منهج القراءة العلمية للتفاسير.
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد
المبعوث رحمة للعالمين
سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
(البقرة:32)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
أما بعد، فإنني لاحظت أن كثيرا من طلبة العلم عند قراءتهم في كتب التفسير يكون همهم الوحيد ألا وهو الوصول إلى المعنى الذي انتهى إليه المفسر، دون أن يلقوا بالا للطريقة التي تبلغ بها إلى هذا المعنى. ومن ثم فإنهم لا تكون لهم القدرة الكافية على فهم التفسير ، وتكون بالتالي استنتاجهم مبتسرة وليدة لحظة عجلى، وقراءة انتقائية تزري بالمقروء ولا تبلغ القارئ المقصود . ومن ثم فإنني أحببت أن أعرض عليكم طريقة اتبعتها مع طلبتي بجامعة شعيب الدكالي ـ الجديدة ـ المغرب، حيث كنت أدرس لهم مادة التفسير، واخترنا تفسير سورة الفاتحة من خلال تفسيرين : ابن كثير و القرطبي ، وقد كنا في الغالب الأعم لا نتجاوز تفسير ابن كثير ، بل في بعض الأحيان لا نكمل تفسيره لسورة الفاتحة، وذلك لدقة الطريقة، و تركيزها على تجميع الجزئيات باعتبار القراءة بناء لا يمكن أن يستقيم ما لم تجمع كل المعطيات المتاحة والضرورية دون إصدار أحكام مسبقة بأهميتها أم لا .
إننا في قراءتنا للتفاسير يتعين أن يكون همنا هو إدراك الطريقة التي يتبعها المفسر للوصول إلى تحديد مراد الله تعالى من الخطاب القرآني الكريم، لا أن يكون هم طالب العلم الأوحد هو معرفة المراد الذي انتهى إليه المفسر، لأنه إن فعل فإنه لن يتمكن من معرفة الكيفية التي تتم بها عملية التفسير، وبالتالي يظل عالة على المراد الذي انتهى إليه المفسر، ولا تكون له القدرة على البرهنة عليه علميا، كما أنه لا يتمكن من اكتساب ملكة التفسير، والمتمثلة في القدرة على الفهم و التحليل والمقارنة والاستنباط .
إن الطريقة التي نتبعها في قراءة التفاسير تعتمد المستويات التالية :
1-المستوى الوصفي .
2- المستوى التحليلي .
3- المستوى المقارن .
المستوى الأول : الدراسة الوصفية : هو المستوى الأول الذي يتعين على القارئ الباحث العناية به أيما عناية باعتباره المقدمة التي تبنى عليها المستويات الأخرى، فأي تقصير أو خطأ فإنه ينعكس بطريقة تلقائية على المستويات الأخرى .
الدراسة الوصفية دراسة موضوعية حيث يكون الباحث فيها محايدا لأنه يصف ما هو قائم، فلا يتدخل إلا في الاكتشاف والتنظيم والترتيب بما يعطي صورة حقيقية عن الخطاب التفسيري الموصوف .
ويبدأ هذا المستوى بالقراءات المتعددة للتفسير، والتعامل مع الخطاب التفسيري باعتباره كائنا حيا، فهو عصارة تجربة إنسان، وهو معاناة الإنسان، فالخطاب التفسيري وليد هذه التجربة والمعاناة، و من ثم ما لم نستحضر ذلك لا يمكننا سبر أغواره ، لأنه بكل بساطة سيظل مغلقا في وجوهنا ، ولن يرفع عنا حجبه، و يكشف أستاره، ويبوح بأسراره . ومن ثم يتعين عن طريق القراءات المتعددة والمتأنية والبصيرة حيث إن القارئ يكون حاضر البديهة، منتبه لكل صغيرة وكبيرة، حاملا لقلم الرصاص ويؤِشر على ما يراه مهما، مع تدوين ملاحظاته في بطاقات جانبية معدة لذلك .
بعد أن يحس القارئ بأن النص قد أصبح مفتوحا في وجهه، وأن علاقة حميمية أصبحت تربط بينهما، فإنه يجدر به ساعتها أن ينتقل إلى الخطوات التالية والمتمثلة في :
1- اكتشاف مكونات الخطاب التفسيري، والتي يمكن إجمالها في مصادر التفسير: تفسير القرآن بالقرآن و تفسير القرآن بالسنة ، و تفسير القرآن بأقوال الصحابة، وتفسير القرآن بأقوال التابعين، وتفسير القرآن بأقوال أتباع التابعين، تفسير القرآن بمطلق اللغة. مع رصد المصادر التي اعتمدها المفسر سواء تعلق الأمر بأقوال المفسرين أو كتب التفسير، والقراءات القرآنية، والحديث والسيرة والفقه وأصوله، وأصول الدين، وكل ما رجع إليه المفسر وبنى عليه تفسيره . والمصطلحات، والأعلام .مع الانتباه لضرورة تسجيل ملاحظات عن تدخل المفسر في كل جزئية تفسيرية: التعليقات، والملاحظات، والاستنتاجات، والتعقيبات، والانتقادات، والمواقف، والآراء.
ويتعين على الطالب أن يدرس كل مكون على حدة، وذلك عن طريق تخصيص جذاذات خاصة يدون فيه المعلومات الضرورية، وذلك يسهل عليه في مرحلة لاحقة توزيع المادة العلمية .
2- ترتيب المكونات : أي رصد الطريقة التي رتب بها المفسر هذه المكونات، وهذا هو المدخل الأساس لمعرفة منهجه في التفسير، ذلك أننا نكون في هذ المرحلة بصدد اكتشاف الطريقة العامة في التفسير .
3- العلاقات التي تقوم بين المكونات : إن الخطاب التفسير نظام ومن ثم فإن هذه المكونات ليست مبعثرة، كما أنه لا يمكن أن نتصورها كجزر لا تقوم بينها أية علاقة، بل هذه المكونات مرتبة ترتيبا خاصا اختارها المفسر، كما أنها تقوم بينها علاقات ووشائج، فالخطاب التفسيري منظومة متكاملة . وهذا هو المدخل لفهم التفسير المقروء .
المستوى الثاني : الدراسة التحليلية: وفي هذا المستوى من الدراسة يتطـلب ـ عكس المرحلة الأولى ـ تدخل القارئ، بحيث يتفاعل مع الخطاب التفسيري و يعمل على مساءلته : لماذا ؟ و كيف ؟ و متى ؟ وغيرها من الأسئلة المناسبة للموقف، والإجابة المحصل عليها مجموعها يكون الدراسة التحليلية .
المستوى الثالث : الدراسة المقارنة : وفيه يقوم القارئ بمقارنة التفسير الأول بتفاسير مناظرة بغية اكتشاف الإضافة العلمية، وعناصر التشابه و التميز .
بعد تجميع هذه المعطيات يشرع الطالب / الباحث في تحرير بحثه .
وهذا موضوع آخر آمل أن تتاح الفرصة لعرض تقنيات البحث، وكيفية إعداد الرسائل العلمية . في أقرب الآجال إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
بسم الله الرحمن الرحيم ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
الإخوة الأفاضل رواد هذا الموقع المبارك .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
أما بعد ، فإني لاحظت من خلال اللقاءات المخصصة لمتابعة أعمال الطلبة الباحثين ،الذين أشرف على أبحاثهم ، و أخص بالذكر مستوى الإجازة ، أنه يستعصي عليهم في كثير من الأحيان استيعاب ما تضمنته هذه الورقة من خطوات نظرية لدراسة التفاسير دراسة علمية ، كما تعترضهم مشكلات عند التزامها و محاولة تطبيقها على التفاسير التي يقومون بدراستها . و من ثم فإننا نعقد معهم جلسات نبين من خلالها عمليا كيف يمكننا الإستفادة من هذه الطريقة العلمية والعملية في دراسة التفاسير ، ملحين على الأمور التالية :
1- قراءة التفسير موضوع الدراسة قراءة متأنية و متعددة ، بقصد تمتين العلاقة معه ، فالخطاب التفسيري مجهود بشري، و ليد معاناة و لا يمكن البوح بأسراره لمن يعامله بجفاء .
2- الدراسة الوصفية دراسة محايدة ، و دقيقة ، و شاملة ، ينبغي أن يتوفر فيها حد المناطقة بأن تكون جامعة مانعة، جامعة بأن تذكر كل ما هو موجود في النص موضوع الدراسة، مانعة بحيث لا تقحم ماليس فيه، حتى لا تستحيل الدراسة إلى إسقاط .
و كثيرا ما يلاحظ الطالب الباحث أنه يكرر النص المدروس . نقول له استمر في عملك باعتماد الترقيم، والانتقال إلى ترقيم جديد كلما تعرضت لقضية أو مسألة جديدة، و العبرة ليست بالطول أو القصر، و إنما بالفكرة والموضوع، فهي العمدة في تفكيك النص موضوع الدراسة . فأنت تعيد تدوين النص بطريقة أخرى " خطاطة "، بغية تفكيك النص إلى أضغر جزئياته . بهدف تحقيق أمرين اثنين :
أ ـ الهدف الأول : تحديد مكونات الخطاب التفسيري، أو ما يمكننا الاصطلاح عليه بعوامل استخراج المعنى، أي الأدوات التي وظفها المفسر لتحديد مراد الله تعالى من الخطاب القرآني ..
ب ـ الهدف الثاني : إدرك الطريقة العامة التي سلكها المفسر في تفسيره، حيث ترتيب المكونات، ورصد العلاقات التي تقوم بينها.
ومما نلح عليه كثيرا عدم الاستعجال في إصدار الأحكام، و إعطاء معطيات و بيانات هي وليدة انطباعات خلفتها القراءة المسترسلة للنص موضوع الدراسة، و ليست نتاج المعطيات المادية المستفادة من الدراسة الوصفية . فبعض الطلبة الباحثين يعمدون إلى إعطاء عنوان للنص موضوع الدراسة، و تحديد أفكاره الأساسية فالثانوية، دون التفريق بين مستويين في البحث :
1- مستوى جمع المادة العلمية، وحصر المعطيات والبيانات .
2- تحرير المادة العلمية .
إننا عندما نكون بصدد جمع المادة العلمية، و حصر المعطيات " الدراسة الوصفية " بالنسبة لدارس الخطاب التفسيري، فإننا نعمل على تفكيك النص إلى مكوناته الأساسية، مع محاولة اكتشاف جزئياته، و تفاصيله الدقيقة . و من خلال الأفكار الثانوية يمكننا دمج ما ينتظم منها في موضوع واحد، أو قضية واحدة، أو مسألة واحدة ضمن فكرة رئيسية ونعطيها بعد ذلك عنوانا مناسبا، و مجموع الأفكار الرئيسية هو الذي يمكننا من اكتشاف عنوان مناسب للنص موضوع الدراسة .
إن المسألة تأخذ منحى مخالفا لما يتبعه أغلب طلبتنا، من و ضع عنوان للنص، ثم تحديد الأفكار الأساسية، فالأفكار الثانوية ، بحيث يعتمدون منهجا استنباطيا: الانتقال من الكل إلى الجزء . في الوقت الذي تعتمد فيه الدراسة العلمية المنهج الاستقرائي: الانتقال من الجزء إلى الكل، وهذا الأمر يتم على مستوى الدراسة الوصفية التي هي بمتابة جمع المادة العلمية التي سيتشكل منها البحث :
1- الأفكار الثانوية .
2-الأفكار الرئيسية .
3- عنوان النص .
أما تحرير المادة العلمية " تحرير البحث " فإنه يعتمد ترتيبا منطقيا للقضايا :
1- عنوان النص .
2- الأفكار الأساسية .
3- الأفكار الثانوية .
و من ثم يتعين مراعاة هذا الأمر حتى لا تستحيل بحوثنا إلى إسقاط .
و للموضوع بقية .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
أنتم أهل الجزاء و الإحسان.
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
بارك الله فيكم أيها الأستاذ الفاضل ونفع بكم
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
رد: منهج القراءة العلمية للتفاسير.
بور كت على ماقدمت
هل لك ان تكرمنا وتتحفنا بمثال حي
يقرب المفهوم ويكشف الغطاء..............