شبح التعدد
د. رقية بنت محمد المحارب
كنت وإياه في أسعد عيش ، وإن كان لا يخلو من بعض المناقشات الحادة أحياناً، إلا أنها سرعان ما كانت تزول مع إسدال الليل ستاره!
لكن الطامة الكبرى أنه حينما تزوج بأخرى أصبح يفتعل المشكلات ليجد لنفسه مبرراً فيهرب من البيت بالأيام ولا يأتي إلا لماماً، وكأنه يرضي ضميره بأداء الواجب.. رغم أنه جسد بلا روح!
كنا قد بنينا بيتنا سوياً بنصف راتبي ونصف راتبه، وكنت أحلم بالاستقرار في عشي معه، جنينا ثمرات زواجنا وزهرات بستاننا ، إلى أن تزوج فانقلبت حياتي إلى ظلام وأصبحت أتجرع الغصص كلما رأيته.. صحيح أنه عقد العهود وأقسم الإيمان أني أحب حبيبة وأنه لن يغيره شيء.. إلا أنه لم يمض عام على حياتنا حتى أمرني بالاكتفاء بالدور الأرضي ، ليسكن زوجته وابنه الصغير في الدور العلوي ؛ ليطمئن عليهما ، ولأن الإيجار أثقل كاهله، ولا داعي لمزيد من التكاليف فعنده بيت ملكاً.
نسي حبيبي أن البيت بيننا بالنصف..
طبعاً غضبت ولمته وعاتبته جدا ً، فالبيت لبنة مني ولبنة منه، ولم أنس أن جميع ما حصلت عليه من وظيفتي طوال السنوات الخمس سلمته له.. لم أفاجأ إلا بقوله: "البيت باسمي وليس لك فيه حق".
ثم ولى ظهره.. وأصبح يدخل صامتاً ويخرج صامتاً وأنا أحترق!
عشت معه ثلاثين سنة بحلوها ومرها، لم أنس شظف العيش معاً حينما كان طالباً ليس معه سوى مكافأة الجامعة، حتى إذا استوى له كل شيء ونثرت له ما في بطني من ولد حتى اكتملوا ثمانية، أصبح يعيرني بالشيب والسمنة والتجاعيد.. ويتفقد كل معايبي حتى أصبحت عديمة الثقة بنفسي ، والمشكلة أنه يكبرني بخمس سنوات إلا أنه يرى نفسه لا يزال شباباً.. ويريد بنت العشرين.. لم تمض أشهر حتى سافر لإحدى الدول العربية وتزوجها.. ومنذ ذلك الحين لم يعد لي ولا لأولادي في حياته مكان ، أما أنا فأصبح مكانه في حياتي النكد والهم.. ولسان حال أولادي دائماً: متى يعود أبي...
هذه معظم حالات النساء اللاتي تزوج أزواجهن ، فهل نلوم المرأة أم نلوم الرجل؟
إن هذه القصص واقعية، بل وفي الواقع أشد منها وأكثر مرارة.. وبقليل من التقوى من الرجال والنساء تحل المشكلة..
لماذا تكره المرأة التعدد؟
لأنه أصبح شبحاً يهدد حياتها..
لماذا يصر كثير من المعددين على تشويه صورة التعدد بأساليبهم الاستفزازية؟!
أوَ لا يعلمون أنهم يشوهون صورة الإسلام ؛ حيث يظن بعض من لا علم عنده أن هذا الظلم الذي يوقعونه بعد تعديدهم حق من حقوقهم ، لا سيما إذا كانت المرأة دائماً تؤمر بالصبر دون أن يوجه إلى الرجل دعوة للعدل ، ويزيد الطين بلة إذا كان الرجل متسماً بالصلاح أو إماماً للمسجد.
فمتى يعي هؤلاء أن الله تعالى أعلى منهم وأكبر، وأنه سيجازيهم بما فعلوه في الدنيا، أو يؤخره لهم في الآخرة.
إن المتأمل في سورة الطلاق يجد أن الله تعالى أمر بالتقوى فيها في خمسة مواضع، مع أنها لا تزيد على وجهين من المصحف، فلماذا يا ترى؟!
لأن التعامل الزوجي لا يمكن أن يفصل فيه طرف ثالث على وجه الدقة.. بل حسب إفادة أحد الطرفين ، فالتذكير بالتقوى هنا أحرى بالزجر وأدعى للمراقبة والبعد عن الظلم.. كما أن النفوس إذا تنافرت فإنه يحضر الشح ؛ ولذا كل يذكر محاسنه وينسى محاسن زوجه، ويذكر مساوئ زوجه وينسى مساوئه. لذا جاء التأكيد على مراقبة الله وتقواه في هذا التعامل...
كما أن الرجل إذا قدر فإنه يتبادر على نفسه الظلم إذا نفر وكره؛ ولذلك ذكره الله تعالى بقوله في سورة النساء: { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً}.
فويل ثم ويل ثم ويل لمن قرأ هذه الآية وتبعته امرأته تبحث عن رضاه وتستجديه السماح، وهو شامخ برأسه لا يريد أن يرضى ، لا لأنها قصرت في إرضائه ، ولكن لما يعلمه من تبعات تلزمه بعد الرضا ، فهو يريد أن يظل غاضباً سَخِطاً ليجد مبرراً لتقصيره...
فأين دور الوعاظ المصلحين؟ وأين الكتاب والمربون عن القيام بدورهم تجاه هذا المخدر الذي يوشك أن يفتك بالأسر، والشرع منه براء؟
فما شرع الله التعدد إلا لمصلحة الحفاظ على المجتمع من التفلت إذا غلب عدد النساء على الرجال ، ولكن أن يزيد المعدّد تفلت المجتمع بالذرية التي ينتجها ويهملها، فذلك أمر لا يرضاه الله تعالى ، ويأباه المؤمنون الصادقون..
والله من وراء القصد..