فائدة في تحريم قراءة القرآن بوجوه العربية إذا لم تكن منقولة، وهي رَدٌّ على العقلانيين
قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (2/610-611/ طبعة بشار) في ترجمة ابن مِقْسَم محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم، أبي بكر المقرئ العطار: « كان ابنُ مِقْسَم من أحفظ الناس لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات، وله في التفسير ومعاني القرآن كتاب جليل سمَّاه: "كتاب الأنوار"، وله أيضًا في القراءات وعلوم النحو تصانيف عدَّة، ومما طُعن عليه به: أنه عَمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، وقرأها وأقرأها على وجوهٍ ذَكَرَ أنها تجوز في اللغة والعربية، وشاع ذلك عنه عند أهل العلم فأنكروه عليه، وارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره واستتابه بحضرة القُرَّاء والفقهاء، فأَذْعَن بالتوبة، وكُتِب محضرٌ بتوبته، وأثبت جماعةُ مَنْ حضر ذلك المجلس خطوطَهم فيه بالشهادة عليه، وقيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف، وكان يقرئ بها إلى حين وفاته.
وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئ صاحب أبي بكر بن مجاهد في كتابه الذي سَمَّاه "كتاب البيان"، فقال فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ، قال: أنبأنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم، قال: وقد نَبَغَ نابغٌ في عصرنا هذا، فزعم أن كل ما صحَّ عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف، فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضلَّ بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلَّة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل مالا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيِّئ رأيه طريقًا إلى مغالطة أهل الحق بتخيُّر القراءات من جهة البحث، والاستخراج بالآراء، دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض، وقد كان أبو بكر شيخُنا - نضَّر الله وجهه - نشله من بدعته المضِلَّة باستتابته منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبولين عند الحكام؛ بتركه ما أوقع نفسه فيه من الضلالة، بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، واستوهب أبو بكر رضي الله عنه تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه، واستغوى مِن أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه؛ ظنًّا منه أن ذلك يكون للناس دينًا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إمامًا، ولن يعدو ما ضلَّ به مجلسه لأن الله قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائغين، وشبهات الملحدين؛ بقوله: ففف إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ققق .
ثم ذكر أبو طاهر كلامًا كثيرًا وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيُّل بطولها وفسادها على ذي لُبٍّ وفطنةٍ صحيحة؛ وذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام وأبي عبيد وابن سعدان أن يختاروا، وكان ذلك لهم مباحًا غير منكر؛ كان ذلك لي أيضًا مباحًا غير مستنكر، فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه، وسلك طريقًا كطريقهم؛ كان ذلك مباحًا له ولغيره غير مستنكر؛ وذلك أن خلفًا ترك حروفًا من حروف حمزة، واختار أن يقرأ على مذهب نافع، وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة القراءة بالأمصار ولو كان هذا الغافل نحا نحوهم؛ كان مسوِّغًا لذلك غير ممنوع منه ولا معيبٍ عليه، بل إنما كان النكير عليه شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاؤوا به مجتمعين ومختلفين.
وذكر أبو طاهر كلامًا كثيرا نقلنا منه هذا المقدار، ومن آثر الوقوف عليه فليعمد للنظر في أول "كتاب البيان"؛ فإنه مستقصًى هناك.
حدثني أبو بكر أحمد بن محمد المستملي الغزَّال، قال: سمعت أبا أحمد الفَرَضي غير مرَّةٍ يقول: رأيت في المنام كأني في المسجد الجامع أصلي مع الناس، وكأن محمد بن الحسن بن مقسم قد ولَّى ظهره القبلة وهو يصلي مستدبرها، فأوَّلت ذلك مخالفته الأئمة فيما اختاره لنفسه من القرآات ».اهـ.
رد: فائدة في تحريم قراءة القرآن بوجوه العربية إذا لم تكن منقولة، وهي رَدٌّ على العقلا
جزاكم الله خيرا، وبارك في جهودكم.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعد بن عبدالله الحميد
ثم ذكر أبو طاهر كلامًا كثيرًا وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيُّل بطولها وفسادها على ذي لُبٍّ وفطنةٍ صحيحة
أشكل عليَّ ضبطُ هذه الكلمة يا شيخنا الكريم.