حكم دفع الزكاة للمدين الميت
◼️ مسألة:
( حكم قضاء دين الميت من الزكاة ):
نظرًا لأهمية هذه المسألة، ولمناسبة شهر رمضان الذي يكثر فيه أداء الزكوات، فإنني أحببت أنْ أبيّن حكمها الشرعي بالتفصيل بذكر أقوال أهل العلم، وأدلتهم، وبيان القول الراجح فيها مستعينًا بالله تعالى، فأقول:
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
لا يجوز قضاء دين الميت من الزكاة، وهو قول الأحناف، والمشهور من مذهب الحنابلة، واختاره أبو عبيد القاسم بن سلام، والنووي، وابن عبد البر، ورجَّحه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
القول الثاني:
يجوز قضاء دين الميت من الزكاة، وهو قول المالكية، وإحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد، واختاره أبو ثور، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وبه أفتت اللجنةُ الدائمة في السعودية برئاسة الشيخ ابن باز، وأفتت به أيضًا دارُ الإفتاء المصرية، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
أدلة القول الأول:
1-قالوا: لو كان جائزًا لفعله النبيُّ ﷺ .
2- قالوا: إنَّ الغارم هو الميت، ولا يمكن الدفع إليه، فإنْ دفعها إلى غريمه صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم.
3- قالوا: إنه لو فُتح هذا الباب لعطَّل قضاء ديون كثيرٍ من الأحياء، لأنّ العادة أنَّ الناس يتعاطفون مع الميت أكثر من الحي، والأحياء أحقُّ بالوفاء.
4- قالوا: إنَّ الظاهر من إعطاء الغارم أنْ يُزال عنه ذلُّ الدين، وهذا المعنى لا يتحقق مع الميت.
أدلة القول الثاني:
1- عموم الآية {..والغارمين} فهي تشمل كلَّ غارم حيًّا كان أو ميتًا.
2- قالوا: لأنه يصح التبرع بقضاء دينه فكذلك يجوز قضاء دينه من الزكاة كالحي.
3- قالوا: إنَّ قضاء دين الميت أحقُّ من قضاء دين الحي، لأنه لا يرجى قضاؤه بخلاف الحي.
4- قالوا: إنَّ الله تعالى جعل مصارف الزكاة على نوعين: نوعٌ عبَّر عن استحقاقهم باللام التي للتمليك ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم...﴾، والنوع الثاني عبَّر عنه بـ (في): ﴿وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل...﴾ فكأنه قال: إنما الصدقات في الغارمين، ولم يقل: للغارمين. فالغارم على هذا لا يُشترط تمليكه، ويجوز الوفاء عنه.
الترجيح:
يترجح -والله أعلم- القول الثاني لقوة أدلته، ووجاهتها، كما أنه أعدل القولين لأنَّ العمل به سينفع الميت (الغارم) لفك الدين عنه، وينفع الحي (الغريم) فلا يضيع حقه في الدنيا، ولأنَّ تخليص ذمة الميت (الفقير) بالزكاة أولى من تركها مُعلَّقة مرهونة به إلى يومٍ لا يُعلم نهايته، ولأنَّ مسمَّى الفقر لم يزل عنه بالموت... على أنه لابدّ من مراعاة الآتي:
أولًا: أنْ يكون الميت فقيرًا، ولم يُخلِّف تركةً يمكن السَّداد منها.
ثانيًا: ألا يكون الدائن هو المزكي نفسه، لئلا يكون قضاؤه الدين لنفع نفسه.
ثالثًا: ألا يكون أحدٌ قد أسقط هذا الدين أو تبرَّع بقضائه عن الميت، سواءٌ كانت الدولة (بيت مال المسلمين) أو مصرِفًا أو شركة تأمين أو شخصًا غيرهم.
◾️كتبه:
خالد بن صالح الغصن
القصيم - بريدة
الجمعة 12/ 9/ 1437هـ.