أخي الكريم،
أنت تزعم أنّ العادة الغالبة لدى المحدّثين ورواة الأخبار هي تقديم الكنية على الاسم في أسانيدهم. وهذا زعمٌ باطلٌ ناشئ عن وَهْم استقر في نفسك.
ولو كانت ألفاظ الرواية تُضبَط بالعقل، لكان ذِكر الاسم أوْلى بالتقديم من الكنية؛ لأنّه أسبق منها إلى الوجود، وأوّلُ ما يعرف به المولود.
ولو رجعتَ إلى كتب الطبقات والتراجم، لأدركت أنّ ما اعتبرتَه عادةً ليس كذلك. ويكفي أن تنظر إلى "سير أعلام النبلاء"، لتدرك أنّ الذهبي، في الأغلب الأعمّ من كتابه، يقدِّم الاسم على الكنية. وإذا رجعتَ إلى "معجم شيوخ السمعاني"، لألفيتَه انتهج عكس ذلك، مقدِّمًا الكنية على الاسم. هذا ما يحضرني من الأمثلة الدالة على أنّ تقديم الكنية على الاسم ليس "عادةً" غالبة عندهم.
والترتيب الذي ذكرتَ أنه عادة وأصل في لسان المحدّثين لم أجد مَن نصَّ عليه. وكنتُ أظنُّك تستند في كلامك إلى قاعدة جليّة في هذا الباب. وإذا بك تلجأ إلى استقراء ناقص تحاول أن تعضد به كلامك. وهذا لا يستقيم في تقرير الحقائق.
وكأنّي بك تحاول أن تثبت أصلا لا وجود له، ولم ينص عليه أهل الفن، بل لم يلتفتوا إليه، باللجوء إلى استقراء كافّة كتب الحديث المسندة! وهذا النهج، فضلا عن وعورته وطوله، لا ثمرة ترجى من ورائه. ولْنفرض أنّك أنجزتَ ما ترمي إليه أو توحي به، وتوصّلت إلى نتائج صريحة لا يعتريها الشك، فما هو ضابط الكثرة في هذا الباب؟ بل هل الكثرة في ذاتها ضابطٌ لاعتبارها أصلًا؟ أم يكفي وجود شاهد –أو جملةُ شواهد– لنقض الأصل المبني على الكثرة وتسويته بما سواه؟
ثم، بعد هذا وذاك، لو توصّلتَ إلى أنّ أكثر المحدِّثين كانوا يقدّمون الكنية على الاسم، ووضعتَ قاعدةً لحدّ الأصل في هذا الباب تكون الكثرة فيه ضابطًا، ستجد نفسك في حيرة إزاء المواضع التي قدَّموا فيها الاسم على الكنية. وعندئذ لن يكون لك مناصٌ من أحد أمرين:
- إمّا أن تخطِّئهم، لأنهم خالفوا الأصل.
- وإمّا أن تعلّل صنيعهم، أو تبحث له عن تعليل في كتب السلف.
يتبع ...