اللغة العربية ومواكبة التطور والحضارة

اللغة العربية ومواكبة التطور والحضارة


سالم بن عميران




تتميز اللغة العربية بأنها لغة مرنة، تتفاعل مع حركة الحياة، وتساير الزمان في تطوره في كل عصر، فهي في قومها أو مجتمعها كائن حي، ينمو ويتغير وفق متغيرات المجتمع، وتتميز عن غيرها من اللغات بخصائص متعددة تجعلها تواكب كل عصر، وما يجدّ فيه من مظاهر الحياة الجديدة والحضارة المتطورة، وتعد وسيلة مهمة في مواجهة تحديات العولمة؛ وذلك من خلال الأصول والقواعد التي وضعها الأوائل، وما قامت عليه من منهج علمي في التوليد اللفظي والدلالي لنمو اللغة وتطورها ومواكبتها للحضارة والحياة المتجددة، وأهم تلك الخصائص:


1) الإعراب:

ويقصد به احتفاظ العربية بالحركات في أواخر الكلمات، وهي أقوى خاصية من خصائص العربية (1).


2) الاشتراك:
وهو أن تكون اللفظة محتملة لمعنيين أو أكثر نحو «العين» تحتمل: «عين الماء»، و«عين المال»، و«عين السحاب» (2)، ومن الألفاظ المشتركة ذات الدلالات الكثيرة «رب» وتعني في اللغة: «السيد» و«المالك» يقال: رب الضيعة، ورب الدار.


3) التضاد:
وهو ألفاظ لكل منها معنيان أحدهما ضد الآخر مثل: «الظن» يرد بمعنى التوهم والشك، كقوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات:12)، ويأتي بمعنى اليقين والعلم، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ ملاقو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 46).


4) الترادف:
ويقصد به الألفاظ المفردة الدالة على شيء باعتبار واحد، مثل: «الوصل» و«العطية» تقول: «وصلته» و«رفدته» و«حبوته»..(3) واللغة العربية ثرية بهذه المترادفات، مثل: أسماء السيف والأسد والحية والعسل وغيرها (4).


5) القياس:
وهو استنباط مجهول من معلوم، ومن القياس في العصر الحديث ألفاظ كثيرة دعت الحاجة إلى استعمالها في التعبير عن كثير من حقائق الفلسفة والعلوم والفنون مثل: المصدر الصناعي كالجاهلية والرهبانية، وما يصاغ على وزن «فعّال» للمبالغة مثل: السبّاك والبرّاد، واسم الآلة على وزن «مفعال» مثل «محرار»، وهو ما يعرف «بالترمومتر»، وما هو على وزن «مفعل» مثل: «منجل» فاشتقوا على قياسه: «مجهر» وهو المسمى «بالميكروسكوب» (5).


6) الاشتقاق:

هو استخراج لفظ من لفظ أو صيغة من صيغة، مثل «الضرب» يشتق منه أسماء وأفعال مثل: ضارب ومضروب ويَضْرب واضْربْ..


7) التعريب (الاقتراض):

«وهو ما لفظت به العرب من غير لسانها فعربته فصار عربيًا بتعريبها إياه فهي عربية في هذه الحال» (6) وذلك بعد إخضاعها لتعديل يسير في لفظ حروفها وإخراجها عن الأوزان العربية المألوفة بحيث تصبح مع تقادم الزمن سائغة حلوة الجرس كأنها أصيلة مثل: «إجاص» عن العبرية، و«إبريق» عن الفارسية، و«إبليس» عن اليونانية، و«بركان» عن اللاتينية، و«برميل» عن الإيطالية، و«مليون» عن الفرنسية…(7)، ويطلق على هذا النوع من الألفاظ اسم «المعرّب»، وفي العصر الحديث ظهرت ألفاظ جديدة معربة، مثل (television) عربت إلى «تلفاز»، جريًا على صوغ اسم الآلة على وزن «مِفْعال»...


8) النحت:

وهو عملية اختصار واختزال في الكلمات والعبارات؛ بأن تعمد إلى كلمتين أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها كلمة تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها، كقولنا: (سبحل) من (سبحان الله)، و(حوقل) من (لا حول ولا قوة إلا بالله)...(8)، وقد استفاد المعاصرون من هذه الظاهرة، فقالوا: لحيوان الماء واليابسة «برمائي»، آخذين ذلك من كلمتي بر وماء...


9) الإيجاز:
وهو من أبرز خصائص العربية، ويشمل هذه اللغة حروفها وألفاظها وتراكيبها منطوقة ومكتوبة فمثلاً: الحرف (ع) له أربعة أشكال في العربية (ع- ـع- عـ - ـعـ) وفي اللغة الأجنبية نحتاج إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (kh) والجيم (dg) (9).
فمما سبق يظهر أن اللغة العربية من أعرق اللغات العالمية منبتًا، وأعزها جانبًا، وأقواها جلادةً، وأبلغها عبارةً، وأغزرها مادةً، وأدقها تصويرًا، لما يقع تحت الحس، وتعبيرًا عما يجول في النفس، وذلك لمرونتها على الاشتقاق، وقبولها للتهذيب وسعة صدرها للتعريب، فليس هناك معنى من المعاني ولا فكرة من الأفكار ولا عاطفة من العواطف ولا نظرية من النظريات تعجز اللغة العربية عن تصويره بالأحرف والكلمات تصويرًا صحيحًا. (10).
واللغة العربية قادرة على الاستجابة للتطور الحضاري والتعبير عنه ليس العربي أو الإسلامي فقط؛ وإنما العالمي، وهذا يعني قدرتها على الاتساع لكل تطورات العصر والتوليد والاستيعاب بل والتعبير عن كل الحالات والأحوال والإجابة عن كل سؤال معلوماتي علمي أو ثقافي أو تجاري أو صناعي أو سياسي أو أدبي (11) فلم تقف عاجزة عن تلك الحيوية ولا بدت عليها علامات الشيخوخة أو الاكتهال بل كانت - وما زالت – حية متطورة متميزة، ولعل ذلك هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة، فإن أقصى عمر هذه اللغات في شكلها الحاضر لا يتعدى قرنين من الزمان، فهي دائمة التطور والتغير والتفاعل مع اللغات المجاورة (12).
فأي كلمة نتداولها الآن ظلت تتناقل عبر آلاف السنين وتكتسب من كل جيل حرارة وطاقة جديدة من الاستخدام اليومي وجزءًا من روح الناس المتعاملين بها «وبالرغم من الرأي القائل بأن اللغة العربية تمارس وتفرض علينا أنماطًا من التفكير تكلست عبر أجيال مضت وأنها تمارس سطوة استبدادية بعكس اللغات الأخرى؛ فإن هذه اللغة هي الأكثر شبابًا وحيوية؛ فمهما بلغت شيخوخة العربية فإن ذلك يكسبها الكثير من الخبرات الحيوية والفنية ما لم يتمثل ويكتشف في لغة أخرى» (13).. فهل بعد كل ذلك توجه الاتهامات إلى لغتنا بأنها غير قادرة على مواكبة التطور والحضارة ؟!

الهوامش:

(1) انظر: كاصد ياسر الزيدي، فقه اللغة العربية، عمّان: دار الفرقان، ط1، 2004، ص72.
(2) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق: فؤاد علي منصور، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1998ج1، ص 292.
(3) أبوالحسن الرماني، الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى، تحقيق: فتح الله المصري، المنصورة: دار الوفاء، ط1، 1987، ص7.
(4) انظر: المزهر ج1، ص 320 – 321.
(5) انظر: كاصد ياسر الزيدي، مرجع سابق، ص 289 -301.
(6) منصور الجواليقي، المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة: مطبعة دار الكتب والوثائق القومية 2002، ص 5.
(7) انظر: جبور عبدالنور، المعجم الأدبي، بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1979، ص 72.
(8) ينظر د. رمضان عبدالتواب، بحوث ومقالات في اللغة، القاهرة: مكتبة الخانجي ط1، 1982، ص 182والمزهر ج1 ص 3.
(9) انظر: د. مازن المبارك، نحو وعي لغوي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1979، ص 62-63.
(10) انظر: أحمد السائح، «العربية الفصحى»، مجلة دعوة الحق،: العدد السادس، مايو 1969، ص 64.
(11) انظر: عمر عبيد حسنة، اللغة العربية تواجه التحديات، طالب عبدالرحمن، قطر: «كتاب الأمة»، العدد116، ط1، ذوالقعدة 1427، ص10.

(12) انظر: د. رمضان عبدالتواب، مرجع سابق، ص 180.
(13) توفيق القباطي، «اللغة والحداثة في الأدب العربي» مجلة الحكمة، العدد 164 سبتمبر1989م، ص 56-57.