الهدية الثمينة فيما يحفظ به المرء دينه
مقدمة-رسالة الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد،: "الهدية الثمينة فيما يحفظ به المرء دينه" طبعت مرارا, الأولى في سنة 1373 هـ.الحمد لله القائل: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [سورة هود آية: 113], والصلاة والسلام على نبيه المجاهد للمنافقين والمشركين بسيف الحق البتار، وعلى آله وأصحابه المهاجرين منهم والأنصار، الذين نعتهم الله بأنهم: رحماء بينهم أشداء على الكفار، وعلى من اتبعهم بإحسان، ومن على هذا الدين يغار.
أما بعد: فاعلموا رحمني الله وإياكم أن أكثر الناس في هذا الزمان، نبذوا كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وراءهم ظهريا، وزهدوا فيما فيهما من العلم النافع والعمل به؛ حتى صار الإسلام في هذا الوقت إلى ما إليه صار، وذلك لالتفات غالب الخلق لأمر الدنيا وإصلاحها، ولو بفساد الدين وذهابه.
ونسوا دينهم الصحيح المقرر بكتاب الله، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فعميت البصائر، واستحكمت غربة الدين، وعمت الفتن وانتشرت، حتى اجتمع الصالح بالفاسد،والفاسق بالعابد، واختلط الحابل بالنابل، وخالط المسلمون الكفار والمشركين، والرافضة والملحدين.
وكانوا عندهم خداما، ولهم عمالا، ومنهم متعلمين، وفي التجارة وسائر المعاملات معاملين، وفي شركاتهم مشتركين، وبمجالسهم مستأنسين، ولطعامهم وشرابهم آكلين شاربين، ولهم مؤانسين.
وحصل بهذا الاختلاط فساد الاعتقاد، وفساد الأخلاق، وظهر الإلحاد، والتكذيب في تعاليم الدين، وانتشر هذا الداء إلى المقيمين بأوطانهم، من بادية وحاضرة، بتلقي أولادهم وأقربائهم، المتلبسين بالمشركين، الموالين لهم، بإكرامهم وتحسين أعمالهم، والذب عنهم.
والحامل على هذا للجميع: الجهل بدين الإسلام، ومحبة الدنيا، والافتتان بها، وتقديمها على ما يرضي الله، ونسوا أن الرزق والأجل قرينان، فما دام الأجل باقيا فالرزق جاريا {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق آية: 2-3].
وفي حديث:"إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حرمت بركة الوحي، وإذا تسابت سقطت من عين الله"، وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل"، وقال:"ليأتين على الناس زمان،رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [سورة البقرة آية: 200]، {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [سورة الشورى آية: 20]، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} [سورة الإسراء آية: 18]، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [سورة الأعلى آية: 16-17].
والآيات، والأحاديث في ذم الدنيا والمشتغلين بها أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ومع هذا فقد تحكم حبها في القلوب، وحصل بسببها ما يسخط علّام الغيوب.
أيها المسلمون، الدنيا لا تدوم نعمتها، ولا يستمر خيرها؛ بل هي مجمع الآفات، ومستودع المصائب، لا يركن إليها إلا مغرور، ولا ينخدع بها إلا مفتون.
أما المؤمن الحقيقي، فهي مطيته إلى الآخرة، إن أتته سراء شكر الله عليها، وإن أصابته ضراء صبر لها؛ يأمر بالمعروف ويسارع إليه، وينهى عن المنكر ولا يقر به،لا يداهن العصاة والفاسقين، ولا يجامل الرؤساء والأعيان بما يسخط الله.
عباد الله، ليست المصيبة أن يصاب الإنسان بنفسه أو ماله أو ولده، وإنما المصيبة العظيمة، والكسر الذي لا ينجبر، أن يصاب الإنسان بدينه، فيحل الشك محل اليقين، فيرى الباطل حقا، والحق باطلا، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا.
أيها المسلمون، لا يفتننكم الذين كفروا عن دينكم بعرض من الدنيا فتصبحوا خاسرين; الله، الله، في حفظ دينكم والعمل بتعاليمه، فإنه من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.
أيها المسلمون:ليس الإسلام مقصورا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، ولكنه ذلك، والكفعن محارم الله، ومحبة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله، والبعد عنهم، وإنكار ما هم عليه، وعدم مخالطتهم، وترك مشابهتهم وتقليدهم، إلى غير ذلك من حقوق الإسلام وشروطه ولوازمه.
ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. أكثر الناس يقولون آمنا بالله {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [سورة البقرة آية: 8-9-10] بحب الشهوات وأكل الحرام.{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [سورة المنافقون آية: 4] لكنهم عن الحق معرضون، ولأهله معادون مبغضون، ولأعداء الله محبون موالون.
والحقيقة أن من خالف أمر القرآن ونهيه، لم يؤمن به،شاء أم أبى، ومن لم يتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلملم يصدقه، شاء أم أبى، لا تقبل دعوى بلا حقيقة، ولا قول بلا عمل.
والمصيبة العظيمة أن حرمات الله قد انتهكت، والفسوق قد انتشر بين المسلمين، ويحاول إخوان الشياطين: أن يقضوا على بقية الدين، ولا أحد ينكر أو يغار، أو يحزن لما يرى ويسمع من الأشرار، وينتحب على موت السنن وظهور البدع؛ ولا شك أن هذا علامة موت القلوب.
رحم الله ابن عقيل حيث يقول في زمانه: من عجيب ما نقدت من أحوال الناس، كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق، وذم الزمن وأهله، وذكر نكد العيش فيه.
وقد رأوا من انهدام الإسلام، وتشعب الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضي الأعمار في الفارغ الذي لا يجدي، والقبيح الذي يوبق ويؤذي.
فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على ما فرط من عمره، ولا أسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان، وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح، يرضون بالبلاغ من الدنيا، وينوحون على الدين، اهـ.