وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
بارك الله فيك أخي أبا محمد وزادك الله علمًا .. أرجو أن تتفضّل بقبول التعليقات التالية :
المقصود بالخصائص الإلهية: أنّ كل ما ثبت في شرعنا أنه لا يصرف إلا لله من باطن أو ظاهر فصرفه إلى غير الله شرك وصاحبه مشرك كافر سواء جهل أو علم الحكم.
##
أوافقك على هذا تمامًا .. فإذا حكم الشرع بأنّ كل من صرف ظاهر هذا العمل لغير الله فهو مشرك فنحن نقول بهذا ولا نخالفه .. وكيف لنا أن نتدخّل فيما حسمه الشرع؟
لكن أين الدليل على أنّ صرف ظواهر العبادة كالسجود والركوع لا يقع إلا على وجه الشرك وأنّ فاعلها مشرك ..
------
ومن عنده زيادة علمٍ في هذه المسألة فلينقض هذا الأصل بصورة متفق عليها بدليلها مع الاعتبار والعلم بأن الشرط حكم شرعي وضعي يحتاج في إثباته إلى دليل من الشرع.
##
النواقض لهذا الأصل كثيرة منها :
1- سجود إخوة يوسف .
2- الرجل الذي يقوم فيصلي ركعتين رياءًا لأجل الناس ولم يقصد بها التقرّب لله .
3- الرجل الذي يُحدث في بداية صلاته ثم يتمّها حياءً من الناس وهو لا يتقرّب بها إلى الله.
وأما قولكم: أن من فعل ما ظاهره العبادة من غير علم الفاعل بكونه عبادة لا يستحقها إلا الله لا يكون عابدا لغير الله فدعوى مجرّدة؛ لأنك لم تذكر دليلاً عليها، وما كان كذلك فلا يقبل
##
الجمع بين النصوص يبيّن أنّ المناط في العبادة لا يمكن أن يكون هو العمل الظاهر وحده دون اعتقاد القلب والأمثلة السابقة تدلّ على ذلك، والعبادة في اللغة هي الخضوع وفي الاصطلاح : هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بمن له الألوهية ويدل عليه ( يحبّونهم كحب الله)
مع أنها تستلزم أن لا يكون هناك مشرك جاهل بل مشرك معاند فقط وهو باطل لقوله تعالى:﴿لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون﴾ مع أن السلف الصالح أجمعوا على كفرهم وشركهم مع الجهالة وأن موتاهم على هذا الشرك مخلدون في النار.
##
لا تستلزم ذلك فلو خضع عبد لغير الله الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله فهو مشرك وإن كان جاهلًا وقال : أنا لا أعلم أنّ الخضوع الخاص لا يستحقّه إلا الله، وهذا ما تنطبق عليه الآية السابقة ..
وقولكم:[والذي يدل على ذلك أنّ الله مع وصفه لأفعال الكفار بأنّها شرك إلا أنّه بيّن ما وقر في قلوبهم من الدافع الذي حملهم على ذلك فقال: ﴿يحبونهم كحبّ الله﴾ فما كان فيه حب وخضوعٌ وخوف يضاهي الحب والخوف والخضوع الخاص بالله فهو عبادة وصرفه لغير الله شرك] فيه نظر، بل ضعيف لأنه لا يجوز أخذ الواقعات شروطًا في الأحكام الشرعية، بل الشرط يحتاج إلى ما يدل على الشرطية كما يحتاج المانع إلى ما يدل على المانعية. وعلى هذا فلا حجة في الآية في اشتراط الداعي القلبي؛ لأن الأحكام تجري على الظواهر إلا بدليل يحوجنا إلى الخروج عنها.##
السياق والقرائن تبيّنان اللفظ العام، فإذا وصف الله عملًا من أعمال الكفّار بأنّه شرك وجاءت آيات أخرى تبيّن قرائن حالهم وأنّهم مع صرفهم للعمل الظاهر كانوا يعتقدون اعتقادًا باطنيًّا فاسدًا، فإنّنا نقيّد هذا بهذا، وقد أخبر الله عنهم وجه تنديدهم به وأنّهم يحبّون أصنامهم كحبّ الله
قال ابن دقيق رحمه الله : (( والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون ان اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ على بخصوص السبب ويجب ان تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدلة على تخصيص العام وبين مجرد ورود العام على سبب .. الى ان قال ...: أما السياق والقرائن فأنها دالة على مراد المتكلم من كلامه وهي المرشدة الى بيان المجملات وتعيين المحتملات فاضبط هذه القاعدة فأنها مفيدة في مواضع لاتخفى...فأنظر الى قوله عليه السلام (( ليس من البر الصيام في السفر مع حكاية هذه الحالة من القبيلين هو ؟ فتنزله عليه ))
هذا على أنّك لم تأتِ بدليل يدلّ على أنّ كل من صرف هذا العمل الظاهر لغير الله فهو مشرك .
أقول: المثال غير مطابق لما قرّرته، ويظهر أنك لم تستوعب القاعدة بعدُ؛ لأن من كذّب حديثاً ولم يعلم أنّ النبي ﷺ قاله لم يكذّب النبي ﷺ وإنما كذّب خبراً سمعه من بعض الناس، وتكذيبهم ليس بكفر شرعا، وإنما الكفر تكذيب النبي ﷺ. قولك:[وإن كان جاهلًا إلا أنّه قاصد للفعل الذي فعله وعالم بمعنى ما فعله من التكذيب، وبهذا يتمّ حقيقة الاسم عليه..] مغالطة وإلا كيف يقصد تكذيب النبي وهو لم يعلم أنه قاله؟ بل الصواب أن تقول: إنه قاصد للفعل ومعنى الفعل الذي هو تكذيب المخبِر والراوي، لا تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكون التكذيب إلا بعد العلم بذلك.
##
نحن نتكلّم عن العمل الظاهر ولا نتكلم عن قصد هذا الشخص الجاهل كما هو الحال مع فاعل الشرك جاهلًا ..
من قال مثلًا عن خبر أن الحجر جرى بثوب موسى فضربه موسى .. من قال عن هذا الخبر بأنه خرافة وكذب .. أليس تكذيب خبر موسى هذا هو تكذيب لخبر من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر .. أليس الأصل أنّ من كذّب خبرًا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنّه مكذّبٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ..
إذن من وقع في هذا الفعل فقد وقع في تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم .. فالعمل الظاهر عندنا هو تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم .. ولا عبرة باعتقاد الشخص أو نيته أو كونه جاهلًا فالجهل ليس بعذر في نقض أصول الدين ..
قولك:[وإن كان جاهلًا إلا أنّه قاصد للفعل الذي فعله وعالم بمعنى ما فعله من التكذيب، وبهذا يتمّ حقيقة الاسم عليه..] مغالطة وإلا كيف يقصد تكذيب النبي وهو لم يعلم أنه قاله؟
بل الصواب أن تقول: إنه قاصد للفعل ومعنى الفعل الذي هو تكذيب المخبِر والراوي، لا تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكون التكذيب إلا بعد العلم بذلك.
##
لا عبرة بعلمه أو عدم علمه بأن ما فعله هو تكذيب لخبر النبي صلى الله عليه وسلم .. صورة العمل الظاهر (القول بأن خبر موسى خرافة ) هو تكذيب لخبر من الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
وإن أردت ترجع عن ذلك كله فتقول : هو لم يقصد التكذيب فنحن نقول فيمن صرف العمل الظاهر لغير الله وهو جاهل: هو لم يقصد التعبد ..
وإن قلت كيف يقصد تكذيب النبي وهو لم يعلم أنه قاله ، فنقول: كيف يقصد هذا الجاهل الشرك بالله وهو لا يعلم أنّ هذا العمل من العبادات التي لا يستحقّها إلا الله ولم يقع في قلبه يومًا أنّ ما فعله هو من التعبُّد لغير الله.
والآفة أنك تخلط بين مانع الحكم وبين مانع السبب لأنّ تكذيب النبي عليه السلام هو سبب التكفير فإذا لم يقصد العبد تكذيب النبي ﷺ لم يحصل سبب التكفير لأن قصد المعنى الكفريّ شرط لا يتمّ السبب إلا به.
##
ونحن نقول كذلك بأن من الجاهل لم يقصد التعبّد لغير الله ولم يخصل له سبب التكفير
وتقريبه بالمثال: أن الأعجمي إن قيل له: النبي ﷺ ساحر!! وهو لا يعلم العربية إطلاقا فقال: النبي ﷺ ساحر!! فلا يكفّر لعدم قصده معنى القول وإن قصد التلفظ به، وكذلك من رمى المصحف في قاذورة وهو لا يعلم أنه قرآن لا يكفر لأنه قصد الرمي ولم يقصد المعنى الذي هو رمي المصحف في القاذورة.
##
وكذلك من صرف عملًا يظنّه من الأعمال العادية التي يجوز صرفها للمخلوقين لا يكفر لأنّه لم يقصد معنى التعبد .