الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة ( 1 )
مقدمة في الدفاع عن السنة
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المربين وقائد الغر المحجلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد وضع الله - عز وجل - سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالمقام الأسمى، والمحل الأرفع، إذ أوكل إليه - صلى الله عليه وسلم - مع مهمة البلاغ، وظيفة التبيين، فقال تعالى: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم...)) [النحل:44].
والبيان اسم جامع لمعانٍ مجتمعة الأصول، متشعبة الفروع:
أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيًا.
الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك، كما بين أن الظلم المذكور في قوله تعالى: ((ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)) [الأنعام: 82]، هو الشرك (1).
الثالث: بيانه بالفعل كما بين أوقات الصلاة للسائل بفعله (2).
الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن، فينزل القرآن ببيانها، كما سئل عن قذف الزوجة فجاء القرآن باللعان ونظائره (3).
الخامس: بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنًا، كما سئل عن رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بالخلوق، فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبة ويزيل أثر الخلوق (4).
السادس: بيانه للأحكام بالسنة ابتداءً من غير سؤال كما حرم عليهم لحوم الحمر (5) والمتعة (6).
السابع: بيانه للأمة جواز الشيء بفعله هو له، وعدم نهيهم عن التأسي به.
الثامن: بيانه جواز الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده، أو يعلمهم يفعلونه.
التاسع: بيانه إباحة الشيء عفوًا بالسكوت عن تحريمه وإن لم يأذن فيه نطقًا.
العاشر: أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته، ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة وأحوال وأوصاف، فيحيل الرب - سبحانه وتعالى- على رسوله في بيانها؛ كقوله تعالى: ((وأحل لكم ما وراء ذلك))[النساء:24]، فالحل موقوف على شروط النكاح، وانتفاء موانعه، وحضور وقته، وأهلية المحل، فجاءت السنة ببيان ذلك كله.
فكل ما شرعه - صلى الله عليه وسلم - للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه، ولا فرق بين ما يبلغ عنه من كلامه المتلو وبين وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع، ومخالفة هذا كمخالفة هذا (7).
وإذا كانت تلك منزلة السنة وهذه أهميتها، فإن إنكارها، والاعتداء عليها، والعبث بها، والتشكيك في حجيتها، واختلاق الأكاذيب حولها، وهو ما سعت إليه الفرق المنحرفة قديمًا، ويسعى إليه المنحرفون حديثًا، كل ذلك يعد أمرًا بالغ الخطورة، إذ إن ذلك يترتب عليه فتح أبواب شر تقوض بنيان الإسلام، وذلك لما يلي:
أولاً: أن الأحكام الشرعية العلمية الأصولية "العقائد" يتوقف بيانها وتفاصيلها على السنة النبوية بعد القرآن الكريم ومعه ، فإنكار السنة النبوية يهدد العقائد بالبتر والإبهام، فيمس ما يتعلق بالإلهيات، والنبوات، والسمعيات، وما سوى ذلك من مسائل العقائد، فهل يقام دين على عقائد مبتورة مبهمة؟!
ثانيًا: القضاء على أصول الأحكام الشرعية العملية "أصول الفقه الإسلامي"؛ لأن هذا العلم يتصدى للأدلة التي تبنى عليها الأحكام، وقد أجمع الأصوليون على أن السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وعلى هذا فإنكار السنة النبوية يجعل الفقه الإسلامي في مهب الرياح؛ لعدم ارتكازه على أدلة، ولافتقاره إلى أسس.
ثالثًا: تحطيم فقه الفروع "المذهبي والمقارن" لأن جل المسائل الفقهية والوقائع تستند إلى السنة النبوية إما بالبيان والإيضاح؛ كمواقيت وأعداد وهيئات الصلوات المفروضة، وإما بالاستقلال مثل كفارة من أفسد صوم رمضان، وعقوبتي شارب المسكر والمرتد، والآداب والسلوكيات وفضائل الأعمال وغير ذلك.
رابعًا: تشويه علوم القرآن الكريم لاستنادها في كثير من قضاياها على السنة النبوية، وتهديد علم التفسير لارتكازه في جل ما يعرض له على السنة النبوية (8).
وهكذا فإن إنكار السنة يمهد السبل للتشكيك في القرآن نفسه، ويعطل الآيات التي تحث وتحض على اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واتخاذه قدوة، وتحكيمه، والرضا بحكمه، وإيثار طاعته على ما سواه، حتى تمسي الأمة بغير تشريع واضح المعالم، قوي الدلالة؛ إذ قد تعرضت أصول التشريع وفروعه للافتراء والاجتراء.
إن الطعن في السنة النبوية هدم للإسلام في عقائده، وعباداته، ونظمه، وأخلاقه، وهدم لوحدته، وسبب في تخلف المسلمين عن ركب الحضارة.
يقول الأستاذ محمد أسد: " لقد كانت السنة مفتاحًا لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، فلماذا لا تكون مفتاحًا لفهم انحلالنا الحاضر؟. إن العمل بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام.
لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما أفيدهشك أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟ (9).
وهذا ما يخطط له أعداء الإسلام، سواء الظاهرون العداوة له المتظاهرون عليه، أو اللابسون عباءته بهتانًا وزورًا، ولكن وإن سعوا ما أمكنهم، فلن يصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة، بل سيظلون يتخبطون تخبطًا عشوائيًا في متاهات مظلمة، كثيرة الالتواء، صعبة المخرج، إلى أن يموتوا غيظًا، وكمدًا، وحقدًا؛ لأن الله - عز وجل - تكفل بحفظ دينه من كل من يريده بسوء، وحفظ أهله من كل من يريدهم بشر، كما يدل على ذلك قوله تعالى: ((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)) [التوبة:32-33].
وما شأن شراذم البغي - قديمًا وحديثًا - ومحاولاتهم للنيل من السنة المطهرة إلا كشأن من قال عنه الأعشى:
كناطح صخرة يومًا ليوهنها فلم يضرها، وأوهى قرنَه الوَعِلُ
وهم ببغيهم وافترائهم واعتدائهم وتزييفهم وقالتهم الكاذبة، إنما يظلمون أنفسهم ودينهم: ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)) [الشعراء:227].
وفي هذه الزاوية سنقف مع اختلاقهم وأكاذيبهم، وسنعرض لشبهاتهم وافتراءاتهم، داحضين لها، مفندين إياها، ليتضح الحق، ويفتضح الباطل، والله نستمد منه العون، ونسأله التوفيق. ((وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)).
الهوامش:
(1) صحيح البخاري:(32)، وصحيح مسلم: (327).
(2) صحيح مسلم: (613).
(3) صحيح البخاري: (4745).
(4) صحيح البخاري: (1789)، وصحيح مسلم: (1180).
(5) أبو داود: (4604)، والترمذي: (2663)، وابن حبان:(12)، وصححه الحاكم: (1/ 109)، وأقره الذهبي.
(6) صحيح البخاري: (4216)، وصحيح مسلم: (1407).
(7) إعلام الموقعين: (4/ 97- 104).
(8) السنة النبوية- دكتور أحمد كريمة، ص: 27، 28.
(9) الإسلام على مفترق الطرق، ص: 87.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 11 )
السنة في اصطلاح الأصوليين( 2- 5 )
.ويقصد بصفاته – صلى الله عليه وسلم – الخَلقية: ما يتعلق بذاته وتكوينه، ومن أمثلة ذلك:
1- حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)(1).
2- حديث البراء أيضاً، قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مربوعاً، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه)(2).
3- حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: (ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت ريحاً قط أو عرفاً قط أطيب من ريح أو عرف النبي - صلى الله عليه وسلم-)(3).
ويطرح أستاذنا الدكتور/ مروان شاهين سؤالاً له وجاهته، ويجيب عنه فيقول –حفظه الله-: " يسأل سائل: كيف نعتبر الصفات الخلقية له - صلى الله عليه وسلم - من السنة مع أنه لا يمكن الاقتداء بها؛ لأنها من قدر الله تعالى، ونحن لا نتعلم السنة إلا لكي نقتدي برسولنا - صلى الله عليه وسلم - ونتبعه في هديه كله ؟.
والجواب من عدة وجوه:
أولاً: لكي نعلم الصفات الخلقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يعقل أن يكون هو رسولنا الذي هدانا الله تعالى به، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور ثم لا نعلم ما هي الهيئة الخلقية التي أوجده الله تعالى عليها.
ثانيا: حتى يتأكد لنا أن الله تعالى قد خلقه على أحسن هيئة، وأكمل صورة بشرية – كما خلقه أيضاً بريئاً من العيوب الخلقية – حتى تجتمع القلوب حوله، وهذا يعتبر من الأدلة على صدق رسالته - صلى الله عليه وسلم -، لأن الله تعالى قد برأ الأنبياء جميعاً من أي عيب خلقي.
ثالثا: لكي يتأكد لنا أن الله تعالى قد أوجده على نفس الهيئة، وبنفس الصفات التي ذكرت في الكتب السابقة، وفي هذا دليل واضح على صدق رسالته - صلى الله عليه وسلم -، ولعل ما ورد في كتب السيرة من قصة بحيرا الراهب الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صباه في الثانية عشرة من عمره أثناء رحلته إلى الشام مع عمه أبي طالب، وعرف بحيرا الراهب أنه النبي المنتظر بجملة من العلامات ذكرت له في الكتب السابقة، من بينها خاتم النبوة بين كتفيه - صلى الله عليه وسلم -، والخاتم هذا أمر خلقي عرف به بحيرا أنه - صلى الله عليه وسلم - هو النبي المنتظر.
وقد ذكر القرآن الكريم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مكتوباً في التوراة والإنجيل، فقال عز من قائل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الأعراف: 157.
وقد نعى الله تعالى على أهل الكتاب عدم اتباعهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - مع تأكدهم من صدق رسالته، بل ومعرفتهم به كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك كتموا الحق الواضح الصريح وهم يعلمون، قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة البقرة: 46.
يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يخبر تعالى أن أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يعرف أحدهم أولاده، ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقيق والإتقان العلمي (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ)، أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (وَهُمْ يَعْلَمُونَ))(4).
رابعاً: ومن الأسباب التي تجعلنا نعتبر الصفات الخلقية له - صلى الله عليه وسلم - من السنة أيضاً، ما حاوله بعض أعداء الإسلام من إلصاق بعض الصفات غير الحقيقية به - صلى الله عليه وسلم -. ومعرفتنا بصفاته الخلقية تجعلنا ندافع عنه ونحن في موقف القوة والثبات؛ لأنه ثبت بكل الأدلة كمال خلقته - صلى الله عليه وسلم -.
خامساً: نتعلم صفاته الخلقية ونعتبرها من السنة حتى نقتدي بكل ما يمكن الاقتداء به منها، مثل صفة لحيته - صلى الله عليه وسلم - " (5).
ويقصد بصفاته الخُلقية: ما يتعلق بأخلاقه الشريفة - صلى الله عليه وسلم -، ومن أمثلة ذلك:
1- قول السيدة عائشة - رضي الله عنها - حين سئلت عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت للسائل: (ألست تقرأ القرآن؟ فقال: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن)(6).
2- ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها)(7).
3- ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال: (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)(8).
هذه بعض أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، ولقد وصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة الكمال البشري فاتصف بكل صفات هذا الكمال البشري، ووجدت فيه كل صفة على أعلى درجاتها، وكمال هيئتها.
وامتدحه رب العزة قائلاً: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم: 4.
ولله در القائل:
يا مصطفى من قبل نشـأة آدم والكون لم تفتح له أغـلاق
أيروم مخلوق ثناءك بعـدمــا أثنى على أخلاقك الخـلاق
ويقصد بسائر أخباره: ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله، حركة وسكوناً، ويقظة ومناماً، سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
أما حركاته: فهي وسائل تربوية: يقصد من ورائها شد انتباه المتلقي، ولفت نظره إلى أهمية ما يلقى عليه، ومن الأمثلة على ذلك:
1- قوله – صلى الله عليه وسلم – (التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره ثلاثاً)(9). فهذه الحركة المتمثلة في الإشارة أفادتنا أن محل التقوى هو القلب.
2- قوله – صلى الله عليه وسلم – (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، قال الراوي: وكان متكئاً فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور ثلاثاً، حتى قلنا: ليته سكت)(10).
فتغيير النبي - صلى الله عليه وسلم - من وضعه وحركته أفاد خطورة ما جاء بعدها حتى يحذره القوم، ويقدرونه قدره.
3- قول عبد الله بن مسعود: خط رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطا مستقيمًا، ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيماً، وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها إلا عليه شيطان يدعو إليه) ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(11)سورة الأنعام: 153.
4- وعن ابن مسعود أيضاً قال: خط النبي – صلى الله عليه وسلم – خطاً مربعاً، وخطَّ خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: (هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به – أو قد أحاط به -، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا)(12).
ففي هذين الحديثين استخدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرسم كوسيلة إيضاح لإيصال ما يريده إلى ذهن أصحابه، وهذا ما يأخذ به علماء التربية اليوم في التعليم والتلقي، وقد سبقهم إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منذ خمسة عشر قرناً من الزمان.
(1) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ( 3549) ومسلم في الصحيح، كتاب الفضائل، باب في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان أحسن الناس وجهاً ( 6066).
(2) المرجع السابق.
(3) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ( 3561) ومسلم في الصحيح، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولين مسه والتبرك بمسحه ( 6053).
(4) تفسير ابن كثير 1/194.
(5) تيسير اللطيف الخبير في علوم حديث البشير النذير 1/21، 22.
(6) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، وهو جزء من حديث طويل،
( 1739).
(7) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ( 6102) ومسلم في الصحيح، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه - صلى الله عليه وسلم - ( 6032).
(8) المرجع السابق.
(9) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب والصلة، باب تحريم ظلم المسلم من حديث طويل 2/424.
(10) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، ( 2654) ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها ( 259).
(11) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/465، والحاكم في مستدركه، كتاب التفسير ( 2/318) وقال: صحيح ولم يخرجاه.
(12) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله ( 6417).
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
وإياكم اخى الفاضل
بارك الله فيكم
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 12 )
السنة في اصطلاح الأصوليين( 3- 5 )
وأما سكوته: فإننا نستفيد منه أحكاماً شرعية، ومثال ذلك:
ما رواه البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: (خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جنازة فانتهينا إلى القبر، فجلس وجلسنا كأن على رؤوسنا الطير)(1).
ففي هذا الحديث مشروعية السكون والسكوت عند دفن الموتى من أجل العظة والاعتبار.
وأما ما كان في يقظته فلا إشكال فيه – كما يقول أستاذنا الدكتور/ مروان شاهين – لأن أمر النبوة واضح أثناء اليقظة.
لكن الذي يستشكل على البعض فهو ما يراه – صلى الله عليه وسلم – في نومه، وكيف هو من الوحي؟ بل كيف هو من السنة الواجبة الاتباع؟ خصوصاً وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد علمنا أن النائم غير مكلف في ما ورد من قوله – صلى الله عليه وسلم -: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يصح، وعن الصبي حتى يحتلم)(2).
وإليك الجواب:
قامت الأدلة من القرآن والسنة – على أن ما يراه الأنبياء في نومهم هو من وحي الله تعالى إليهم، ففي القرآن الكريم نجد غلاماً حليماً في أوائل العقد الثاني من عمره، قد فقه بالبداهة والفطرة: أن الرسول رسول حتى في نومه، فالنوم لا يمكن أن يخرج الرسول عن رسالته، ولو قال الرسول: إني أرى مناماً، فقل له: هذا أمر من الله واجب التنفيذ والطاعة والتسليم، كما قال الغلام الحليم إسماعيل لأبيه الخليل إبراهيم - عليهما السلام - وعلى جميع المرسلين الصلوات والتسليم حين قال له كما حكى القرآن: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) سورة الصافات: 102.
ومما يختص برسولنا – صلى الله عليه وسلم – مما جاء في القرآن الكريم، قول الله تعالى في سورة الأنفال: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً....) الآية. سورة الأنفال، 43.
فالآية واضحة الدلالة في أن ما يراه النبي – صلى الله عليه وسلم – في نومه من رؤيا إنما هو من عند الله تعالى وليس من أي جهة أخرى، (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ).
ومن الأدلة على ذلك أيضاً قول الله تعالى في سورة الفتح:
(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)، سورة الفتح، 27.
فإذا انتقلنا إلى السنة المطهرة فسنجد أدلة كثيرة على ذلك.
من بينها ما جاء في صحيح البخاري - رحمه الله تعالى - بسنده إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: (أول ما بُدِئ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)(3).
فالحديث ينص صراحة على أن رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوحي، وأنه كان لا يرى شيئاً إلا جاء واضحاً جلياً مثل ضوء النهار.
ولقد لفت نظري وأنا أتتبع ما أراه الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم – في نومه، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يبدأ حديثه غالباً عن الرؤيا في نومه بقوله: (أُرِيتُ كذا) أو (أريتكم...) فالفعل في أول الحديث يأتي بالبناء للمجهول ليدلنا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرى من قبل نفسه، وإنما هناك من يريه وهو الله تعالى.
فمن أمثلة ذلك ما روته السيدة عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مخاطباً السيدة عائشة: (أريتك في المنام مرتين: إذ رجل يحملك في سرقة من حرير. فيقول: هذه امرأتك فاكشفها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه)(4).
ولقد كانت هذه الرؤيا – وغيرها – من عند الله تعالى فأمضاها – سبحانه -، وكانت السيدة عائشة من أزواجه أمهات المؤمنين.
ومن أمثلة ذلك أيضاً ما خاطب به النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه قائلاً فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: (أريتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد " وزاد مسلم من حديث جابر " أن ذلك كان قبل موته – صلى الله عليه وسلم – بشهر)(5).
فالحديث كما نلاحظ قد بدأ بقوله: (أريتكم) بالبناء للمجهول، ولأن علماء الحديث – وكل علماء الإسلام – يعلمون أن ما يراه الرسول – صلى الله عليه وسلم – في نومه هو من وحي الله تعالى، فقد أخذوا من الحديث المذكور درساً عظيماً، وهو أن من بين الأدلة على إثبات الصحبة أن يكون الصحابي قد عاش قبل عشرة ومائة للهجرة، فمن جاء بعدها وزعم أنه صحابي فإننا نرد قوله أخذًا من هذا الحديث الشريف.
على أنه - صلى الله عليه وسلم - قد يبدأ حديثه عما يراه في نومه بقوله: (رأيت) وذلك في القليل النادر.
ومن ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – في رؤيته عن هجرته إلى المدينة (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب)(6). ووهلي أي: ظني.
ورغم التعبير بقوله: (رأيت) إلا أن ذلك أيضاً من الله تعالى ؛ بدليل أنه – صلى الله عليه وسلم – ما كان له أن يحيد عن المدينة (كدار) للهجرة ويهاجر إلى غيرها؛ لأن المدينة هي المكان الذي اختاره الله تعالى له، فلا يتركه أبداً إلى غيره.
وقد وردت هذه الرواية عند البيهقي مبتدئة بقوله – صلى الله عليه وسلم -: (أريت دار هجرتكم) وهي بذلك تلتقي مع الأمثلة التي ذكرناها سابقاً.
إن كل ما سبق يعطينا الدليل الأكيد على أن ما يراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء جميعاً أثناء النوم هو من الوحي الذي نلتزم به.
ومن الأدلة العقلية على ذلك: أن ما يراه الناس في نومهم إما أن يكون من الله تعالى أو من الشيطان؛ كما ورد بذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: (الرؤيا الحسنة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئاً يكرهه، فلينفث عن شماله ثلاثاً، وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره)(7).
والشيطان – كما نعلم – ليس له سلطان على الأنبياء؛ لأن الله تعالى قد عصمهم من كيده فلن يأتيهم في نومهم، ولقد نزع الله تعالى حظ الشيطان من نبينا – صلى الله عليه وسلم – في مرحلة مبكرة من عمره – وهو طفل رضيع في بادية بني سعد، فحفظه بذلك من وسوسة الشيطان.
فقد روى مسلم بسنده إلى أنس بن مالك: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتاه جبريل - عليه السلام - وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني ظئره - فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره(8).
فنحن نرى أن الله تعالى قد طهر قلب نبيه – صلى الله عليه وسلم – منذ صغره، فلم يكن للشيطان عليه سبيل، وما دام الأمر كذلك فإن ما يراه في نومه ليس من قبيل الشيطان أبداً، وإنما هو وحي من الله تعالى(9).
(1) الحديث أخرجه النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب الوقوف للجنائز ( 2003) وابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الجلوس في المقابر ( 1548).
(2) الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الحدود 4/389، وقال: صحيح الإسناد.
(3) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ( 3) ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (403).
(4) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة ( 3895).
(5) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب بيان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " على رأس مائة سنة لا يبقى نفس منفوسة... " ( 6479، 6481).
(6) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح تعليقا، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - 2/331، ومسلم في الصحيح، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم –
( 5934).
(7) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده ( 3292)، ومسلم في الصحيح، كتاب الرؤيا باب في كون الرؤيا من الله وأنها جزء من النبوة، (5897).
(8) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض الصلوات ( 413).
(9) تيسير اللطيف الخبير، ص: 25-27.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 13 )
السنة في اصطلاح الأصوليين( 4- 5 )
* بقي من جزئيات التعريف قولنا: (سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها).
أي: أن ما صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة أو بعدها داخل في إطار السنة، وقد لا يستشكل الأمر بالنسبة لما كان بعد البعثة؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – صار بعدها رسولاً، وصرنا مأمورين بالاقتداء به امتثالاً لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) سورة الأحزاب: 21. أما قبل البعثة، فلم يكن الوحي ينزل عليه، ولم نكن مأمورين بالاقتداء به، فكيف تعد أحواله قبل البعثة من السنة؟.
والجواب:
إن أحواله، وصفاته، وأخلاقه قبل البعثة دليل أكيد على نبوته، وأمارة صدقٍ على رسالته، فهي داخلة في مفهوم السنة، فقد كان يتحنث (يتعبد) في الجاهلية في غار حراء، وكانت الأحجار والأشجار تسلم عليه، واشتهر بالصدق والأمانة.
وهذه الصفات، وتلك الأخلاق، كانت الركائز الأساسية التي اعتمد عليها وهو يدعو قومه.
فمثلاً شهرته بالصدق والأمانة قبل بعثته كان دليلاً قوياً على صدق رسالته، وجعل الكفار يعجزون عن اتهامه بضد هذه الصفات، ولقد قالوا عنه: إنه ساحر، أو كاهن، ولكنهم لم يجرؤوا أبداً على اتهامه بعكس الصدق والأمانة، وهذا ما اعتمد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه في إثبات صدق نبوته حينما نزل عليه الأمر الإلهي: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأََقْرَبِينَ) سورة الشعراء: 214.
فقد صعد على الصفا ونادى قبائل قريش جميعاً – حتى إذا اجتمعوا – بدأ حديثه معهم قائلاً: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد... )(1).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبدأ حديثه معهم بالإنذار مباشرة، وإنما أخذ منهم إقراراً بصدقه – صلى الله عليه وسلم – قبل بعثته، إذن فهو صادق اليوم في رسالته.
وهذا – أيضاً – هو الذي اعتمد عليه هرقل ملك الروم في إثباته لصدق نبوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قصة طويلة ذكرها البخاري وغيره – أثناء حديث هرقل مع أبي سفيان – حينما سأل أبا سفيان الذي كان لا يزال حتى وقت سؤال هرقل له مشركاً(2).
لقد جاء كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام – فأراد أن يعرف بعض أحوال هذا النبي الجديد – فجاءوا له بأبي سفيان فسأله هرقل عن كثير من أحوال النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة،وأيضاً سأل عما يدعو إليه بعد البعثة، وفي نهاية اللقاء قال هرقل لأبي سفيان: (فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه)(3).
ولقد صدقت توقعات هرقل، فبعد مضي ما لا يزيد على سبع سنوات فتح الله بلاد الشام للمسلمين بعد أن كان يحكمها الروم، وخرج هرقل من حمص التي كان يقيم بها.
المهم في ذلك كله أن كثيراً من أحواله – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة تعطي الأدلة الواضحة على صدق رسالته بعد البعثة، وهذا ما جعل العلماء يعتبرونها جزءاً من السنة.
وإذ قد انتهينا من تعريف السنة وشرح متعلقاتها، فإننا – بعون الله وتوفيقه – ننتقل إلى التعريف ببقية المصطلحات الأخرى التي تشترك معها لنكشف عن معناها، ونوضح علاقتها بالسنة، اتفاقاً واختلافاً، وتلك المصطلحات هي: الحديث – الخبر – الأثر.
أ – معنى الحديث(4):
الحديث في اللغة له معان ثلاثة:
الأول: الحديث بمعنى الجديد الذي هو ضد القديم، يقال لبست ثوباً حديثاً، أي: جديداً، وركبت سيارة حديثة، تعني: سيارة جديدة.
الثاني: الحديث بمعنى الكلام، ومنه قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباًً) سورة الزمر: 23، أي: نزل أحسن الكلام، وقوله تعالى: [فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ] سورة المرسلات: 50، أي: إن لم يؤمنوا بالقرآن الكريم، فبأي كلام بعده يؤمنون.
الثالث: الحديث بمعنى الخبر والنبأ، ومنه قوله تعالى: [ هل أتاك حديث موسى] سورة النازعات: 15، وقوله تعالى: [ هل أتاك حديث الغاشية] سورة الغاشية: 1.
الحديث اصطلاحاً: للعلماء في تعريفه أقوال:
1- قال جمهور المحدثين: هو: أقوال – النبي – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخلقية والخلقية، وسائر أخباره سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها، وكذلك أقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم(5).
وعليه يكون الحديث شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الثالث، لكن جرى اصطلاح المحدثين على أن الحديث إذا أطلق ينصرف إلى ما جاء عنه – صلى الله عليه وسلم – ولا يستعمل في غيره إلا مقيداً.
2- وقيل هو: أقواله – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(6).
وعليه يكون مقصوراً على المرفوع فقط، ويكون مرادفاً للسنة على القول الأول.
3- وقيل هو: أقواله - صلى الله عليه وسلم - خاصة(7).
فيكون مقابلاً لتعريف السنة على رأي من يعرفها بأنها: الطريقة العملية المتواترة التي بين بها النبي – صلى الله عليه وسلم – القرآن. وكأن صاحب هذا التعريف استند في تقريره إلى المعنى اللغوي الثاني. وهو أن الحديث يطلق على الكلام قل أم كثر.
وفي ضوء هذا التعريف نستطيع فهم كلمة الإمام عبد الرحمن بن مهدي حينما سئل عن الأئمة: مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان بن عيينة فقال: "الأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، وسفيان إمام في الحديث وليس بإمام في السنة، ومالك إمام فيهما ".
وإجابة عبد الرحمن بن مهدي واضحة الدلالة على أن السنة – في مثل هذا الاستعمال – إنما يراد بها الجانب العملي في الإسلام، أما الحديث فهو الاشتغال بما نقل لنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقواله، وأفعاله، وتقريراته(8).
على أن هذا التفريق لم يعش طويلاً فيما بعد، وأضحت الكلمتان مترادفتين، ولا يذكر هذا التفريق إلا من أجل فهم مثل العبارة الواردة عن ابن مهدي والتي ذكرناها آنفاً(9).
وفي هذا يقول الدكتور/ صبحي الصالح: (ولئن أطلقت السنة في كثير من المواطن على غير ما أطلق الحديث، فإن الشعور بتساويهما في الدلالة أو تقاربهما على – الأقل – كان دائماً يساور نقاد الحديث، فهل السنة العملية إلا الطريقة النبوية التي كان الرسول – صلوات الله عليه – يؤيدها بأقواله الحكيمة، وأحاديثه الرشيدة الموجهة؟ وهل موضوع الحديث يغاير موضوع السنة؟ ألا يدوران كلاهما حول محور واحد؟ ألا ينتهيان أخيراً إلى النبي الكريم في أقواله المؤيدة لأعماله، وفي أعماله المؤيدة لأقواله؟.
حين جالت هذه الأسئلة في أذهان النقاد لم يجدوا بأسا في أن يصرحوا بحقيقة لا ترد: إذا تناسينا موردي التسميتين كان الحديث والسنة شيئا واحداً، فليقل أكثر المحدثين: إنهما مترادفان "(10).
(1) الحديث أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب التفسير، تفسير سورة الشعراء (4770) ومسلم، في الصحيح، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: [ وأنذر عشيرتك الأقربين ] (508).
(2) كان سؤال هرقل في السنة السابعة للهجرة، وأسلم أبو سفيان بعد ذلك في السنة الثامنة عند فتح مكة.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، رقم (7).
(4) ينظر: الصحاح للجوهري، مادة (حدث) 1/278، ولسان العرب، نفس المادة 2/796، والقاموس المحيط، نفس المادة 1/170.
(5) ينظر: الخلاصة للطيي، ص: 30، وشرح شرح النخبة لملا على القاري، ص: 16، وتدريب الراوي 1/42، وقواعد في علوم الحديث للتهانوي، ص: 24، وظفر الأماني، ص: 32.
(6) ينظر: شرح شرح نخبة الفكر، ص: 16، تدريب الراوي، 1/42، ظفر الأماني، ص: 32.
(7) ينظر: تحقيق معنى السنة وبيان وجه الحاجة إليها، ص: 12-23بتصرف كثير.
(8) ينظر: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (1/3).
(9) الحديث النبوي للدكتور الصباغ صـ 146.
(10) علوم الحديث ومصطلحه صـ 9، 10.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 14 )
السنة في اصطلاح الأصوليين( 5- 5 )
إذن فمعنى السنة والحديث عند علماء الشرع واحد من حيث إطلاق أحدهما مكان الآخر، ففي كل منهما إضافة قول،، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن هنا يظهر فساد قول جولد تسيهر: في كتابه (دراسات محمدية) يجب أن يكون مصطلح (الحديث) ومصطلح (السنة) متميزين عن بعضهما(1)، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث(2).
وجولد تسيهر بزعمه هذا لم يفرق بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية للفظتين: " الحديث " و " السنة "، لذلك تراه يخلط في الموضوع بعدم التزامه باصطلاحات علماء الشرع، مما جعله يظن أن الخلاف في معاني لفظ " حديث " و " سنة " هو نوع من الاضطراب في التفكير عند المسلمين ، وهذه الاصطلاحات قد استوفيناها قبل قليل، فظهر أنه لم يعتبر اصطلاحات القوم ، بل لم يقترب منها أدنى الاقتراب.
وقوله: (إنما السنة دليل الحديث) هذه الدعوى جره إليها تفريقه بين الحديث والسنة، وكان الأشبه العكس، فالحديث دليل السنة، فهما بمعنى واحد في اصطلاح الأصوليين.
ومن هنا جاء قولهم: سنة ثابتة عن الرسول ، وسنة غير ثابتة عنه.
فالأولى: لأنه ثبت عن الرسول الكريم أنه قال ذلك الشيء، أو فعله، أو أقره، وطريقة ثبوت ذلك عن الرسول هو وجود الحديث الشريف الذي يتضمن ذلك ويشهد عليه.
الثانية: لأنه لم نجد حديثا عن النبي قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً، يؤكدها، فهي بذلك سنة غير ملزمة، وكذلك إذا قيل: السنة كذا، ومن السنة كذا، وهكذا السنة كلها دليل شرعي ملزم، لأن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه(3).
ب- معنى الخبر:
الخبر لغة: مأخوذ من الفعل " خبر " بفتح الخاء المعجمة والباء المنقوطة بواحدة من تحت، ومعناه: علم الشيء على حقيقته.
وقيل: هو مشتق من " الخبار " ، وهي الأرض الرخوة، لأن الخبر يثير الفائدة كما أن الأرض الخبار تثير الغبار إذا قرعها الحافر ونحوه ، وهو عند أهل اللغة: اسم لما ينقل ويتحدث به ، والجمع أخبار، مثل: سبب وأسباب(4).
الخبر اصطلاحاً: للعلماء في تعريفه أقوال:
1- قال جمهور المحدثين: هو: أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن – وأفعاله، وتقريراته، وصفاته ، وأقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم(5).
وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الثالث، وللحديث على القول الأول.
2- وقيل هو: أقواله – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(6).
وعليه يكون مقصوراً على المرفوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الأول، وللحديث على القول الثالث.
3- وقيل هو: ما جاء عن غير النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة والتابعين من هذه الأمة أو غيرها من الأمم السابقة، كأن الخبر في هذا الحال خاص بالتاريخ، وليس من الألفاظ المستعملة في اصطلاح المحدثين.
ومن هنا شاع إطلاق " الإخباري " على المشتغل بالتواريخ، بينما شاع إطلاق اسم " المحدث " على المشتغل بالسنة النبوية(7).
وعلى هذا المعنى الأخير تكون العلاقة بين الخبر، والسنة، والحديث هي التباين والتضاد.
4- وقيل هو: ما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وعن غيره من الصحابة والتابعين فمن بعدهم(8).
وعليه يكون شاملاً للمرفوع ، والموقوف، والمقطوع، وسائر أنواع الحديث الأخرى، ويكون أعم من السنة والحديث.
ج – معنى الأثر:
الأثر لغة: مأخوذ من أثرت الشيء – بفتح الهمزة والثاء المثلثة – أي: نقلته أو تتبعته، ومعناه عند أهل اللغة: ما بقي من رسم الشيء وضربة السيف، ويجمع على آثار، مثل: سبب وأسباب(9).
الأثر: اصطلاحاً: للعلماء في تعريفه أقوال:
1-قال جمهور المحدثين: هو أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن ، وأفعاله ، وتقريراته، وصفاته، وأقوال الصحابة، والتابعين، وأفعالهم(10).
وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفاً للسنة على القول الثالث، وللحديث وللخبر على القول الأول.
وبهذا المعنى سمى الحافظ الطحاوي كتابه: " شرح معاني الآثار المختلفة المأثورة".
2-وقال فقهاء خراسان: يطلق الأثر على أقوال الصحابة، والتابعين، وأفعالهم فقط(11).
وعليه يكون مقصوراً على الموقوف والمقطوع فقط، ويكون أخص من السنة على القول الثالث، ومن الحديث، والخبر، على القول الأول.
وبهذا المعنى سمى الإمام محمد بن حسن الشيباني كتابه الذي ذكر فيه الآثار الموقوفة بكتاب: " الآثار ".
3-وقيل هو: أقواله – صلى الله عليه وسلم – سوى القرآن ، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(12).
وعليه يكون مقصوراً على المرفوع، ويكون مساوياً للسنة والحديث والخبر على بعض الأقوال.
والخلاصة:
أن المحدثين تارةً يستعملون الألفاظ الأربعة ويريدون منها: المرفوع فقط.
وتارةً يستعملونها ويريدون منها: المرفوع، والموقوف، والمقطوع.
وتارة يخصصون السنة: بطريقته – صلى الله عليه وسلم – العملية المتواترة التي بين بها القرآن الكريم.
والحديث: بأقواله - صلى الله عليه وسلم - فقط.
والخبر: بالحوادث أو بالوقائع التاريخية.
والأثر: بأقوال الصحابة والتابعين، وفتاواهم، وأفعالهم.
والقرينة: هي التي تحدد المراد في كل هذه الاستعمالات.
(1) نقلاً عن " ضوابط الرواية عند المحدثين " صـ 314.
(2) العقيدة والشريعة في الإسلام ص: 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا. انظر: مجلة المنار (10/852، 853).
(3) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 314، 322 بتصرف، السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام1/48، 49.
(4) ينظر: لسان العرب ، مادة: خبر ، المصباح المنير 1/251، وعنها نقل الشوكاني في إرشاد الفحول ، ص: 42.
(5) ينظر: شرح شرح نخبة الفكر، ص: 16، وشرح النخبة، ص: 16، وتدريب الراوي 1/42.
(6) ينظر: شرح شرخ نخبة الفكر، ص: 16، وشرح النخبة، ص: 16، وتدريب الراوي 1/42، وظفر الأماني ، ص: 32.
(7) ينظر: المصادر السابقة.
(8) ينظر: المصادر السابقة.
(9) ينظر: لسان العرب، مادة " أثر " 1/25، الصحاح للجوهري 2/574، المعجم الوسيط 1/5.
(10) ينظر: شرح شرح نخبة الفكر، ص: 16، تدريب الراوي 1/42، ظفر الأماني، ص: 33، قواعد في علوم الحديث، ص: 25.
(11) ينظر: نفس المصادر السابقة.
(12) ينظر: نفس المصادر السابقة.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 15 )
وقفة مع تخرصات المستشرقين وأوهام المستغربين ( 1- 2)
عرضنا فيما سبق لتعريف السنة في اللغة والاصطلاح، وذكرنا استعمالها في القرآن الكريم، ومفهومها في السنة ولدى سلف الأمة، ونبهنا قبل ذلك على ضرورة إدراك الفوارق بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية؛ لأن عدم إدراك ذلك والجهل به يوقع صاحبه في خلط كثير، ولغط كبير، وهذا ما حدث لمصطلح السنة، فنرى أعداء الإسلام والسنة المطهرة قد استغلوا هذه الفوارق استغلالاً بشعا ينبئ عن حقدهم الدفين على الإسلام وأهله، فهم في هجومهم على السنة المطهرة يركزون على بعض معانيها اللغوية أو الاصطلاحية مهملين _عن جهل تارة، وعن علم تارة أخرى_ باقي معانيها الاصطلاحية؛ بغية الوصول إلى هدفهم وغايتهم من التشكيك في حجيتها، وعدم العمل بها، ومن ذلك تركيزهم على معنى السنة في اصطلاح الفقهاء، وهي ما ليس بواجب مما يمدح فاعلها ولا يذم تاركها(1).
وهذا التعميم في تعريف السنة محض الضلال(2)؛ إذ فيه صرف لهذه الكلمة عن معناها الاصطلاحي عند المحدثين وعلماء الأصول، وعلى أنها مصدر تشريعي مستقل ملازم للقرآن الكريم في الاحتجاج، وأن الأحكام التكليفية الخمسة تدور فيها، كما تدور في القرآن الكريم بالتمام(3).
ومن المعاني اللغوية التي يركز عليها أعداء الإسلام في تعريفهم بالسنة؛ معناها الوارد بمعنى الطريقة والسيرة، حسنة كانت أو سيئة، ويعبرون عن ذلك المعنى بالعادة والعرف كما قال المستشرق (جولد تسيهر)(4): (السنة هي جماع العادات والتقاليد الوراثية في المجتمع العربي الجاهلي ؛ فنقلت إلى الإسلام، فأصابها تعديل جوهري عند انتقالها، ثم أنشأ المسلمون من المأثور من المذاهب، والأقوال، والأفعال، والعادات، لأقدم جيل من أجيال المسلمين سنة جديدة)(5). وتابعه على ذلك سائر من جاء بعده من المستشرقين(6).
وردد هذا الكلام الدكتور/ علي حسن عبد القادر في كتابه(7) (نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي) فقال: (وكان معنى السنة موجوداً في الأوساط العربية قديماً، ويراد به الطريق الصحيح في الحياة للفرد وللجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفاً في الجاهلية، وكان يسمى عندهم سنة هذه التقاليد العربية وما وافق عادة الأسلاف. وقد بقي هذا المعنى في الإسلام في المدارس القديمة في الحجاز، وفي العراق أيضاً، بهذا المعنى العام يعني العمل القائم، والأمر المجتمع عليه في الأوساط الإسلامية، والمثل الأعلى للسلوك الصحيح من غير أن يختص ذلك بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخيراً حدد هذا المعنى، وجعلت السنة مقصورة على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثاني الهجري، بسبب طريقة الإمام الشافعي التي خالف بها الاصطلاح القديم)(8).
وأقول: نعم، لفظ السنة ومعناها كانا معروفين في لغة العرب قبل الإسلام، ولم يخترع المسلمون هذه الكلمة، ولا معناها، ولكن ليس الأمر كما زعم المستشرقون والدكتور/ علي حسن عبد القادر من أن معنى السنة في صدر الإسلام العادة والعرف(9) الجاهلي، أو أنها الطريق الصحيح فقط، وإنما تشمل الطريق الصحيح وغير الصحيح على رأي جمهور علماء اللغة، ويؤيدهم في الإطلاق القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأشعار الجاهلية، وقد سبق بيان ذلك.
كما أن استعمال القرآن الكريم والسنة المطهرة لكلمة السنة بالمعنى اللغوي لا يعني ذلك أن هذا المعنى اللغوي (الطريقة)، أو (السيرة)، أو (العادة) هو المراد شرعاً بالسنة، فهذه الكلمة انتقلت من معناها اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي (سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشاملة لأقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخلقية والخلقية....)، وهي بهذا المعنى مصدر تشريعي ملازم للقرآن الكريم، لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وهذا المعنى الاصطلاحي لكلمة السنة كان محدداً ومعلوماً في صدر الإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين ظهراني أصحابه - رضي الله عنهم -،وليس الأمر كما زعم الدكتور/ علي حسن عبد القادر تبعاً للمستشرقين أن هذا المعنى الاصطلاحي للسنة تحدد في أواخر القرن الثاني الهجري.
ومن المعاني اللغوية التي يركز عليها أعداء الإسلام في تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة، ثم يعرفون السنة النبوية بأنها: الطريقة العملية، أو السنة العملية، أما أقواله وتقريراته وصفاته - صلى الله عليه وسلم - فليست من السنة، وإطلاق لفظ حديث أو سنة على ذلك إنما هو في نظرهم اصطلاح مستحدث من المحدثين، ولا تعرفه اللغة، ولا يستعمل في أدبها، هكذا زعم محمود أبوريه(10) في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)(11) تبعاً للدكتور/ توفيق صدقي(12).
وفي ذلك أيضا ًيقول الدكتور/ المهندس محمد شحرور(13) في كتابه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة): (إن ما اصطلح على تسميته بالسنة النبوية إنما هو حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كنبي وكائن إنساني عاش حياته في الواقع، بل في الصميم منه، وليس في عالم الوهم).
وفي موضع آخر يقول: (من هنا يأتي التعريف الخاطئ برأينا للسنة النبوية بأنها كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو أمر، أو نهي، أو إقرار. علماً بأن هذا التعريف للسنة ليس تعريف النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه، وبالتالي فهو قابل للنقاش والأخذ والرد، وهذا التعريف كان سبباً في تحنيط الإسلام، علماً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته لم يعرفوا السنة بهذا الشكل، وتصرفات عمر بن الخطاب تؤكد ذلك)(14).
(1) البحر المحيط للزركشي 1/284، وإرشاد الفحول للشوكاني 1/155، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضري ص 54، وأصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 111.
(2) انظر: تعميم محمود أبو ريه لذلك في أضواء على السنة ص 38.
(3) انظر: ضوابط الرواية عند المحدثين ص 25، 26بتصرف.
(4) جولد تسيهر: مستشرق مجري يهودي، رحل إلى سورية، وفلسطين، ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر. له تصانيف باللغات الألمانية، والإنكليزية، والفرنسية. ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور/ السباعي: " عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه، ومن محرري دائرة المعارف الإسلامية " كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه: تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي"، و" العقيدة والشريعة في الإسلام "، و " فضائح الباطنية "، وغير ذلك مات سنة 1921م له ترجمة في: الأعلام للزركلي 1/284، والاستشراق للدكتور / السباعي ص 31-32، وآراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور/ عمر إبراهيم 1/161-162.
(5) العقيدة والشريعة في الإسلام ص 49، 251.
(6) دائرة المعارف الإسلامية 7/330، وانظر: دراسات في الحديث للدكتور/ الأعظمي 1/5-11، ومنهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة/ عزية علي طه ص 62، 122، 123.
(7) علي حسن عبد القادر: أستاذ تاريخ التشريع الإسلامي، حاصل على العالمية في الفلسفة من ألمانيا، ومجاز من كلية أصول الدين في قسم التاريخ، وعميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف سابقاً، من مؤلفاته: نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي.
(8) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص 122، 123.
(9) يصح تعريف السنة بالعادة والعرف، ولكن المراد بالعادة في هذه الحالة عادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي ما عمله، أو أقره، أو رأه فلم ينكره، وهي في هذه الحالة من الدين. كما تطلق على السيرة العملية لحياة الصحابة - رضي الله عنهم - ولا تعني العادة والعرف السائد في الجاهلية، كما يوهمه كلام جولد تسيهر ومن قال بقوله. انظر: حجية السنة للدكتور/ عبد الغني عبد الخالق ص 49-51، والمدخل إلى السنة النبوية لأستاذنا الفاضل الدكتور/ عبد المهدي عبد القادر ص 25-26.
(10) محمود أبو ريه: كاتب مصري كان منتسباً إلى الأزهر في صدر شبابه، فلما انتقل إلى مرحلة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح أكثر من مرة، فعمل مصححاً للأخطاء المطبعية بجريدة في بلده، ثم موظفاً في دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد، من مصنفاته التي طعن فيها في السنة والصحابة، أضواء على السنة، وقصة الحديث المحمدي، شيخ المضيرة (أبو هريرة) انظر: السنة ومكانتها في التشريع للدكتور/ السباعي ص 466.
(11) أضواء على السنة ص 39.
(12) الدكتور/ توفيق صدقي: هو الدكتور/ محمد توفيق صدقي طبيب بمصلحة السجون بالقاهرة، كتب مقالات في مجلة المنار بعنوان " الإسلام هو القرآن وحده " مات سنة 1920م، ترجم له الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار المجلد 483/21 وما بعدها، وانظر: مجلة المنار المجلد 11/774.
(13) محمد شحرور: كاتب سوري معاصر، حاصل على الدكتوراه في الهندسة من الجامعة القومية الإيرلندية في دبلن. من مؤلفاته: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، والإسلام والإيمان منظومة القيم، والدولة والمجتمع.
(14) الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 546-548.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 16 )
وقفة مع تخرصات المستشرقين وأوهام المستغربين ( 2- 2)
ويقول نيازي عز الدين(1): (رجال الدين في القرن الثالث الهجري عرفوا السنة وأضافوا إليها أموراً هي من اجتهادهم، فقد قالوا في تعريفها: ( هي كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية، أو سيرة، سواء كان ذلك قبل البعثة - كتحنثه في غار حراء - أم بعدها). وهذا التعريف الموسع الذي أتى في عصر متأخر عن عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته قد جر البلاء على الإسلام، وفي موضع آخر يقول: (وإن أغلب الذين أدخلوا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم – وأفعاله، وتصرفاته الخاصة في الدين، فعلوها وهم يعلمون أنهم يفعلون الممنوع، ويقعون في المعصية، لكن الهوى والشيطان كانا أقوى من الإيمان في تلك الفترة، ففعل الشيطان ما يريد))(2).
ومن المعاني اللغوية التي يركزون عليها في تشكيكهم في السنة المطهرة معناها الوارد في القرآن الكريم بمعنى أمر الله - عز وجل -، ونهيه، وسائر أحكامه، وطريقته، ويقولون: لا سنة سوى سنة الله - عز وجل - الواردة في كتابه العزيز، وأنه مستحيل أن يكون لرسول الله سنة، ويكون لله - عز وجل - سنة فيشرك الرسول نفسه مع الله - عز وجل-.
وفي ذلك يقول محمد نجيب (3) في كتابه (الصلاة): القرآن وما فيه من آيات هو سنة الله التي سنها وفرضها نظاماً للوجود، وأتبعها الله نفسه؛ فهي سنة الله...
وليس من المعقول أن يكون للرسول سنة، ويكون لله سنة، فيشرك الرسول نفسه مع الله، ويكون لكلاهما سنة خاصة، وهو أمر مستحيل أن يحصل من مؤمن ومن رسول على الأخص، فما كان لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يترك حكم الله وسنته، ويطلب من الناس أن تتبع ما يسنه هو من أحكام، وليس ذلك إن حصل إلا استكباراً في الأرض، وتعالياً على الله. يقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) (آل عمران /79)، (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (فاطر / 42، 43). وهذا يؤكد وجوب الرجوع لكتاب الله وحده جماع سنة الله(4).
وفي ذلك أيضاً يقول أحمد صبحي منصور(5) في كتابه (حد الردة) معرفاً بالسنة الحقيقية قائلاً: (سنة الله تعالى هي سنة رسوله - عليه السلام -...)، الله تعالى ينزل الشرع وحياً، والرسول يبلغه وينفذه، ويكون النبي أول الناس طاعة واتباعا لأوامر الله تعالى. والله تعالى أمر النبي بأن يقول (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (الأحقاف /9). والإيمان بالرسول معناه الإيمان بكل ما نزل عليه من القرآن، والإيمان بأنه اتبع ذلك الوحي وطبقه، وكان أول الناس إيماناً به وتنفيذا له(6).
ويقول قاسم أحمد(7) في كتابه (إعادة تقييم الحديث): إنه بالنظر إلى استخدام كلمتي السنة والحديث في القرآن والذي يعطينا معلومات شيقة، نجد أن كلمة (سنة) تشير في القرآن إلى النظام، أو الناموس الإلهي، وإلى مثال الأمم السابقة التي لقيت مصيرها.فلم يشر القرآن إلى أن السنة هي سلوك النبي، وهذان الاستخدامان تشير إليهما الآيتان التاليتان:
قوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الفتح /23). وقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) (الأنفال /38).
فكلمة " حديث " استخدمت في القرآن بمعنى " الأخبار "، و" القصص "،
و" الرسالة"، و" الشيء " وقد ذكرت ستاً وثلاثين مرة في مواضع لغوية مختلفة، ولا يشير أي منها إلى ما يعرف بالحديث النبوي. فعلى العكس وردت في عشرة مواضع من الآيات البينات تشير إلى القرآن وتستبعد بشدة أي حديث إلى جانب القرآن، منها هذه الآيات (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) (الزمر / 23) (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان /6)(8).
هذا والذي زعمه أعداء السنة المطهرة في تعريفهم بالسنة النبوية من أنها الطريقة العملية، أو السنة العملية، أو هي سنة الله - عز وجل -. وأن تعريف السنة النبوية بأنها: (كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة....) اصطلاح مستحدث من المحدثين ولم يعرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم - بل كان هذا التعريف سبباً في تحنيط الإسلام. هذا الزعم الكاذب إنما يدل على ما سبق وأن ذكرته من أن هؤلاء الأعداء يخلطون بين المعاني في اللغة، وبينها في الاصطلاح، ولا يهتمون بمعرفتها، ولا ببيانها، إما عن جهل، وإما عن علم بقصد خداع القارئ، وتضليله، وتشكيكه في حجية السنة، وفي علمائها الذين قيدهم رب العزة لحفظها من التغيير والتبديل، تماماً بتمام، كما قيض لكتابه العزيز من يحفظه من العلماء الأفذاذ.
ولعل القارئ الكريم قد اتضح لديه – فيما سبق – أن السنة النبوية بتعريفها المعلوم عند المحدثين والأصوليين والفقهاء، كان مقصوداً من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعلوماً للصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – وأن هذا التعريف للسنة المطهرة كان سبباً في عزة الإسلام وأهله، وليس في تحنيطه كما يزعم أعداء الإسلام. كما اتضح أيضاً أن مصطلح السنة ومصطلح الحديث كانا مترادفين زمن النبوة المباركة وزمن الصحابة - رضي الله عنهم - فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم - رضي الله عنهم - وعلى ذلك علماء الشرع الحنيف، خلافاً لأعداء الإسلام الزاعمين: أن مصطلح السنة غير مصطلح الحديث، وأنهما يجب أن يكونا متميزين عن بعضهما(9).
(1) نيازي عز الدين: كاتب سوري معاصر، هاجر إلى أمريكا، من مؤلفاته: إنذار من السماء، ودين السلطان، الذي زعم فيه أن السنة المطهرة وضعها أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين لتثبيت ملك السلطان معاوية - رضي الله عنه - وصار على دربهم علماء المسلمين إلى يومنا هذا.
(2) إنذار من السماء ص 40، 111.
(3) محمد نجيب كاتب معاصر. من مؤلفاته (الصلاة) أنكر فيه السنة المطهرة، وزعم أن تفاصيل الصلاة واردة في القرآن الكريم، والكتاب صادر عن ندوة أنصار القرآن، نشر دائرة المعارف العلمية الإسلامية.
(4) الصلاة ص 276، 277.
(5) أحمد صبحي منصور تخرج في الأزهر وحصل على العالمية في التاريخ من الجامعة، وتبرأ من السنة فتبرأت منه الجامعة، سافر إلى أمريكا وعمل مع المتنبئ رشاد خليفة، يحاضر بالجامعة الأمريكية بمصر، ومدير رواق ابن خلدون بالمقطم، من مصنفاته: الأنبياء في القرآن، والمسلم العاصي، وعذاب القبر والثعبان الأقرع، ولماذا القرآن، باسم مستعار وهو عبد الله الخليفة. انظر قصته هو ورشاد خليفة في كتابي مسيلمة في مسجد توسان، والدفاع عن السنة الجزء الأول من سلسلة " الإسلام واستمرار المؤامرة كلاهما لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشي.
(6) حد الردة ص 40.
(7) قاسم أحمد كاتب ماليزي معاصر، ورئيس الحزب الاشتراكي الماليزي – سابقا – من مؤلفاته: إعادة تقييم الحديث، أنكر فيه حجية السنة المطهرة.
(8) انظر: إعادة تقييم الحديث ص 77، 78، واستشهاده بهذه الآية على أن لفظ الحديث هو القرآن استشهاد باطل فـ (لهو الحديث) هنا الأقاصيص والأساطير، انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 441.
(9) انظر: السنة في كتابات أعداء الإسلام (1/24-30) بتصرف.
رد: الدفاع عن السنة المطهرة ضد المنكرين لحجيتها (متجدد)
الدفاع عن السنة
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة ( 17 )
شبهة حول التسمية والرد عليها( 1- 2 )
من نافلة القول أن نقرر: أن كلمتي (السنة) و (الحديث) عربيتين ، حيث أنكر هذه البديهية من أعداء الإسلام جولد تسيهر حين زعم تارة بأن كلمة (السنة) مأخوذة من العبرية (مشناة) فقال: (حتى في الإسلام ، أخذت هذه الفكرة مكاناً أيضاً، أعنى اتخاذ قانون مقدس وراء القرآن أو مسموعاً كما هو الحال عند اليهود)(1).
وقال تارة ثانية: إنها مصطلح وثنى في أصله وإنما تبناه واقتبسه الإسلام، وتابعه على ذلك من جلدته شاخت ومارغوليوث ، كما نقله عنهم الدكتور/ محمد الأعظمي في كتابه (دراسات في الحديث النبوي)(2).
وتابع المستشرقين على ذلك قاسم أحمد حيث قال: (وما ينبغي أن يفطن إليه المسلمون هو التشابه الكبير جداً بين هذا الرأي ورأي اليهود القديم عن الوحي المكتوب والشفوي، فالتلمود اليهودي الذي يشمل المشناة والجمارة، وهما يشبهان الحديث والسنة الإسلامية. وهما عبارة عن مجموعة تعاليم شفوية لحاخامات وكبار علماء اليهود، أساسها تفسيرهم لكتابهم المقدس وشرحهم له على مدى طويل على لسان العالم اليهودي يهوذا جولدن(3).
كما زعم المستشرق الفريد غيوم في كتابه (الحديث في الإسلام): أن كلمة (حديث) مشتقة من الكلمة العبرية عند اليهود (هداش) والتي تعني الجديد، أو تعني الأخبار، أو القصص(4).
ومرد هذه الشبهة يهدف إلى نفي أن تكون الكلمتان عربيتين.
وقد رد هذه الشبهة الباطلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ونفي أن تكون كلمة السنة مأخوذة من العبرية(5).
كما رد الدكتور/ محمد الأعظمي في كتابه (دراسات في الحديث النبوي) الزعم الباطل لجولد تسهير ؛ أنها مصطلح وثني في أصله، وإنما تبناه واقتبسه الإسلام(6).
وذكر هذه الشبهة وردها الدكتور/ رءوف شلبي في كتابه (السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين) فقال: بحكم طبيعة الحياة فإن الخير لا يسلم من الشر، وإن العدل لا يسلم من الجور، ولقد قيض الشيطان عناصر تفتري على الإسلام وعلى مصادره، فقد زعم بعض الباحثين أن التعبير بكلمة سنة أخذه المسلمون من الكلمة العبرية (مشناة)، والتي تطلق في الاصطلاح اليهودي على مجموعة الروايات الإسرائيلية التي تعتبر في نظرهم مرجعاً أساسياً في التعرف على أحكام التوراة، كما تعتبر شرحاً وتفسيراً لها، ثم عربها المسلمون إلى كلمة (سنة)، ويدعى اليهود أن المسلمين أطلقوها – بعد التعريب – علماً على مجموعة الروايات النبوية في مقابل استعمالهم لكلمة (مشناة) علماً على مجموعة الروايات الإسرائيلية.
والجواب:
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور/ رءوف شلبي: اعتراض اليهود ومن تابعهم على كلمة (سنة) و(حديث) ملخص في نقطتين:
1- أن المسلمين عربوهما من كلمة (منشاة) و (هداش).
2- أن المسلمين أطلقوهما علماً على مجموعة الروايات النبوية في مقابل ما صنعه اليهود من إطلاقهم كلمة (مشناة) على مجموعة الروايات الإسرائيلية التي تشرح لهم التوراة ، وتعتبر المصدر الأساسي في التعرف على الأحكام.
ورداً على النقطة الأولى: فإن العقل الباحث الأمين لا يتقبل ادعاء اليهود ومن صار على دربهم، أن العرب الأوائل المسلمين قد عربوا (مشنأة) إلى (سنة)، أو عربوا (هداش) إلى (حديث).
أولاً: لعدم المشابهة في الحروف والبنية.
ثانيا: لأن الكلمتين ورد استعمالهما في الشعر الجاهلي قبل الإسلام، كما استعملهما ربنا - عز وجل - في كتابه العزيز ، واستعملهما نبينا - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الشريف، على نحو ما ذكرناه سالفاً في تعريف السنة والحديث لغة. وذلك مما لا يترك مجالاً لفرضية بحث تعريب كلمة (سنة)من (مشناة)ن أو (حديث) من (هداش).
إذًا فالكلمتان لم يعربهما المسلمون من كلمتي (مشناة وهداش) ، وإنما أخذوهما من صميم لغتهم ، وصريح كتابهم الكريم ، وصريح حديث نبيهم- صلى الله عليه وسلم-(7).
ويقول الدكتور/ الأعظمى رداً على ادعاء وثنية المصطلح: " ولذا فإن ما قاله جولد تسيهر بأن السنة مصطلح وثني استخدمه الإسلام، ادعاء لا يستند إلى دليل ، ومعارض للأدلة الملموسة ، ثم إن استعمال الجاهليين أو الوثنيين من العرب (لكلمة ما) في مفهومها اللغوي لا يلبسها ثوباً معيناً، ولا يحيلها إلى مصطلح وثني وخصوصًا ًإذا لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلا أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً، وهذا لا يقول به عاقل" (8).
ونفس هذا الكلام يقال رداً على ما زعمه الفريد غيوم من أن كلمة (حديث) مشتقة من الكلمة العبرية (هداش).
ورداً على النقطة الثانية: يقول ابن قيم الجوزية(9) في إغاثة اللهفان: " إن كلمة مشناة إنما تعني الكتاب الذي ألفه علماء اليهود في زمن دولة البابليين والفرس، ودولة اليونان والروم ، وهو الكتاب الأصغر ، ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة ".
أما التلمود: فهو الكتاب الأكبر الذي ألفه علماء اليهود مع مشناة ، ومبلغ حجمه نحو نصف حمل بغل لكبره، ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه في عصر واحد، وإنما ألفوه جيلاً بعد جيل، فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه، وأن في الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه ، أدى إلى الخلل الذي لا يمكن سده ، قطعوا الزيادة فيه ، ومنعوا منها ، وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه ، وإضافة شيء آخر إليه ، وحرموا من أن يضاف إليه شيء آخر فوقف على ذلك المقدار(10).
إذًا فالمشناة والتلمود من تأليف فقهاء اليهود إرضاء لأهوائهم ، وقد نسبوها إلى التوراة، وإلى سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – وليس الأمر كذلك في الحديث النبوي والسنة المطهرة؛ فهي مرويات نبوية موحى بها من قبل رب العزة ، ولا مدخل لأحد من علماء الإسلام في شيء منها إلا بحفظها، ورعايتها، وتنفيذها، وصاحب السنة المطهرة - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أطلق وسمى كل ما ورد عنه من قول، أو فعل، أو تقرير، أو... الخ. بأنه من حديثه الشريف وسنته المطهرة.
فهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: (قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)(11).
وبهذا كله يتضح لنا أن الكلمتين (سنة) و(حديث):
1- عربيتان أصيلتان.
2- وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد استعملاهما.
3- وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي سمى الحديث والسنة، ووضعهما علماً على كل ما ورد عنه من قول، أو فعل، أو تقرير... إلخ ، كما سبق وأن ذكرت.
وبذلك ينمحي من الإمكان فرض أن المسلمين عربوا كلمة (سنة) من كلمة (مشناة)، أو (من هداش)، أو فرض أنها مصطلح وثني ، وأنه فرق كبير بين ثريا المحجة البيضاء في الإسلام ، وبين ثرى المحرفين الذين لعنوا على لسان أنبيائهم داود، وعيسى بن مريم؛ جزاءاً بما كانوا يصنعون(12).أ. هـ.
______________________________ __
(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ص 49.
(2) دراسات في الحديث النبوي 1/ 5،6.
(3) إعادة تقييم الحديث ص 78، 79.
(4) نقلا عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62.
(5) الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493.
(6) دراسات في الحديث النبوي 1/5 -11.
(7) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف.
(8) دراسات في الحديث النبوي 1/7.
(9) ابن قيم الجوزية: هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، أبو عبد الله ، الفقيه الحنبلي الأصولي المحدث النحوي الأديب الواعظ الخطيب ، له مصنفات عديدة أشهرها: أعلام الموقعين عن رب العالمين ، وزاد المعاد في هدي خير العباد ،وغير ذلك ، مات سنة 751هـ. له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 234، والدرر الكامنة لابن حجر 3/400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6/168، وطبقات المفسرين للداودي 2/93 -97 ، رقم 456، والوافي بالوفيات 2/270.
(10) إغاثة اللهفان 2/323، 324.
(11) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب العلم ، باب خطبته - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع 1/ 171، 172رقم 318من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – وقال في إسناده عكرمة واحتج به البخاري ، وابن أبي أويس واحتج به مسلم ، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – وأخرجه في الموضع السابق، ووافقه الذهبي وقال وله أصل في الصحيح أهـ.
(12) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور/ رءوف شلبي ص 32: 36 بتصرف ، والسنة في كتابات أعداء الإسلام (1/ 50-53).