الإسلام ثورة إصلاحية للفرد وللمجتمع!
27-02-2015 | عمرو سامي |
فإن الإصلاح الحقيقي الذي يمكن أن يُنشد لأمة من الأمم لا بد أن يراعي العوامل النظرية والتطبيقية لمطبقيه، من خلال حلول علاجية لإصلاح الروح والنفس والبدن، لإضفاء حالة مجتمعية تتصالح فيها النفوس فيما بينها لدفع عجلة التقدم، وتجعلها في مأمن من أي خلل قد يطرأ عليها، كما أنها تواكب البيئة التي دائما ما تتغير، وهذا الإصلاح لا تجده إلا في رسالة سماوية لم يأتها الباطل ولا التحريف ولا العبث البشري. http://majles.alukah.net/imgcache/2015/02/570.jpg
لا يشك أحد أن كل أمة من الأمم على مدار التاريخ كانت تنشد الإصلاح المجتمعي والروحي لأفرادها وبيئتها، لكن كثيرا ما كانت تزل أقدامها إلى نوع من الحضيض والإفلاس؛ لإتباعها مناهج ناقصة ومتنازع فيها، ولأن هذه المناهج لا تنفك بصورة أو بأخرى من مصلحة شخصية أو طبقية خاصة، أو أنها تقصر عن فهم طبيعة الإنسان وما يصلحه، وليس أدل على ذلك الكم الكبير من الانتقاد الموجه لتلك المناهج والنظريات وما طرأ عليها من تعديلات وتغييرات، بل ما حدث لكثير منها من اندثار وانتهاء.
فإن الإصلاح الحقيقي الذي يمكن أن يُنشد لأمة من الأمم لا بد أن يراعي العوامل النظرية والتطبيقية لمطبقيه، من خلال حلول علاجية لإصلاح الروح والنفس والبدن، لإضفاء حالة مجتمعية تتصالح فيها النفوس فيما بينها لدفع عجلة التقدم، وتجعلها في مأمن من أي خلل قد يطرأ عليها، كما أنها تواكب البيئة التي دائما ما تتغير، وهذا الإصلاح لا تجده إلا في رسالة سماوية لم يأتها الباطل ولا التحريف ولا العبث البشري.
دين يعلي من قيمة العقيدة الصحيحة الراسخة، ويتحرك من خلالها، يحترم قيمة إنتاج الفكر البشري في إطارها وازدهار العلوم على اختلاف موضوعاتها، فيدخلها في دائرة إصلاحية تنتفع بها الإنسانية كتحرير العقول من اسر مجرد التقليد الباطل إلى الاعتماد على الحجة والدليل والبرهان، دين يرفع من شأن العلم والحث على طلبه والسعي على إتقانه وتلقينه قدر المستطاع.
فالعلم والأخلاق داعمان من الدعائم الأساسية التي لا يستغنى عنها جميع البشر لإحداث أي طفرة تقدمية حقيقية؛ لأن أطوار التربية الأخلاقية في نظر الحضارات يمكن تحديدها بصورة إجمالية في كونها الوحدة الأساسية لبناء خير فرد وخير مجتمع وخير حضارة.
فعند التحدث عن أي مجتمع مهما بلغ تقدمه الحضاري أو بلغ ادني مستويات التفكير السلوكي لا يقاس إلا بالبنية الأساسية له وهو الفرد أو الإنسان الفعال في المجتمع.
"الإنسان عبارة عن مجموعة غرائز يتحكم فيها الجنس" هكذا اعتقد كثير من علماء النفس والاجتماع الغربيين، لكن الواقع الذي يشهد له التاريخ يؤكد أن الشعور الديني أصيل في نفسية الإنسان وطبيعته.
فعلى الرغم أن الإنسان بمكونه العقلي يتخيل ويفكر لكنه لا يمكن أن يستقل بمفرده -لان العقل كثيرا ما اثبت بالعلم نظريات ثم عاد فاثبت عكسها أو اثبت بطلانها- كما أن العلم لم يكن له أن يستقل بسلطة الشهوة الإنسانية والانحراف العقلي إلا إذا كان محصنا بسلطان الدين القويم والعقيدة الإيمانية الصلبة، لان العلم بطبيعة ماهيته لا يتعلق بضابط محدد إذ قد يكون خادما للإنسانية وقد يكون نقمة على البشرية.
كما أن العقل قديما عندما تخيل وفكر - بعيدا عن هداية الرسل - هداه تفكيره إلى مظهر منحرف من مظاهر العقيدة، فعبد الظواهر الطبيعية –كالقمر والشمس والكواكب- التي رأى فيها قوه لا يستطيع الغلبة عليها، ثم صنع بيده معبوده كالأوثان ثم قدسها واللهّا، ثم تطور عقله من خلال التبحر في العلم والفلسفة فاخترع الإله واعتقد فيه -كاله الظلمة واله النور-، واعتبر الحياة مادة خلقت بذاتها وطبيعتها فأنكر وجود الخالق وأنكر اليوم الأخر وما به من ثواب وعقاب بزعم انه من غير الممكن تصور وجود اليوم الأخر.
في حين أن العقل قاصر عن إدراك الغيبيات، بحيث لو انه سئل طفل في بطن أمه أن هناك حياة دنيوية خارج حياتك هذه لما أمكنه تصور ذلك أو تصديقه، مع أن ذلك حقيقة، وذلك لأنه لم ير هذه الحياة فلا يؤمن إلا بما رأى.
البشرية إذن بحاجة إلى لم لشمل العقيدة الصحيحة مع العلم الصائب والأخلاق الكريمة بحيث يكون ذلك على أساس معرفة تامة بالإنسان وعمقه وصفاته، وهذا هو بعينه ما جاء به الإسلام، فهدايته من ربه سبحانه الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه، وهو الدين الأمثل الذي جمع بين تلك الخيرات كلها.
إن مظاهر الإبداع الكوني لتتحدث أن الحياة بدون الإيمان تكون موحشة خالية من الأمن، كما أن الإنسان لم يكن غرائز فحسب ولم يكن عقلا فحسب بل هو عبارة عن جسد وروح ونفس ومجموعة من الغرائز والطباع، لكل من هذه النواحي متطلباتها وضرورياتها فالدين ضرورة إنسانية لتنظيم علاقة الإنسان بخالقة وعلاقته بمن حوله لحل مشكلات الإنسان من وقايته من الأمراض الناتجة عن الخوف والقلق والحسد وانعدام الأمن.
ضروري لتهذيب الغرائز والطبائع والحيلولة بين النفس الأمارة بالسوء وبين الشرور، ضروري للعقل أن يهتدي بالدين ليرشده وليقوده إلى النفع والخير وليجعله يعمل بقوة العلم لمعرفة ربه لينتج معارف أخلاقية توجيهية يسعد بها الفرد والمجتمع.
ضروري ليحقق المرء الراحة النفسية بالإيمان والطمأنينة بالعدل والشعور بالكرامة على أسس من المساواة، لذلك تجد القران ليتحدث عن كل هذا في الفطرة الإنسانية المستقيمة فيقول تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30]، ويقول تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) [المائدة: 15]، ويقول تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ([ال عمران: 19].
فالإسلام رسالة علم وهدى وإيمان داعم للنهضة والرقى والإسعاد، وهذا الذي يؤكده منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان يأتي العلم فيشهد بما جاء به القران من علم كوني وإنساني، لذلك تجد أن الإسلام ثورة إصلاحية بدأت بعوامل الفرد في المجتمع لتنتج مجتمعا متعلما سويا ذا عدل ومساواة، فخرج برجال لم تعرف الحياة لهم مثيلا فثاروا على المفاسد والشرور والانحلال، فكونوا مجتمعا قويا في أعماله وأخلاقه وتصرفاته، فكانت قوتهم نابعة من الإيمان بالخالق وقوة عقيدتهم لا من قوة سيفهم، ودهاء مخططهم لا بذكاء مكرهم، فبسلاح إيمانهم كان النصر ألزم لهم من ظلهم، وبعتاد وعدد قليل هزموا جحافل الفرس والروم، فبقوة عقيدتهم خلقت منهم أبطال وبطولات وجعلتهم لا يوالون الأدبار وجعلتهم أمثله عليا للاقتداء.
يتمسكون بأخلاقيات إسلامية مثالية تبعدهم في حال سلمهم عن الظلم والشرور، وتبعدهم في حال حربهم وانتصارهم عن الغرور وظلم أعدائهم أو التمثيل بقتلاهم أو تعذيب أسراهم مع المحافظة على إنسانيتهم وكرامتهم وأعراضهم وأعراض عدوهم، كما شمل الإسلام بنظرته الإصلاحية السياسة الخارجية، فاتجه فيها بين رفق وحزم، فأذن في الحرب متى صادمه الشر، وأذن في السلم متى سالمه الشر، وقرر للحرب آدابا تخفف من وطأة شدتها، وأذن في عقد المعاهدات على وفق المصلحة العامة، كما حث على الوفاء بالعهد وعدم البدء بمبادأة القتال مع العدو فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناسلا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) [صحيح البخاري: 2861].
لذلك تجد الإسلام ينتقل بذاته كالضوء فتتعلق به الأنفس المتعطشة للعقيدة، فينتشر الإسلام في أكثر بقاع الأرض في أقل مما يتصور المرء من زمن، فيعتنقه أبناء الفرس والروم وغيرهم ممن حاربوا الإسلام على جهالة، وعندما تبين لهم الإسلام لم يجدوا وسعا في الدخول فيه والإيمان به، فنجده يحول الناس من تائهين بلا هداية إلى حكماء يهدون إلى صراط سوي ومن برابرة يدمرون الحضارات والتراث إلى قادة فاتحين، يصنعون تاريخ الحضارة الإنسانية الجديدة.
كما أن الشريعة الإسلامية بما فيها من سماحة وموافقة للفطرة وصلاحية لكل زمان ومكان تستطيع أن تمتص وتحتوى كل جديد وأي تطور حضاري لتقول فيه كلمتها وتعطيه حكمها.
فتراعي مصالح الناس "فحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله"، فبمرونتها ومسايرتها للتطور تعتبر كل جديد يحقق مصلحة الناس ويرفع عنهم الضير والحرج والأغلال ولا يعارض نصا صريحا من نصوصها تعتبر ذلك له مباحا.
فكانت مدا ومددا بلا حد، وانطلاقا بلا انطواء، كيف لا وهي التي قامت على أساس رسالة سماوية، أسس تعاليمها مأخوذة من القران الكريم ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعماله، فتميزت بعمرها الطويل لشدة تمسكها بوحيها المعصوم المساير لجميع الأزمان، وتمثلها وهضمها للخلاصات السوية من ثمرات الحضارات الإنسانية السالفة، وتلاقيها الكامل مع الفطرة الإنسانية، وقابليتها للنماء والتكيف مع الفطرة الإنسانية في الرقي والتطلع نحو الأمثل.
|