تتمة
في بيان الصعق الذي يكون في عرصات القيامة
هناك صعق يكون في عرصات القيامة وهو صعق آخر غير الصعق المذكور في القرآن والذي يكون بسبب النفخ في الصور
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ
قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ
فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ
فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ
فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ"[1]
قال الإمام ابن القيم: فهذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء وأشرقت الأرض بنوره فحينئذ تصعق الخلائق كلهم قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور:45]
ولو كان هذا الصعق موتا لكانت موتة أخرى
وقد تنبه لهذا جماعة من الفضلاء
فقال أبو عبد الله القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذه صعقة غَشْيٍ تكون يوم القيامة لا صعقة الموت الحادثة عند نفخ الصور[2]
وقال الحافظ ابن كثير: هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة سببه تجلى الرب تعالى لعباده لفصل القضاء فيصعق الناس من العظمة والجلال كما صعق موسى يوم الطور حين سأل الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا
فموسى – عليه السلام – يوم القيامة إذا صعق الناس إما أن يكون جوزي بتلك الصعقة الأولى فما صعق عند هذا التجلي
وإما أن يكون صعق أخف من غيره فأفاق قبل الناس كلهم والله أعلم.[3]
.
______________________________ _
[1] صحيح: رواه البخارى (2411، 3408، 3414، 3476، 4813، 5062، 6517، 6518، 7428، 7472) ومسلم (2373)
[2] الروح لابن القيم: 45 والصحيح من التذكرة: 113
[3] الفتن والملاحم لابن كثير: 1/ 184