شبهة صوفية: (أن شيخ الإسلام ابن تيمية مدحهم)
الكثير من الصوفيّة يحتج على أن شيخ الإسلام مدح الصوفيّة والتصوّف بل ذكروا أنه أثنى على العديد من علمائهم، ثم يقولون : إن الوهابية ينكرون عليهم أشياء هم يتأسون فيها بالذين مدحهم شيخ الإسلام، وتحجج الصوفية بشيخ الإسلام من أهم ما لبسوا به الباطل وزينوه للذين ليس لهم علم بمعتقداتهم فكيف يمدح ابن تيمية رحمه الله الصوفيّة؟
الجواب
بعض هؤلاء الصوفية يحتج بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يعاديه لكن يظن أنه يقيم بذلك الحجة على من يعظِّم شيخ الإسلام ابن تيمية، وليس له في ذلك حجة، وسبب اللبس في هذا والتلبيس هو الاشتراك والإجمال في لفظ (الصوفية) وشيخ الإسلام قد نبه على هذا فقال: (أكثر اختلاف الناس بسبب الاشتراك في الأسماء).
فشيخ الإسلام يرى أن لفظ الصوفية لفظ مشترك يطلق على صوفية هم من أهل السنة سُموا صوفية بسبب لبسهم الصوف زهدًا؛ لكنهم على عقيدة أهل السنة والجماعة، ومنهم من ذكرهم أبو عبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية، ومنهم صوفية متكلمة كالمحاسبي، ومنهم ملاحدة الصوفية كفلاسفتهم كابن عربي والتلمساني وابن الفارض ونحوهم.
فهو يمدح ويثني على صوفية أهل الحديث كالفضيل وإبراهيم بن أدهم والجنيد ورابعة والتستري وبشر الحافي، وأمثال هؤلاء الأجلة الذين أثنى عليهم العلماء في عصورهم وبعدها.
وهو عدو لدود للحلاج وابن عربي وأمثالهم، فهو لم يمدح الصوفية الملاحدة وإنما مدح أهل السنة منهم، وهذا إنصاف وعدل وغاية في التحقيق، وأعداؤه يلبسون على من لم يفهم مراده بأنه يمدح ويثني على ملاحدة الصوفية وجهالهم، وليس كذلك لكن كل هؤلاء عنده وفي التاريخ اسمهم صوفية – ولا مشاحة في اصطلاح جديد لا يدل على معنى مشكل أو باطل-, فمن قرأ كتب التاريخ وجد أنهم يُلقَّبون بذلك كما لقبهم أبو نعيم والسلمي وغيرهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث، وهم خيارهم وأعلامهم، وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام، فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة ). الصفدية (1/267).
وهذا تفصيل جيد فلا يُمدحون بإطلاق ولا يذمون بإطلاق؛ بل يفصَّل ويُبيَّن، وإن كنا نود لو لم يسموا إلا بالألفاظ الشرعية كالزهاد والعباد ونحو ذلك، لكن هذا ما قد حصل، وبأسلوب الشيخ يزول الخلاف وكذا ينبغي أن يفعل في الألفاظ المجملة المشتركة، والله أعلم.