النصيحة التعليمية التربوية (21)
طلب العلم بين العجلة والتواني .
اعلم أخي الحبيب – وفقك الله – أن كثيراً من طلاب العلم يضيعون أعمارهم بين الاستعجال والإمهال غير المنضبطين،
وذلك أن العلم ( عبادة ) فهو من أمور الآخرة .
والأصل في أمور الآخرة الاستعجال والمبادرة – إسراعاً أو سعياً –،
فهي محل ( رضا الله ) { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] .
والمبادرة الممدوحة في طلب العلم أنواع ، منها :
1- مبادرة العمر ، بأن يسارع إلى الطلب في أول عمره ، وصغر سنه .
قال الحسن: " طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ( المدخل إلى السنن الكبرى رقم 640 ).
قال عروة بن الزبير لبنيه:
"هلموا إلي فتعلموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم.
إني كنت صغيراً لا ينظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني،
وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله"
(بيان العلم وفضله لابن عبد البر ) .
2- مبادرة اليوم ، بأن يطلب العلم في باكورة يومه .
عن صَخْرٍ الغَامِدِيِّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" اللهمَّ! بارك لأُمتي في بُكُورها ".
وكان إذا بعث سَرِيَّةً أو جيشاً؛ بعثهم من أول النهار.
وكان صخر رجلاً تاجراً، فكان يبعث تجارته من أول النهار، فَأثرَى
وكَثُرَ ماله " ( رواه أبو داود : 2345 ، صححه الألباني ) .
3- المبادرة إلى القرآن ، قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
"يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -،
إِذْ كَانَ أَجَلَّ الْعُلُومِ وَأَوْلَاهَا بِالسَّبْقِ وَالتَّقْدِيمِ"
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/106 ) .
4- المبادرة إلى علم التوحيد ، قال حافظ الحكمي – رحمه الله - :
أوَّلُ وَاجِبٍ عَلى الْعَبِيد *** مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بالتَّوْحِيدِ
إذْ هُوَ مِن كُلِّ الأَوَامِر أعْظَمُ *** وَهُوَ نَوْعَانِ أيَا مَن يَفْهَمُ
قال ابن عثيمين – رحمه الله - :
" أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه،
وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له:
"إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"،
فهذا أول واجب على العباد أن يوحدوا الله عز وجل، وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وبتوحيد الله عز وجل والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق الإخلاص،
والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة "
( مجموع فتاوى : المجلد 1 باب الشهادتين ) .
5- مبادرة علماء بلده ثم من يلونهم، وقد كان السلف يحرصون على ذلك أشد الحرص ولهم فيه حكايات مشهورة،
قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
"وَيَعْمِدُ إِلَى أَسْنَدِ شُيُوخِ مِصْرِهِ وَأَقْدَمِهِمْ سَمَاعًا، فَيُدِيمُ الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ، وَيُوَاصِلُ الْعُكُوفَ عَلَيْهِ"
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 96 ) .
6- مبادرة الفراغ قبل الأشغال وكثرة العيال ، فقد قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ – رحمه الله -:
«إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ كُسِرَ بِهِ» ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 103 ) .
7- المبادرة إلى التلقي التام صمتاً واستماعاً ، قبل التصدي للتعليم .فعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:
" أَوَّلُ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ: الصَّمْتُ، وَالثَّانِي: اسْتِمَاعُهُ، وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِهِ، وَالرَّابِعُ: نَشْرُهُ وَتَعْلِيمُهُ "
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 326 ) .
وقال الشافعي – رحمه الله - : " إذا تصدر الحدث فاته علم كثير " .
8- المبادرة إلى حلقات العلم والتبكير لها ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ، يَقُولُ:
" كُنْتُ رُبَّمَا أَرَدْتُ الْبُكُورَ إِلَى الْحَدِيثِ،
فَتَأَخُذُ أُمِّي ثِيَابِي وَتَقُولُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ النَّاسُ،
وَحَتَّى يُصْبِحُوا، وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرْتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِ "
(الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 193 ) .
وتذم العجلة عند طالب العلم في أمور ، منها :
1- التصدر قبل التأهل .
2- التخصص المبكر .
3- التأليف قبل اكتمال الآلة .
4- الاستشراف للإفتاء .
5- أخذ العلم جملة .
6- استعجال نتائج الطلب .
7- القفز على مراتب الطلب .
8- المبادرة إلى الألقاب العلمية قبل التأهل .
9- الاعتقاد قبل الاستدلال .
10- نقض ورد المخالف قبل استيعاب كلامه .
تعلم فليس المرء يولد عالما *** وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده *** صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما *** كبير إذا ردت إليه المحافل
ولاترض من عيش بدونٍ ولايكن *** نصيبك إرث قدمته الأوائل
***