يصف ابن جبير رحمه الله في رحلته قومًا فقال: كأنّهم لا يعتقدون أنّ لله بلادًا أو عبادًا سواهم.¹
ويقول ابن قتيبة رحمه الله في كتابه الشعر والشعراء: فإنّي رأيت من علمائنا من ... يُرْذِلُ الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنّه قيل في زمانه، أو أنّه رأى قائله.²
قلتُ: وكذلك بعض الناس إذا أتقن فنًّا من الفنون ظنّ نفسه حامل رايته، وأنّ مكان أهل هذا الفنّ يجب أن يكون في مدرسته، فتراه يرذل كلام غيره، ويثبّط المبتدئين، متناسيًا أنّه كان مثلهم، ولولا رحمة الله به لكان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب وربما لا يفهم.
وقد رأيت بعيني من ترك الفقه ونحن طلّاب لأنّ مدرسنا كان يرذل الطلّاب، بل رأيته يرذل كلام غيره من المدرسين عندما استشهد أحد الطلّاب بكلام مدرسٍ يخالف قوله.
ورحم الله ابن حزم فقد قال يصف أهل العلم في زمانه وكيف كان تعاملهم مع الجاهلين والعالمين، قال: سرّني أهل العلم مرّتين من عمري:
إحداهما: بتعليمي أيّام جهلي.
والثانية: بمذاكرتي أيّام علمي.³
فأين أنت من هؤلاء العلماء أيها المثبّط؟ هل علمت جاهلًا بتثبيطك؟ أم هل شجّعت متعلّما؟ أم أعماك حبّ الذّات عن ذلك كلّه؟
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1. رحلة ابن جبير، ص174، ط دار التراث بيروت 1968، وهذا الكتاب من أحب الكتب في مكتبتي إلى قلبي؛ لقدمه ولجمال ما سطره ابن جبير رحمه الله فيه.
2. الشعر والشعراء، ابن قتيبة، ج1/ ص64، ط دار الحديث 2006.
3. الأخلاق والسير، ابن حزم، ص91 - 92، ط دار ابن حزم 2009.