وما العجب من فتوى دار الإفتاء بتونس ؟؟؟ !!!
يتناقل الجميع بدهشة وتعجب خبر موافقة ما تسمى " دار الإفتاء" بتونس على زواج المسلمة من غير المسلم ، وكذلك المساواة بين المرأة والرجل في الميراث مطلقًا ،، وبصراحة أظن أني عكس الكثير من الأصحاب لم أستغرب ،، فهذه الأقوال المعارضة صراحة لكتاب الله قد قال بها من يدّعون أنهم فقهاء من المعاصرين ،، فدعوى المساواة في الميراث صرح بإعادة النظر والاجتهاد فيها فقيه روتانا الأكبر : عدنان إبراهيم ، قبل أعوام ،، وزواج المسلمة من كتابي قال بها بعضهم من قبل ومن أبرزهم الحركي السوداني : حسن الترابي ،، و هكذا لن تجد مسألة تعارض القيم الغربية إلا وتجد من المعاصرين من يبدلها ويغيرها لتتوافق مع تلك القيم وتنسب لدين الله، فإن كانت هذه المسألة متصلة بنص في السنة فما أسهل إنكاره ، وإن كانت متصلة بنص في كتاب الله فما أهون تأويله ،، حتى وقفت مرة بعد تجويز المحاكم الأمريكية زواج من السحاقيات ومن عمِل عمل قوم لوط على بحث لأحدهم يستند فيه على آيات قرآنية _زعم_ في تجويز هذه الأفعال، وتعنت في تأويل الآيات المعارضة ،، وقس على ذلك ، فالزنا شرعنوه ، والتعدد منعوه ، والربا أحلوه ، والكفر جوزوه وأدخلوا أهله الجنة وهم الذين ينعقون كل مرة على الملتزمين بقواطع كتاب الله أنهم يتكلمون باسم الله ويدخلون من يشاؤون الجنة ..
قد تختلف مناهجهم ، وطرق استدلالهم ، وملابسهم ، ولهجاتهم ، وكل شيء فيهم ، لكن قطعًا ستتفق نتائجهم ، لأن الغرب واحد ، وأوامره واحدة ..
ما يعنيني هنا ليس هذا ، فهو معروف لكل عاقل ، وإنما الذي يعنيني حقًا هو استغلال هذا الحدث _ الذي أرجو من الله أن يكون كذبًا وتلفيقًا إعلاميًا _ لأشير إشارة سريعة لأمرين على كل مسلم أن يعيهما ، وبالذات المشتغل في العلم الشرعي ، وهما :
١_ أنه لا علمانية "ناجحة" ولا خروج من الدين "من دون مشكلات" إلا من خلال المتدينين ،، يجب أن نفهم هذا جيدًا ؛ لأن هذا ما يخبرنا به التاريخ الحديث سواء في السياق الغربي أو حتى الإسلامي والعربي ،، لم تنشأ نزعة الأنسنة في عصر النهضة التي ألهمت فلاسفة الأنوار بمركزية الإنسان إلا من خلال الكنيسة ودعمها ، وكثير بل لن نبالغ إن قلنا أن غالب الفلاسفة الذين أثروا في مسيرة الحضارة الغربية كانوا لاهوتيين وخرجوا من رواق العقيدة النصرانية ، بل كثير من مضامين العلمنة والحداثة كانت في لبوس لاهوتي وديني مقلوب ، حتى قال غوشيه : إن المسيحية هي دين الخروج من الدين ،، وكذا حصل لنا في العالم الإسلامي ، فالسيد أحمد خان في شبه القارة الهندية وكثير ممن جاء بعده ، وجمال الدين الافغاني ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وخير الدين التونسي وغيرهم كثير إنما أعملوا مقص القيم الغربية في ثوابت الإسلام باسم الدين ، ومن خلال الشعارات و المناصب الدينية ، ومن رحم دعواتهم نشأت دعوات علمنة الدين ولبرلته ،، وإن كنا لا ننفي أن عندهم بعض الخير ومنهم أهل فضل ، ولا نقدح في أصل نواياهم ، ولكن لنعلم أن العلمنة إنما تتسرب من الداخل ، وتمتطي الغافل ، وتتلبس الجاهل بها .. فكل دعوات الرؤساء والمستبدين وأذناب الاستعمار للعلمنة لم تفلح ، وما أفلح منها إنما كان بمساعدة هؤلاء ..
٢_ أن نفهم طبيعة المؤسسات في الدولة العربية المعاصرة تحديدًا ،، أن نعرف أنها مهما علت وسمت ، وحاولت ممارسة عملها كما تشاء هي غير حرة ، وإنما مسترقة لسيادة الدولة ومصلحة الحاكم ، بما فيها المؤسسات الدينية ،، وهذا الأمر يبدو بدهيًا ولكنه يغيب في الأزمات للأسف ،، فنجد بعضهم يعول على مؤسسات الفتوى أن تقول رأيها في الأحداث وكأنه يسلّم بحريتها ، وكأنه لا يعلم أن الدولة لا تعتبر من عينتهم في دار الإفتاء إلا مجرد موظفين ، لا يحق لهم أن يقولوا إلا ما تمليه عليهم ، ومن يخرج منهم فلا تعدو أن تكون حالات شذوذ لا يفتأ مرتكبها أن يعاقب .. يجب أن نفهم وندرك أن من برر قتل السوريين كان مفتي جمهورية سوريا ، ومن برر قتل المدنيين في كثير من البلاد كانوا علماء المؤسسات الدينية ،، فلا ضير إن أفتوا بما تمليه عليهم السلطة ،، وإن كانت هذه الفتاوى تخالف قطعيات الشرع فالحاكم ليس الله وإنما السلطان هذا ما يقوله لسان حالهم .. ويجب أن نعلم أيضًا أن استراتيجيات الدول العربية القادمة تتمركز حول مؤسسات التقليد بتعزيز قوتها وإضفاء الشرعية عليها أمام العامة ومن ثم قيادتها من الداخل وتوجيهها كما تشاء ..
والله أسأل أن يرأف بحال أمتنا ويجيرنا من الفتن
منقول عن عبد الكريم الدخين عبر صفحته على الفيس بوك