"تعدد الزوجات" بين الإباحة والتحريم
"تعدد الزوجات" بين الإباحة والتحريم
"تعدد الزوجات" بين الإباحة والتحريم
أثار الحكم الذي أصدره كبار قضاة الهند مؤخراً بتحريم تعدد الزوجات جدلاً على مستوى البلاد التي ارتضت السماح لمسلميها البالغ عددهم 160 مليون نسمة، العيش تبعاً لنظام خاص بهم في قوانين الأحوال الشخصية تبعاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
وكانت هيئة مؤلفة من عدد من القضاة يمثلون ما يسمى بـ "اللجنة القانونية الهندية" قد زعمت أن تعدد الزوجات يتعارض مع "الشريعة الإسلامية الحقة نصاً وروحاً"، واستطردت بأن الاعتقاد السائد بأن القانون المسلم الجاري تطبيقه في الهند يسمح للرجل باتخاذ أربع زوجات خاطئ.
ورغم تواتر الإجماع في هذا الشأن بين المسلمين عبر أربعة عشر قرنا من الزمان، إلا إن كثير من الثوابت الشرعية يتعرض الآن لحملات من التشكيك، بين تفريط من يزعمون المنع بإطلاق، وإفراط من يزعمون الإباحة بإطلاق.
سردار: تعدد الزوجات في حال تحقق العدل مستحب
في هذا السياق يؤكد الشيخ عبد الله عبد الوهاب بن سردار إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة أن تعدد الزوجات عمل مستحب؛ لقول الله –تعالى-:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3].
فاختار الله – عز وجل- التزوج بأكثر من واحدة، فإن خاف الزوج عدم العدل تزوج بواحدة فقط، ثم إن التعدد هو السنة وعمل نبينا – صلى الله عليه وسلم- والله – عز وجل- يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب:21] وقال ابن عباس – رضي الله عنهما-:"إن خير هذه الأمة أكثرها نساءً" رواه البخاري (5069) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن الشيخ سردار ينوه في تطبيق التعدد بضرورة الالتزام بالضابط الشرعي حتى يكون التعدد رحمة ونعمة كما أراده الشرع، أما إذا تخلى عن الضوابط الشرعية وترك تقوى الله –عز وجل- في شأن التعدد فإنه يقع في المحاذير الشرعية والمشكلات الاجتماعية.
وأهم ضابط شرعي هو أن يعرف من نفسه أنه يعدل بين الزوجات، كما ينبغي أن يراعي أن يكون قادراً القدرة المالية على الإنفاق على زوجتين أو أكثر، ويكون قادراً القدرة البدنية على إعفاف الزوجات، ويكون قادراً القدرة الإدارية الاجتماعية بحيث يحسن عشرة الزوجات ويربي الأبناء والبنات.
ابن جبرين: ضابط العدل هو التسوية في النفقة والمبيت
ويشرح الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ضابط التعدد فيقول إن العدل هو: التسوية بين الزوجات في النفقة والْقَسْمِ، بحيث يبيت عند كل واحدة ليلة، ويُسَوِّي بينهن في الطعام والكسوة فللرجل أن يتزوج اثنتين أو ثلاثًا أو أَرْبَعًا كما ورد ذلك في القرآن، لكن إذا خاف أنه لا يعدل بينهن اقتصر على واحدة.
وكان الشيخ ابن جبرين قد قدم في هذا السياق كتابا للداعية السعودي محمد بن سعد الشهراني بعنوان "سؤالات في تعدد الزوجات"، ذكر فيه الكاتب أن الأصل الشرعي في مسألة تعدد الزوجات هو الإباحة، إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما التحريم أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة.
فيكون التعدد محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يتزوّج بزوجة خامسة أو يجمع بين المرأة وأختها والله تعالى يقول : {وأن تجمعوا بين الأختين} أو بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد نهى النبي عن ذلك. ويكون محرّماً إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل.
ويكون التعدد واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرََّم أو يمنع من واجب، كمن عنده زوجة لا تغنيه عن النساء وإن لم يعدِّد وقع في الزنا والعياذ بالله، وهذا ما يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم "إذا خاف على نفسه الفتنة وكان قادراً على النفقة والمبيت".
الشهراني: قد يكون التعدد مستحبا أو حراما !
ويكون التعدد مستحبًّا – والكلام للشيخ الشهراني - إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كالإكثار من النسل، فإن الرسول سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة، أو كالإعانة في إنقاص عدد العوانس من المسلمات أو لرعاية أرامل المسلمين.
ويكون التعدد مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى بسببه من غير سوء فيها يؤدِّي إلى طلاقها، أو إذا كان فعله سيشغله عن تحصيل فضائل الأمور كطلب العلم والعمل الخيري، أو أن يعدِّد مَن كان ضيِّق الصدر كثير الغضب، فهذا أكره له التعدد، لأن التعدد يحتاج إلى حلم وسعة صدر للزوجات .
بن باز: كاره "تعدد الزوجات" كاره لشرع الله
وكان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قد حذر- في مقال نشره بمجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة - من خطورة إنكار الأحكام الشرعية القطعية الثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد يفضي إلى الكفر الصراح عياذا بالله.
وفي سياق مسألة تعدد الزوجات قال الشيخ ابن باز إن من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد هو أفضل، جاحدا متعمدا، هو كافر ومرتد عن الإسلام، لأنه بهذا يكون منكرا لحكم الله وكاره لما شرع الله؛ والله يقول سبحانه: }ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم{، فمن كره ما أنزل الله حبط عمله؛ والذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة قد ظلمت؛ أو أن حكم الله في هذا ناقص فهو مرتد عن الإسلام، ومثله كمن يقول إن دم الصلاة أولى أو عدم الصيام أولى أو عدم الزكاة أولى.
وأكد العلامة المحقق د.أحمد محمد شاكر على كلام ابن باز، وأنكر على من يعطلون أحكام الشريعة في مسألة التعدد بدعوى أن شرط العدل غير متحقق دائما! لقوله تعالى: }ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم{، فقال: اتجه هؤلاء وجهة يتلاعبون فيها بالقرآن: فزعموا أنّ إباحة التعدد مشروطة بشرط العدل، وأنّ الله -سبحانه- أخبر بأنّ العدل غير مستطاع، فهذه أمارة تحريمه عندهم!! إذ قصَروا استدلالهم على بعض الآية: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}، وتركوا باقيَها: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة ِ}، فكانوا كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض!
واستنادا إلى ما قرره علماء المسلمين في قضية التعدد أبدت القيادات المسلمة في الهند من جميع الأطياف اختلافها مع وجهة نظر "اللجنة القانونية"، مؤكدين أن ملاحظاتها خاطئة ولا أساس لها من الصحة.
وصرح عبد الرحيم قريشي مساعد الأمين العام لـ"مجلس قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند"، في بيان صحافي بأنه من المؤسف أن تخلص "اللجنة القانونية" إلى مثل هذه النتيجة دون فهم للقرآن والسنة التي اقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وطالب المجلس الحكومة الهندية بمشاورة مسلمي البلاد، خاصة العلماء وأعضاء المجلس الذين يمثلون المسلمين من جميع المدارس الفقهية، قبل الشروع في صياغة أي سياسة اعتمادا على أحكام ما أنزل الله بها من سلطان.
* المصدر: موقع الفقه الإسلامي
