السنة والشيعة مقارنة نفسية
السنة والشيعة مقارنة نفسية
(1) التحدي الذي يفرضه التاريخ والنصوص الدينية والتربية الروحية والسلوك الأخلاقي على السنة والشيعة، يدفعهما لمواقف نفسية محددة، فيها تمايز واضح يمكن رصده وتشخيصه، ويؤثر في صياغة هذه الحالة النفسية مواقف الطرفين من آل البيت، ومواقفهما من بعضهما البعض.
هذه محاولة لتقصٍ توصيفي لتلك الحالات النفسية، والربط بين أسبابها ونتائجها وتداعياتها، وبالطبع لا يقصد بهذا التوصيف كل فرد بعينه، لكنه توجه عام يغلب أن يتجسّد فيمن ينتمي لهذا المذهب أو ذاك.
الأصل والاستثناء ونفسية الأقلية
يرى السنة أنفسهم امتدادًا طبيعيًا لجيل الصحابة الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يعتبرون أنفسهم الاستمرار الأصيل للدعوة النبوية والخط الأصلي الممتد لجماعة المسلمين.
ثم إن المنظومة العقدية والفكرية والتربوية والفقهية لدى السنة، تشكلت في عهد النبوة، وبفهم الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك فإن من جاء بعدهم من التابعين وأتباع التابعين يرون أنفسهم داخل هذه المنظومة وفي إطارها. هذا الشعور بالأصالة عند أهل السنة يطرد الهواجس، ويُطمئن النفس بالمنهج، ويرسخ الثقة بالاسلاف، ولذلك ترى الانتماء عند أهل السنة طبيعي على قاعدة (نحن نحن) بدون عقد نفسية من الانتماء.
الشيعة لا ينكرون أن الوجود الشيعي كان شبه معدوم من الناحية البشرية وقت النبوة والصحابة، ولم يتبنى التشيع إلا عدد قليل جدا من الصحابة (اقل من عشرة) الذين يسمونهم المنتجبين(١).
(1)[الصحابة المنتجبون قيل 3 وقيل 4 وقيل 7 وقيل أكثر، جاء في كتب الشيعة أن كل الصحابة خانوا العهد وارتدوا إلا هؤلاء. والروايات الشيعية في تحديد عدد الصحابة المنتجبين كثيرة منها ما رواه الكلیني عن الباقر قوله: " المھاجرون والأنصار ذھبوا إلا ـ وأشار بیده ـ ثلاثة". (الكافي ٢/٢٤٤). وراجع كذلك الاختيار في معرفة الرجال للكشي (ص ٥-١٠)).
وحتى بعد الصحابة لم يتشكل الشيعة في مجتمعات ظاهرة ولا مؤسسات سياسية، بل إن بنيتهم الاجتماعية بقيت رهينة الجيوب الخاصة، ولم تجد طريقها لبناء سياسي وهيمنة سلطوية، إلا في حالات استثنائية في التاريخ، لا تمثل السياق العام زمانا ولا مكانا ولا عددا(٢).
(2) [تمكن الشيعة أيام الدولة الفاطمية في مصر والدولة الصفوية في فارس كسلطة كاملة، أما تمكنهم أيام بني بويه في خلافة العباسيين، فقد كانت أقرب للوزارة من السلطة الكاملة تحت ظلال الخليفة العباسي].
وحتى على المستوى العقائدي الشرعي، يقر الشيعة بأن التشيع بمفهومه الإثنا عشري، لم يبدأ في التشكل كمذهب عقدي واضح، إلا بعد قرن ونصف من الهجرة، ولم يكتمل إلا بعد ثلاثة قرون(3).
(3) [لم يبدأ التشيع يأخذ مذهبا واضحا مستقلا، إلا بعد ظهور جعفر الصادق المتوفي ١٤٨ هـ، ولم يكتمل تشكل المذهب فكريا إلا بظهور الكتب الأربعة الأولى، وعلى رأسها الكافي الذي الفه الكليني المتوفي ٣٢٩ هـ.]
النتيجة: نفسية الأقلية والتعلق بالمهدي
لهذا السبب يعترف الشيعة في أدبياتهم بأن السنة هم الأصل، وأن الشيعة استثناء إلى درجة انهم يسمون السنة (العامّة) (٤)
(4) [استخدام لفظة "العامة" في الإشارة لاهل السنة جاء مبكرا جدا، حيث ينسب في كتب الشيعة لجعفر الصادق في أحاديث الكليني. وفيه عبارة "قال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد." الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٦٨
أي عامة الناس، بمعنى أنهم هم الخاصة (الأقلية)].
ولذلك يعيش الشيعة هاجس السنة في كتاباتهم وفي نظرتهم للتاريخ، وفي حياتهم الاجتماعية وفي حياتهم السياسية وفي تربيتهم الشخصية. وفي جولة سريعة في كتابات الشيعة الفقهية والعقدية والاجتماعية القديمة والحديثة، يلاحظ القارئ عمق الهاجس بالسنة أو "المخالفين"(٥).
(5) [عبارة تلخص ما ذكرناه عن نفسية الأقلية، وانتظار المهدي جاءت في كتاب بحار الأنوار للمجلسي حيث يقول "بل يظهر من كثير من الروايات أن المخالفين في حكم المشركين والكفار في جميع الأحكام، لكن أجرى الله في زمان الهدنة حكم المسلمين عليهم في الدنيا رحمة للشيعة، لعلمه باستيلاء المخالفين، واحتياج الشيعة إلى معاشرتهم، ومناكحتهم، ومؤاكلتهم، فإذا ظهر القائم عليه السلام، أجرى عليهم حكم المشركين والكفار في جميع الأمور" بحار الأنوار ١٦/٦٦].
ولأن التاريخ أثبت أن قَدَر الشيعة هو الأقلية ولا يمكن بالمقاييس التاريخية الراهنة أن يسود الشيعة، فلا توجد وسيلة لتغيير هذا القدر المحتوم، إلا أن تكون قفزة فوق التاريخ، تحول الشيعة فجأة من أقلية مغمورة لأغلبية مهيمنة. ولا يحقق مثل هذه القفزة إلا شخصية خيالية، تخترق الثوابت التاريخية، وتمثل مخرجا إعجازيا من المجتمع المحدود، إلى الهيمنة الكاملة. وهذا ما يجعل إنجازات المهدي في أدبيات الشيعة مرتبطة بهذه العقدة، فهي معظمها تمكين للشيعة وتحويلهم لأغلبية، وسحق الأغلبية الحالية (السنة) لأنهم أعداء آل البيت، وليست لسلطة الإسلام في الأرض .
منقوووول بتصرف
https://www.facebook.com/adel.azazy....97174387030556