الدرس الخامس
رحلة النبي ﷺ مع عمه أبي طالب إلى الشام، ولقاؤه بِبَحِيرَاءِ الراهب
ولما بلغ رسول الله ﷺ الثانيةَ عشر مِن عُمُرِهِ خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي ﷺ في أشياخ من قريش، وكان في طريقهم إلى الشام راهب يمرون عليه، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلُّوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب ـ وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت لهم ـ فخرج إليهم الراهب وهم يحلون رحالهم، فجعل الراهب يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله ﷺ، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما عِلْمُكَ، فقال: إنكم حين أشرفتم مِن العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدًا ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعامًا، فلما أتاهم بالطعام ـ وكان رسول ﷺ في رِعْيَةِ الإبل ـ قال الراهب: أَرْسِلُوا إليه، فأقبل ﷺ وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى ظِلِّ الشجرة، فلما جلس مال ظل الشجرة عليه، فقال الراهب: انظروا إلى ظل الشجرة مال عليه، فقام الراهب يوصيهم ألَّا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت الراهب فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم، فقال لهم الراهب: ما جاء بكم؟
قالوا: علمنا بأن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بُعِث إليه بأناس، وإنا قد أُخْبِرْنا خَبَرَه فبعثنا إلى طريقك هذا.
فقال لهم الراهب: أفرأيتم أمرًا أراد اللهُ أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس ردَّه؟
قالوا: لا. فبايع هؤلاء السبعة رسولَ الله ﷺ وأقاموا معه.
ثم قال الراهب لقافلة قريش: أَنْشُدُكُمْ بالله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى ردَّه أبو طالب إلى مكة خوفًا عليه من الروم، وزوده الراهب من الكعك والزيت.