الرد على من يجيز قول: (مدد يا حسين)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فقد وقفت على فيديو لأحد الأشخاص اسمه أسامة الأزهري، يقول فيه ما ملخصه:
(قول كلمة: (مدد) لا شيء فيه؛ لأن قائلها لا يقصد طلب الإمداد من المخلوق؛ وإنما الله تعالى هو صاحب الإمداد؛ ولكن جعل المخلوق هو سبب الإمداد.
قال: مثل الهداية، فهي بيد الله تعالى؛ ولكنه سبحانه جعل المخلوق كالأنبياء صلوات الله وسلامه عليه سببًا لها.
إذًا، ليس المقصود أن الإمداد بيد المخلوق؛ وإنما هو سبب له). انتهى ملخص كلامه.
قلت [محمد بن طه]: هذا تلبيس واضح بيِّن، وتدليس على العوام.
وتوضيح ذلك كالآتي: أن الله تعالى جعل الهداية بيده وحده سبحانه وليست بيد أحد من المخلوقين؛ كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}، وإنما جعل الله تعالى الأنبياء والصالحين سببًا للهداية؛ كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}؛ المقصود بالهداية التي أثبتها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هنا هي هداية الإرشاد؛ فالمقصود بالآية الأولى التي فيها نفي الهداية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآية الثانية التي فيها إثبات الهداية للنبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يأتي بعاص أو بكافر فيجعله مؤمن؛ وإنما الذي يستطيعه النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يدل الناس على الخير وطريقه، ثم الأمر بعد ذلك بيد الله تعالى؛ فقد يؤمن هذا الإنسان الذي هداه النبي صلى الله عليه وسلم ودله على الخير، وقد لا يؤمن؛ كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}، وقال تعالى: { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وقال تعالى: { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وقال تعالى: { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وقال تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}، وقال تعالى: { قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }، وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}؛ فبيَّن الله تعالى في هذه الآيات أن الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يملكون إلا البلاغ فحسب؛ وهي هداية الإرشاد المثبتة في قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}، وأما هداية التوفيق أن يؤمن هذا أو لايؤمن، فهذه بيد الله تعالى وليست بيد أحد ولا حتى الأنبياء، وهي المنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
فإذا عُلِم ذلك؛ فالهداية الثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم التي - وهي هداية الإرشاد - يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في حياته، وأما بعد مماته صلى الله عليه وسلم فتكون بكلامه، وليست بنفسه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد مات فلا يستطيع أن يُكلم أحدًا بنفسه؛ وإنما الباقي هو كلامه صلى الله عليه وسلم الذي يُبَلَّغ للناس؛ فلا يقول عاقل الآن أنه باستطاعة أحدٍ الآن أن يذهب بأحدِ العصاة أو الكافرين إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدل هذا الرجل إلى الخير ويهديه إلى الصراط المستقيم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات؛ فعلى هذا الرجل أن يدل هذا العاصي على طريق الخير بكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا عُلِم ذلك، فمسألة الإمداد كذلك؛ فالإمداد هو الإعطاء، والإعطاء بيد الله تعالى؛ وإنما جعل الله تعالى المخلوق سببًا لذلك؛ فأنت تعمل عند فلان لطلب العطايا؛ فالعطاء بيد الله ولكن جعل الله تعالى هذا المخلوق سببًا لهذا الإعطاء وهذا الإمداد.
ومن المعلوم أن المخلوق لا يستطيع أن يعطي أو يمد إلا بالذي يقدر عليه؛ فمن يقدر على الإمداد بالمال فإنه يمد بالمال؛ ومن لا يقدر عليه ولا يملك مالًا، فإنه لن يستطيع الإمداد؛ وكذلك من أراد الولد وذهب إلى أحد المخلوقين – حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم – وقال له: اجعل زوجتي تحمل وتنجب، فإن المخلوق لن يعطيه ذلك؛ لأنه لا يقدر عليه؛ ولذلك هذا ونحوه لم يُطلب من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لأن جميع العقلاء يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك ذلك.
فإذا عُلم هذا، فالميت – حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم - لا يملك شيئًا كي يعطيه؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في حياته يعطي عطاء من لا يخشى الفقر؛ كما صحت بذلك الأحاديث؛ وأما بعد مماته فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقدر على إعطاء شيء؛ ولا يملك مالًا كي يعطيه؛ ولا يقول عاقل أنه لو أراد أحدٌ مالًا وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، فإنه سيعطيه المال.
وإنما مَنْ أراد رزقًا ومالًا، فإنه يطلبه من الله تعالى، والله تعالى يسخر له من المخلوقين الأحياء من يعطيه.
فإذا تبيَّن هذا، فالسؤال هنا - وهو ملخص ما سبق -: هل المخلوق قادر على الإمداد والإعطاء؟
فالجواب: نعم؛ يقدر على الإعطاء؛ ولكن فيما يقدر عليه؛ فإن طلبت منه مالًا ونحوه أعطاك، وإن طلبت منه الولد لم يعطك؛ لأن هذا أمر ليس في استطاعته، فكيف يعطيك ما ليس في استطاعته؛ وأما الميت فلا يستطيع أن يعطي أو يمد بشيء؛ لأنه ليس في استطاعته عمل شيء.
وبهذا يتبين تلبيس أسامة الأزهري؛ حينما قال: (الإمداد بيد الله، والمخلوق سبب لذلك).
فيجاب عليه بقول جميع العقلاء: نعم، المخلوق سبب في الإمداد بما يقدر عليه، وأما الميت فلا يقدر على الإعطاء والإمداد؛ فكيف يذهب عاقل إلى ميت ويطلب منه المدد والإعطاء؟ وهل هذا إلا سفه في عقل فاعله.وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم