إثبات صفة الرحمة، وعلل لفظة :" خلق الله مائة رحمة "،
بسم الله وبعد :
فهذه دراسة حديثية لطرق حديث صفة الرحمة لله جل في علاه، حيث وردتْ بداية لفظ هذا الوحيد الواحد ذا المخرج واللفظ الواحد بألفاظ متغايرة، وبعضها متناقضة .
1/ فمنها لفظ يبين أن الرحمة صفة أزلية لله تعالى، ولفظه : "إن لله مائة رحمة "، وهذا اللفظ وأمثاله موافق للقرآن والسنة واتفاق أهل السنة وعقيدتهم المتمثلة في الإيمان باسمي الله الرحمن الرحيم وما يتضمنه الإسمان من معنى، وهو صفة الرحمة، وآثار ذلك على الخلق .
فالرحمن في نفسسه صفة ذاتية أزلية لله تعالى.
والرحيم أي بِخَلْقه: صفة ذاتية فعلية، فهي إذا قديمة النوع حادثة الآحاد، فإن الله يبغض الكافر على كفره والعاصي على عصيانه، فإن هو تاب وأناب أحدث الله له صفة المغفرة والرحمة عليه وهكذا .
وهكذا الإيمان ما يتضمنه الإسم من أثر: وهو وجود آثار رحمة الله على المخلوقات، وهذا ما هو موجود في ظاهر هذا اللفظ الثاني :
2/ حيث ورد بلفظ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ »، فإنه يتكلم عن آثار الرحمة المخلوقة، لا عن صفة الله، إذ لم ينسبها لنفسه أصلا، بل واحدة منها أرسلها الله بين مخلوقاته في الدنيا حتى يتراحمون، والباقي خبأها الله ليوم القيامة ثم يرسلها بين عباده الموحدين حتى يتسامحون، ثم ينزغ الله ما بهم من غل فيتعاطفون ويتحابون .
3/ وورد بلفظ آخر في صحيح البخاري ظاهره فيه نسبة هذه الرحمة لله تعالى، «إن الله [خلق الرحمة] يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار»، فإن النص الأخير فيه دليل على نسبة هذه الرحمة المخلوقة إلى الله تعالى، بدليل قوله :" فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة "، وقد فهم منه الجهمية أن الصفات مخلوقة لله حادثة فيه بعد أن لم تكن، وهذا كلام كفري نعوذ بالله منه، وقد اتفق أهل السنة على جعل الصفات أزلية مع الله تعالى،
ثم اختلفوا في هذا الحديث، فأولته طائفة بما لا يوافق ظاهر لفظه أصلا، وجمعت طائفة أخرى جمعا أراه تعسفيا لا يساعد عليه هذا اللفظ لا من قريب ولا من بعيد، والصواب هو الترجيح، وتقديم الرواية المحفوظة على غيرها، خاصة وأن الحديث واحد، ومخارج سنده متقاربة يرجع بعضها إلى بعض، فعُلم من ذلك أن نبينا عليه السلام إنما قال أحد اللفظين، ورواه بعضهم بالمعنى فوهم فيه، بل واختلط عليه مع لفظ موجود في هذا الحديث نفسه وهو :
4/ ورد بلفظ يبين خطأ الراوي في قوله :" خلق الله مائة رحمة"، والصواب لفظ " إن لله مائة رحمة"، وأن لفظة " الخلق "، إنما هي في لفظ :" إن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي ..."، فقال بعض الثقات :" خلق الله مائة رحمة ..."، وإنما الصحيح :" لله مائة رحمة "، ولفظ :" خلق الخلق، ثم كتب الرحمة على نفسه، وإليكم بيان الاضطراب والاختلافات الموجودة في هذا الحديث وطرقه :
الحديث الأول: هل هو عن أبي سعيد أو أبي هريرة :
أولا: رواية الأعمش والاختلاف فيها :
1/ خرجها أبو بكر (7/61) وابن ماجه 4294 حدثنا أبو كريب وأحمد بن سنان قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خلق الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، فجعل في الأرض منها رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والبهائم بعضها على بعض، والطير، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة »،
وهذا الحديث يتكلم عن الرحمة المخلوقة التي أنزلها الله وبها يتراحم الخلق فيما بينهم، وبالباقي يتسامح الموحدون يوم القيامة بينهم، وليس فيه نسبة الرحمة لله تعالى .
. يؤكد ذلك رواية عبد الواحد ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله عز و جل مائة رحمة "، خرجه عنه أحمد (3/55) .
وأما سنده فكَلفظه فيه اختلاف:
فقد ورد من حديث أبي سعيد كما مضى، وورد من حديث أبي هريرة مع التمييز بين لفظ " خلق الله الخلق"، و:" لله مائة رحمة" وهو المحفوظ :
2/ قال الفريابي في القدر 96 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن سليمان الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله عز وجل الخلق كتب كتابا على نفسه, فهو فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي".
قال: 97 حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع, عن سفيان، عن الأعمش, بإسناده, مثله .
وهذا الحديث الصحيح فيه التمييز بين خلق الخلق، وبين كتابة الله على نفسه صفة الرحمة، وأنها أزلية مع الله تعالى .
3/ قال أحمد (3/55) عفان ثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لله مائة رحمة عنده تسعة وتسعون وجعل عندكم واحدة ...".
فظهر بهذا أنه اختلط على بعض الثقات، فنسب الخلق إلى الرحمة وجعلها مخلوقة مثل سائر الخلق فوهم :
4/ خرج ذلك مسلم (2752) والترمذي (3541) وأحمد (2/484) عن اسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «خلق الله مائة رحمة، فوضع واحدة بين خلقه، وخبأ عنده مائة إلا واحدة».
5/ والأصرح في نسبة هذه الرحمة المخلوقة لله تعالى: ما خرجه البخاري (6469) تا قتيبة نا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله [خلق الرحمة] يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار».
فقول الراوي [خلق الرحمة] وهْم لا شك فيه لأمور :
إحداها : أن الخلق إنما هو لسائر الأمور كالكون والسماء والأرض كما بين القرآن والسنن وسائر الثقات كما مر ولما يلي :
6/ رواية أبي الزناد :
. خرجها مسلم 2751 (2751) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي "
. قال الفريابي 92 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما قضى الله عز وجل الخلق كتب كتابا، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي".
. قال الفريابي 93 حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى حدثنا معن عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما قضى الله عز وجل الخلق كتب في كتاب, فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي".
7/ رواية ابن عجلان :
. قال الفريابي 94 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "إن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي".
قال: 95 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان بإسناده, مثله.
وقال ابن ماجه 4295 - حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي".
8/ رواية عطاء :
خرجها مسلم عن الحارث بن عبد الرحمن عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي ».
والأمر الثاني: أن الثقات رووه بلفظ " إن لله مئة رحمة"، أو " جعل مئة رحمة "...
9/ خرج ذلكَ مسلم في الصحيح وابن ماجه (4293) وابن حبان (6147) عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة»
10/ وخرجه البيهقي في الشعب (2/334) والحاكم (1/123) (4/276) عن عوف الأعرابي عن خلاس وابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى مائة رحمة منها رحمة في دار الدنيا، فمن ثم يعطف الرجل على ولده، والطير على فراخه، فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة فعاد بها على الخلق "
11/ وخرجه مسلم (2752) والدارمي (2827) .. عن يونس وشعيب ... عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»
12/ وقال أحمد (2/514) أبي ثنا روح ومحمد بن جعفر قالا ثنا عوف عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لله عز و جل مائة رحمة ..."
13/ ورواه معاذ بن معاذ حدثنا أبي عن عوف الأعرابي عن خلاس عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى مائة رحمة منها رحمة في دار الدنيا، فمن ثم يعطف الرجل على ولده، والطير على فراخه، فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة فعاد بها على الخلق ".
14/ قال أحمد (2/526) ثنا مؤمل ثنا حماد ثنا عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن لله عز وجل مائة رحمة فجعل منها رحمة في الدنيا تتراحمون بها وعنده تسعة وتسعون رحمة فإذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين رحمة ثم عاد بهن على خلقه ".
ورواه ثنا عفان ثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لله مائة رحمة .. "، خرجه عنه أحمد (3/55)
الحديث الثاني: طريق أبي عثمان النهدي هل هو عن سلمان أو عن أبي هريرة أو سلمان :
فهل نقدم الطريق الذي خالف الجادة كما هو الشأن عند المعللين، أم نقدم طريق الجادة لكثرتها؟
1/ رواية يزيد جعله عن أبي عثمان عن أبي هريرة مخالفا للجادة، واختلفوا في ألفاظه :
فزوته طائفة بخلق الرحمة :
. قال الدولابي 2042) وأخبرني أحمد بن شعيب عن أبي داود حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبي زينب أبو يوسف الصيقل قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جل وعز يوم خلق السماوات والأرض، خلق مائة رحمة، كل رحمة طباقها، فقسم رحمة واحدة بين جميع الخلق وادخر تسعا وتسعين رحمة» ، وليس فيه نسبة الرحمة لله، فتعين أنها تلك المخلوقة بين الخلق .
. وكذلك رواه موسى الوشاء والحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون أنبأ الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله خلق يوم خلق السموات و الأرض مائة رحمة كل رحمة .."،
2/ وميز آخرون بين خلق السماء والأرض من إنزال آثار الرحمة :
فروى أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي فميز بين خلق السماء والأرض وبين صفة الرحمة وإنزال آثارها على الكون، فقال: أخبرنا موسى بن سهل الوشا، أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا الحجاج سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله تعالى السموات والأرض أنزل مائة رحمة كل رحمة طباقهما فقسم رحمة واحدة منها بين جميع الخلائق ..."،
ورواه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُون أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَب عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ رَحْمَةٍ» .
3/ وجعله الأكثرون عن أبي عثمان عن سلمان واختلفوا في رفعه ووقفه وألفاظه :
فرواه بعضهم متصلا ب " خلق الرحمة "، من غير نسبتها لله :
. خرج ذلك مسلم وابن حبان في صحيحه (6146) عن أبي معاوية عن داود بن أبي هند عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض .."،
وقد مر أن الصواب بلفظ :" لما خلق الله تعالى السموات والأرض أنزل مائة رحمة ".
. ورواه الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي الزعفراني حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل خلق مائة رحمة فمنها رحمة بها يتراحم الخلق وتسعة وتسعون ليوم القيامة »
وخرجه البزار (2507) عن يحيى، عن التيمي، عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة منها رحمة بين الخلائق قسمها، وحبس عنده تسعة وتسعين إلى يوم القيامة»
4/ وميز آخرون بين لفظ خلق الخلق والسماء، ولفظ كتابة الله على نفسه الرحمة وهو الصواب:
. فقال الفريابي 98 حدثنا قتيبة حدثنا نوح بن قيس عن الأشعث عن جابر الحداني عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: إن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده في عرشه على نفسه مائة رحمة, كل رحمة طباقها السموات والأرض ".
وقال الفريابي 98 حدثنا قتيبة حدثنا نوح بن قيس عن الأشعث عن جابر الحداني، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه, قال: إن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب بيده في عرشه على نفسه مائة رحمة, كل رحمة طباقها السموات والأرض ".
ومرت رواية يزيد بن هارون أخبرنا الحجاج سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله تعالى السموات والأرض أنزل مائة رحمة كل رحمة طباقهما فقسم رحمة واحدة منها بين جميع الخلائق ..."،
5/ وهذا يوافق أن الرحمة صفة أزلية لله :
كما خرج مسلم في الصحيح عن سليمان التيمي حدثنا أبو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم وتسعة وتسعون ليوم القيامة »،
. قال عبد الله في العلل (2871) قرأت على أبي عن بن أبي عدي عن داود عن أبي عثمان عن سلمان :" لله مائة رحمة وسعت كل رحمة ما بين السماء والارض "،
وورد موقوفا:
قال عبد الله : سمعت أبي يقول حدثنا به معاذ عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان لم يرفعه معاذ، ورفعه يحيى، قال أبو عبد الرحمن: ورفعه لقوم بعد أبي .
قال: حدثني أبي قال حدثناه يحيى عن التيمي وعفان عن معتمر أيضا مرفوع .
وروى وكيع حدثنا يزيد بن أبي صالح أبو حبيب البصري حدثني أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل يحدث عن سلمان قال :« إن الله عز وجل حين خلق السموات والأرض خلق مائة رحمة، كل رحمة طباقهما ، فأنزل إلى الأرض رحمة واحدة، فبها يتآلف الخلائق وبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ودخر عنده تسعة وتسعين رحمة ، فإذا كان يوم القيامة ، ضم هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين ".
حديث ثالث : جندب : وفيه التصريح بخلق الرحمة بيد أنه مضطرب :
فقد رواه الجريري وهو ثقة مختلط، اختلط سنة احدى أو ثنتين وأربعين ومائة، وقد رواه عنه اثنان واضطربوا عنه في تسمية التابعي، والتابعيُّ مجهول :
1/ رواية يزيد عنه وهي بعد الاختلاط جعلها عن أبي عبد الله الحيري:
خرجها الحاكم (4/276) عن محمد بن مسلمة الواسطي و محمد بن رمح السماك قالا : ثنا يزيد بن هارون أنبأ سعيد بن إياس الجريري عن أبي عبد الله الحيري ثنا جندب قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى : اللهم ارحمني و محمدا و لا تشرك في رحمتنا أحدا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أتقولون هو أضل أم بعيره ألم تسمعوا ما قال ؟ قالوا : بلى قال: لقد حظر، رحمة الله واسعة، إن الله خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يعاطف بها الخلائق جنها و إنسها و بهائمها و عنده تسع و تسعون رحمة ".
الحيري مجهول العين والجريري مختلط .
2/ رواية عبد الوارث عنه وهي مضطربة : وجعلها مرة عن الجسري، وهو صدوق ما وثقه غير ابن معين وابن حبان كعادة ابن معين في توثيق مجاهيل التابعين، وهو مقل :
أ . فقال الدوري هو أبو عبد الله الجسري: وهو حميري بن بشير :
قال الحاكم في المستدرك (1/124) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثني الجريري عن أبي عبد الله الجسري ثنا جندب قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى اللهم ارحمني و محمدا و لا تشرك في رحمتنا أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما تقول أهو أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا ما قال ؟ قالوا : بلى فقال : لقد حظر رحمة واسعة إن الله خلق مائة رحمة فأنزل رحمة تعاطف بها الخلائق جنها و إنسها وبهائمها وعنده تسعة وتسعون تقولون أهو أضل أم بعيره ؟".
ب. وخالفه الإمام أحمد وابن غيلان وابن شعيب ونصر بن علي فقالوا بل هو الجشمي وهو الأصح، مجهول:
. فقال أحمد (4/312) نا عبد الصمد نا أبي نا الْجُرَيْرِي عَنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجُشَمِيِّ حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ مثله.
. وقال الروياني 957 - نا محمد بن إسحاق نا محمود بن غيلان نا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثني الجريري عن أبي عبد الله الجشمي نا جندب قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتقولون هو أضل أم بعيره، ألم تسمعوا ما قال؟، قالوا: بلى، قال :" لقد احتظر رحمة واسعة، إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلائق جنها وإنسها، وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون، أتقولون: هو أضل أم بعيره؟ "
. وقال الدولابي أخبرني أحمد بن شعيب أنبأ عبد الوارث بن عبد الصمد حدثني أبي قال: حدثنا سعيد الجريري عن عباس أبي عبد الله الجشمي: حدثنا جندب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلائق جنها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون»
وخرجه الطبراني عن نصر بن علي ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثني الجريري عن أبي عبد الله الجشمي ثنا جندب به .
والجشمي مجهول مقل له حديث أو حديثان فقط أخطأ فيهما مما يدل على ضعفه، والجريري مختلط، والإسناد مضطرب جدا، فلا اعتبار إذا بالحديث .
3/ وإنما الحديث يرجع إلى حديث الجريري عن سلمان الماضي :
روى ذلك عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: «إن الله خلق مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، وأنزل منها رحمة واحدة، فبها يتراحم الخلق، جنها وإنسها، وطيرها ووحشها، وعنده تسع وتسعون»
4/ ورواه عمر بن عمران السعدي أبو حفص حدثنا عبيد الله بن الحسن قاضى البصرة يعني العنبري حدثنا سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا التقى الرجلان المسلمان فسلّم أحدهما على صاحبه فإن أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا لصاحبه فإذا تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة للبادي منهما تسعون وللمصافح عشرة ".
ورواه الأشناني متهم عن زهير بن حرب: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صافح المؤمن المؤمن نزلت عليهما مائة رحمة؛ تسعة وتسعين لأبشهما وأحسنهما خلقا ".
حديث رابع: مروي عن بهز :
قال الطبراني في الكبير (19/417) عن هشام بن عمار ثنا مُخيس بن تميم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الله تعالى خلق مائة رحمة فرحمة بين خلقه يتراحمون بها وادخر لاوليائه تسعة وتسعين "، مخيس مجهول، وقد وضع هذا الحديث، ولذلك قال ابن أبي حاتم : قال أبي : هذا حديث موضوع ، يعني بهذا الإسناد ".
وفي الباب عن ابن عباس وعبادة .