لحومُ العلماءِ مسمومه ... قولةٌ رائعةٌ مناطاتها غير معلومه
لحومُ العلماءِ مسمومه ... قولةٌ رائعةٌ مناطاتها غير معلومه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد. . .
إن الذي لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان ، أن لحوم المسلمين جميعا محرمة ،
قال الله عزوجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (سورة الحجرات/آيه12)
وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغِيبَة فقال: ذكرك أخاك بما يكره.
قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته.أخرجه أبو داود ( 4876) وغيره.
والشريعة لا تفرق بين غيبة السادة وغيبة العبيد، ولا غيبة الأسود ولا غيبة الأبيض ، فإياك أن تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميل.
وفرقٌ بين الغيبة ، وبين نصرة الدين وتصحيح المفاهيم . . . ..
فلازال القرآن ينزل، والسنة تنطق بين أيدينا أن الانكار على المخطئ أصل كبير في الشرع.
قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة التحريم/آيه/1.
وعاتبه ربه فقال له: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)سورة الأنفال.
وعاتب الله الصحابة رضي الله عنهم وقال لهم: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُم ْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) الأنفال.
وانكر النبي صلى الله عليه وسلم على من أخطأ من أصحابه ورد عليه خطئه:
فقال لأبي أبكر وكان قد حدث بينه وبين الصحابة شيئا: لعللك أغضبتهم .... فقد أخرج مسلم في صحيحه (2504 ): من حديث عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها قال فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال يا أخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي.
ولا زال السلف يتعاتبون فيما بينهم وينكر بعضهم على بعض ما خالفوا فيه الدليل.
ولا أروع من مشاهدة تراث الفقه الاسلامي ومذاهبه فالشافعية يخاصمون الأحناف، والحنابلة يردون على الشافعية، ومن ورائهم جميعا ابن حزم الاندلسي يحزم أمورا كثيرة وينكر بالدليل وبالتأصيل.
فهل ياترى كل هؤلاء من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الى أئمة المذاهب الأربعة كانوا يغتاب بعضهم بعضاً.
هل كل هؤلاء أكلوا من لحم مسموم، ما لكم كيف تحكمون؟!!
ولم يبق لنا الا القول المأثور المشهور : لحوم العلماء مسمومة ........
وهذا كلام لا ننكره ، فالعلماء ورثة الأنبياء، ولكن: هذا كلام مجتزأ من سياقه .... فدل على غير المراد.
ذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله في مقدمة كتابه تبيين كذب المفترى ( 1/29 ): وأعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم والتناول لأعراضهم بالزور والإفتراء مرتع وخيم.
قلت:فقد تبين للقاصي والداني أن القولة الشنعاء التي تنسب زورا وبهتانا للحافظ ابن عساكر هو منها براء.
فمراده رحمه الله واضح وضوح الشمس في رابعة النهار عمن نسب للعلماء شيئا ما قالوه، او افترى على أعراضهم بالزور والبهتان، والله المستعان.
وصلى الله على سيدنا محمد وصحبه والحمد لله رب العالمين.