هل العبرة في الكفارات بوقت الأداء أو بوقت الوجوب ؟
عرض للطباعة
هل العبرة في الكفارات بوقت الأداء أو بوقت الوجوب ؟
فال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثم يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّاۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
في تفسير الطبري رحمه الله لسورة المجادلة:والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال :
معنى اللام في قوله : ( لما قالوا ) بمعنى إلى أو في ؛ لأن معنى الكلام : ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه ، وإن قيل معناه : ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا أو في تحليل ما حرموا فصواب؛ لأن كل ذلك عود له ، فتأويل الكلام : ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم .
وقوله : {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} يقول : فعليه تحرير رقبة ، يعني عتق رقبة عبد أو أمة ، من قبل أن يماس الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه .
في الموسوعة الفقهية الكويتية:
"العبادات الموقّتة بوقت ، والّتي يعتبر الوقت سبباً لوجوبها ، كالصّلاة والصّيام فإنّ الوقت فيهما سبب الوجوب ؛ لقول اللّه تعالى : { أقم الصّلاة لدلوك الشّمس } ، وقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشّهر فليصمه } . هذه العبادات لا يجوز تعجيل الأداء فيها عن وقت الوجوب ، وهذا باتّفاق .
أمّا العبادات الّتي لا يعتبر الوقت سبباً لوجوبها ، وإن كان شرطاً فيها، كالزّكاة، أو المطلقة الوقت كالكفّارات، فإنّ الفقهاء يختلفون في جواز تعجيل الأداء عن وقت وجوبها أو عن أسبابها:
ففي الزّكاة مثلاً يجوز تعجيل الأداء قبل الحول متى تمّ النّصاب، وذلك عند جمهور الفقهاء، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسلّف من العبّاس رضي الله عنه زكاة عامين؛ ولأنّه حقّ مال أجّل للرّفق ، فجاز تعجيله قبل محلّه، كالدّين المؤجّل.
أمّا المالكيّة فإنّه لا يجوز عندهم إخراج الواجب قبل تمام الحول إلاّ بالزّمن اليسير كالشّهر .
وصدقة الفطر يجوز تعجيلها عن وقتها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، أمّا عند المالكيّة والحنابلة فلا يجوز إخراجها قبل وقتها إلاّ بالزّمن اليسير، كاليوم واليومين.
وكفّارة اليمين يجوز تعجيلها قبل الحنث عند الجمهور ، مع تخصيص الشّافعيّة التّقديم إذا كان بغير الصّوم ، ولا يجوز التّقديم على الحنث عند الحنفيّة.
وفي الموضوع تفصيلات كثيرة تنظر في مواضعها.".
المراد إذا وجب على شخص كفارة وكان لا يستطيع الصيام، وكان معسرًا لا يستطيع الإطعام، ثم أصبح قادرًا على الصيام ومستطيعًا للإطعام، فماذا عليه؟
جزاكم الله خيرا
قال ابن قدامة: ( والِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَةِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْن ِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا حَنِثَ، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ، فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ عَبْدٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَحَنِثَ فِيهَا، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ، أَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَوْ كَفَّارَةَ عَبْدٍ؟
قَالَ: يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكَفِّرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ حَنِثَ، لَا يَوْمَ حَلَفَ، قُلْت لَهُ: حَلَفَ وَهُوَ عَبْدٌ، وَحَنِثَ وَهُوَ حُرٌّ؟
قَالَ: يَوْمَ حَنِثَ، وَاحْتَجَّ، فَقَالَ: افْتَرَى وَهُوَ عَبْدٌ، أَيْ ثُمَّ أُعْتِقْ، فَإِنَّمَا يُجْلَدُ جَلْدَ الْعَبْدِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ؛ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُعْتَبَرُ يَسَارُهُ وَإِعْسَارُهُ حَالَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ: فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْوُجُوبِ، اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِعْسَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الرَّقَبَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، فَمَتَى وَجَدَ رَقَبَةً فِيمَا بَيْنَ الْوُجُوبِ إلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ مَالٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَغْلَظُ الْحَالَيْنِ، كَالْحَجِّ.
وَلَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ، أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، كَالْوُضُوءِ... إلى أن قال: إذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَإِنَّهُ إذَا أَيْسَرِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْإِعْتَاقِ، جَازَ لَهُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ... فَأَمَّا إنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعَجْزُ حَتَّى شَرَعَ فِي الصِّيَامِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْعِتْقِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ). [المغني: (8/ 39)، باختصار].
كذلك في الزكاة: إذا حال الحول وبلغ المال النصاب ولم يؤد الزكاة ثم نقص المال -أي بعد حلول الحول- بسرقة أو إتلاف؛ فإن الزكاة واجبة عليه؛ لأن العبرة بوقت الوجوب لا بوقت الأداء.