دور الحماس في تحصيل اللغة العربية
الشيخ محمد سلطان ذوق الندوي أحد أعمدة الأدب الإسلامي والعربي في بنجلاديش. فقد نطق بلغة الضاد فأفصح، وتحدث بالأردوية فأجاد، وتعلم الفارسية فأتقن حتى جادت قريحته بالنظم والنثر يضاهي بهما أفحل شعراء هذه اللغات الإسلامية الثلاث. وهو، بالإضافة إلى هذا، رجل من رجالات التربية الذين وصلوا ليلهم بنهارهم في سبيل إيجاد جيل قادر على تحمل المسؤولية.
وكنت في صباي أحن إلى هذا الشيخ الوقور وأرغب في لقائه من كل قلبي. وأذكر أنني أحسست ذات مرة بشوق غامر إلى التتلمذ على يديه بعد أن أملى علينا الأستاذ عبد الهادي – حفظه الله- أستاذ التعبير والإنشاء في الجامعة الإسلامية بمومن شاهي آنئذٍ- مقالة من كتاب الشيخ سلطان. غير أن صغر سنى وضعف حيلتي قد عرقل مسيري، فلم أتمكن من تحقيق رغبتي، فبقيت على الطوى، وعانيت العطش واللوى. وأقر أن ذاك كان قبسا من الحماس الذي كان الشيخ قد أشعل فيًّ، من بعيد، لتحصيل لغة القرآن والسنة النبوية الشريفة.
نعم، الحماس هو الذي زاملني طوال الطريق، فزملني حينا وطمأنني حينا آخر، وهو الذي ساعدني على استسهال الصعاب واستقطاب رحمة الكريم الوهاب. فتعلمت الشيء اليسير من لغة الضاد.
فالحماس عندي هو الركن الركين الذي لا بد من توافره في طالب لغة القرآن المبين. فهو الذي يوقد الهمم ويشعل المشاعر فيجعل الغبي يسابق الذكي فيسبقه، ويجعل الفقير يدافع الغني فيدفعه. والحماس لا يأتي عن فراغ، ولا يبقى متقدا في فراغ. بل لا بد له من أهداف تقوده وعوامل تساعده.
فإذا أردتَّ، أخي القارئ، أن تكون صاحب حماس فلا بد أن تكون صاحب قضية ورؤية ورسالة. فإذا لم تكن صاحب قضية تضحي في سبيلها بكل ما تملكه من غالٍ ورخيص، لم يجد الحماس إلىك طريقاً. ولا يكفي أن تكون قضيتك شيئاً فضفاضاً، بل يتوجب أن تكون محددة ومتخصصة. فمثلاً تريد أن تذود عن نبي الإسلام في عصر زاد فيه وقائع النيل من قدره وشرفه، فقضيتك المتخصصة يمكن أن تكون مثلاً: الذود عن نبي الإسلام عن طريق تأليف أسمى معايير كتب السيرة باللغة العربية. فهي قضيتك ورسالة حياتك:أي العمل الذي تنشغل به طوال حياتك ولن تحيد عنه مهما تقلبت الأزمان أوواجهتك المصائب والحرمان. وستكون رؤيتك، على هذا الأساس، هو : أكبر خادم لدين الله عن طريق تأليف أكبر قدر من الكتب القيمة في السيرة النبوية.
فالرؤية ، هنا، هي الصورة المتخيلة التي تريد أن ترى نفسك فيها من بعيد. فإذا كان عمرك الآن عشرين سنة فما هي الصورة التي تضع فيها نفسك بعد عشرين سنة أخرى، أي عندما تناهز من العمر أربعين سنة؟ فإذا كنت ترى نفسك محاطة بكتب السيرة التي ألفتها، وترى الناس يراجعونك في كل صغيرة وكبيرة حول السيرة النبوية الشريفة، وترى المكتبات العربية تضع كتبك في مقدمة الرفوف، وتجد شخصك في الفضائيات العربية تتحدث وتحلل مختلف أحداث السيرة، فقد جعلت لنفسك رؤية محددة.
فمثل هذه الرؤية هي التي تخلق فيك الدوافع، وهي التي توقد فيك الحماس الذي بدونه لن تنجز أي شيء يذكر ، لا للدنيا ولا للآخرة. فالرؤية هي التي تحدد لك مسار رسالتك. فرسالتك وفقا للرؤية السابقة هي الانشغال بالبحث والتأليف في السيرة النبوية. وبما أنك تريد تأليف عشرين كتابا في عشرين سنة القادمة- وليكن كل كتاب يحتوي على 365 صفحة- ما يعني أنك كل يوم ستكتب صفحة واحدة. فلو تكاسلت في بعض الأيام ولم تكتب لم تتحقق رؤيتك ولم تتكامل الصورة التي رسمتها لنفسك.
الحماس يلعب دورا أساسيا في التعلم. فإذا أردت اتقان اللغة العربية فلا بد من ملء نفسك بشحنات عالية من الحماس، والشحنات العالية تأتي بعد تحديد الرؤية والرسالة التي من أجلهما تتعلم هذه اللغة. أما إذا قلت بأنك تريد أن تتعلم اللغة العربية لتفهم القرآن والسنة، فذلك هدف عام يسعى له الجميع، غير أن الدراسات أثبتت أن مثل هذا الهدف العام قلما يتمكن من إشعال الحماس الذي يقود إلى تحقيق الإنجازات. بينما الرؤية المحددة والرسالة المحددة- التي تنصب في آخر المطاف في هذا الهدف العام دون ريب- هي التي تشعل الحماس وتحقق المستحيل.