يقول الدكتور فاروق حمادة في مستهل هذا الفصل بأن الحديث عن المخطوطات و تحقيقها و بعثها ، حديث هام جدا و جليل، له من الأهمية والخطر ما للفكرة والكلمة التي تنتقل من جيل إلى جيل ، فتوجه الجيل التالي وتؤثر فيه أبلغ الأثر [29].
ولقد توالت الكتابة عن المخطوطات العربية ، وتحقيقها ونشرها ، لما رأوه من تزايد العاملين في هذا الميدان ، وكثرة الداخلين فيه ، غيرة منهم على إخراجه على أكمل وجه ، وأقوم سبيل ، وحماية له من عبث العابثين أو لمقاصد أخرى ، و أعطى أستاذنا الدكتور فاروق حمادة لائحة بأسماء المؤلفين و المؤلفات التي يمكن للباحث في إحياء التراث أن يستعين بها ولا محيدة له عنها ،كانت نتيجة خبرة و تمرس و معاشرة للكتاب العربي المخطوط ،تنبه إلى العديد من القضايا الهامة ،ومن خلال ممارسته و اطلاعه على الكتب التي ذكرت وتأمله لهذه القضية التي تواجه الطلاب و يكثر سؤالهم عنها ؛ يقدم لنا بعض المعالم المنهجية بين يدي تحقيق المخطوطات و المبادئ الأساسية العامة التي يحتاجها كل محقق،آخذا بعين الاعتبار بأن لكل علم خصوصياته ، ولكل مخطوط تفرداته[30] . فمما لا يخفى على الباحث أو طالب علم أن فنون المعرفة الإسلامية متعددة وعطاؤها متعدد ومتنوع، أنجز خلال قرون متطاولة ، وفيه الأصيل والدخيل ، وفيه مابين هذا وذاك، لذا كان حريا بطالب العزم على التحقيق وبعث التراث أن يكون لديه حسن الاختيار، ومن سمة ذلك أن يعكف على التحقيق في الصناعة التي يحسب نفسه أنه يبرع فيها لا أن يتطفل في ميدان لا يفقه فيه شيئا ، فإن ذلك من العبث في العلم والمعرفة، فيحصل بعثرة التراث بذل تحصيل بعث التراث ، فيلحق بالمكتبة الإسلامية دمارا لا قبل له[31] . بعد أن يكون الطالب على استعداد تام لخوض غمار هذا الخضم الوعر متسلحا بما أتاه الله تعالى من علم ونبوغ في هذه الصناعة، يتوجه إلى جمع النسخ معتمدا في ذلك على الفهارس وقوائم المكتبات، سائلا أهل الاختصاص والمتتبعين لهذا الشأن ، وبعد ذلك يبادر إلى فحصها وتقويمها لتقديم الأهم فالأهم، ولتأكد من عنوان الكتاب ومؤلفه ومطابقة العنوان للمضمون، وأجدر النسخ بالتقديم هي نسخة المؤلف التي كتبها بيده أو قرأت عليه وعليها خطه، ثم يليها النسخ الموثقة المنقولة عنها ولو كانت بعيدة التاريخ عنها، والنسخ التي عليها خطوط العلماء البارزين في العلم الذي بحثه المخطوط، وللأقدمية الموثقة أهمية لاتنكر في هذا المجال[32]، ويكون نسخ الكتاب على أحسن النسخ المتوفرة، بشكل واضح مقسما له في كلمه وجمله وفصوله وأبوابه مستعملا في ذلك علامات الترقيم والرموز الحديثة، مبرزا ما ينبغي إبرازه، متوخيا تمام المعاني، وأحسن وجوه العربية. [33] وبعد الاطمئنان إلى نقل النسخة نقلا صحيحا كاملا ، يبدأ المحقق بضبط النصوص وتخريجها بدءا من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، مرورا بالأمثال ، والأماكن والوقائع والأيام واللغات والأعلام [34]، ثم يعيد النص قراءة واعية ليستوعبه ، ويقف منه موقف الناقد المتفحص ، فيتتبع الكتاب في مضمونه وأسلوبه مدققا لما جاء في ذلك، فمسؤولية المحقق كمسؤولية المؤلف، بل ربما تزيد؛ لأن قلب المتصفح فارغ وقلب المنشئ مشغول، ففي حالة سكوت المحقق عما في النص، فالتبعية تعود عليه كذلك[35] ، وبعد إتقان التعليق على النص وإكماله، يجب أن يدرسه دراسة كافية وافية، وتختلف هذه الدراسة باختلاف الموضوع والكتاب، وإن كانت تتفق حول الأمور التالية : 1 ــ ترجمة المؤلف ، والتعريف به ، وبمكانته العلمية ، وعطائه وآثاره ، في إطار زمانه ومكانه .
2ــ توثيق نسبة الكتاب للمؤلف، وتحديد الصحيح من اسمه والروايات والطرق التي روي بها .
3 ــ التعريف بمخطوطات الكتاب تعريفا دقيقا .
4 ــ بيان الخطة المتبعة في التحقيق .
5 ــ درس الكتاب وتقويمه ، وتتناول الدراسة عدة أمور كذلك :
· مضمون الكتاب ومدى الحاجة إليه .
· مدى استفائه للموضوع الذي هو بصدده .
· من سبقه بالتأليف في هذا التأليف .
· مقارنته مع سابقه إن امكن ذلك وبيان وجه تميزه عن المصنفات في بابه .
· مدى تأثيره فيمن جاء بعده ، وما أسداه للعلم والمعرفة .
· نقاط القوة الضعف فيه ، والدلالة عليها وخاصة الأخيرة .
· خلاص آرائه وفكرته ، في خطوط عريضة ، وإلى أي حد وفق فيها .
· كيف يمكن الاستفادة من هذا المخطوط .
وفي الختام يذيل البحث بفهارس كاشفة لمحتوياته التي تيسر على القارئ الرجوع إليه في سهولة ويسر دون عناء أو مشقة بالغة ، ويحسن أن تصنع الفهارس بيد المحقق أو تحت إشرافه ، لأنه بهذا العمل يظهر له في النص أشياء كثيرة تحتاج إلى تصويب وتقويم ، ويتمكن من مادته التي حققها وراجعها، فيضيف أو يعدل أو يبدل [36]. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه ، وصلى الله على المصطفى وعلى آله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين، والحمد لله رب العالمين .
[1] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا منشورات كلية الأدب والعلوم الإنسانية بالرباط سلسلة بحوث و دراسات رقم 15،1416هـ / 1995م ،ص:13. [2] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:15. [3] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:16 [4] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:17. [5] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:17 [6] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:18 [7] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:19. [8] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:20.
[9] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:21. [10] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:24.
[11] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:25.
[12] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:26
[13] الدكتور فاروق حمادة ، منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا و تحقيقا ،ص:27. [31] ينظر المرجع السابق بعض الأمثلة من هذه الهفوات و الأخطاء الجسام التي اتكبها بعض ملحقي العبث العلمي على التراث،ص:70،71،72