الدرر الكامنة فيما تضمنه اسم الله السلام من المعانى [ من بدائع الفوائد]
يقول بن القيم رحمه الله فى بدائع الفوائد - فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهو سلام في صفاته من كل عيب ونقص وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار
فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الإسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزهه به رسوله
فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل والسلام من الشريك ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه وإلاهيته سلام من مشارك له فيها بل هو الله الذي لا إله إلا هو وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو مصانعة كما يكون من غيره بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه
وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما أو تشفيا أو غلظة أو قسوة بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه علي إحسانه وثوابه ونعمه بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة وشرعه ودينه سلام من التناقض والإختلاف والإضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله حكمة ورحمة ومصلحة وعدل
وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز
واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجا إلى ما يحمله أو يستوي عليه بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه فهو الغنى عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه
وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا في شيء تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذلك كما يوالي المخلوق المخلوق بل هي موالاة رحمة وخير وإحسان وبر كما قال وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل الإسراء 111 فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفي أن يكون له ولي من الذل
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه وسلام مما يتقوله المعطلون فيها وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل
فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى وكم ممن حفظ هذا الإسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان المسئول أن يوفق للتعليق على الأسماء الحسنى على هذا النمط إنه قريب مجيب