُودٌ ، مَرْذُولٌ ، فَأَرِنِي إِمَامًا مِنَ الكِبَارِ سَلِمَ مِنَ الخَطَإِ وَالوَهْمِ ، فَهَذَا شُعْبَةُ_ وَهُوَ فِي الذَّرْوَةِ _ لَهُ أَوْهَامٌ ، وَكَذَلِكَ ، مَعْمَرٌ ، وَالأَوْزَاعِيّ ُ ، وَمَالِكٌ _ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ _ "( 19 ) .
وَلَقَدْ أَنْصَفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " كَامِلِهِ " (4/525 _ 526) ؛ فَقَالَ : " وَلِسُهَيْلٍ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ ، وَلَهُ نُسَخٌ ، وَرَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ ؛ مِثْلُ : الثَّوْرِيِّ ، وَشُعْبَةَ ، وَمَالِكٍ ، وغَيْرِهِمْ مِنَ الأَئِمَّةِ ، وَحَدَّثَ سُهَيْلٌ ( عَنْ جَمَاعَةٍ ، عَنْ أَبِيهِ ) ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثِقَةِ الرَّجُلِ ، حَدَّثَ سُهَيْلٌ ( عَنْ سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ) ، وَحَدَّثَ سُهَيْلٌ ( عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ) ، وَحَدَّثَ سُهَيْلٌ ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [ جَاءَ فِي الأَصْلِ : عَبْدِ اللَّهِ ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ ] بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ) ، وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى تَمْيِيزِ الرَّجُلِ ، وَتَمْيِيزِ بَيْنَ مَا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ أَحَدٌ ، وَبَيْنَ مَا سَمِعَ مِنْ سُمَيٍّ ، وَالأَعْمَشِ ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَئِمَّةِ ، وَسُهَيْلٌ _ عِنْدِي _ مَقْبُولُ الأَخْبَارِ ، ثَبْتٌ ، لَا بَأْسَ بِهِ " .
لِذَا ؛ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ الكِبَارُ ، وَاعْتَمَدُوا حَدِيثَه ، وَخَرَّجَ لَهُ البُخَارِيُّ فِي " الصَّحِيحِ " مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ ، وفِي الـمُتَابَعَاتِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ البَاقُونَ .
وَلَا يُنْكَرُ عَلَى سُهَيْلٍ تَفَرُّدُهُ بِمَتْنِ هَذَا الحَدِيثِ ، فَهُوَ مِنَ الـمُكْثِرِينَ _ كَمَا ذَكَرْنَا _ ، فَلَا عَجَبَ إِنْ تَفَرَّدَ عَنْ شَيْخٍ لَهُ دُونَ أَقْرَانِهِ ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ هَذَا الشَّيْخُ هُوَ أَبُوهُ ، فَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَصَّهُ بِشَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ احْتِمَالٌ وَارِدٌ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِدَعْوَى اضْطِرَابِ سُهَيْلٍ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ ؛ فَهِيَ دَعْوَى مُتَهَافِتَةٌ ، وَإِلَيْكَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ :
هَذَا الحَدِيثُ جَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ :
الأَوَّلُ : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ) ، هَذَا اللَّفْظُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الثِّقَاتِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ .
الثَّانِي : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ) ، وَهَذَا اللَّفْظُ تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ سُهَيْلٍ ، وَجَرِيرٌ ثِقَةٌ ، حُجَّةٌ ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حِفْظٍ ، لَكِنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الكِتَابِ ، ضَابِطًا لِكِتَابِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ كُتُبِهِ ، وَهَذَا يُرَجِّحُ لَفْظَهُ عَلَى لَفْظِ غَيْرِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا رَوَوُا الحَدِيثَ بِالـمَعْنَى ، وَالرِّوَايَةُ بِالـمَعْنَى جَائِزَةٌ ، وَقَدْ ثَبَتَتْ عَنْ أَكْثَرِ الأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ .
الثَّالِثُ : ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعَينَ حَسَنَةً ) ، هَذَا اللَّفْظُ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ ( مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ، عَنْ سُهَيْلٍ ) عِنْدَ مُسْلِمٍ (رقم : 2240/147) ، وَأَبِي دَاوُدَ (رقم : 5264) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : البَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (2/378 _ رقم : 3443) _ ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي " الـمُسْتَخْرَجِ " (17/585 _ رقم : 9905) .
أَقُولُ : إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا _ الرَّاوِي عَنْ سُهَيْلٍ _ هُوَ : الخُلْقَانِيُّ ، الأَسَدِيُّ ، أَبُو زِيَادٍ ، الكُوفِيُّ ، وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ يُخْطِئُ قَلِيلًا ، قَالَ أَبُو الحَسَنِ الـمَيْمُونِيُّ : " قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ _ يَعْنِي : أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ _ : إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا ؛ كَيْفَ هُوَ ؟ ، قَالَ : أَمَّا الأَحَادِيثُ الـمَشْهُورَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا ؛ فَهُوَ مُقَارِبُ الحَدِيثِ ، صَالِحٌ ، وَلَكِنْ لَيْسَ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ لَهُ ، لَيْسَ يُعْرَفُ هَكَذَا _ يُرِيدُ بَالطَّلَبِ _ " ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ تَوْثِيقَهُ ، وَقَالَ مَرَّةً : " مَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ " ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : " لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : " صَالِحُ الحَدِيثِ ، قِيلَ لَهُ : أَفَحُجَّةٌ هُوَ ؟ ، قَالَ : الحُجَّةُ شَيْءٌ آخَرُ " ، وَقَالَ مَرَّةً : " ضَعِيفُ الحَدِيثِ " ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : " صَالِحُ الحَدِيثِ ، مُقَارِبٌ " ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " وَلِإِسْمَاعِيل َ مِنَ الحَدِيثِ صَدْرٌ صَالِحٌ ، وَهُوَ حَسَنُ الحَدِيثِ ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ " .
فَهَذَا اللَّفْظُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا شَاذٌّ ، فَإِسْمَاعِيلُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِيهِ ، فَمَرَّةً : رَوَاهُ مُوَافِقًا فِي لَفْظِهِ الجَمَاعَةَ _ كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا _ ، وَمَرَّةً : كَانَ يَرْوِيهِ كَمَا هُوَ هُنَا .
وأَمَّا الاضْطِرَابُ الحَاصِلُ فِي السَّنَدِ ؛ فَمِنْ طَرِيقِهِ _ أَيْضًا _ ، فَمَرَّةً كَانَ يَقُولُ : ( عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ) كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (رقم : 2240/147) ، وَأَبِي دَاوُدَ (رقم : 5263) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : البَيْهَقِيُّ (2/378 _ رقم : 3442) _ ، وَأَبِي عَوَانَةَ (17/585 _ رقم : 9904) ، وَمَرَّةً : ( عَنْ سُهَيْلٍ ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ) عِنْدَ مُسْلِمٍ ، وَأَبِي دَاوُدَ ، وَالبَيْهَقِيِّ ، وَأَبِي عَوَانَةَ _ أَيْضًا _ ، وَمَرَّةً : ( عَنْ سُهَيْلٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي ، أَوْ أُخْتِي ) كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ ( رقم : 5264) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : البَيْهَقِيُّ (2/378 _ رقم :3443) _ ، أَوْ بِالعَكْسِ : ( حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، أَوْ أَخِي ) كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ (17/585 _ رقم : 9905) .
وَكَذَا اخْتَلَفَتْ نُسَخُ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " فِي هَذَا الإِسْنَادِ _ أيْضًا _ ، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ " (14/ 238) : " كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ : ( أُخْتِي ) ، وَفِي بَعْضِهَا : ( أَخِي ) بِالتَّذْكِيرِ ، وَفِي بَعْضِهَا : ( أَبِي ) ، وَذَكَرَ القَاضِي الأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ ، قَالُوا : وَرِوَايَةُ ( أَبِي ) خَطَأٌ ، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي العَلَاءِ بْنِ بَاهَانَ " .
أَقُولُ : فَبَرِئَتْ عُهْدَتُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ مِنْ هَذَا الاضْطِرَابِ _ الـمَزْعُومِ _ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الخَلَلَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى اضْطِرَابًا أَصْلًا ، فَالاضْطِرَابُ هُوَ مَا اخْتَلَفَ بِهِ الجَمَاعَةُ مِنَ الثِّقَاتِ ، وَلَا يَقُومُ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ مُرَجِّحٌ يَصِيرُ إِلَى الحُكْمِ بِرِوَايَةٍ عَلَى الأُخْرَى ، لِاسْتِوَاءِ الثِّقَاتِ دَرَجَةً وَاحِدَةً ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الـمُرَجِّحٍ _ كَمَا هُوَ هُنَا _ ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ اضْطِرَاباً .
فَمِمَّا سَبَقَ ؛ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ فِي قَتْلِ الوَزَغِ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْهُ ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَيَكْفِيهِ أَنَّ الإِمَامَ مُسْلِمًا اعْتَمَدَهُ فِي " صَحِيحِهِ " ، وَخَرَّجَهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " سُنَنِهِ " ، وَكِلَاهُمَا تِلْمِيذٌ لِلْبُخَارِيِّ ، تَخَرَّجَا عَلَى يَدَيْهِ ، وَأَخَذَا الصَّنْعَةَ عَنْهُ .
وَبِهَذَا الـمَنْهَجِ الَّذِي اتَّبَعْنَاهُ فِي النَّقْدِ _ وَالَّذِي هُوَ مَنْهَجُ أَهْلِ الفَنِّ فِي التَّعْلِيلِ _ ، تَأْتَلِفُ القَوَاعِدُ وَلَا تَخْتَلِفُ ، وَتَتَّفِقُ وَلَا تَفْتَرِقُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ غَرَضٌ آخَرُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُشَتِّتُ ذِهْنَهُ ، وَتَتَشَعَّبُ عَلَيْهِ الأُمُورُ وَتَضْطَرِبُ ، وَتَنْخَبِطُ وَلَا تَنْضَبِطُ ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ جَهْلَهُ بِيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَتُطْمَسُ عَيْنُ بَصِيرَتِهِ عَنْ نُورِ العِلْمِ النَّافِعِ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الأَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ فَـــتَــــــــ ـارَةً تَتَـــنَــــــ اءَى ثُـــمَّ تَأْتَــلِــــف ُ
هَذَا الظَّلَامُ بِنُورِ الصُّبْحِ يَنْصَرِفُ كَمَا الضَّلَالُ لِنُورِ العِلْمِ لَا يَقِفُ
فَسَلْهُ نُورًا يُنِيرُ السَّمْعَ وَالبَصَرَا
تَنْبِيهٌ : أَخْرَجَ أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ فِي " جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ " ( وَهُوَ مَطْبُوعٌ ضِمْنَ مَجْمُوعٍ فِيهِ مُصَنَّفَاتُ أَبِي الحَسَنِ بْنِ الحَمَّامِيِّ ، وَأَجْزَاءٌ حَدِيثِيَّةٌ أُخْرَى ) (رقم : 33) : حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حُطَيْطٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ بَشِيرٍ الدِّهْقَانُ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مِنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي الضَّرْبَةِ الأُولَى ؛ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، وَمَنْ قَتَلَهُ فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ ؛ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، أَحْسَبُهُ أَدْنَى مِنَ الأُولَى ، وَمَنْ قَتَلَهُ فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ ؛ كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، أَحْسَبُهُ أَدْنَى مِنَ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ " .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ : " غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ ، وَهَذِهِ نُسْخَةٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَرِيبَةٌ " .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ إِلَى الثَّوْرِيِّ ؛ فَشَيْخُ الحَمَّامِيِّ أَبُو القَاسِمِ ، الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حُطَيْطٍ ، الأَسَدِيُّ ، لَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ ، وَهُوَ _ أَيْضًا _ مِنْ شُيُوخِ أَبِي نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيّ ِ يَرْوِي عَنْهُ فِي كُتُبِهِ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ : ابْنُ حَنَشٍ ، وَيُقَالُ : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ ، وَيُقَالُ : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنَشٍ ، الأَوْدِيُّ ، أَبُو عُثْمَانَ ، الكُوفِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، أَمَّا أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنَشٍ ؛ فَهُوَ مَجْهُولٌ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنَشٍ ، الأَوْدِيِّ ، الكُوفِيِّ ، فَهَذَا ثِقَةٌ ، وَذَكَرُوا فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ جَدُّ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيِّ ، وَلَيْسَ أَبُوهُ ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ _ طَبَقَةِ التَّابِعِينَ _ ، يَرْوِي عَنِ : ( البَرَاءِ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَشُرَيْحٍ ، وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، وَغَيْرِهِمْ )( 20 ) ، وَذَاكَ مِنْ طَبَقَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهُ .
وَهَذَا الحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِلَّا مِنْ طِرِيقِ وَكِيعٍ عَنْهُ ، كَمَا مَرَّ مَعَنَا ، لِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتَغْرَبَهُ الحَمَّامِيُّ ، وَنَقَلَ أَبُو مُوسَى الـمَدِينِيُّ _ بَعْدَمَا أَخْرَجَ الحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ " اللَّطَائِفِ مِنْ دَقَائِقِ الـمَعَارِفِ " (رقم : 773) مِنْ طَرِيقِ : ( سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، بِهِ نَحْوَهُ ) _ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا وَكِيعٌ " .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَكْثَرِ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ ذِكْرًا " ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ .
أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الـمَقْدِسِيُّ فِي " الـمُنْتَقَى مِنْ مَسْمُوعَاتِ مَرْوَ " (رقم : 170 _ مَخْطُوطٌ) مِنْ طَرِيقِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيِّ _ بِالبَصْرَةِ _ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو العَبَّاسِ الحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ هُوَ : أَبُو مُعَاذٍ ، البَصْرِيُّ ، مَتْرُوكُ الحَدِيثِ ، يَرْوِيِ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ : ابْنُ الضَّحَّاكِ ، البَابِلُتِّيُّ ، أَبُو سَعِيدٍ ، الحَرَّانِيُّ ، ضَعِيفٌ ، وَبَقِيَّةُ الرُّوَاةِ دُونَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرَاجِمِهِمْ .
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ؛ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِ الوَزَغِ ، وَسَمَّاهُ : فُوَيْسِقًا .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/445 _ رقم : 8390) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَ " التَّفْسِيرِ " (2/387 _ رقم : 1871) _ وَمِنْ طَرِيقِهِ : أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (3/108 _ رقم : 1523) ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " الـمُسْنَدِ " (رقم : 141 _ مُنْتَخَبٌ) ، وَأَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ فِي " جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ " (رقم : 10 _ مَخْطُوطٌ) ، وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " (رقم : 2238) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " السُّنَنِ " (رقم : 5262) ، وَالبَزَّارُ فِي " الـمُسْنَدِ " (3/295 _ رقم : 1086) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (12/452 _ رقم : 5635) ، وَابْنُ أَخِي مِيمِيٍّ فِي " فَوَائِدِهِ " (رقم : 526) ، وَابْنُ شَاهِينَ فِي " نَاسِخِ الحَدِيثِ " (ص : 480) ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (5/345 _ رقم : 10048) ، وَ " الآدَابِ " (رقم : 365) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ فِي " الـمَشْيَخَةِ البَغْدَادِيَّة ِ " (رقم : 20) ، وَالخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " الكِفَايَةِ فِي عِلْمِ الرِّوَايَةِ " (ص :419) ، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ " (15 /186 و 188) ، وَابْنُ قُدَامَةَ الـمَقْدِسِيُّ فِي " بُلْغَةِ الطَّالِبِ الحَثِيثِ فِي صَحِيحِ عَوَالِي الحَدِيثِ " (رقم : 58) ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عِيسَى الكُرْدِيُّ فِي " جُزْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ " (رقم : 31) ، وَالعَلَائِيُّ فِي " إِثَارَةِ الفَوَائِدِ " (رقم : 95) _ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُ إِسْنَادِهِ الصِّحَّةُ ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ عِلَّةً خَفِيَتْ عَلَى مَنْ صَحَّحَهُ ، نَبَّهَ عَلَيْهَا الحَافِظُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " .
فَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ _ أَبُو عُرْوَةَ ، البَصْرِيُّ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ ، فَاضِلٌ ، إِلَّا أَنَّ الإِمَامَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ، فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَرْسَلَهُ ، فَقَالَ فِي " الـمُوَطَّإِ " _ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ _ (رقم : 430) : أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ ؛ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِ الوَزَغِ .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو طَاهِرٍ الـمُخَلِّصُ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " (1/389 _ رقم : 661) ، وَالدَّارَقُطْن ِيُّ فِي " الغَرَائِبِ " _ كَمَا فِي " الفَتْحِ " لِابْنِ حَجَرٍ (6/354) _ مِنْ طَرِيقِهِ _ مَقْرُونًا مَعَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ _ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، بِهِ نَحْوَهُ .
وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي " شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ " (4/494 _ 495) أَنَّ الدَّرَاوَرْدِي َّ _ وَهُوَ : عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ _ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، بِهِ نَحْوَهُ ، وَقَالَ : " وَلَكِنَّ الحَدِيثَ مُرْسَلٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدٍ رَجُلٌ " .
وَذَكَرَ ابْنُ الـمَوَّازِ وَهُوَ : مَحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْكَنْدَرَا نِيُّ _ كَمَا فِي " التَّوْضِيحِ " لابْنِ الـمُلَقِّنِ (12/383) ، وَ " شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ " لابْنِ بَطَّالٍ (4/495) _ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ . هَكَذَا بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ .
وَأَخْرَجَهُ البَعْضُ خِلَافًا لِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ فِي " الـمُوَطَّإِ " فَوَصَلَهُ :
أ _ فَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِي ُّ فِي " مُعْجَمِ أَسَامِي شُيُوخِهِ " (3/785 _ رقم : 394) قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مُسَبِّحٍ العُكْلِيُّ _ بِالبَصْرَةِ _ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ سَمَّى الوَزَغَ : فُوَيْسِقَةً ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهَا .
وَأَرَى أَنَّ الآفَةَ فِيهِ مِنْ مُسَبِّحِ بْنِ حَاتِمٍ ؛ فَقَدْ قَالَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " الـمُؤْتَلِفِ وَالـمُخْتَلِفِ " (4/2098) : " بَصْرِيٌّ ، أَخْبَارِيٌّ " ، وَأَشَارَ الذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (11/98) _ فِي تَرْجَمَةِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ القَيْسِيِّ _ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ ، أَمَّا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ؛ فَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ .
ب _ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الـمُظَفَّرِ فِي " غَرَائِبِ حَدِيثِ مَالِكٍ " (رقم : 21) قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، وَزَيْدُ بْنُ الحُبَابِ ؛ قَالَا : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ ؛ قَالَ : كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ بِقَتْلِ الوَزَغِ .
وَهَذَا آفَتُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ : البَاغَنْدِيُّ ، أَبُو بَكْرٍ ، الحَافِظُ ، فَقَدْ كَذَّبَهُ إِبْرَاهِيمُ الأَصْبَهَانِيّ ُ _ كَمَا فِي " الكَامِلِ " لِابْنِ عَدِيٍّ (7/564) _ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ _ فِي " سُؤَالَاتِهِ لِلدَّارَقُطْنِ يِّ " (نص : 306) _ : " وَسَأَلْتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيِّ ؟ ، فَقَالَ : هُوَ مُخَلِّطٌ مُدَلِّسٌ ، يَكْتُبُ عَنْ بَعْضِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ يُسْقِطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْخِهِ ثَلَاثَةً ، وَهُوَ كَثِيرُ الخَطَإِ ، حُدِّثْنَا عَنْهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ ، وَعِنْدَ آخَرَ : ذَكَرَ فُلَانٌ ، وَعِنْدَ آخَرَ : بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْخِهِ رَجُلٌ " .
وَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ _ فِي " سُؤَالَاتِهِ لِلدَّارَقُطْنِ يِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الـمَشَايِخِ " (ص : 91) _ : " سَأَلْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيِّ ؛ هَلْ يُدْخَلُ فِي الصَّحِيحِ ؟ ، فَقَالَ : لَوْ خَرَّجْتُ الصَّحِيحَ لَمْ أُدْخِلْهُ فِيهِ ، قِيلَ لَهُ : لِمَ ؟ ، قَالَ : لِأَنَّهُ كَانَ يُخَلِّطُ وَيُدَلِّسُ ، قَالَ : وَلَيْسَ مِمَّنْ كَتَبْتُ عَنْهُ آثَرُ عِنْدِي وَلَا أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنْهُ ، إِلَّا أَنَّهُ شَرِهٌ ، قَالَ : وَالبَاغَنْدِيّ ُ أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ حَمْزَةُ : وَسَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِي َّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيِّ ؟ ، قَالَ : كَانَ كَثِيرَ التَّدْلِيسِ ، يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ ، وَرُبَّمَا سَرَقَ " .
وَقَالَ البَرْقَانِيُّ _ كَمَا فِي " تَارِيخِ بَغْدَادَ " (3/213) ، وَ " السِّيَرِ " (14/386) _ : " سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِي َّ عَنِ ابْنِ البَاغَنْدِيِّ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ؟ ؛ فَقَالَ : لَا أَتَّهِمُهُ فِي قَصْدِ الكَذِبِ ، وَلَكِنَّهُ خَبِيثُ التَّدْلِيسِ ، وَمُصَحِّفٌ _ أَيْضًا _ ، كَأَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ سُوَيْدٍ التَّدْلِيسَ " .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (7/564) : " وَلِلْبَاغَنْدِ يِّ أَشْيَاءُ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ ، وَكَانَ مُدَلِّسًا يُدَلِّسُ عَلَى أَلْوَانٍ ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ " .
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " الـمِيزَانِ " (4/26) : " كَانَ مُدَلِّسًا ، وَفِيهِ شَيْءٌ " .
أَمَّا الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (3/213) ؛ فَكَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يُعَابُ بَهِ سُوَى التَّدْلِيسِ .
وَحَدِيثُ مَالِكٍ _ هَذَا _ مِنْ طَرِيقِ البَاغَنْدِيِّ قَدِ اسْتَغْرَبَهُ ابْنُ الـمُظَفَّرِ وَعَدَّه مِنْ غَرَائِبِ مَالِكٍ ، لِذَا ؛ قَالَ عَقِبَهُ : " فِي ( الـمُوَطَّإِ ) : مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعْدٍ " ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (4/340 _ رقم : 613) أَنَّ البَاغَنْدِيَّ قَدْ وَهِمَ فِيهِ .
أَقُولُ : مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ يُعَدُّ فِي الطَّبَقَةِ الأُولَى مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ، وَكَذَا الإِمَامُ مَالِكٌ ، إِلَّا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلِيهِ فِيهَا إِذَا اخْتَلَفَ مَعَهُ ، قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " (نص : 1) : " سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ؛ قُلْتُ لَهُ : مَعْمَرٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي الزُّهْرِيِّ ، أَوْ مَالِكٌ ؟ ، فَقَالَ : مَالِكٌ " ، وَقَالَ ابْنُ الجُنَيْدِ فِي " سُؤَالَاتِهِ " (نص : 156) : " سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ _ وَأَنَا أَسْمَعُ _ : مَنْ أَثْبَتُ مَنْ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ ؟ ، فَقَالَ : مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، ثُمَّ مَعْمَرٌ ، ثُمَّ عُقَيْلٌ ، ثُمَّ يُونُسُ ، ثُمَّ شُعَيْبٌ ، وَالأَوْزَاعِيّ ُ ، وَالزُّبَيْدِيّ ُ ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ ثِقَاتٌ " ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (نص : 545) : " وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ : وَأَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ : شُعَيْبٌ ، وَمَعْمَرٌ ، وَعُقَيْلٌ ، وَيُونُسُ ، وَالأَوْزَاعِيّ ُ ، قَالَ رَجُلٌ لِيَحْيَى : فَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ؟ ، قَالَ : ذَاكَ مِنْ أَرْفَعِهِمْ " ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ _ كَمَا فِي " الـمَعْرِفَةِ وَالتَّارِيخِ " (2/201) _ : " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَمَالِكٌ أَثْبَتُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ جَمِيعِ مَنْ رَوَى عَنْهُ " .
وَمِمَّا يُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى مَعْمَرٍ _ أَيْضًا _ أَنَّا وَجَدْنَا لَهُ مُتَابِعًا وَهُوَ : يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ _ كَمَا مَرَّ مَعَنَا آنِفًا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَاهِرٍ الـمُخَلِّصِ فِي " الـمُخَلِّصِيَّ اتِ " ، والدَّارَقُطْنِ يُّ فِي " الغَرَائِبِ " مَقْرُونًا مَعَ مَالِكٍ _ ، وَيُونُسُ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَقِةِ الأُولَى _ أَيْضًا _ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ _ كَمَا فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (74/305) ، وَ " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (32/554) _ : " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ الـمُبَارَكِ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَرْوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يُونُسَ ؛ فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ " ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ العَبَّاسِ _ كَمَا فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (74/305) ، وَ " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (32/556) _ : " قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : مَنْ أَثْبَتُ ؛ مَعْمَرٌ ، أَوْ يُونُسُ ؟ ، قَالَ : يُونُسُ أَسْنَدُهُمَا ، وَهُمَا ثِقَتَانِ جَمِيعًا ، وَكَانَ مَعْمَرٌ أَحْلَى " ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ _ كَمَا فِي " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (32/556) _ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : " أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ : مَالِكٌ ، وَمَعْمَرٌ ، وَيُونُسُ ، كَانُوا عَالِمِينَ بِالزُّهْرِيِّ " ، بَلْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ المِصْرِيُّ _ كَمَا فِي " تَارِيخِ ابْنِ مَعِينٍ " رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ (نص : 24 ) _ لَا يُقَدِّمُ فِي الزُّهْرِيِّ عَلَى يُونُسَ أَحَدًا ، وَقَالَ : " سَمِعْتُ أَحَادِيثَ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَوَجَدْتُ الحَدِيثَ الوَاحِدَ رُبَّمَا سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ مِرَارًا ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا قَدِمَ أَيْلَةَ نَزَلَ عَلَى يُونُسَ ، وَإِذَا سَارَ إِلَى الـمَدِينَةِ زَامَلَهُ يُونُسُ " .
وَكَذَا تَابَعَ مَالِكًا _ أَيْضًا _ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ الأَيْلِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الأُولَى مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ ، ذَكَرَ مُتَابَعَتَهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " التَّتَبُّعِ " (1/192 _ 193 ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ مَعَ الإِلْزَامَاتِ) ؛ فَقَالَ : " خَالَفَهُ مَالِكٌ ، وَيُونُسُ ، وَعُقَيْلٌ ، رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعْدٍ مُرْسلًا " ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ .
قُلْتُ : لِذَا صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (4/340 _ 613) رِوَايَةَ مَالِكٍ وَيُونُسَ الـمُرْسَلَةَ ، عَلَى أَنَّهُ جَاءَتْ رِوَايَةٌ عَنْ مَعْمَرٍ يَوَافِقُهُمَا فِيهَا عَلَى الإِرْسَالِ ؛ أَخْرَجَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 1989) قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعْدٍ [ جَاءَ فِي الأَصْلِ : سَعِيدٍ ، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " عِلَلِ الدَّارَقُطْنِي ِّ " ] ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ ، يَعْنِي : الوَزَغَ .
وَعَبْدُ الأَعْلَى _ هَذَا _ هُوَ : ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، أَبُو مُحَمَّدٍ ، القُرَشِيُّ ، الَبَصْرِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ أَوْهَامِ مَعْمَرٍ ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ لأَهْلِ البَصْرَةِ كَانَ فِيهَا أَخْطَاءٌ ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ _ كَمَا فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (8/257) _ : " مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ مَا حَدَّثَ بِالبَصْرَةِ فَفِيهِ أَغَالِيطُ " ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بَصْرِيٌّ .
أَمَّا مُتَابَعَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ _ الـمَعْرُوفِ بِـ : عَبَّادٍ _ لِمَعْمَرٍ وَالَّتِي أَخْرَجَهَا أَبُو يَعْلَى فِي " الـمُسْنَدِ " (2/143 _ رقم : 832) مِنْ طَرِيقِهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، مَرْفُوعًا ؛ بِلَفْظِ : " اقْتُلُوا الفُوَيْسِقَ " ، يَعْنِي : الوَزَغَ .
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ فِي " مَشْيَخَتِهِ " (رقم : 48) عَنْهُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، بِهِ مِثْلَهُ . بِزِيَادَةِ ( عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ ) بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالزُّهْرِيِّ ؛ فَهِيَ مُتَابَعَةٌ مَعْلُولَةٌ ، اضْطَرَبَ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ .
فَحَاصِلُ الأَمْرِ ؛ أَنَّ حَدِيثَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ الصَّوَابُ فِيهِ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ، وَلَا يَصِحُّ وَصْلُهُ ، وَهَذَا يُفَسْرُ لَكَ تَحَاشِي البُخَارِيِّ عَنْ إِخْرَاجِهِ فِي " صَحِيحِهِ " ، وَاكْتِفَائِهِ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ وَعَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ _ ، أَمَّا الإِمَامُ مُسْلِمٌ ؛ فَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الشَّوَاهِدِ ، حَيْثُ أَوْرَدَهُ عَقِبَ حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ _ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ، وَقَدْ أَعَلَّ الدَّارَقُطْنِي ُّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ _ هَذِهِ _ فِي كِتَابِهِ " التَّتَبُّعِ " (1/193) كَمَا أَشَرْنَا إِلى ذَلِكَ قَرِيبًا .
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ حَيَّةً ؛ فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ ، وَمَنْ قَتَلَ وَزَغًا ؛ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَمَنْ تَرَكَ حَيَّةً مَخَافَةَ عَاقِبَتِهَا ؛ فَلَيْسَ مِنَّا " .
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي " الـمُسْنَدِ " (7/91 _ رقم : 3984) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " (12/446 _ رقم : 5630) مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ _ ثِقَةٌ ، وَهُوَ ثَبْتٌ فِيمَا يَرْوِي عَنِ الشَّيْبَانِيِّ _ ، وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " (10/207) مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنِ الـمُهَلَّبِ _ صَدُوقٌ _ ، وَالخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " تَلْخِيصِ الـمُتَشَابِهِ فِي الرَّسْمِ " (2/614) مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ _ ثِقَةٌ _ ، كُلُّهُمْ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الـمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، بِهِ .
وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حِبَّانَ العِبَارَةَ الأَخِيرَةَ : ( وَمَنْ تَرَكَ ... إلخ ) .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ لِانْقِطَاعِهِ ، فَالـمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ _ كَمَا فِي " العِلَلِ _ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ " (1/310) _ : " الـمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا ، إِنَّمَا يَرْوِى عَنْ عَلْقَمَةَ ، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدَةَ " ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : " الـمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ مُرْسَلٌ " ، وَقَالَ _ أَيْضًا _ : " الـمُسَيِّبُ بْنُ رَافعٍ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ ، وَلَمْ يَلْقَ عَلِيًّا ، إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ مُجَاهِدٍ وَنَحْوِهِ " ، وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ : " الـمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ ؟ ، فَقَالَ : لَا _ بِرَأْسِهِ _ " [ انْظُرِ : " الـمَرَاسِيلَ " لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (ص : 207) ] ، وَالشَّيْبَانِي ُّ هُوَ : سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، أَبُو إِسْحَاقَ ، الشَّيْبَانِيُّ ، الكُوفِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ .
وَقَدْ أَخْطَأَ الـمُنَاوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ لِإِسْنَادِ الحَدِيثِ فِي كِتَابِهِ " التَّيْسِيرِ بِشَرْحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ " (2/434) .
وَقَدْ تُوبِعَ الثَّلَاثَةُ ( أَسْبَاطُ ، وَأَبُو كُدَيْنَةَ ، وَابْنُ طَهْمَانَ ) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَلَى رَفْعِهِ ؛ تَابَعَهُمْ :
أ _ العَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ ، الشَّيْبَانِيُّ _ وَهُوَ : ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ : ذَكَرَ مُتَابَعَتَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " العِلَلِ " (6/239 _ رقم : 2486) .
ب _ عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، العَبْدِيُّ _ ثِقَةٌ _ : ذَكَرَ مَتَابَعَتَهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " (5/274 _ رقم : 877) .
أَقُولُ : كَذَا جَاءَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِي ِّ ، لِكَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلَ أَبَاهُ فِي " العِلَلِ " (6/239 _ رقم : 2486) عَنْ حَدِيثِ : العَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الـمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، مَرْفُوعًا . وَذَكَرَ لَهُ _ أَيْضًا _ أَنَّ عَبْدَ الوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ رَوَاهُ : عَنْ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الـمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، مَوْقُوفًا ؟ ، فَقَالَ أَبُوهُ : " عَبْدُ الوَاحِدِ أَوْثَقُ مِنَ العَوَّامِ " .
فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ هَذِهِ .
جـ _ خَالدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، الوَاسِطِيُّ _ ثِقَةٌ ، ثَبْتٌ _ : ذَكَرَ مُتَابَعَتَهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ فِي " العِلَلِ " _ أيْضًا _ ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الـمَقْطَعَ الأَوَّلَ مِنَ الحَدِيثِ وَالَّذِي فِيهِ قَتْلُ الحَيَّةِ .
وَخَالَفَهُمْ عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ ، أَبُو سَهْلٍ ، الوَاسِطِيُّ _ كَمَا فِي " العِلَلِ " لِلدَّارَقُطْنِ يِّ _ ؛ فَرَوَاهُ : عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الـمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ .
فَزَادَ رَجُلًا بَيْنَ الـمُسَيِّبِ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبَّادٌ ثِقَةٌ ، لِكِنَّا لَا نَدْرِي حَالَ بَقِيَّةِ الإِسْنَادِ إِلَيْهِ .
وَخَالَفَ الكُلَّ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ ، أَبُو شِهَابٍ ، الحَنَّاطُ _ كَمَا فِي " العِلَلِ " لِلدَّارَقُطْنِ يِّ _ ؛ فَرَوَاهُ : عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنِ الـمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ .
وَأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ صَدُوقٌ ، إِلَّا أَنَّهُ يَهِمُ ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ أَوْهَامِهِ ، لِذَا ؛ رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِي ُّ رِوَايَةَ الرَّفْعِ .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ زَنْبُورًا ؛ كُتِبَتْ لَهُ ثَلَاثُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ مِثْلُهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ ، وَمَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كُتِبَتْ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً ، وَمُحِيَ عَنْهُ مِثْلُهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ ، وَمَنْ قَتَلَ حَيَّةً ؛ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ جَاءَ يُطْفِئُ نُورَ اللَّهِ تَعَالَى " .
أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الـمَقْدِسِيُّ فِي " الـمُنْتَقَى مِنْ مَسْمُوعَاتِ مَرْوَ " (رقم : 75) قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الزَّرْقِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ( 21 ) السَّعْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، بِهِ .
وَعَزَاهُ السُّيُوطِيُّ فِي " جَمْعِ الجَوَامِعِ " (9/736 _ رقم : 4178/22674) لِلدَّيْلَمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ بِلَفْظِ : " مَنْ قَتَلَ حَيَّةً ؛ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ ، وَمَنْ قَتَلَ زُنْبُورًا ؛ كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُ حَسَنَاتِ ، وَمُحِيَ عَنْهُ مِثْلُهَا سَيِّئَاتٍ ، وَمَنْ قَتَلَ عَقْرَبًا ؛ كُتِبَ لَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ مِثْلُهَا سَيِّئَاتٍ " ، فَذَكَرَ ( العَقْرَبَ ) بَدَلًا مِنَ ( الوَزَغَةِ ) .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّ الآفَةَ فِيهِ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فِإِنَّهُ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ _ الرَّاوِي عَنْهُ _ هُوَ : ابْنُ عِيسَى ، أَبُو أَيُّوبَ ، الدِّمَشْقِيُّ ، ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيِّ ، وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يُحَدِّثْ عَنِ الضُّعَفاءِ وَالـمَجَاهِيلِ ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِيهِ : " سُلَيْمَانُ بْنُ شُرَحْبِيلَ صَدُوقٌ ، مُسْتَقِيمُ الحَدِيثِ ، وَلَكِنَّهُ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالـمَجْهُولِي نَ ، وَكَانَ عِنْدِي فِي حَدِّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ لَهُ حَدِيثًا لَمْ يَفْهَمْ ، وَكَانَ لَا يُمَيِّزُ " ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : " ثِقَةٌ إِذَا رَوَى عَنِ الـمَعْرُوفِينَ " ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ : " لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ الضَّعْفَى " ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : " يُعْتَبَرُ حَدِيثُهُ إِذَا رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ الـمَشَاهِيرِ ، فَأَمَّا إِذَا رَوَى عَنِ الـمَجَاهِيلِ ؛ فَفِيهَا مَنَاكِيرُ " ، وَقَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : " قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنِ يِّ : سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ ، قَالَ : ثِقَةٌ ، قُلْتُ : أَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ ؟ ، قَالَ : حَدَّثَ بِهَا عَنْ قَوْمٍ ضَعْفَى ، فَأَمَّا هُوَ ؛ فَثِقَةٌ " .
وَهُوَ _ هُنَا _ قَدْ حَدَّثَ عَنْ مَجْهُولٍ ؛ وَهُوَ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَيَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ _ هَذَا _ هُوَ : عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ ، أَبُو نُعَيْمٍ ، دُلِّسَ اسْمُ أَبِيهِ ( صُبْحٍ ) إِلَى ( عَبْدِ الرَّحْمَنِ ) _ وَكُلُّ النَّاسِ عَبِيدٌ لِلرَّحْمَنِ _ لِئَلَّا يُعْرَفَ ، فَعُمَرُ بْنُ صُبْحٍ مَتْرُوكٌ ، مُنْكَرُ الحَدِيثِ ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَيَضَعُ الحَدِيثَ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الـمَجْرُوحِينَ " (1/177) _ فِي تَرْجَمَةِ إِسْرَائِيلَ بْنِ حَاتِمٍ الـمَرْوَزِيِّ _ : " يَرْوِي عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ مَا وَضَعَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ ، كَأَنَّهُ كَانَ يَسْرِقُهَا مِنْهُ " ، وَقَالَ _ أَيْضًا _ (2/88) : " كَانَ مِمَّنْ يَضَعُ الحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ ، لَا يَحِلُّ كِتَابَةُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ لِأَهْلِ الصِّنَاعَةِ فَقَطْ " ، وَكَذَّبَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَالأَزْدِيُّ .
وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ لِهَذَا الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَظَرٌ ، فَعَاصِمٌ حَسَنُ الحَدِيثِ _ عَلَى الصَّحِيحِ _ ، وَمُعْظَمُ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، حَتَّى وُصِفَ بِـ : ( صَاحِبِ عَلِيٍّ ) لِكَثْرَةِ مَا يَرْوِى عَنْهُ ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي " التَّاريِخِ الأَوْسَطِ " (1/218) _ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ _ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " جَاوَرْنَا عَاصِمَ بْنَ ضَمْرَةَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا حَدَّثَنَا حَدِيثًا _ قَطُّ _ إِلَّا عَنْ عَلِيٍّ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ " ، وَقَالَ البَزَّارُ _ كَمَا فِي " النُّكَتِ عَلَى مُقَدِّمَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ " لِلزَّرْكَشِيِّ (1/59) ، وَ " إِكَمَالِ تَهْذِيبِ الكَمَالِ " لِـمُغُلْطَايْ (7/106) _ : " وَلَا نَعْلَمُهُ رَوَى إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، إِلَّا حَدِيثًا أَخْطَأَ فِيهِ سُكَيْنُ بْنُ بُكَيْرٍ ، فَرَوَاهُ عَنِ الحَجَّاجِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِي خَطَئِهِ " .
أَقُولُ : وَعِبَارَةُ : " مَنْ قَتَلَ حَيَّةً ؛ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا " ، حُرِّفَتْ عِنْدِ البَعَضِ إِلَى : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا _ أَوْ وَزَغَةً _ ؛ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا " _ كَمَا فِي " تَفْسِيرِ القُرْآنِ " لِأَبِي الـمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيِّ (3/391) ، وَ" الجَامِعِ لأَحْكَامِ القُرْآنِ " لِلْقُرْطُبِيِّ (1/318) _ ، وَاللَّفْظُ الأَوَّلُ هُوَ الـمَعْرُوفُ الـمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانُ تَفْصِيلِ ذَلِكَ .
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " اقْتُلُوا الْوَزَغَ وَلَوْ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ " .
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " (11/202 _ رقم : 11495) ، وَ " الـمُعْجَمِ الأَوْسَطِ " (6/243 _ رقم : 6301) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَالفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/382 _ رقم : 2294) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ جِدًّا ؛ لِأَجْلِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ : الـمَكِّيُّ ، أَبُو حَفْصٍ ، يُعْرَفُ بِـ : سَنْدَلٍ ، فَهُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ ، مَتْرُوكٌ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ بِأَحَادِيثَ بَوَاطِيلَ لَا تُحْفَظُ عَنْهُ .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا ؛ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ شَيْطَانًا " .
أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " _ كَمَا فِي " مِيزَانِ الاعْتِدَالِ " لِلذَّهَبِيِّ (4/355) ، وَسَقَطَ مِنَ النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ( 22 ) _ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السُّكَيْنِ ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، حَدَّثَنَا الـمَسْعُودِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ، وَالـمُتَّهَمُ بِهِ هُوَ : وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ ، وَهُوَ : وَهْبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَفْصٍ ، البَجَلِيُّ ، الحَرَّانِيُّ ، أَبُو الوَلِيدِ ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ، فَقَدْ كَذَّبَهُ الحَافِظُ أَبُو عَرُوبَةَ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ : " كَانَ يَضَعُ الحَدِيثَ " ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : " كَانَ شَيْخًا مُغَفَّلًا ، يَقْلِبُ الأَخْبَارَ وَلَا يَعْلَمُ ، وَيُخْطِئُ فِيهَا وَلَا يَفْهَمُ ، لَا يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ " وَاتَّهَمَهُ بسَرِقَةِ حَدِيثٍ ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " وَكُلُّ أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ " .
وَلَعَلَّ هَذَا الحَدِيثَ مِمَّا سَرَقَهُ ، وَرَكَّبَ لَهُ هَذَا الإِسْنَادَ .
حَدِيثُ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _
عَنْ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا ؛ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَ دَرَجَاتٍ ، وَحَطَّ عَنْهُ تِسْعَ خَطِيئَاتٍ " ، قَالَ القَاسِمُ : قَالَتْ عَائِشَةُ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا ثُمَّ أَقْبَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/445 _ رقم : 8391) قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَة ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ لِعِلَّتَيْنِ :
الأُولَى : جَهَالَةُ الرَّجُلِ الـمُبْهَمِ .
الثَّانِيَةُ : عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ هُوَ : الثَّقَفِيُّ ، البَصْرِيُّ ، مَتْرُوكُ الحَدِيثِ .
أَثَرُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ فَاكِهٍ ؛ قَالَ : أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ نِصْفَ النَّهَارِ ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ ، فَخَرَجَ مُتَّزِرًا ، بِيَدِهِ عَصًى ، فَقُلْتُ : أَيْنَ كُنْتَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ ؟ ، فَقَالَ : كُنْتُ أَتْبَعُ هَذِهِ الدَّابَّةَ ، يَكْتُبُ اللَّهُ بِقَتْلِهَا الحَسَنَةَ ، وَيَمْحُو بِهَا السَّيِّئَةَ ، فَاقْتُلْهَا ، وَهِيَ : الْوَزَغُ .
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19893) _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي " الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ " (5/106 _ رقم : 4738) مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيِّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ جَدِّي عُقْبَةَ بْنِ فَاكِهٍ ، بِهِ .
وَجَاءَ لَفْظُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ : " خَرَجْتُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ مُتَّزِرًا بِيَدِهِ الرُّمْحُ ؛ فَقُلْتُ : يَا أَبَا خَارِجَةَ ، مَا بَالُ الرُّمْحِ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ ، قَالَ : كُنْتُ أَطْلُبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ الخَبِيثَةَ الَّتِي يَكْتُبُ اللَّهُ بِقَتْلِهَا الحَسَنَةَ ، وَيَمْحُو بِهَا السَّيِّئَةَ ، وَهِيَ : الوَزَغُ " .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ؛ فَخَالُ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيِّ هُوَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ الفَاكِهِ ، الأَنْصَارِيُّ ، الـمَدَنِيُّ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ ، ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الكَبِيرِ " (5/371) ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (5/305) ، وَسَكَتَا عَنْهُ ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " (ص : 347) : " مَجْهُولٌ " ، وَأَبُوهُ عُقْبَةُ بْنُ فَاكِهٍ مَجْهُولٌ _ أَيْضًا _ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ _ كَمَا فِي " العِلَلِ _ بِرِوَايَتِهِ " (رقم : 1642) : " سَأَلْتُهُ _ يَعْنِي : أَبَاهُ _ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ فَاكِهٍ ؟ ؛ فَقَالَ : لَا أَدْرِي " .
أَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ الخَطْمِيُّ _ وَاسْمُهُ : عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ ، الأَنْصَارِيُّ ، الـمَدَنِيُّ _ ؛ فَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى ثِقَتِهِ .
أَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ قَالَ : " اقْتُلُوا الوَزَغَ ؛ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/447 _ رقم : 8398) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ فِي " مُعْجَمِ السَّفَرِ " (رقم : 915) مِنْ طَرِيقِ الـمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ _ ثِقَةٌ _ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ ؛ آفَتُهُ اللَّيْثُ وَهُوَ : ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، فَهُوَ ضَعِيفٌ ، مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ ، لَا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ ، وَقَدِ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِ هَذَا الأَثَرِ وَسَنَدِهِ :
أَمَّا اضْطِرَابُهُ بِمَتْنِهِ : فَقَدْ أَخْرَجَ الأَثَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/261 _ رقم : 19900) قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ قَالَ : " اقْتُلُوا الوَزَغَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ " .
وَحَفْصٌ _ الرَّاوِي عَنْ لَيْثٍ _ هُوَ : حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ بْنِ طَلْقٍ ، النَّخَعِيُّ ، أَبُو عُمَرَ ، الكُوفِيُّ ، القَاضِي ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، فَقِيهٌ .
وَأَمَّا اضْطِرَابُهُ فِي سَنَدِهِ : فَقْدَ أَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ فِي " مُسْنَدِهِ " (رقم : 2280) قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغَ ، وَيَقُولُ : هُوَ شَيْطَانٌ .
قُلْتُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الخَطَأُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الأَثَرِ مِنْ لَيْثٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ هُوَ دَونَهُ ، وَهُوَ شَرِيكٌ ، وَشَرِيكٌ _ هَذَا _ هُوَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَرِيكٍ ، النَّخَعِيُّ ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، الكُوفِيُّ ، القَاضِي ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا ثِقَةً ، إِلَّا أَنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيرًا ، فَقَدْ سَاءَ حِفْظُهُ مُنْذُ وُلِّيَ القَضَاءَ بِالكُوفَةِ .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ فَهَذَا الأَثَرُ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ ، مَدَارُهُ عَلَى لِيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ .
أَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ فَلَهُ بِهِ صَدَقَةٌ " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/446 _ رقم : 8396) عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/260 _ رقم : 19896) قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كَانَتْ لَهُ بِهَا صَدَقَةً " .
وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ أَثْبَتُ فِي سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ _ كَمَا فِي " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (27/56) ، وَ " شَرْحِ عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ " لِابْنِ رَجَبٍ (2/722) _ : " سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ؛ وَسُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ : أَيُّهُمْ أَثْبَتُ ؟ ، قَالَ : هُمْ خَمْسَةٌ : يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الـمُبَارَكِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، فَأَمَّا الفِرْيَابِيُّ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ ، وَقَبِيصَةُ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ، وَأَبُو عَاصِمٍ ، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَطَبَقَتُهُمْ ؛ فَهُمْ كُلُّهُمْ فِي سُفْيَانَ بَعْضُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ بَعْضٍ ، وَهُمْ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ ، دُونَ أُولَئِكَ فِي الضَّبْطِ وَالـمَعْرِفَةِ " .
وَقَدْ تُوبِعَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَلَيْهِ ، تَابَعَهُ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ ، فَوَقَفَهُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ وَكِيعٍ ، أَخْرَجَ مُتَابَعَتَهُ : البَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الإِيمَانِ " مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ حَبِيبٍ القَصَّابِ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا ؛ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ " .
وَحَبِيبٌ القَصَّابُ هُوَ _ نَفْسُهُ _ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ .
أَثَرٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَ : " الوَزَغُ شَرِيكُ الشَّيْطَانِ " .
ذَكَرَهُ الجَاحِظُ فِي كِتَابِ " الحَيَوَانِ " (4/402) _ مُعَلَّقًا _ عَنْ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ [ جَاءَ فِي الأَصْلِ : شَرِيكٌ ، عَنِ النَّخَعِيِّ ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ ] ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ جِدًا ؛ لِثَلَاثَةٍ أُمُورٍ :
الأَوَّلُ : جَابِرٌ هُوَ : ابْنُ يَزِيدَ ، الجُعْفِيُّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
الثَّانِي : الانْقِطَاعُ مِنْ جِهَتَيْنِ : مِنْ جِهَةِ شَرِيكٍ ؛ فَقَدْ عَلَّقَهُ الجَاحِظُ عَنْهُ ، وَمِنْ جِهَةِ جَابِرٍ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ عَبَّاسٍ .
الثَّالِثُ : شَرِيكٌ هُوَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، النَّخَعِيُّ ، صَدُوقٌ ، يُخْطِئُ كَثِيرًا ، تَقَدَّمَ الكَلَامُ عَلَيْهِ .
أَثَرُ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _
عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ ؛ قَالَتْ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ " .
أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ " (9/425) فِي تَرْجَمَةِ ( أَبِي فَرْوَةَ ) ؛ فَقَالَ : " رَوَى عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ... ، فَذَكَرَهَ " ، ثُمَّ قَالَ : " رَوَى عَنْهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ " ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي " الاسْتِغْنَاءِ " (3/1504) ، وَالذَّهَبِيُّ فِي " الـمُقْتَنَى فِي سَرْدِ الكُنَى " (2/13) .
أَقُولُ : هَذَ الأَثَرُ لِعَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ السُّنَّةِ ، إِنَّمَا وَرَدَ فِي كُتُبِ التَّرَاجِمِ ، وَأَبُو فَرْوَةَ _ هَذَا _ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ ، تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُدَيْرٍ الحِمْصِيُّ ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّه يَرْوِى عَنْ عَائِشَةَ ، لَكِنِّي قَدْ وَقَفْتُ لَهُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ فِي " مُسْنَدِهِ " (1/158 _ رقم : 8) ، وَابْنِ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (1/270) ، وَكَذَلِكَ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ عِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِ دِمَشْقَ " (29/127) ، وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ كَمَا فِي " الاسْتِغْنَاءِ " (3/1505) لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ .
فَالأَثَرُ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ أَبِي فَرْوَةَ ، وَلِلانْقِطَاعِ فِي إِسْنَادِهِ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ .
أَثَرُ أُمِّ سَلَمَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _
عَنْ قَرِيْبَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ؛ قَالَتْ : كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغِ .
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/261 _ رقم : 19899) قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ ؛ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي قَرِيْبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ؛ قَرِيبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ ، مَجْهُولَةٌ ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ ابْنِ أَخِيهَا مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ وَهُوَ : الزَّمْعِيُّ ، وَالزَّمْعِيُّ _ هَذَا _ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَابْنُ القَطَّانِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " (7/458) وَ " مَشَاهِيرِ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ " (ص : 224) وَقَالَ : " مِنْ جِلَّةِ أَهْلِ الـمَدِينَةِ ، ... ، وَكَانَ يُغْرِبُ " ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : " صَالِحٌ ، قَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ ، وَلَهُ مَشَايِخُ مَجْهُولُونَ " ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " وَهُوَ _ عِنْدِي _ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِرِوَايَاتِه ِ " ، أَمَّا الإِمَامُ أَحْمَدُ ؛ فَقَالَ : " لَا يُعْجِبُنِي حَدِيثُهُ " ، وقَالَ ابْنُ الـمَدِينِيِّ : " ضَعِيفُ الحَدِيثِ ، مُنْكَرُ الحَدِيثِ " ، وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ : القَطَوَانِيُّ ، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ : " لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ " ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ : " كَانَ مُنْكَرَ الحَدِيثِ ، فِي التَّشَيُّعِ مُفْرِطًا ، وَكَتَبُوا عَنْهُ ضَرُورَةً " ، وَمَشَّى حَالَهُ أَغْلَبُ النُّقَّادِ ، فَهُوَ فِي الجُمْلَةِ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِلاعْتِبَارِ .
أَثَرُ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الـمَكِّيِّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _
عَنْ مُجَاهِدٍ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الوَزَغِ .
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/261 _ رقم : 19901) قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ؛ لِأَجْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلَامُ عَلَيْهِ ، وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ .
أَثَرُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _
عَنْ إِبْرَاهِيمَ ؛ قَالَ : سَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ الوَزَغِ ؛ يُقْتَلُ فِي الحَرَمِ ؟ ، فَقَالَ : إِذَا آذَاكَ ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " الـمُصَنَّفِ " (3/447 _ رقم : 15849) قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، بِهِ .
أَقُولُ : إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ : ابْنُ نَافِعٍ ، الـمَخْزُومِيُّ ، الـمَكِّيُّ .
أَثَرٌ آخَرُ عَنْهُ : أَخْرَجَ الفَاكِهِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (3/380) مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الـمَجِيدِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ _ وَاللَّفْظُ لَهُ _ ، وَالأَزْرَقِيُّ فِي " أَخْبَارِ مَكَّةَ " (2/149) مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَقَالَ عَطَاءٌ : " وَكُلُّ عَدُوٍّ لَكَ لَمْ يُذْكَرْ قَتْلُهُ ، فَاقْتُلْهُ وَأَنْتَ حَرَامٌ " ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : الْعُقَابُ فَإِنَّهَا تَخْطَفُ _ زَعَمُوا _ حَمَلَ الضَّأْنِ ؟ ، قَالَ : " اقْتُلْهَا " ، قُلْتُ : فَالصَّقْرُ ، وَالْحُمَيْمِيق ُ( 23 ) ؛ فَإِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ حَمَامَ الـمُسْلِمِينَ ؟ ، قَالَ : " فَاقْتُلْ " ، قَالَ : وَأَقْتُلُ الْبَعُوضَ ، وَالدَّوَابَّ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : " وَاقْتُلِ الذِّئْبَ ؛ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ " ، وَقَالَ عَطَاءٌ : " وَاقْتُلِ الوَزَغَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ ، وَاقْتُلِ الجَانَّ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ " .
وَجَاءَ عِنْدَ الأَزْرَقِيِّ : ( وَاقْتُلِ البَعُوضَ وَالذُّبَابَ ) بَدَلًا مِنْ : ( وَأَقْتُلُ البَعُوضَ وَالدَّوَابَّ ؟ ) .
أَقُولُ : وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ؛ فَمُسْلِمٌ _ وَهُوَ : ابْنُ خَالِدٍ ، الـمَكِّيُّ _ ، وَعَبْدُ الـمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ كِلَاهُمَا صَدُوقٌ ، وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ يُدَلِّسُ إِلَّا أَنَّ سِيَاقَ الكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ ، وعَطَاءٌ يُجِيبُهُ .
أَمَّا بالنِّسْبَةِ لِلْفَاكِهِيِّ وَالأَزْرَقِيِّ( 24 ) ؛ فَهُمَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالسَّتْرِ _ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى _ ، كَمَا حَرَّرَ حَالَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو تَيْمِيَّةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيفٍ الـمِيلِيُّ _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ فِي بَحْثٍ لَهُ مَنْشُورٍ عَلَى مَوْقِعِ " الأَلُوكَةِ " .
أَثَرُ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _
عَنْ قَتَادَةَ _ يَرْوِيهِ _ ؛ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ كَانَ لَهُ قِيرَاطُ أَجْرٍ " .
أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الـمُصَنَّفِ " (4/447 _ رقم : 8397) عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .
أَثَرُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ _ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى _
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ؛ قَالَ : " لَأَنْ أَقْتُلَ مِائَةً مِنَ الوَزَغِ ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أُعْتِقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ " .
ذَكَرَهُ الجَاحِظُ فِي كِتَابِ " الحَيَوَانِ " (4/403) _ مُعَلَّقًا _ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ ، عَنْ [ يَحْيَى بْنِ ] عُقَيْلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ ، لَوْلَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ ، وَمَا بَيْنَ الـمَعْقُوفَيْن ِ سَقَطَ مِنَ الأَصْلِ ، وَهُوَ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مُتَدَاوَلٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ .
أَثَرُ أَبِي هَاشِمٍ _ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى _
عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ؛ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً ؛ حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعِينَ خَطِيئَةً ، وَمَنْ قَتَلَ سَبْعًا ؛ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ " .
ذَكَرَهُ الجَاحِظُ فِي كِتَابِ " الحَيَوانِ " (4/402) _ مُعَلَّقًا _ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الوَاسِطِيِّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ ، بِهِ .
أَقُولُ : هَذَا أَثَرٌ ضَعِيفٌ ؛ لِلْجَهَالَةِ وَالانْقِطَاعِ :
أَمَّا الجَهَالَةُ ؛ فَأَبُو دَاوُدَ الوَاسِطِيُّ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ ، وَلَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ الوَاسِطِيُّ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ _ كَمَا فِي " الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " (9/368) _ : " شَيْخٌ لِشُعْبَةَ ، وَاسِطِيٌ ، مَجْهُولٌ " ، وَأَبُو هَاشِمٍ _ شَيْخُهُ _ أَظُنُّهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ ، أَبُو هَاشِمٍ ، الرُّمَّانِيُّ ، الوَاسِطِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ .
وَأَمَّا الانْقِطَاعُ ؛ فَبِسَبَبِ التَّعْلِيقِ .
_ تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى _
( 1 ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ " صَحِيحِهِ " (1/11) ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي " الـمَدْخَلِ إِلَى السُّنَنِ الكُبْرَى " (ص : 362) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ فِي " الطُّيُورِيَّات ِ " (رقم : 61) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : ... ، فَذَكَرَهُ .
أَقُولُ : هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ؛ فَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ مَسْعُودٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، وَلَكِنَّ الـمَعْنَى صَحِيحٌ ، لِأَجْلَ هَذَا أَوْرَدْنَاهُ هُنَا .
( 2 ) فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي عَصْرٍ يَصْدُقُ فِيهِ قَولُ لَبِيدٍ _ الشَّاعِرِ _ :
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ
( 3 ) التَّقْمِيشُ والقَمْشُ : جَمْعُ الشَّيْءِ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ، وَقَدْ أَخْرَجَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ فِي " الجَامِعِ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ " (2/220 _ رقم : 1670) مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا كَتَبْتَ ؛ فَقَمِّشْ ، وَإِذَا حَدَّثْتَ ؛ فَفَتِّشْ " .
وَكَذَا رُوِيَتْ هَذِهِ العِبَارَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، أَخْرَجَهَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ فِي " شَرْطِ القِرَاءَةِ عَلَى الشُّيُوخِ " (ص : 56) مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ مُجَالِدٍ _ الـمُعَبِّرِ _ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، مِثْلَهُ .
( 4 ) هُوَ : أَحْمَدُ بْنُ حَائِطٍ ، الـمُعْتَزِلِيّ ُ ، رَئِيسُ الفِرْقَةِ ( الحَائِطِيَّةِ ) ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ النَّظَّامِ الـمُتَكَلِّمِ ، ذِي الضَّلَالِ وَالإِجْرَامِ ، وَهُوَ مِنَ القَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ : " الوَافِي بِالوَفِيَّاتِ " (6/186) .
( 5 ) الصُّرَدُ : طَائِرٌ أَكْبَرُ مِنَ العُصْفُورِ ، ضَخْمُ الرَّأْسِ وَالـمِنْقَارِ ، يَصِيدُ صِغَارَ الحَشَرَاتِ ، وَرُبَّمَا صَادَ العُصْفُورَ .
( 6 ) الحِدَأَةُ : طَائِرٌ مِنَ الجَوَارِحِ ينْقَضُّ عَلَى الجِرْذَانِ ، وَالدَّوَاجِنِ ، وَالأَطْعِمَةِ ، وَنَحْوِهَا ، يُقَالُ : هُوَ أَخْطَفُ مِنَ الحِدَأَةِ .
( 7 ) " نَقْضُ أُصُولِ العَقْلَانِيِين َ " (2/29 _ 30) بِاخْتِصَارٍ وَتَصَرُّفٍ .
( 8 ) " لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ " (1/500) .
( 9 ) انْظُرْ مَنْهَجَهُ فِي كِتَابِهِ " الثِّقَاتِ " : كِتَابَ شَيْخِنَا الجُدَيْعِ " تَحْرِيرَ عُلُومِ الحَدِيثِ " (1/328) .
( 10 ) الخَارِفُ : هُوَ الَّذِي يَخْرِفُ الثَّمَرَ ، أَيْ : يَجْتَنِيهِ .
( 11 ) جَاءَ فِي الأَصْلِ : ذَاكَرتُهُ .
( 12 ) وَهُوَ مَنْشُورٌ عَلَى مَوْقِعِ : ( مُلْتَقَى أَهْلِ الحَدِيثِ ) ، وَمَوْقِعِ : ( شَبَكَةِ الأَلُوكَةِ _ الـمَجْلِسِ العِلْمِيِّ ) .
( 13 ) كَذَا ضَبَطَهُ الزِّرِكْلِيُّ فِي " الأَعْلَامِ " (7/227) .
( 14 ) ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي كِتَابِهِ " الـمُحَلَّى " (5/274) _ مُعَلَّقَةً _ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ؛ بِلَفْظِ : ( أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الوَزَغَ فِي بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَطَأٌ .
( 15 ) يَقُولُ الشَّيْخُ أَبُو تَيْمِيَّةَ ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيفٍ ، الـمِيلِيُّ ، الجَزَائِرِيُّ _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ : " ( حَالُ الفَاكِهِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، صَاحِبِ " أَخْبَارِ مَكَّةَ " ) .
بِدَايَةً :لَمْ يُتَرْجَمْ لِلْفَاكِهِيِّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ تَرْجَمَةً تَلِيقُ بِهِ وَبِكِتَابِهِ ، مَعَ عَظِيمِ فَائِدَةِ كِتَابِهِ وَغَزَارَةِ مَادَّتِهِ وَنَفَاسَةِ مَرْوِيَّاتِهِ ، وَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِمَّنِ اطَّلَعَ عَلَى كِتَابِهِ ! .
وَإِنَّكَ مَعَ البَحْثِ الشَّدِيدِ : لَا تَقِفُ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ تَوْثِيقًا وَلَا تَجْرِيحًا ، لَكِنِّي مِنْ خِلَالِ النَّظَرِ فِي حَالِهِ وَحَالِ كِتَابِهِ وَبَعْضِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْجَمَتِهِ ؛ أَقُولُ _ وَالعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ _ :
إِنَّ الفَاكِهِيَّ عَالِمٌ ، مُحَدِّثٌ ، صَدُوقٌ ، يُوثَقُ بِمَرْوِيَّاتِه ِ وَأَسَانِيدِهِ لِدَلَائِلَ عِدَّةٍ :
أَوَّلًا : أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي زَمَانِهِ وَلَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ عُصُورِ النَّقْدِ وَالتَّدْوِينِ : تَرْجَمَهُ بِجَرْحٍ أَوِ انْتَقَدَهُ بِاسْتِنْكَارِه ِ لِجُمْلَةٍ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ وَأَحَادِيثِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهَا _ حَسَبَ عِلْمِي _ ، وَكِتَابُهُ كَانَ مَعْرُوفًا لَدَيْهِمْ .
وَعَبَّرْتُ بِقَوْلِي : " جُمْلَةٍ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ " لأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الجَرْحُ ، فَالحَدِيثُ الوَاحِدُ الـمُسْتَنْكَرُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي العَادَةِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الحَدِيثُ الوَاحِدُ شَدِيدُ النَّكَارَةِ طَاعِنًا فِي الرَّاوِي بِقِلَّةِ الضَّبْطِ وَاخْتِلَالِ حِفْظِهِ ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ لَدَى أَهْلِ الصَّنْعَةِ ! .
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصِ بْنِ بُغَيْلٍ مِنَ " المِيزَانِ " (1/ 556) مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ القَطَّانِ فِيهِ : ( لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ وَلَا يُعْرَفُ ) : ( قُلْتُ :لَمْ أَذْكُرْ هَذَا النَّوْعَ فِي كِتَابِي هَذَا ، فَإِنَّ ابْنَ القَطَّانَ يَتَكَلَّمُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ إِمَامٌ عَاصَرَ ذَاكَ الرَّجُلَ أَوْ أَخَذَ عَمَّنْ عَاصَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَالَتِهِ ، وَهَذَا شَيْءٌ كَثِيرٌ ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ هَذَا النَّمَطِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مَسْتُورُونَ مَا ضَعَّفَهُمْ أَحَدٌ وَلَا هُمْ بِمَجَاهِيلَ ) اهـ.
قُلْتُ : وَالشُّهْرَةُ بِالطَّلَبِ مَعَ خُلُوِّ الرَّاوِي مِنَ النَّقْدِ عَلَامَةُ اسْتِقَامَةِ مَرْوِيَّاتِهِ وَثِقَتِهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ ، وَإِلَّا لَصَاحُوا بِهِ كَمَا صَاحُوا فِيمَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ شُهْرَةً وَرِوَايَةً ، وَهُمُ الشُّيُوخُ مِنَ الرُّوَاةِ وَأَشْبَاهِ الـمَجَاهِيلِ مِمَّنْ لَا تَكَادُ تُذْكَرُ لَهُمْ رِوَايَةٌ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا ، وَمَعَ هَذَا تَكَلَّمُوا فِيهِمْ ، فَافْهَمْ هَذَا فَهُوَ مُهِمٌّ .
وَصَاحِبُنَا الفَاكِهِيُّ صَاحِبُ رِحْلَةٍ وَطَلَبٍ ، وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ الحَدِيثِ وَطَلَبَتِهِ ، فَقَدْ رَوَى فِي كِتَابِهِ _ الجُزْءِ الثَّانِي مِنْهُ فَقَطْ ، وَهُوَ الـمَوْجُودُ حَالِيًّا _ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ مِئَتَيْ شَيْخٍ ، كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنَ الحُفَّاظِ الـمَشَاهِيرِ .
وَمِنْ خِلَالِ النَّظَرِ فِي كِتَابِهِ : تَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رِحْلَةٍ ؛ شِمَالًا إِلَى بَغْدَادَ وَالكُوفَةَ ، وَجَنُوبًا إِلَى اليَمَنِ : صَنْعَاءَ ، وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ سَاقَ الـمُحَقِّقُ فِي مُقَدِّمَةِ الكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
كَمَا تَدُلُّ بَعْضُ عِبَارَتِهِ فِي الكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنَ الوُجَهَاءِ الـمَعْرُوفِينَ فِي مَكَّةَ ، وَانْظُرْ بَعْضَ ذَلِكَ فِي الـمُقَدِّمَةِ (ص : 12 _ 14) .
ثَانِيًا : أَنَّ مِمَّنْ رَوَى عَنِ الفَاكِهِيِّ وَتَتَلْمَذَ لَهُ : الإِمَامُ العُقَيْلِيُّ ، فَرَوَى عَنْهُ : حَدِيثَيْنِ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ " الضُّعَفَاءِ " (2/286) وَ (4/ 404) .
وَالعُقَيْلِيُّ إِمَامٌ نَاقِدٌ عَارِفٌ ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مَرْوِيَّاتُ الفَاكِهِيِّ ، وَلَا كَذَلِكَ _ فِيمَا أَظُنُّ _ كِتَابُهُ " أَخْبَارُ مَكَّةَ " ، فَالرِّوَايَتَا نِ الـمَذْكُورَتَا نِ مَوْجُودَتَانِ فِي كِتَابِهِ الـمَطْبُوعِ : " أَخْبَارِ مَكَّةَ " .
فَلَا أَدْرِي ؛ هَلْ سَمِعَ مِنْهُ ، أَوْ قَرَأَ عَلَيْهِ كَتَابَهَ _ كُلَّهُ _ ، أَمْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا سَمِعَ فِي مَجَالِسِ التَّحْدِيثِ وَالرِّوَايَةِ مِنَ الفَاكِهِيِّ ؟! .
وَعَلَى كُلٍّ ؛ فَلَوْ كَانَ الفَاكِهِيُّ بِكَثْرَةِ مَرْوِيَّاتِهِ مَجْهُولًا أَوْ مُتَّهَمًا عِنْدَ العُقَيْلِيِّ لَبَادَرَ لِذِكْرِ ذَلِكَ ، وَقَدْ سَمَّى كِتَابَهُ : " الضُّعَفَاءُ ، وَمَنْ نُسِبَ إِلَى الكَذِبِ وَوَضْعِ الحَدِيثِ ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى حَدِيثِهِ الوَهْمُ ، وَمَنْ يُتَّهَمُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ ، وَمَجْهُولٌ رَوَى مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ، وَصَاحِبُ بِدْعَةٍ يَغْلُو فِيهَا وَيَدْعُو إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ حَالُهُ فِي الحَدِيثِ مُسْتَقِيمَةً " .
وَشِدَّةُ تَحَرِّي العُقَيْلِيِّ فِي النَّقْدِ مَعْلُومَةٌ ، وَمَا انْتِقَادَاتُ الذَّهَبِيِّ لَهُ عَنَّا بِبَعِيدَةٍ ! .
لَا سِيَّمَا وَأَنَّ هَذَا النَّاقِدَ البَصِيرَ مَكِّيٌّ مِنْ بَلَدِ صَاحِبِنَا الفَاكِهِيِّ ، فَهُوَ عَارِفٌ وَأَعْرَفُ بِأَهْلِ بَلَدِهِ .
ثَالِثًا : إِنَّ العُقَيْلِيَّ رَوَى عَنْ صَاحِبِنَا الفَاكِهِيِّ حَدِيثًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بِإِسْنَادِهِ ، وَعَصَبَ الجِنَايَةَ بِابْنِ عِيسَى فَمَنْ فَوْقَهُ ، وَلِذَا أَوْرَدَهُ فِي الضُّعَفَاءِ ؛ وَقَالَ : إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ فِيهِ نَظَرٌ ، فَاسْتَبْعَدَ الفَاكِهِيَّ شَيْخَهُ ! .
وَكَذَا فِي (4/ 404) عَصَبَ الجِنَايَةَ بِشَيْخِ الفَاكِهِيِّ : يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَدَّاحِ ، فَتَأَمَّلْ ! .
رَابِعًا : أَنَّ العُقَيْلِيَّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ نَفْسَهُ مِمَّنْ شَارَكَ الفَاكِهِيَّ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ ؛ كَالـمُحَدِّثِ ابْنِ أَبِي مَسَرَّةَ _ مُحَدِّثِ مَكَّةَ _ ، فَلِلْعُقَيْلِي ُّ مَعْرِفَةٌ بِهِ خَاصَّةٌ ؛ إِذْ هُوَ شَيْخُهُ ، وَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ ابْنَ أَبِي مَسَرَّةَ مِمَّنْ أَكْثَرَ الفَاكِهِيُّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ ، فَعَدَمُ وُجُودِ مَا يَسْتَنْكِرُهُ العُقَيْلِيُّ وَمُحَدِّثُو أَهْلِ مَكَّةَ _ عَامَّةً _ عَلَى مَرْوِيَّاتِ الفَاكِهِيِّ عَنِ الـمَكِّيِّينَ لَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى اسْتِقَامَةِ مَرْوِيَّاتِ الفَاكِهِيِّ عَنْهُمْ عَامَّةً ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي مَسَرَّةَ خَاصَّةً ، وَتَصَوُّرُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ بَعْضَ تَأَمُّلٍ ! .
خَامِسًا : مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ الفَاكِهِيِّ بِالحَدِيثِ وَطَلَبِهِ لَهُ وَعِنَايَتِهِ بِهِ : مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُ مِنَ النَّقْدِ لِبَعْضِ الأَحَادِيثِ وَالحُكْمِ عَلَيْهَا ، مَعَ التَّبَحُّرِ وَالتَّوَسُّعِ فِي سِيَاقِ الأَسَانِيدِ وَالـمَعْرِفَةِ بِتَفَاصِيلِهَا وَدَقَائِقِ مُتُونِهَا ، وَلَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ شَخْصِيَّةَ الرَّجُلِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِلْمَرْوِيَّات ِ .
مِثَالُهُ : مَا فِي (3/ 160) حَيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ _ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ _ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ القُرَشِيُّ الـمَدَنِيُّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ مَاتَ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا ؛ بَعَثَهُ اللَّهُ _ تَعَالَى _ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ ... " إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " حَدَّثَنِي بِهَذَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ _ وَعَرَضْتُهُ عَلَيْهِ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ _ ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ " .
سَادِسًا : مِمَّنْ رَوَى " تَارِيخَ مَكَّةَ " عَنِ الفَاكِهِيِّ : ابْنُهُ الـمُحَدِّثُ عَبْدُ اللَّهِ ، صَاحِبُ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مَسَرَّةَ ، وَمِمَّنْ شَارَكَهُ فِيهِ ، رَاجِعْ " تَغْلِيقَ التَّعْلِيقِ " (5/ 471) وَفِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ عَنِ الكِتَابِ : ( وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِي خَمْسَةِ أَسْفَارٍ ) .
فَهَذِهِ العَلَامَاتُ وَالقَرَائِنُ وَالدَّلَائِلُ فِي اجْتِمَاعِهَا لَا تَفَرُّقِهَا تَدُلُّكَ عَلَى حُسْنِ حَالِ هَذَا الإِمَامِ وَصِدْقِهِ وَصِدْقِ مَرْوِيَّاتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
( 16 ) كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي " الـمَرَاسِيلِ " لابْنِهِ (ص : 175) ، أَمَّا الإِمَامُ أَحْمَدُ ؛ فَقَالَ : " مَا أَعْلَمُ قَتَادَةَ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ، قِيلَ : فَابْنُ سَرْجِسَ ؟ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ سَمَاعًا " _ كَمَا فِي " الـمَرَاسِيلِ " (ص : 168) _ ، وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ الحَبِيرِ " (1/310) : " وَأَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ الـمَدِينِيِّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ ، وَابْنُ السَّكَنِ " ، وَكَذَا أَبُو زُرْعَةَ صَحَّحَ سَمَاعَهُ مِنْهُ _ كَمَا ذَكَرَ العَلَائِيُّ فِي " جَامِعِ التَّحْصِيلِ " (ص : 255) _ ، وَأَمَّا الحَاكِمُ ؛ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَ فِي " مَعْرِفَةِ عُلُومِ الحَدِيثِ " (ص : 111) : " وَأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ أَنَسٍ " ، وَقَالَ فِي " الـمُسْتَدْرَكِ " (1/297) _ عَقِبَ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ سَرْجِسَ _ : " وَلَعَلَّ مُتَوَهِّمًا يَتَوَهَّمُ أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُسْتَبْعَدٍ ، فَقَدْ سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلُ ، وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِحَدِيثِ عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ ، وَهُوَ مِنْ سَاكِنِي البَصْرَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
أَقُولُ : الظَّاهِرُ أَنَّ قَتَادَةَ سَمِعَ مِنْهُ _ كَمَا هُوَ رَأْيُ الأَكْثَرِ _ ، وَخَاصَّةً أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَرْجِسَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ سَكَنَ البَصْرَةَ _ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الحَاكِمُ ، وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَتِهِ _ ، فَهُوَ بَلَدِيُّ قَتَادَةَ ، وَكِلَاهُمَا كَانَا مُتَعَاصِرَيْنِ ، فَاحْتِمَالُ لِقَائِهِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ قَوِيٌّ .
( 17 ) أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (5/467) _ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ _ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ : قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ : مَا لَهُمْ يَتَّقُونَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ ؟ ، قَالَ : " كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الكِتَابِ " .
( 18 ) جَاءَ ذَلِكَ فِي مَقَالٍ لِلْكَاتِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَزْرَقِ الأَنْجرِيِّ ، الطَّنْجِيِّ _ وَهُوَ خِرِّيجُ دَارِ الحَدِيثِ الحَسَنِيَّةِ _ بِعِنْوَانِ : " تَبْرِئَةِ الرَّسُولِ الأَمِينِ مِنْ أَسَاطِيرِ الـمُحَدِّثِينَ ( خُرَافَةِ الوَزَغِ ) " ، وَقَدْ نُشِرَ عَلَى مَوْقِعِ : ( هسبريس ) الـمَغْرِبِيِّ ، وَهُوَ مِنْ دُعَاةِ تَجْدِيدِ الخِطَابِ الدِّينِيِّ ، وَالنَّاظِرُ فِي مَقَالِهِ السَّابِقِ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا زَالَ بِحَاجَةٍ إِلَى دُرْبَةٍ فِي هَذَا الفَنِّ _ مَعَ أَنَّهُ خِرِّيجُ دَارِ الحَدِيثِ _ ، فَهُوَ مُزْجَى البِضَاعَةِ فِي هَذَا العِلْمِ ، قَلِيلُ الصِّنَاعَةِ ، وَقَدِ اسْتَعْجَلَ الأَمْرَ قَبْلَ أَوَانِهِ ، وَمَنِ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ ؛ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ .
وَأَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ اسْتَخْدَمَ فِي مَقَالِهِ أُسْلُوبَ التَّشْنِيعِ وَالتَّشْغِيبِ عَلَى الـمُحَدِّثِينَ ، وَالتَّعْرِيضِ بِأَمَانَتِهِمْ ، حَيْثُ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ضَعْفَ الحَدِيثِ وَاضْطِرَابِهِ ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُصَحِّحُونَهُ !! .
وَمِمَّا جَاءَ فِي مَقَالِهِ : " حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ :
رَوَى سُهَيْلٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، لِدُونِ الأُولَى ، وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، لِدُونِ الثَّانِيَةِ " رَوَاهُ : مُسْلِمٌ ( ح :2240) ، وَأَبُو دَاوُدَ (ح : 5263) ، وَالتِّرْمِذِيّ ُ ، (ح : 1482) ، وَابْنُ مَاجَةَ (ح : 3229) .
هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُنْكَرٌ ، أَشَاعَهُ مُسْلِمَةُ أَهْلِ الكِتَابِ ، أَوْ وَضَعَهُ الدَّجَّالُونَ الـمُسْلِمُونَ ، فَنَسَبَهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ _ بَعْدَمَا تَلَقَّنَهُ _ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، بِدَلِيلِ هَذِهِ العِلَلِ الحَدِيثِيَّةِ القَادِحَةِ :
العِلَّةُ الأُولَى : سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ اخْتِلَاطُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، فَهُوَ ضَعِيفٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ رَوَى الحَدِيثَ قَبْلَ الاخْتِلَاطِ ، وَالعِلَّةُ الثَّانِيَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْهُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : ( فَلَهُ كَذَا وَكَذَا ) ، فَإِنَّ الَّذِي يَنْسَى العَدَدَ ؛ يَنْسَى القَائِلَ ضَرُورَةً .
العِلَّةُ الثَّانِيَةُ : اضْطَرَبَ سُهَيْلٌ فِي سَنَدِ الحَدِيثِ وَمَتْنِهِ ، فَتَأَكَّدَ أَنَّهُ رَوَى الحَدِيثَ بَعْدَ تَغَيُّرِ حِفْظِهِ ، وَبَرِئَتْ عُهْدَةُ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَهَذِهِ رِوَايَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى مَا نَقُولُ :
- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (ح : 2240) عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ ) .
- وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (ح : 2240) عَنْ سُهَيْلٍ ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّهُ قَالَ: ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً ) ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (ح : 5264) ، وَالبَيْهَقِيُّ (2/378) .
- وَفِي رِوَايَةٍ : عَنْ سُهَيْلٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَتْنِي أُخْتِي أَوْ أَخِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : ( فِي الضَّرْبَةِ الأُولَى سَبْعِينَ حَسَنَةً ) . سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (ح :5264) ، وَمُسْتَخْرَجُ أَبِي عَوَانَةَ (17/585) ، وَسُنَنُ البَيْهَقِيِّ (2/378) ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ وَالأَرْنَؤُوطُ .
فَانْظُرْ كَيْفَ اضْطَرَبَ سُهَيْلٌ الضَّعِيفُ فِي السَّنَدِ ، فَرَوَاهُ مَرَّةً : عَنْ أَبِيهِ ، وَأُخْرَى : عَنْ أُخْتِهِ ، وَثَالِثَةٌ : لَمْ يَدْرِ عَنْ أُخْتِهِ أَمْ أَخِيهِ ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى اضْطِرَابِهِ فِي الـمَتْنِ ، فَقَالَ مَرَّةً : ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ) ، وَفِي ثَانِيَةٍ : ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ) ، وَفِي الثَّالِثَةِ : ( فِي الضَّرْبَةِ الأُولَى سَبْعِينَ حَسَنَةً ) .
فَهَلْ نَأْتَمِنُ مِثْلَ هَذَا عَلَى مَقَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا انْفَرَدَ بِخُرَافَةٍ ؟ ، كَلَّا وَرَبِّ الكَعْبَةِ .
وَقَدِ اعْتَرَفَ الـمُحَدِّثُونَ بِالاضْطِرَابِ ، ثُمَّ أَصَرُّوا عَلَى تَصْحِيحِ الخُرَافَةِ :
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي ( شَرْحِهِ ) : " وَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ : ( أُخْتِي ) ، وَفِي بَعْضِهَا : ( أَخِي ) بِالتَّذْكِيرِ ، وَفِي بَعْضِهَا : ( أَبِي ) . وَذَكَرَ القَاضِي الأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ . قَالُوا : وَرِوَايَةُ : ( أَبِي ) خَطَأٌ " . اهـ .
وَفِي ( إِكْمَالِ الـمُعْلِمِ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ ) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ (7/ 174) : " رُوِيَ هَذَا الإِسْنَادُ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الجُلُودِيِّ : سُهَيْلٌ ، حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَمِنْ رِوَايَةِ الرَّازِيِّ عَنْهُ : حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَفِي كِتَابِ ( الأَطْرَافِ ) لِأَبِي مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيِّ : حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ [ أَبِي ، عَنْ ] أَبِي هُرَيْرَةَ . وَفِي ( كِتَابِ ) أَبِي دَاوُدَ : سُهَيْلٌ ، حَدَّثَنِي أَخِي أَوْ أُخْتِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " .
العِلَّةُ الثَّالِثَةُ : رَجَّحَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سُهَيْلًا سَمِعَ الخَبَرَ مِنْ أَحَدِ إِخْوَتِهِ لَا مِنْ أَبِيهِ ، فَيَكُونُ السَّنَدُ مُبْهَمًا مُنْقَطِعًا ، فَفِي ( التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ) لِلْمُنْذِرِيِّ (3/ 380) : " وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ سُهَيْلًا قَالَ : حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِي بَعْض ِنُسَخِ مُسْلِمٍ : ( أَخِي ) ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ : ( أَخِي أَوْ أُخْتِي ) عَلَى الشَّكِّ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( أَخِي وَأُخْتِي ) بِوَاوِ العَطْفِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، فَأَوْلَادُ أَبِي صَالِحٍ ؛ وَهُمْ : ( سُهَيْلٌ ، وَصَالِحٌ ، وَعَبَّادُ ، وَسَوْدَةُ ) ، لَيْسَ مِنْهُمْ مَنْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : ( قَالَ سُهَيْلٌ : حَدَّثَنِي أَبِي ) كَمَا فِي الرِّوَايَتَيْن ِ الْأُولَيَيْنِ ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ يَسْتَنْكِرُ خُرَافَةَ سُهَيْلٍ :
قَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ ( سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ ) (6/ 171) : " وَمِنْ غَرَائِبِ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيْهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ حَدِيثُ : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ) ، وَحَدِيثُ : ( فَرْخُ الزِّنَى لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ ) " ا.ه " انْتَهَى كَلَامُ الأَنْجرِيِّ ـ
أَقُولُ : تَضَمَّنَ كَلَامُ الأَنْجرِيِّ _ السَّابِقُ _ بَعْضَ الـمُغَالَطَاتِ وَالتَّدْلِيسِ : فَقَدِ ادَّعَى أَنَّ سُهَيْلًا لُقِّنَ هَذَا الحَدِيثَ ، وَهَذَا اتِّهَامٌ صَرِيحٌ أَنَّهُ كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَكَذَلِكَ وَصَفَهُ بِالاخْتِلَاطِ ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ القَطَّانِ ، وَقَدْ تَصَدَّى لَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ فِي " السِّيَرِ " (6/35 _ 36) ، وَ " الـمِيزَانِ " (4/301 _ 302) .
وَادَّعَى _ أَيْضًا _ أَنَّ النَّوَوِيَّ وَغَيْرَهُ رَجَّحُوا الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سَمَاعُ سُهَيْلٍ لِلْخَبَرِ عَنْ أَحَدِ إِخْوَتِهِ لَا عَنْ أَبِيهِ ، وَهَذِهِ دَعْوَى لَا مُسْتَنَدَ لَهَا ، فَالإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ " لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَرْجِيحِ رِوَايَةٍ عَلَى رِوَايَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ _ الَّذِي أَوْرَدَهُ الأَنْجرِيُّ _ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ رِوَايَةِ : إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ، عَنْ سُهَيْلٍ ، حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أَنَّهُ قَالَ : " فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً " ، ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ نُسَخِ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سُهَيْلٍ ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ : ( أُخْتِي ) ، وَبَعْضُهُمْ : ( أَخِي ) ، وَبَعْضُهُمْ : ( أَبِي ) ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ : " قَالُوا : وَرِوَايَةُ : ( أَبِي ) خَطَأٌ " ، إِذَنْ ؛ فَالكَلَامُ _ كُلُّهُ _ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِإِسْمَاعِيلَ ، وَالَّتِي خَالَفَ فِي سَنَدِهَا وَمَتْنِهَا ، لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الـمُتَّفَقِ عَلَى سَنَدِهَا وَمَتْنِهَا لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ : " فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً " كَمَا أَوْهَمَ كَلَامُ الأَنْجرِيِّ .
وَكَذَلِكَ لَمْ أَرَ لِغَيْرِ النَّوَوِيِّ تَرْجِيحًا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ _ كَمَا زَعَمَ الأَنْجرِيُّ _ ، وَالأَنْجرِيُّ _ هَذَا _ لَوْ ظَفَرَ بِمِثْلِ هَذَا التَّرْجِيحِ لَأَسْرَعَ فِي إِيرَادِهِ ، لَكِنَّهَا مُجَرَّدُ دَعْوَى ، وَصَدَقَ القَائِلُ :
وَالدَّعَـــــا وَى مَا لَـمْ تُقِيـــــمُـــ ــــــوا عَلَيْــــــــه َا بِيِّنَــاتٍ أَبْنَــاؤُهَــ ـــــا أَدْعِيَـــــــ ـــــاءُ
وَمِنَ القَوَاعِدِ الـمَشْهُورَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا أَهْلُ العِلْمِ فِي أَوَّلِ كُتُبِ آدَابِ البَحْثِ وَالـمُنَاظَرَة ِ : ( إِنْ كُنْتَ نَاقِلًا فَالصِّحَّةُ ، أَوْ مُدَّعِيًا فَالدَّلِـيلُ ).
أَمَّا الـمُنْذِرِيُّ ؛ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا : ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً ) بِالانْقِطَاعِ ، وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الأَخِيرَةُ الَّتِي قَصَدَهَا ، أَمَّا الرِّوَايَةُ الأُولَى وَالثَّانِيةُ ؛ فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا بالانْقِطَاعِ ، وَإِلَيْكَ نَصَّ كَلَامِهِ فِي " التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ " (3/379 _ 380) :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ _ ؛ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، دُونَ الحَسَنَةِ الأُولَى ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ ؛ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، لِدُونِ الثَّانِيَةِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيّ ُ ، وَابْنُ مَاجَةَ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِـمُسْلِمٍ : ( مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ؛ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ ) .
وَفِي أُخْرَى لِـمُسْلِمٍ ، وَأبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ : ( فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً ) .
قَالَ الحَافِظُ : وَإسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ سُهَيْلًا قَالَ : ( حَدَّثَتْنِي أُخْتِي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ) ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ : ( أَخِي ) ، ... " إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ .
أَقُولُ : فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ أَنَّ الأَنْجرِيَّ _ هَذَا _ اقْتَطَعَ كَلَامَ الـمُنْذِرِيِّ وَلَبَّسَ عَلَى القَارِئِ ، وَأَوْهَمَهُ أَنَّ الـمُنْذِرِيَّ حَكَمَ عَلَى رِوَايَةِ ( سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ) بِالانْقِطَاعِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَرَادَهُ الـمُنْذِرِيُّ .
أَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنِ الذَّهَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ اسْتَنْكَرَ حَدِيثَ سُهَيْلٍ فِي الوَزَغِ ؛ فَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنَ الذَّهَبِيِّ ، إِنَّمَا ذَكَرَهُ ضِمْنَ غَرَائِبِهِ ، أَيْ : مَا تَفَرَّدَ بِهِ ، لَيْسَ إِلَّا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الـمَتْنِ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ مِنَ الـمُكْثِرِينَ ، فَلَا غَرَابَةَ أَنْ يَتَفَرَّدَ مِثْلُهُ عَنْ شَيْخٍ بَحَدِيثٍ لَا يُشَارِكُهُ بِهِ غَيْرُهُ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ .
فَهَذَا الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الكَامِلِ " (4/524) قَدْ عَدَّ هَذَا الحَدِيثَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ ، وَمَعَ هَذَا ؛ قَالَ عَنْهُ : " وَسُهَيْلٌ عِنْدِي مَقْبُولُ الأَخْبَارِ ، ثَبْتٌ ، لَا بَأْسَ بِهِ " .
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ اضْطِرَابِ سُهَيْلٍ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ ؛ فَالجَوَابُ عَلَيْهِ فِي مَتْنِ الكِتَابِ .
( 19 ) وَانْظُرْ نَحْوَهُ _ أَيْضًا _ فِي : " مِيزَانِ الاعْتِدَالِ " (4/301 _ 302) .
( 20 ) وَأُرَاهُ هُوَ نَفْسُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، الأَوْدِيُّ ، الكُوفِيُّ ، الَّذِي تَرْجَمَهُ الإِمَامُ الـمِزِّيُّ فِي " تَهْذِيبِ الكَمَالِ " (15/373) ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَيَرْوِي عَنْهُ : مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، وَقَدْ وَصَفَهُ _ أَيْضًا _ بِأَنَّهُ جَدُّ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنَشٍ الأَوْدِيِّ ، فَيُحَرَّرُ أَمْرُهُ .
( 21 ) تَحَرَّفَ فِي الأَصْلِ إِلَى : ( عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ ) ، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " إِكْمَالِ الإِكْمَالِ " لِابْنِ نُقْطَةَ (3/88) ، وَ " تَارِيخِ الإِسْلَامِ " لِلذَّهَبِيِّ (8/482) ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ هُوَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، السَّعْدِيُّ ، الـمَرْوَزِيُّ ، الحَافِظُ ، الثِّقَةُ ، مُحَدِّثُ مَرْوَ ، قَالَ الحَاكِمُ فِيهِ : " ثِقَةٌ ، مَأْمُونٌ " ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ : " تَذْكِرَةَ الحُفَّاظِ " (2/206) ، وَ " سِيَرَ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ " (14/399) لِلذَّهَبِيِّ ، وَ " طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ " (ص : 312) لِلسُّيُوطِيِّ .
( 22 ) وَمِمَّا يُؤَكِّدُ سُقُوطُهُ مِنَ النُّسْخَةِ الـمَطْبُوعَةِ أَنَّ الحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ " الكَامِلِ " _ أَيْضًا _ ؛ فَقَالَ فِي " لِسَانِ الـمِيزَانِ " (7/301) _ فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَفْصٍ البَجَلِيِّ _ : " وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ حَفْصٍ " .
( 23 ) الحُمَيْمِيقُ : طَائِرٌ يَصِيدُ العَظَاءَ ، وَالجَنَادِبَ ، وَنَحْوَهُمَا مِنْ هَوَامِّ الأَرْضِ .
( 24 ) نَقَلْتُ _ سَابِقًا _ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي تَيْمِيَّةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَرِيفٍ الـمِيلِيِّ _ حَفِظَهُ اللَّهُ _ فِي الفَاكِهِيِّ ، وَأَرَى مِنَ الـمُنَاسِبِ _ الآنَ _ أَنْ أَنْقُلَ كَلَامَهُ فِي الأَزْرَقِيِّ إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ ؛ يَقُولُ الشَّيْخُ :
" ( حَالُ الأَزْرَقِيِّ صَاحِبِ أَخْبَارِ مَكَّةَ )
بَادِئَ ذِي بَدْءٍ ؛ أَقُولُ :
( تَارِيخُ مَكَّةَ ) هُوَ لِأَبِي الوَلِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الوَلِيدِ الأَزْرَقِيِّ ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ : ( رِوَايَةً ، وَتَخْرِيجًا ، وَعَزْوًا ، وَنَقْلًا ) ، مِنْهُمُ : الخَطَّابِيُّ ، وَالنَّوَوِيُّ ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ ، وَابْنُ القَيِّمِ ، وَالـمِزِّيُّ ، وَالذَّهَبِيُّ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَالزَّيْلَعِيّ ُ ، وَابْنُ حَجَرٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَالأَزْرَقِيُّ لَقَبٌ عُرِفَ بِهِ صَاحِبُنَا وَجَدُّهُ الـمُحَدِّثُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نِسْبَةً لِلْجَدِّ الأَعْلَى : الأَزْرَقِ ، وَكِلَاهُمَا كُنْيَتُهُ أَبُو الوَلِيدِ ، وَلَعَلَّ لِكِلَيْهِمَا كِتَابًا اسْمُهُ : ( أَخْبَارُ مَكَّةَ ) ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي ( أَسَامِي شُيُوخِ البُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحِ ) (رقم : 8) الجَدَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيَّ ، لَكِنَّهُ خَلَطَ تَرْجَمَتَهُ بِآخَرَ ، وَلَهُ مِنْ هَذَا نَمَاذِجُ ، فَقَالَ : ( أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ ، مَكِّيٌّ ، لَهُ كِتَابٌ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ ، وَيُقَالُ لَهُ : الأَزْرَقِيُّ ) .
فَالشَّاهِدُ _ هَاهُنَا _ نِسْبَةُ كِتَابٍ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ لَهُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَتَكُونَ نَوَاةُ وَأَصْلُ كِتَابِ الحَفِيدِ هِيَ كِتَابَ الجَدِّ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ مَرْوِيَّاتِهِ وَنُقُولِهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَأَحْيَانًا يَنْقُلُ جُمَلًا طَوِيلَةً مِنْ أَقْوَالِ الجَدِّ ! .
فَلَعَلَّ الأَصْلَ كَانَ لِلْجَدِّ ، فَزَادَ عَلَيْهِ الحَفِيدُ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً جِدًّا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ جَدِّهِ ، مِمَّا جَعَلَ الشُّهْرَةَ لِلْكِتَابِ لَهُ لَا لِجَدِّهِ ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمَا رَاوِي الكِتَابِ : إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيُّ ، فَزَادَ فِيهِ _ أَيْضًا _ .
وَحَالُهُ _ مِنْ خِلَالِ النَّظَرِ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَخْبَارِهِ _ وَحَالُ مَرْوِيَّاتِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى أَهْلِ الصِّدْقِ الـمَسْتُورِينَ ، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ أَسْبَابٍ :
أَوَّلًا : إِنَّ كِتَابَهُ ( أَخْبَارَ مَكَّةَ ) مَشْهُورٌ مُتَدَاوَلٌ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَثْرَةُ السَّمَاعَاتِ لَهُ ، تَجِدُ بَعْضًا مِنْهَا فِي ( ذَيْلِ التَّقْيِيدِ ) لِلْفَاسِيِّ .
وَمَعَ هَذَا ؛ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ القَرِينَةِ فِي وَصْفِنَا لِحَالِ الفَاكِهِيِّ ، فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعَادَةِ .
وَمِثْلُ حَالِهِ لَا أَتَصَوَّرُ خَفَاءَهَا عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَأَيْنَ مُحَدِّثُو أَهْلِ مَكَّةَ وَنُقَّادُهَا عَنْ بَيَانِ حَالِهِ لَوْ كَانَ وَاهِيًا أَوْ مُتَّهَمًا ؛ كَالعُقَيْلِيِّ مَثَلًا ؟! .
ثَانِيًا : لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا بَيِّنُ النَّكَارَةِ أَوْ مَوْضُوعًا رَوَاهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَا عِلَّةَ لَهُ ، يُمْكِنُنَا أَنْ نُلْصِقَهُ بِهِ ! .
وَخُلُوُّ كِتَابِهِ عَنِ الأَحَادِيثِ الـمُخْتَلَقَةِ بِالأَسَانِيدِ الـمُسْتَقِيمَة ِ الـمُرَكَّبَةِ عَلَيْهَا ؛ هَذِهِ وَحْدُهَا تُحَسِّنُ جِدًّا مِنْ حَالِهِ ، وَمَا أَفْعَلُ بِمَعْرِفَةِ حَالِهِ إِذَا كَانَتْ مَرْوِيَّاتُهُ بَيْنَ أَيْدِينَا وَيُمْكِنُ النَّظَرُ فِيهَا ، وَاعْتِبَارُهَا بَغَيْرِهَا ! .
ثَالِثًا : إِنَّ الأَزْرَقِيَّ _ الحَفِيدَ _ لَمْ يَخْلُ مِنْ عِبَارَاتٍ مُشْعِرَةٍ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، كَقَوْلِ السَّمْعَانِيِّ فِي ( الأَنْسَابِ ) (1/ 184) : ( وَقَدْ أَحْسَنَ فِي تَصْنِيفِ ذَلِكَ الكِتَابِ غَايَةَ الإِحْسَانِ ) ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً .
وَقَدْ عَدَّهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ فِي ( الصَّارِمِ الـمَسْلُولِ ) (2/ 303 و 304) مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِالسِّيرَةِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ العُلَمَاءِ كَمَا فِي ( اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ ) (2/ 649) ، وَأَكْثَرَ مِنَ العَزْوِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الحَجِّ مِنْ ( شَرْحِ العُمْدَةِ ) ، وَاسْتَدَلَّ بِأَثَرٍ رَوَاهُ فِي ( الفَتَاوَى الـمِصْرِيَّةِ ) (4/ 413) .
رَابِعًا : قَدْ عَدَّهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ مِنَ الـمَسْتُورِينَ ؛ فَقَالَ : ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً _ مَعَ كَثْرَةِ البَحْثِ _ فِي شَيْءٍ مِنَ الـمَصَادِرِ الـمَعْرُوفَةِ الـمَطْبُوعَةِ وَالـمَخْطُوطَة ِ إِلَّا قَوْلَ السَّمْعَانِيِّ ، وَإِلَّا قَوْلَ كَاتِبِ النُّسْخَةِ الأُولَى الآتِيَةِ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الكِتَابِ بَعْدَ البَسْمَلَةِ : قَالَ الحَافِظُ الـمُتْقِنُ أَبُو الوَلِيدِ الأَزْرَقِيُّ _ رَحِمَهُ اللَّهُ _ ؛ لَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْزِلَةَ الكَاتِبِ فِي العِلْمِ حَتَّى يُوثَقَ بِتَوْثِيقِهِ ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ وُرُودِ مِثْلِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ العِلْمِ ، وَلِذَلِكَ فَإِنِّي أَعْتَبِرُ الـمُؤَلِّفَ فِي حُكْمِ الـمَسْتُورِينَ عِنْدَ الـمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُسْتَأْنَسُ بِحَدِيثِهِمْ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ .. ) ( الـمُنْتَخَبُ مِنْ مَخْطُوطَاتِ الحَدِيثِ بِالظَّاهِرِيَّ ةِ ، ص : 304/ 1075/805) .
قُلْتُ : كَاتِبُ النُّسْخَةِ الـمُشَارُ إِلَيْهِ ؛ هُوَ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دَيْلَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَيْبَةَ ، وَكَتَبَ النُّسْخَةَ سَنَةَ (532 ه) .
أَقُولُ : لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى تَرْجَمَةٍ بَعْدَ بَحْثٍ ؛ لَكِنِّي وَقَفْتُ _ فِيمَا أَظُنُّ _ عَلَى أَحَدِ أَحْفَادِهِ ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ الأَصْلِ ! .
خَامِسًا : يُمْكِنُ تَقْسِيمُ كِتَابِ الأَزْرَقِيِّ _ الحَفِيدِ _ إِلَى ثَلَاثَةٍ أَقْسَامٍ :
قِسْمٌ رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ ، وَهُوَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي رِوَايَةُ كِتَابٍ كَمَا سَبَقَ شَرْحُهُ ، وَهُوَ القِسْمُ الأَكْبَرُ فِي ِكَتابِهِ ، وَالحَفِيدُ فِي مِثْلِ هَذَا مَأْمُونٌ ؛ إِذْ هُوَ إِلَى الصِّدْقِ وَالعَدَالَةِ أَقْرَبُ ، وَمَا أَشُكُّ فِي كَوْنِهِ مَأْمُونًا مِنَ الخَطَإِ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابِ جَدِّهِ .
وَالثَّانِي : مَا رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ جَدِّهِ ، وَهُوَ قِسْمٌ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : زِيَادَاتُ الخُزَاعِيِّ عَلَيْهِمَا .
فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي كِتَابِهِ _ فَقَطْ _ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ جَدِّهِ ، وَفِيمَا انْفَرَدَ بِهِ فَقَطْ ، لَا مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .