سلسلة تعريف اسماء الله الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف أسماء الله الحسنى
لا ريب ان شرف العلم بشرف المعلوم واذا كان المعلوم هو مؤصل العلوم فلا ريب اذا ان العلم به هو أصل كل العلوم واعظمها. وبما أن الله خلق الخلق لعبادته وأرسل رسلا وأنزل كتبا ليعرف فيحب وليعظم فيطاع فكان واجب علينا التعرف على الله بما تعرف به الينا في كتابه وعلى لسان نبيه ثم الإجتهاد في طاعته فان الذي يتعرف على الآمر ثم يتعرف على الأمر يتفانى في طاعة الآمر والذي يتعرف على الأمر ثم يتعرف على الآمر يتفنن في التفلت من الأمر. وهذه حالة الأمة الا من رحم ربي تعرفوا على أمر ربهم ولم يعرفوا ربهم فتفننوا في التفلت من الأمر ولو أنهم تعرفوا على ربهم أولا لكان خيرا لهم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) وقال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) فذكر العلم قبل العمل. وهذا لا يعني ان لا نعبد الله حتى نتعرف عليه لأن الله فطر العباد على معرفته وعلى طاعته ولكن من باب تصليح العقائد والأعمال وزيادة الحب والخوف والرجاء.
المهم لقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» (صحيح البخاري) وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) والإحصاء هو العد والفهم والحفظ والعمل بمقتضاها. فالذي فقه أن الله هو السميع البصير لن يتكلم ولن يفعل الا ما يرضي الله سبحانه كذلك من فقه ان الله هو الرازق الرزاق فلن يلجأ في طلب الرزق الا الى الله ... وليس المعنى أن لله تسعة وتسعين اسما أنها محصورة في هذا العدد طبعا لا فان الله حميد مجيد سبحانه له الأسماء الحسنى كلها ولكن منها ما تعرف بها الينا ومنها ما اخفاها عنا فعن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري ، وجلاء حزني وذهاب همي . إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا " . قال : فقيل : يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ قال : فقال : " بلى ، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " . (أخرجه الإمام أحمد وصححه العلماء) .
واعلم انه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أي حديث تم فيه تعيين هذه الأسماء كما اتفق عليه اهل الحديث. فلذلك اجتهد الناس في احصائها وكل بطريقته. فمنهم من اخذ بالأسماء التي في الأحاديث الضعيفة التي اشرت اليها وغيرها ومنهم من اشتق من صفات الله اسماء لم يتسمى ربنا بها ومنهم من وفق القواعد اللغوية والعقائدية استنبطها من الأيات والأحاديث الصحيحة وهؤلاء هم اهل الوسط بين الفريقين. فلذلك أذكر هنا ببعض هذه القواعد المهمة، منها:
1- لا نصف الله الا بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل نؤمن بأن الله سبحانه كما قال عن نفسه:.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11). فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرف الكلم عن مواضعه ولا نلحد في أسماء الله وآياته ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه - سبحانه وتعالى - فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه ثم رسله صادقون مصدوقون؛ بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ولهذا قال سبحانه وتعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب
2- أسماء الله تعالى كلها حسنى قال تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها.
3- أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف أعلام باعتبار دلالتها على نفسه، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني وهى بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، وبالاعتبار الثاني متباينة، لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص.
ف "الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم" كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليها، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} ، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن علم، ولا سميع إلا لمن سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر. وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل.
4- دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام.
مثال ذلك: "الخالق" يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.
5- أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ، ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص.
6- باب الصفات أوسع من باب الأسماء وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها. واعلم أنه لا يجوز اشتقاق الأسماء من الصفات كقولك بطش الله فهو الباطش مكر الله فهو الماكر سبحانه هذا لا يجوز أما من باب الإخبار فهذا شيء آخر.
7- أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماءُ المخلوقين صادرةٌ عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فِعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أنْ كمل بالفعل..
8- الاسم يتميز عن الفعل والحرف بخمس علامات جمعها بن مالك في قوله : بالجر والتنوين والندا وأل - ومسند للاسم تمييز حصل ، فالعلامة الأولي الجر كقوله : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ( تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (فصلت:2) (الفرقان:58) ، والعلامة الثانية التنوين كقوله : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) (:15) ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42) ، العلامة الثالثة النداء كما ثبت عن النبي بإسناد صحيح أنه كان يقول في دعائه يا حي يا قيوم ، العلامة الرابعة : أل المعرفة كقوله تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1) ( تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) (يس:5) العلامة الخامسة : الإسناد إليه بأن يسند إليهما تتم به الفائدة سواء أكان المسند فعلا أم اسما أم جملة ، وهذه من أبرز العلامات في التمييز بين الاسم والصفة ( وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ) ومع العلامات السابقة للإسم يجب أن يكون الاسم في إطلاقه مقتضيا للمدح والثناء بنفسه ، فان من شرط إطلاق الاسم من الصفة أن تكون الصفة في حال إطلاقها غير منقسمة إلى كمال ونقص أو جامدة .
فبناءا على هذه القواعد وخاصة على القاعدة الخامسة والثامنة يمكن احصاء الأسماء بطريقة سليمة.
هم، في هذا البحث سيتم تعريف اسماء الله الحسنى التسعة والتسعون التي تعرف بها الينا ربنا في كتابه وفي أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومنهجي في تعريف الأسماء هو أني أذهب أولا الى معرفة دلالة الأصل وهو الفعل الذي منه اشتقاق الإسم وذلك بتصفح كتاب المقاييس للإمام اللغوي ابن فارس رحمه الله وكتاب اشتقاق اسماء الله للزجاجي رحمه الله وغيرهم ثم أبحث عن التفسير في الكتب والبحوث الموجودة على موسوعة الشاملة وعلى النت واهمها عندي كمرجعية كتاب تفسير اسماء الله الحسنى للزجاج رحمه الله وكتاب شأن الدعاء للخطابي رحمه الله وكتاب النهج الأسمى في شرح اسماء الله الحسنى للشيخ محمد الحمد الحمود جزاه الله خيرا ، لأسماء الله الحسنى الموجود على النت وغيرها أيضا ثم أنتقل الى البحث عن تعريفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كتبهم قدس الله أرواحهما عبر محرك موسوعة الشاملة وهي تعريفات لا يستغنى عنها في هذا الباب. ثم ارجع الى كتاب ربي الكنز الأعظم فابحث عن الآيات التي ذكرت فيها الأسماء وأتفقد بعض المعاني والدلالات التي قد نكون غفلنا عنها. ثم في الآخير اكتب التعريف واضخم الخط لتمييزه عن غيره. وبعض الأحيان أكتب الأدلة العقلية النقلية الدالة على صحة معاني بعض الأسماء وذلك لرفع الشبهات وترسيخ الإيمان.
والواجب في التعريف ان يكون دقيقا وجيزا جامعا للمعاني مانعا لدخول معاني أخرى ومباينا لرسم المعرف عنه. وقد يصعب ذلك مع بعض الأسماء ولكن أختصر على قدر المستطاع.
تنبيه : علمت التعريفات باللون الأحمر وان شاء الله عندما انتهي من السلسلة انشر البحث ككتاب
والتعريفات كالتالي: