إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول)[مجموع الفتاوى407-11]--و يقول ابن القيم: (إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له)---------- - يقول الشيخ صالح ال الشيخ فى جواب السائل عن اقامة الحجة-- هذه من الواضحات هذا ، هو المعيّن، من استغاث بغير الله فهو كافر ، المعين المستغيث بغير الله كافر، لكن هنا هذا الكفر ما هو؟ هل هو الكفر كفر النفاق أو الكفر الأكبر؛ يعني هل هو الكفر الظاهر أو كفر الباطن؟ هذا البحث فيها، عندنا الصحيح أنها كفر الباطن؛ يعني كفر النفاق، ولا يكفر ظاهرا حتى تقوم عليه الحجة، يعني ما تجيء تقول له أنت كافر، أو تنص على هذا الشخص بأنه كافر بعينه، مع اعتقادك أنه كافر؛ لأنك تعتبره كفر نفاق.
شيخ الإسلام نصّ على الفرق بين الكفر الظاهر والباطن، وأنّ كفر الظاهر والباطن هو في حق من أقيمت عليه الحجة-قسمنا- الأول إذا كان كافر ظاهرا وباطنا-
أما الكفر الظاهر عمل عملا كفريا ظاهرا يحمل عليه به بالكفر، لكن قد يكون منافقا فلا تترتب عليه الأحكام؛ يعني لا يقتل ولا؛ لكونه منافقا، قد يكون ما أقيمت عليه الحجة، يعني فيه ضوابط لها.
السائل:...
إقامة الحجة عليه بمعنى أنْ يعلم بالحق ثم لا يتبعه، إذا كان بمخاطبة واحد بعينه أبلغ، وإذا كان بالسماع العام يكفي، ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾[التوبة:6].
السائل:...
هذا يختلف، هذا في المقالات الخفية.
السائل:...
على كل حال شوف أنتَ: إقامة الحجة لترتب الأحكام الفقهية على المرتد أو على الكافر، يعني تشهد عليه بالنار، تقاتله، تسبيه، تستحل منه أشياء، هذا فائدة إقامة الحجة، أما مجرد الحكم بالكفر لك أنت؛ وتعامله معاملة الكافر، هذا يكفي ما قام به، من قام به الربا فهو مرابي ولو كان معذورا، ومن قام به الزنى فهو زاني ولو كان معذورا، لكن هل نقيم عليه حد الزنا؟ لا، لابد من ترتب الشروط، فقد يكون هذا الداعي من دعا غير الله أو استغاث بغير الله، هذا نطلق عليه الكفر، الشرك، والشرك أحسن؛لأنّ الكفر فيه تفصيل فيه كفر ظاهر وباطن، أما الشرك فنطلق عليه الشرك، هو الذي كان يستعمله علماؤنا السابقين؛ يقولون فهو مشرك، فهو مشرك، فهو مشرك، أو هو كافر الكفر الذي يترتب عليه أحكام الدنيا إذا كان أقيمت عليه الحجة،أو الكفر الظاهر إذا لم تُقَم عليه الحجة، هذه المسألة مهمة.[جلسه خاصة للشيخ] ويقول الشيخ صالح ايضا-ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر."اهـ
(من شرح المسألة الأولى من كتاب مسائل الجاهلية)-----ويقول-إذا لم تقم الحجة هل يكفر عبدة القبور أم لا؟ الجواب نعم، من قام به الشرك فهو مشرك الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة شرط في وجوب العداء، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفار، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك من قام به الشرك فهو مشرك، وترتَّب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا.
فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة، وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا..."اهـ
[شرح مسائل الجاهلية الشريط الرابع]-----ويقول -
هذا مبحث بحثه علماء الدعوة والعلماء قبلهم هل فهم الحجة شرط أم ليس بشرط. والله جل وعلا قال في كتابه: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} يعني جعلنا على قلوبهم أكنة أغطية وحجب أن يفهموا هذا البلاغ وهذا الإنذار {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} فدل على أن المشرك لم يفقه الكتاب ولم يفقه السنة يعني لم يفهم.
وتحقيق المقام هنا ، لأن بعض الناس قال كيف لا تشترطون فهم الحجة وكيف تقام الحجة إلى فهم، وتفصيل الكلام هنا أن فهم الحجة نوعان:
النوع الأول فهم لسان.
والنوع الثاني فهم احتجاج.
أما فهم اللسان فهذا ليس الكلام فيه فإنه شرط في بلوغ الحجة لأن الله جل وعلا قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، والله جل وعلا جعل هذا القرآن عربياً لتقوم الحجة به على من يفقه اللسان العربي.
وإذا كان كذلك فإن فهم اللسان هذا لابد منه؛ يعني إذا أتاك رجل يتكلم بغير العربية فأتيت بالحجة الرسالية باللغة العربية، وذاك لا يفهم منها كلمة، فهذا لا تكون الحجة قد قامت عليه بلسان لا يفهمه، حتى يَبُلَغُه بما يفهمه لسانه.
والنوع الثاني من فهم الحجة هو فهم احتجاج يفهم أن تكون هذه الحجة التي في الكتاب والسنة حجة التوحيد أو في غيره أرجح وأقوى وأظهر وأبين أو هي الحجة الداحضة لحجج الآخرين، وهذا النوع لا يشترط؛ لأنه جل وعلا بين لنا وأخبر أن المشركين لم يفقهوا الحجة فقال جل وعلا: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} وقال سبحانه: {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}،{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ}، فهم لا يسمعون سمع فائدة، وإن سمعوا سمع أُذُن ولا يستطيعون أن يسمعوا سمع الفائدة وإن كانوا يسمعون سمع الأذن، وقد قال جل وعلا: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}، وقال سبحانه: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}، {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} حتى وصفهم بأنهم يستمعون وليس فقط يسمعون بل يستمعون يعني ينصتون ومع ذلك نفى عنهم السمع بقوله: {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} وبقوله: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ}فإذن هم سمعوا سمع لسان لكن لم يسمعوا الحجة سمع قلب وسمع فهم للحجة يعني أنها راجحة فلم يفهموا الحجة ولكنهم فهموها فهم لسان فهموها لأنها أقيمت عليهم بلسانهم الذي يعلمون معه معاني الكلام ولكن لم يفهموها بمعنى أن الحجة هذه راجحة على غيرها، ولهذا قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ}
الوجه الثاني أن الكفر والكفار أنواع:
منهم من كفره كفر عناد.
ومنهم من كفره كفر تقليد:
{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}
ومن الكفار من كفره كفر إعراض معرض عن الحق: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ}
وإذا اشترط فهم الاحتجاج للحجة، فمعنى ذلك المصير إلى مخالفة الإجماع بالقول بأنه لا يكفر إلا المعاند، إذا قيل إنه يشترط فهم الاحتجاج يعني أن يفهم من أقيمت عليه الحجة أن هذه الحجة أقوى وتَدحض حجة الخصوم، فمعنى ذلك أن يصير القول إلى أنه لا يكفر إلا من كان معاندا فقط.
ومعلوم أن الكفار ليسوا كلهم معاندين؛ بل منهم المعاند، ومنهم غير المعاند، فمنهم من جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، ومنهم المقلد ومنهم المعرض إلى غير ذلك."اهـ
[شرح كشف الشبهات]-ويقول-فإذن كلام أئمة الدعوة في هذه المسألة فيه تفصيل ما بين الكفر الظاهر والكفر الباطن، ومن جهة التطبيق في الواقع يفرقون، فإذا أتى للتأصيل قالوا هو كفر سواء أكان كفره عن إعراض وجهل أو كان كفره عن إباء واستكبار، وإذا أتى للتطبيق على المعين أطلقوا على من أقيمت عليه الحجة الرّسالية البينة الواضحة أطلقوا عليه الكفر، وأما من لم تقم عليه الحجة فتارة لا يطلقون عليه الكفر كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في موضع: وإن كنا لا نكفر من عند قبة الكوّاز وقبة البدوي لأجل عدم وجود من ينبههم. الشيخ ما كفر أهل [الجبيلة] ونحوهم ممن عندهم بعض الأوثان في أول الأمر لأجل عدم بلوغ الحجة الكافية لهم،
وقد يطلق بعضهم على هؤلاء الكفر ويراد به أن يعاملوا معاملة أهل الكفر حرزا ومحافظة لأمر الشريعة والإتباع، حتى لا يستغفر لمشرك، وحتى لا يضحي عن مشرك، أو أن يتولى مشركا ونحو ذلك من الأحكام.----ويقول-
فإن أُقيمت عليه الحجة؛ الحجة الرسالية من خبير بها ليزيل عنه الشبهة وليُفهمه بحدود ما أنزل الله على رسوله التوحيد وبيان الشرك فترك ذلك مع إقامة الحجة عليه فإنه يعد كافرا ظاهرا وباطنا.
وأما المعرض فهنا يعمل في الظاهر معاملة الكافر، وأما باطنه فإنه لا نحكم عليه بالكفر الباطن إلا بعد قيام الحجة عليه؛ لأنه من المتقرر عند العلماء أن من تلبس بالزنا فهو زان، وقد يؤاخذ وقد لا يؤاخذ، إذا كان عالما بحرمة الزنا فزنى فهو مؤاخذ، وإذا كان أسلم للتو وزنى غير عالم أنه محرم فالاسم باق عليه؛ لكن –يعني اسم الزنا باق أنه زانٍ واسم الزنا عليه باق- لكن لا يؤاخذ بذلك لعدم علمه.
وهذا هو الجمع بين ما ورد في هذا الباب من أقوال مختلفة.
رد: إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
قال العلامة عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في مناظرة عقدها بين من يعذر بالجهل ومن لا يعذر به، ليبين ظهور قول العاذر على قول من لا يعذر كما في "الفتاوى السعدية" (ص/578-584) "باب: حكم المرتد: "مناظرة في تكفير الشخص المعين بصدور ما يوجب الكفر عنه":
"قال أحد المذكورين:
قد دل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، أن من دعا غير الله تعالى، ملكا أو نبيا أو صالحا أو صنما أو غير ذلك، أنه كافر بالله، مشرك مخلد في نار جهنم، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة لا يمكن إنكاره، فمتى فعله أحد من الناس فهو مشرك كافر لا فرق بين كونه معاندا أو جاهلا أو متأولا أو مقلدا، ولهذا جعل الله في كتابه الكفار كلهم كفارا، لم يفرق بين التابع والمتبوع، ولا بين المعاند والجاهل، بل أخبر أنهم يقولون: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} (الزخرف: 22)
وهذا أمر لا يُشك فيه أن كثيرا منهم يظن أنه على حق كما قال تعالى: {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} [الكهف: 104، 105]. فلم يمنعهم تكفيرهم اعتقادهم أن ما فعلوه إحسان، فهكذا من دعا غير الله، أو استغاث بما لا يقدر عليه إلا الله، فهو مشرك كافر، عاند أو لم يعاند، عرف الدليل أو لم يعرف، وأي فرق بين تكفير جهلة اليهود والنصارى وغيرهم وجهلة من يشرك ولو انتسب الى دين الاسلام؟! بل أي فرق بين تكفير من ينكر البعث ولو جهلا، وبين من يدعو غير الله ويلوذ به ويطلب منه الحوائج التي لا يقدر عليها إلا الله؟! فالكل كفار، والرسول بلغ البلاغ المبين، ومن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، سواء فهمها أو لم يفهمها.
قال الآخر:
ما ذكرت من دلالة الكتاب والسنة والإجماع، على أن دعاء غير الله والاستغاثة به شرك وكفر مخلد في النار، فهذا لا شك فيه، ولا ريب، وما ذكرته من مساواة جهلة اليهود والنصارى وجميع الكفار الذين لا يؤمنون بالرسول ولا يصدقونه بجهلة من يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويعتقد صدق كل ما قاله في كل شيء ويلتزم طاعته، ثم يقع منه دعاء لغير الله وشرك به، وهو لا يدري ولا يشعر أنه من الشرك، بل يحسبه تعظيما لذلك المدعو، مأمور به.
وما ذكرته من مساواة بين هذا وبين ذاك، فانه خطأ واضح، دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم باحسان على التفريق بين الأمرين، فإنه من المعلوم من الدين بالضرورة كفر جهال اليهود والنصارى وجميع أصناف الكفار، وهذا أمر لا يمكن انكاره.
وأما من كان مؤمنا بالرسول، ومصدقا له في كل ما قاله، وملتزما لدينه، ثم وقع منه خطأ في الاعتقاد أو القول والعمل، جهلا أو تقليدا أو تأويلا، فإن الله يقول: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. عفي عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، في المقالة والاعتقاد وإن كان كفرا.
ويقال: من اعتقدها أو عمل بها، فهو كافر، لكن قد يقع ويوجد مانع في بعض الأشخاص يمنع من تكفيره لعدم علمه أنه كفر وشرك فيوجب لنا التوقف في إطلاق الكفر على عينه، وإن كنا لا نشك أن المقالة كفر لوجود ذلك المانع المذكور، وعلى هذا عمل الصحابة والتابعين في البدع، فإن البدع التي ظهرت في زمانهم كبدعة الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم مشتملة على رد النصوص من الكتاب والسنة وتكذيبها وتحريفها، وذلك كفر، لكن امتنعوا من تكفيرهم بأعيانهم، لوجود التأويل فلا فرق بين تكذيب الخوارج لنصوص الشفاعة وتكذيبهم للنصوص الدالة على إسلام وإيمان أهل الكبائر، واستحلالهم لدماء الصحابة والمسلمين، وتكذيب المعتزلة بالشفاعة لأهل الكبائر، ونفي القدر والتعطيل لصفات الله، وغير ذلك من مقالاتهم، وبين تأويل من أجاز دعاء غير الله والاستغاثة به.
وقد صرح شيخ الاسلام في كثير من كتبه، كرده على البكري والإخنائي وغيرهما حين ذكر وقوع مثل هذه الأمور من بعض المشايخ المشار اليهم، فذكر أنه لا يمكن تكفيرهم لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة، حتى تبين لهم الحجة التي يكفر منكرها، وكلامه معروف مشهور، فاتضح لنا من ذلك ان من وقعت منه مثل هذه الأمور جهلا وتقليدا، أو تأويلا من غير عناد، أنه لا يحكم بتكفيره بعينه وإن كانت هذه الأمور الواقعة منه كفرا، للمانع المذكور.
فقال الأول:
أما قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. ورفع الشارع المؤاخذة عن هذه الأمة بالخطأ، فإنما ذلك في الخطأ في المسائل الفرعية والاجتهادية، أما أصول الدين، بل أصل الدين على الإطلاق الذي هو التوحيد، فالخطأ فيه والعمد الكل على حد سواء كما ذكرنا في تكفير مقلدة الكفار.
وأما قولكم: إن هذا مصدق للرسول ملتزم لطاعته، فهو ممنوع، فكيف يصدقه من كان مكذبا له في وجوب توحيد الله، ووجوب إفراد الله في الدعاء والاستغاثة وغيرهما من أنواع العبادات؟! وكيف يكون ملتزما لطاعة الرسول من عصاه في أصل الطاعات وأساس الدين، والتوحيد؟! فجعل يدعو غير الله ويستغيث به ناسيا ربه، مقبلا بقلبه على المخلوقين، معرضا عن رب العالمين، فأين الالتزام؟! وأين التصديق؟!
وأما الدعوة المجردة، فإنها غير مقبولة حتى يقام عليها الدليل والبرهان، وأما تشبيهكم هنا ببدع الخوارج والمعتزلة الى آخر ما قلتم، فما أبعد الفرق بين الأمرين! بين التوحيد الذي هو أصل دين الرسل وأساس دعوتهم، وهو الذي جاهد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكاد القرآن من أوله الى آخره أن يكون في بيان هذا تأصيلا وتفصيلا وتبيانا وتقريرا، وبين البدع التي ضل أهلها وأخطئوا في عقائدهم وأعمالهم مع توحيدهم وإيمانهم بالله ورسوله، فالفرق بين الأمرين فرق واضح، والجامع بينهما مخطئ لم يهتد إلى الصواب.
فقال الثاني:
إن القول بأن الخطأ المذكور في الآية وغيرها من نصوص الشرع إنما هو الخطأ في الفروع لا في الأصول، قول بلا برهان، فلم يفرق الله ورسوله بين مسائل الأصول والفروع في العفو عن هذه الأمة، وما ذكرناه من عدم تكفير السلف لأهل البدع حيث كانوا متأولين إلا مسائل أصول الدين، خصوصا من عطل صفات الباري من المعتزلة ونحوهم، فإن التوحيد مداره على إثبات صفات الكمال لله تعالى وعبادته وحده لا شريك له، فكما امتنعنا من التكفير للمعين الذي لم تقم عليه الحجة في القسم الأول إذا أنكر بعض الصفات جهلا وتأويلا وتقليدا، فكذلك نمتنع من تكفير من صرف بعض العبادات لبعض المخلوقات جهلا وتأويلا وتقليدا، والمانع في هذا كالمانع في هذا، وكلا الأمرين قد أتى به الرسول وبلغه لأمته.
لكن الضّلال من أمته ضلوا في البابين أو فيهما، وسلكوا ما علم بالضرورة من دينه، أنه جاء بإنكاره والنهي عنه والتحذير لأمته عن هذا المسلك، فمن علم ما جاء به في البابين، وعانده وشاقه من بعد ما تبين له الحق، فهو كافر حقا، ومن كان مؤمنا به ظاهرا وباطنا، لكنه ضل في ذلك وجهل الحق فيه، فإنا لا نجزم بكفره في هذه الحال مع وجود هذا المانع حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر معاندها.
وبهذا المعنى امتنعنا نحن وأنتم من إطلاق الكفر على من جرت منه مثل هذه الأمور، كالصرصري ونحوه، ممن في كلامهم من الاستغاثة بالرسول ودعائه، وطلب الحوائج منه لهذه العلة المذكورة، وهو وأمثاله ممن يدخل في كلام شيخ الاسلام السابق.
وأما قولك: إن إنكار البعث ممن أنكره لا تتوقفون في تكفيره كما كفره الله ورسوله من غير تفريق بين المعاند وغير المعاند.
فنحن نقول: الباب واحد، ولكن حصل التأويل وراج الأمر في مسائل الصفات والتوحيد على كثير ممن هو مصدق للرسول في كل شيء، بخلاف مسألة إنكار البعث، فإن هذا لا يكاد يوجد، ومع ذلك لو فرض وجوده ممن نشأ في بلد بعيدة، أو حديث عهد بإسلام، فإنه يعرف حكمه، وبعد ذلك يحكم بكفره.
فكل من كان مؤمنا بالله ورسوله، مصدقا لهما ملتزما طاعتهما، وأنكر بعض ما جاء به الرسول جهلا أو عدم علم أن الرسول جاء به، فإنه وإن كان ذلك كفرا، ومن فعله فهو كافر، إلا أن الجهل بما جاء به الرسول يمنع من تكفير ذلك الشخص المعين من غير فرق بين المسائل الأصولية والفرعية، لأن الكفر جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه مع العلم بذلك، وبهذا عرفت الفرق بين المقلدين من الكفار بالرسول وبين المؤمن الجاحد لبعض ما جاء به جهلا وضلالا لا علما وعنادا".
"الفتاوى السعدية" (578-584)
رد: إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
قال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في "مصباح الظلام" (52-53):
«وإنما تكلم الناس في بلاد المشركين الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين ، ويجعلونهم أندادا لله رب العالمين، أو يسندون إليهم التصرف والتدبير كغلاة القبوريين، فهؤلاء تكلم الناس في كفرهم وشركهم وضلالهم، والمعروف المتفق عليه: أن من فعل ذلك ممن أتى بالشهادتين يحكم عليه بعد بلوغ الحجة بالكفر والردة ولم يجعلوه كافرا أصليا».
رد: إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد الشركسي
لأن الكفر جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه مع العلم بذلك
يهمنا في مثل هذه المواطن النظر الى القول لا الى القائل ثم ارجاع النزاع في ذلك الى الشرع الذي امرنا بالرد اليه عند الاختلاف و التنازع .
و حتى لا يتشتت الموضوع اود طرح بعض الاسئلة لعل جل الخلاف مبني عليها
1- الجاهل الذي يعبد الله و يعبد غيره هل هو موحد او مشرك
2- هل الكفر عند اهل السنة محصور في الجحود
3 - هل كل جهل يعذر به صاحبه و لو كان فيما لا يصح الاسلام الا به
و بارك الله فيكم
رد: إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
ويفترض في الناطق بالشهادتين تحقّق شروط التوحيد «لا إله إلاّ اللهُ»، وتجري عليه أحكام الإسلام ما لم يقترن به شركٌ أو تغيَّر اعتقاده بإتيانه بناقِضٍ من نواقض الشهادتين، فتجري عليه أحكام الردّة.
.
فتجري عليه أحكام الردّة : أحكام الردة على من ترك شيئا من شرائع الدين معتقدا مستحلا ولم يكفر بكلمة التوحيد ؟
أما من كفر بكلمة التوحيد ؟ فهذا كفره كفر ملة لأنه ناقضها بغيرها من الشرك بالله عزوجل ؟
فخرج هنا كلمة التوحيد ليست شعيرة ؟ بل هي اساس الإسلام ؟
والذي يدخل الإسلام حديثا عنه فهذا الواجب عليه -يروى عن الإمام الذهبي- يوقن بكلمة التوحيد معتقدا وبالإسلام على الإجمال لا على التفصيل ليتم قبول الإسلام منه !
كما ولا يجوز له تعلم علم الكلام والخوض فيه ولا تحرير أدلته وهي هذه التي يناقشها هنا ؟ "تحرير الأدلة إقامة الحجة وهو حديث عهد بالإسلام" انتهى كلامه رحمه الله.
قلت : كيف وهؤلاء منهم من هو متحول ومنهم من هو حديث عهد بالسلفية وبالسنة والعلم والطلب.
رد: إعلام السائل بما فى إقامة الحجة من مسائل
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبيل عبد الحميد العريفي
ويفترض في الناطق بالشهادتين تحقّق شروط التوحيد «لا إله إلاّ اللهُ»، وتجري عليه أحكام الإسلام ما لم يقترن به شركٌ أو تغيَّر اعتقاده بإتيانه بناقِضٍ من نواقض الشهادتين،
بارك الله فيك -يقول الشيخ سليمان بن سحمان فى كشف الاوهام-- أَن أصل الْإِسْلَام الثَّابِت لَا يحكم بزواله إِلَّا بِحُصُول منَاف لحقيقته مُنَاقض لأصله لِأَن الْعُمْدَة اسْتِصْحَاب الأَصْل وجودا وعدما -------مثلا فى بعض الطوائف الموجودة الآن مثلا الرافضة او القديانية نستصحب عدم وجود اصل الاسلام فلا يلزمنا إدعائهم الاسلام ان نحكم لهم بالاسلام لعدم وجود اصل الاسلام الثابت حتى نحكم بزواله -- وقد رد الامام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على عثمان بن منصور فى جداله عن اهل الشرك مستدلا بكلام الامام بن رجب الحنبلى رحمه الله الذى سأذكره لاحقا- وهذه شبهه لعثمان بن منصور- نقلها عنه احد ادعياء السلفية المعاصرين -احمد فريد فى كتابه العذر بالجهل عقيدة السلف فارجع اليها ثم طابقها مع شبهة بن منصور يتبين لك ان لكل قوم وارث- وسأنقل بإذن الله رد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن على شبهة بن منصور ليتضح بما لا يدع مجالا للشك ان السلفية عند صاحب كتاب العذر بالجهل عقيدة السلف هى سلفية مزعومة موروثة عن امامهم ومقدمهم عثمان بن منصور -
فصل في احتجاج المعترض بكلام لابن رجب الحنبلي على مقصده من عدم تكفير من أتى بشرك]
فصل قال المعترض: (وقال زين الدين ابن رجب رحمه الله تعالى "ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلمًا، وقد أنكر على أسامة قتله لمن شهد أن لا إِله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره". ثم بين رحمه الله أنه إذا كان مسلمًا بالشهادتين ألزم حقوق الإسلام، إلى أن قال:
"وبهذا الذي قررنا يظهر الجمع بين ألفاظ الأحاديث في هذا الباب؛ ويتبين أن كلها حق فإن كلمتي الْإِخلاص بمجردها تعصم من أتى بهما، ويصير بذلك مسلمًا هذا عين كلامه". انتهى------قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن--------
والجواب أن يقال : إن الله تعالى وتقدس وعد رسله والذين آمنوا أن ينصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، ومن نَصْر الله تعالى لأوليائه وعباده المؤمنين ولشيخنا رحمه الله تعالى خذلان أعدائهم، وعدم تسديدهم، وتهافت أقوالهم وما كساها من الظلمة والتناقض والتدافع، والوحشة التي يعرفها من سلمت فطرته؛ وصح إسلامه، فضلًا عن أهل العلم بشرعه ودينه، فلربنا الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه.
ويقال لهذا: قد حرفت عبارة زين الدين بن رجب وتصرفت فيها، وأخرجتها عن موضوعها، وأزلت بهجتها: من ذلك قولك عنه: إنه يقول: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط) . وقد نزه الله العلامة ابن رجب وأمثاله عن أن يظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقبل مجرد القول
، من غير التزام لحقيقته، ولا عمل بمدلوله، وعبارة ابن رجب تدل على أنه يبدأ بالتوحيد في الدعوة والطلب، ولا يقبل قبله عمل من الأعمال، والمقصود من الشهادتين ما دلتا عليه من البراءة من كل معبود سوى الله؛ وأنه هو المعبود وحده لا شريك له، والإيمان بالرسل، والتزام متابعتهم، هذا هو مدلول الشهادتين وهو الذي دلَّت عليه عبارة ابن رجب، وشيخنا رحمه الله أصْل دعوته وجهاده على هذا، وعلى ترك عبادة الصالحين من الأموات والغائبين، ودعائهم مع الله رغبًا ورهبًا، والتوجه إليه والاستغاثة بهم في الشدائد والملمات، كما كانت تفعله الجاهلية، فهذا الذي جاهد شيخنا عليه، ودعا الناس إلى تركه، وأخبرهم أن الإيمان بالله يناقض هذا ويبطله، فعبارة ابن رجب تشهد لهذا الشيخ بالعلم والمتابعة، خلافًا لما توهمه بعض الجهال والضلال من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل مجرد القول واللفظ، مع ارتكاب ما ينافيه ويناقضه.
ومراد ابن رجب: أنَّ مَن أظهر الإسلام، وتكلم بالشهادتين، ولم يأت منه ما ينافيهما يحكم بإسلامه، ويؤمر ببقية الشرائع، وقد ذكر ابن رجب بعد عبارته: (أنَّ مِن شرائع الإسلام ما يقاتل عليه ويكفر تاركه) . فدل كلامه على أن التزام أركان الإسلام باعتقاد وجوبها شرط لصحة الإسلام وقبوله في الدار الآخرة، وأما الأحكام الدنيوية فتجري على من أظهر الإسلام ظاهرًا، فإن ظهر منه ما ينافي ذلك حكم عليه بما يقتضيه هذا
المنافي من تكفير أو قتال، وهذا هو الذي دل عليه حديث أسامة وغيره من الأحاديث الدالة على الكف عمن أتى بالشهادتين.
ودعواك أنَّ ابن رجب قال: (يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط) دعوى كاذبة، وآحاد العقلاء يتنزه عن هذه العبارة؛ لأنَّ معنى "فقط " لا غير، وحينئذ فمدلولها أنه لا يقبل بقية الشرائع من الأركان الإسلامية والشعب الإيمانية، ولا يظن هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم من له عقل يميز به ولو كافرًا، فضلًا عن أهل العلم والإيمان.
وأما قولك: (ومن جعل شرائع الإسلام مع الشهادتين شرطًا لدخول الإسلام وصحته، وأنه لا يكون مسلمًا إلا بذلك - كهذا الرجل - فقد أبعد النجعة، وخالف ما عليه سيد البشر صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلفه الصالح) إلى آخر ما قلت.
فهذا القول منك صريح في مخالفة عبارة ابن رجب التي هي مرتبطة بما نقلته وشرط التزام الشرائع والمباني الإسلامية مجمع على اعتباره في الإسلام المنجي في الدار الآخرة، وكلام ابن رجب الذي ساقه بعد العبارة التي ذكرها المعترض صريح في هذا؛ فإنه قرر ما يقاتل عليه من الشرائع وما يقتل به الفرد المعين، وذكر شيئًا مما يكفر به، وذكر الخلاف في تكفير من ترك أحد المباني، وأما من ترك التوحيد الذي دلَّت عليه شهادة أن لا إِله إلا الله، فقد اتفق العلماء على كُفْرِه ووجوب قتله إن أصر وعاند.
وقال شيخ الإسلام تقيّ الدِّين، لما سئل عن قتال التتر مع تمسكهم بالشهادتين، ولِمَا زعموا من اتباع أصل الإسلام (كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة: المتواترة من هؤلاء القوم أو غيرهم؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، ملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهم، فاتفق الصحابة على القتال على حقوق الإسلام، عملًا بالكتاب والسنَّة، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج والأمر بقتالهم، وأخبر أنهم "شر الخلق والخليقة" مع قوله: " «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم» "، فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب، فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، أو الأموال، أو الخمر، أو الزنا، أو الميسر، أو نكاحذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذ أصرت على ترك بعض السنن، كركعتي الفجر، أو الأذان أو الْإِقامة؛ عند من لا يقول بوجوبها، ونحو ذلك من الشعائر فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها، فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام (أو الخارجين عن طاعته؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه) ما بين القوسين فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لِإِزالة ولايته؛ وأما المذكورون فهم خارجون عن الْإِسلام بمنزلة مانعي الزكاة؛ وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه، ولهذا افترقت سيرته رضي الله عنه في قتاله لأهل البصرة وأهل الشام، وفي قتاله لأهل النهروان، فكانت سيرته مع البصريين والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك، وثبتت
النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عليه إجماع الصحابة من قتال الصديق رضي الله عنه لمانعي الزكاة، وقتال علي للخوارج) . انتهى كلامه رحمه الله.
وقال أيضًا في "الرسالة السنية" (فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من مرق عن الإسلام مع انتسابه إلى الإسلام والسنَّة، ففي هذه الأزمان قد يمرق أيضًا من الإسلام، وذلك بأسباب.
منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى في كتابه، حيث قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} .
وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حرَّق الغالية من الرافضة، وأمر بأخاديد خُدَّت لهم عند باب كندة وقذفهم فيها، واتفق الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس رضي الله عنه مذهبه أن يقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة، وكذا الغلو في بعض المشايخ؛ بل الغلو في علي بن أبي طالب بل الغلو في الشيخ عدي ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الْإِلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، وأغثني وارزقني، واجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ". ليعبد
وحده لا يجعل معه إله آخر؛ والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو تنزل المطر، أو تنبت النبات؛ وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو صورهم، يقولون: إنما نَعْبُدُهُمْ (1) لِيُقَربُونَا إلى الله زُلفَى {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ (2) شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}
فبَعث الله رسوله ينهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استعانة) وذكر آيات في المعنى تبين هذه القاعدة العظيمة التي ضلَّ بالجهل بها من ضل، وشقي بإهمالها من شقي.
وأما ما زعمه من مخالفة شيخنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلفه الصالح.
فلو كان لهذا المعترض عقل يميز به، وعلم يدري به ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم من تكفير من عبد غير الله، واتخذ معه الآلهة والأنداد، وسوى بينهم وبينه تعالى وتقدس في الحب والتعظيم، والْإِنابة والتوكل والدعاء؛ لعرف أنه هو المخالف لما كان عليه سائر رسل الله وأتباعهم إلى يوم القيامة، وأنة يجادل ويناضل عن عاد وثمود وقوم نوح وقوم فرعون وجاهلية العرب، وأمثالهم من الأمم الذين كذَّبوا الرسل ولم يستجيبوا لهم، ولم يلتفتوا إلى ما خلقوا في له، وهذا الصنف من الناس هم أول من اخترع الشرك وابتدع في دين الله؛ وهم الذين أصَّلوا الأصول الخبيثة التي مقتضاها العدل بربهم وتسوية غيره به، ومعاداة أوليائه وحزبه، ونسبتهم إلى ما لا يليق بهم، وهذا هو حقيقة الخبث والرجس والفساد.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} .
وزعيمهم الذي يناضل عنهم ويجادل دونهم هو أخبثهم على الإطلاق.[ نعم مهم جدا]
قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}
وأما جعله شيخنا رحمه الله ممن يشترط الشرائعَ الإسلامية في الدخول فيه: فهذا باطل، إنما تشترط ) المباني ونحوها في صحة الإسلام [مصباح الظلام]