الرتبة البلاغية بين أرباب اليهودية والنصرانية
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم، كما هو الحال في قوله تعالى : ٱتَّخَذُوٓاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُوٓاْ إِلَٰهًا وَٰحِدًا ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ"* فهذه الآية الكريمة مبنية على ذكر اتخاذ الأرباب في اليهودية والنصرانية ،ثم تأتي المباني وهم الأرباب أو الآلهة الذين أطاعوهم من دون الله ،مرتبة بعد المبني عليه بحسب الأهمية المعنوية والزمن والفضل والشرف،وأولى المباني بالتقديم نحو المبني عليه هم الأحبار وهم علماء اليهود ،والحبر أعظم وأهم من الراهب ،كما أن اليهودية سابقة للنصرانية ،ثم يأتي المبني الثاني وهو الراهب الذي تأخر بسبب ضعف منزلة المعنى بينه وبين المبني عليه،والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع ، والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك ،كما فصل بين المتعاطفات بواسطة المفعول الثاني *أربابا*وأخر ذكر*المسيح ابن مريم*عليه السلام بسبب أهمية المفعول الثاني للفعل ،لأن تأخيره يضعف العلاقة المعنوية بينه وبين الفعل المبني عليه، وهو فعل الاتخاذ ، ومن أجل الهدف المعنوي وهو أمن اللبس ،لأن اليهود لم يعبدوا المسيح عليه السلام ،فجمع في البداية من أطاعهم اليهود والنصارى ،ثم أفرد من تفرد به النصارى دون غيرهم ، وهو المسيح عليه السلام ،ولو قدمه لأشرك اليهود والنصارى في عبادة المسيح عليه السلام بسبب علاقة الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ،وهناك شيء آخر وهو أن نصب كلمة *المسيح* يجعلها معطوفة على الأحبار والرهبان ،وهو الصحيح ،وجرها يجعلها معطوفة على الله تعالى ،وهو شرك ،بسبب الاحتياج المعنوي ومنزلة المعنى بين أجزاء التركيب ،والمتكلم يستخدم علامات المنزلة والمكانة للتمييز بين المعاني وللربط بين أجزاء التركيب برابط الاحتياج المعنوي.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب ونظمها وإعرابها ،وباختصار:الإنس ن يتحدث تحت رعاية الاهمية المعنوية وعلامات المنزلة والمكانة المانعة من اللبس.